آدم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 7057 - 2021 / 10 / 25 - 14:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من أجل ديمومة تبعية حلفاء أمريكا لها لابد من وجود عدو يشكل خطرا مستمرا على هؤلاء الحلفاء يجبرهم على الاعتماد عليها و اتخاذها حصنا منيعا لهم لمواجهة هذا العدو .
فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية و الولايات المتحدة الأمريكية تبحث دائما عن عدو جديد لها و لحلفائها , فكان المعسكر الاشتراكي الذي يقوده الاتحاد السوفيتي السابق هو العدو الأبرز أمام المعسكر الغربي فاختارته امريكا و جندتْ لمحاربته كل إمكانياتها الاقتصادية و العسكرية و المخابراتية و قدراتها الواسعة في تكييف و توظيف الأعلام الغربي لصالحها للصق صفات الشر و الخطورة على مستقبلها و مستقبل حلفائها و ديمقراطيتهم من هذا العدو .
لقد نجحتْ أمريكا خلال الحرب الباردة في جعل تلك الحرب أداة لخلق تحالف واسع حولها و لتكون هي محور ذلك التحالف و قائدته و الذي اسمته حلف الناتو , ليس هذا فقط بل تم ربط هذا الحلف بعلاقة شراكة واسعة النطاق مع كل القوى الرجعية في العالم و النتيجة كانت انتصارا كبيرا لأمريكا و حلفائها و انهيارا شاملا للمعسكر الاشتراكي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي .
تفكك الاتحاد السوفيتي و اصبح يوصف بالسابق لأنه صار من الماضي و بذلك تمكنت أمريكا من خلال هذا الانتصار توسيع هيمنتها على مقدرات دول و شعوب العالم .
بعد انتهاء الحرب الباردة و تحول العالم الى عالم احادي القطبية بحثت أمريكا من جديد عن عدو جديد لتجعل منه مبررا جديدا لتماسك حلفائها حولها و خصوصا دول حلف الناتو .
فمن أجل أن تبقى الدول الغربية تحت الوصاية الأمريكية لابد من وجود سبب كافي لذلك , لكنها لم تجد في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ما يمكن أن يكون عدوا سوى ما اسمته حينها بمحور الشر ليكون العدو البديل , و قد تَشَكَلَ محور الشر افتراضيا من الثلاثي , كوريا الشمالية الشيوعية , ايران الإسلاموية بعد نجاح الثورة الإيرانية التي قادها الخميني و العراق الذي اصبح تحت السلطة الاستبدادية المطلقة لصدام حسين .
لم يكن بين أنظمة دول المحور الثلاثي , كوريا الشمالية و ايران و العراق اية مشتركات ذات قيمة أو دافع لتشكيل محور , و قد يكون العكس هو الصحيح , و مع ذلك اصرت امريكا على اعتبارهم يشكلون محورا .
كان كل ما تريده امريكا تستطيع صنعه اعلاميا , فصار في الأعلام الغربي المحور الثلاثي ( كوريا الشمالية - ايران - العراق ) و كأنه عدو حقيقي لأمريكا و لحلفائها و ليس عدو افتراضي صنعه الأعلام الأمريكي .... !
لم يكن ذلك المحور الثلاثي عدوا كافيا للإبقاء على تماسك حلفاء امريكا حولها لكنه كان افضل من لا شيء , من لا عدو ...! لذلك اجتهد خبراء السياسة الاستراتيجية في الدولة العميقة في أمريكا لإيجاد مصدرا جديدا يمكن منه خلق عدوا جديدا اكثر أهمية و أكبر حجما فوجدوا فرصة كبيرة في أن تكون موضوعة الصراع بين الحضارات هي المصدر الغني الذي منه يمكن خلق العدو البديل بالحجم و المواصفات الأمريكية المطلوبة ...!
تحركت الماكنة الإعلامية الأمريكية و أذرعها الأخطبوطية المنتشرة في العالم في الحديث عن إن الصراع في العالم هو ليس بين أنظمة اقتصادية متناقضة , أو بين دول مستعمِرة ( بكسر الميم ) و دول مستعمَرة ( بفتح الميم ) و لا هو صراع مصالح بين كيانات اقتصادية دولية و انما الأمر هو مجرد صراع بين أمم ذات جذور حضارية متناقضة ...!
كتبَ التحديثيون عن ضرورة الحوار بين الحضارات لتبادل المعرفة الحضارية بينها فجاءهم الرد سريعا من الحداثيون و بتناغم مع الغرب و انبهارا بثقافته ليعلنوا بدأ عصر الصدام بين الحضارات ...!
استمر قادة الفكر الأمريكي المهيمنين على الدولة الأمريكية و سياستها الاستراتيجية في البحث في صفحات الصراع بين الحضارات عن عدو بديل قوي التأثير واسع النطاق فوجدوا في الإسلاموية ضالتهم فأمسكوا بها , في تلك المرحلة , أصبحت لدي الدولة العميقة في أمريكا القناعة التