|
الإنسان والشيطان أمام الله
ميشيل نجيب
كاتب نقدى
(Michael Nagib)
الحوار المتمدن-العدد: 7057 - 2021 / 10 / 25 - 18:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى كلامى دائماً أحاول أن يكون بسيطاً حتى تصل الفكرة للقارئ ويضفى عليها تصوراته الخاصة ليخرج بفكرة أو أفكار تتوافق مع أفكاره ونوعية ثقافته، ومدى نظرته لها سواء يعتبرها مجرد كلام ساذج أو كلام منطقى أو أنه كلام والسلام، وكل قارئ طبعاً حر فى تقديراته، واليوم سأضع الثلاثى: الإنسان والله والشيطان لنضعهم تحت عدسات العيون العقلية، حتى تكون ملاحظتنا منطقية تحتكم للعقل وليس للغيب. حسب كتب الله الدينية أتوقف أمام أتهام للإله الذى يسرد لنا قصته مع خلق آدم وحواء ثم الشيطان، وقضية الإتهام هى إصداره أحكام غير منطقية غير عادلة ولاتتطابق مع الحق إلا أنها تبرهن على صفاته كونه إله شرير فقط، لذلك نتيجة لخطأ تلك الأحكام نستطيع إكتشاف أنها قصة خرافية تنتمى لكتب الأساطير ولا يوجد شئ أسمه الغيب حتى أنسب الله وقصصه إليه، لأننا أمام قصة أبطالها ثلاثة هما الله والإنسان والشيطان لكننا بعد تفصيل أحداث وقائع القصة سنصل إلى نتيجة وليس أستنتاج بل ستواجهنا حقيقة كبيرة تضئ لنا جو الظلمة الذى عشنا فيه وعليه، تلك الحقيقة هى أن الثلاثة ليسوا ثلاثة بل واحد فقط، كيف؟
القصة بكل بساطة تروى أن الله كان بمفرده ومعه الملائكة وبينهم الشيطان كما هو مكتوب فى الكتب الإلهية، وقرر الله خلق الإنسان ثم أغواهم الشيطان وسقطوا فى الخطية وطرد الله الإنسان من الجنة والشيطان كذلك، وهناك تفاصيل أخرى لن أخوض فيها حتى لا نخرج عن قضيتنا، وعقاباً على ما حدث لعن الله الشيطان ووضع عداوة بينه وبين الإنسان ونسله، أما الإنسان فخلاصة العقوبات لآدم وحواء أن الإنسان " بعرق جبينه يأكل خبزه إلى أن يعود إلى الأرض التى أخذه منها لأنه تراب وإلى تراب يعود"، وحسب سفر التكوين بالتوراة أى العهد القديم ومات آدم عن عمر 930 سنة أما أكبر إنسان عاش لسنين طويلة كان متوشالح مات بعمر 969 سنة، وتدريجياً تناقصت الأعمار حتى وصلت اليوم إلى مائة سنة أو أكثر بضع سنوات.
طبعاً لاحظنا الأحكام الجائرة بحق الإنسان الذى طرده الله من الجنة ليزرع الأرض ويسكنها هو ونسله من بعده، لأنه سيموت أى سيتحلل جسده إلى تراب وإلى التراب يعود كما وعده الله، لكن الشيطان سواءأغوى الإنسان أو رفض السجود لآدم فالنتيجة كانت واحدة أى الطرد من محضر الله لكن لم يحكم عليه بالموت مثل الإنسان بل تركه حراً حتى يوم القيامة أو يوم الدين أو الحساب، ولم يكتفى الله بذلك بل أعطى الشيطان السلطان أن يغوى البشرية بأرتكاب الشر، ويملئ الله جهنم من الفاسدين والظالمين والعاصين الذين رفضوا عبادته والإيمان به، وبذلك يثبت لنا الله أنه إله شرير يصنع الشر كما رأينا فى ماضى الإنسانية وأوكل للشيطان قضية إيقاع البشرية فى الخطية والشر.
لو تخيلنا المشاهد السابقة من زاوية أخرى سنرى الله كان وحيداً يمشى فى الجنة لا يشغله شاغل ولا عمل، ويقرر أن يضع الخطة العالمية حتى يشغل نفسه بأعمال كثيرة، أن يخلق الإنسان ويجعله يخطئ عن طريق الشيطان كما أغوى الله الشيطان الذى كان قبلاً ملاك وطلب منه السجود لآدم والشئ الطبيعى أن يسأل الملاك العاقل نفسه: هل عدالة الله تسمح بأن تسجد الخليقة النورانية للإنسان الخليقة الترابية؟ لا إنه شئ مضاد للعقل والمنطق وطلب شاذ ليس له محل من الإعراب، لأنه طلب لا يستفيد منه الملائكة ولا الإنسان بشئ لأنه لن يغير من طبيعة الملائكة ولا من طبيعة الإنسان، لكنه طلب مقصود به عمل الشر وتحقيق غرض معين لله وهو تحويل الملاك إلى شيطان حتى تكتمل معالم الخطة الغلهية العالمية.
بالفعل أكتمل المشهد العام ونستطيع الآن فهم أن القضة من البداية كان الله يستطيع إنهائها بغفرانه لآدم كما حدث، وبدلاً من طرده من الجنة يعطيه فرصة أخرى ليثت فيها توبته الحقيقية ولا داعى لموضوع الأكل من الشجرة التى هى الآخرى مجرد سبب لإيقاع آدم فى الخطية أى عدم طاعة الله، وعملية أختلاق الله أسباب لإيقاع الشيطان ثم أدم كان الهدف منها أن بجعل للشيطان عمل جديد وهو غواية البشر بعمل الشر، وقيام البشر بأرتكاب الشر حتى يعاقبهم بالنار الأبدية فى جهنم ويتلذذ بمشاهد التعذيب الغير إنسانية المبالغ فيها، والتى لا تتفق وطبيعة الله المفروض فيها الغفران والرحمة والمحبة والرأفة وكل الصفات الفاضلة والكريمة.
بدون أستنتاج نفهم من سياق العرض السابق الله ليس فى حاجة إلى الشيطان لأنه قادر على القيام بعمله حيث مارسه ضد البشرية منذ نشأتها الأولى، فتفضيل الله حسب القصة لذبيحة هابيل ورفض ذبيحة قايين كانت نتيجتها قيام قايين بقتل أخيه هابيل، ليتواصل مسلسل القتل وسفك الدماء والصراعات المستمرة بين القبائل والشعوب المختلفة ويواصل الله هذا سياسته الشريرة فى تفضيل بنى إسرائيل على بقية البشرية رغم رفضهم به أكثر من مرة والإبتعاد عن عبادته بل وعبدوا العجل فى عهد موسى، وهنا نرى تناقض الله مع نفسه فى غفرانه المتكرر لبنى إسرائيل على خطاياهم بل والدفاع عنهم والحرب معهم ضد أعدائهم، فى الوقت الذى غفر لآدم مرة واحدة لكنه عاقبه بالطرد من الجنة والموت بعد فترة من السنين حددها الله بينما الشيطان أخذ صك غفران مفتوح يعيش كما يشاء ويرتكب الشر كما يشاء.
رأينا إلى الآن أن ألله يصنع الشر والشيطان يصنع الشر والإنسان يصنع الشر ومعنى هذا أن الثلاثة أبطال الرواية الإلهية أشرار!!! هنا وصلنا إلى عقدة القصة أو الرواية وحبكتها البشرية ونسأل أنفسنا: لما يكون الله والشيطان والإنسان أشرار هل يعنى هذا أنها قصة غير حقيقية أبطاله غير حقيقيين؟؟؟ أجيب بنعم وكما أكتشف الكثيرين من التنويريين الذين أستخدموا نعمة العقل وتفكروا فى تلك الروايات الإلهية التى قدسها الإنسان، وعرفوا أن الأديان صناعة بشرية وأول هؤلاء كان يزيد بن أبى سفيان الذى قال: لعبت هاشم بالملك فلا ملك جاء ولا وحي نزل، وقد أورد هذا البيت وتلك القصيدة الكثيرين ممن أكتشفوا زيف الأديان وأوردها الدكتور فرج فودة فى كتابه: الحقيقة الغائبة وغيره الكثيرين، إذا كانت كتب الاديان بشرية أى كتبها بشر وصاغوا قصصها حسب البيئة الذين عاشوا فيها، إذن الله لم يرسل أى وحى ولا أى كتب منذ اليهودية وحتى اليوم؟؟ نعم وللأسف لأن أستغلال رجال الأديان لبراءة وجهل وسذاجة البشر فى تعليمهم لعقائد وقصص خرافية كلها منقولة من الكتب التى قبلها، فاليهود كتبوا كتبهم قبل وأثناء وبعد السبى البابلى ومن قصص التوراة إلى المسيحية ثم إلى الإسلام، ومن يشك فى ذلك عليه مقارنة كل قصة بشواهدها ومثيلتها فى التوراة وسيجها طبق الأصل مع تغيير فى اللغة النثرية أو غيرها.
يعنى كل هذا الصراخ اليومى والطقوس الدينية بمختلف أنواعها وأعيادهم وصلواتهم وعباداتهم كانت لإله غيبى بعنى لا وجود له إلا فى رأس الذين كتبوا وأبدعوا فى صياغة رسائل قالوا أنها نزلت من السماء؟؟ يعنى الأديان الثلاثة كتبهم مكتوبة بأيدى البشر؟؟؟ أجبت نعم وألف نعم وكلام صحيح، القضية أصبحت جدية وتعقدت أكثر، لماذا؟ لأنه لو كانت الكتب ليست من الله والله نفسه لا وجود له ولا يعلم بوجوده إنسان بل مجرد خيال وأحلام بشر، معنى ذلك الله مجرد بدعة إذن الشيطان لا وجود له ومجرد بدعة ايضاً وإله الخير سبق أن قلت لا وجود له ولا أى دليل على هذا الخير، لأننا منذ بدء الخليقة وكل الأشياء كما هى لم تزيد شيئاً من أرض وصحراء وبحار وأنهار والفضاء الخارجى الذى تسبح فيه النجوم والكواكب وكلها أشياء ثابتة، إلا أفعال وأعمال البشر سواء كانت خيراً من تعمير الصحارى وزرع الأراضى وحصاد أنتاجها ليأكل منها البشر، إلى جانب العلوم التى ظهرت وأستفاد منها الإنسان وأستطاع ملئ الأرض بالكثير من مخترعاته بل ومن غيرها لا يستطيع الإنسان الأستغناء عنها أو العيش بدونها مثل السيارات والقطارات والطائرات وسفن الفضاء وغير ذلك كثير. لكنه فى الوقت نفسه ومنذ ظهور الأديان والصراعات والحروب والغزوات بين البشر على أسس دينية زادت وأشتعلت أكثر...
نلخص ما سبق فى الآتى: الله والشيطان لا وجود لها إلا فى الخيال الإنسانى وقبل ظهورهم بآلاف السنين كانت الشعوب البدائية تعبد آلهة مختلفة، أى أن موضوع البحث عن إله ليتم تقديسه وعبادته ليس شيئاً يقتصر أو حكراً على الأديان الثلاثة أو على الله والشيطان، بل ولدينا الكثير من الأدلة التاريخية الموجودة حتى وقتنا هذا التى يظهر فيها الفراعنة والبابليين والسومريين وغيرهم من أصحاب الحضارات فى منحوتات أو كتابات تروى لنا نفس الأعتقادات التى نسختها الشعوب العبرانية، ثم نسختها آخر ديانة والتوراة والترجوم وأسفار العهد القديم موجودة وكلها تشهد على أنها أصل الديانات الأخرى المسماة سماوية.
أخيراً كما ختمت المقال السابق فالإنسان واحد فقط والحل ليس فى أيدى أشياء أو كتب أو عقائد غيبية، بل الإنسان هو الحل، ولا حل بدون أو بغير الإنسان.
#ميشيل_نجيب (هاشتاغ)
Michael_Nagib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الله ليس هو الحل
-
التنوير وإزدراء الأديان هو الحل
-
بؤساء الحداثة والتراث
-
وين الملايين يا لبنان
-
الكتابة على أمواج الإسلام الملتهبة
-
سقطت السياسة وعاشت كورونا
-
عالمنا واحد قبل وبعد كورونا
-
السماء التى لا وجود لها
-
الله أم صورة الله البشرية؟
-
الله يكذب قصصه السحرية
-
تعرية الله من الألوهية
-
معجزة الله السحر مثل البشر المشعوذين
-
ذنوب الله وإنكارها
-
الله لا ينسى لكنها أخطاء
-
نسيان الله الإنسانى
-
تهافت سحر رب العالمين
-
الله الرب الساحر
-
الوداع يا الله
-
هزيمة الله وأنتصار كورونا
-
كورونا يُقَيِّد أيدى الله
المزيد.....
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في
...
-
الجنائية الدولية تحكم بالسجن 10 سنوات على جهادي مالي كان رئي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|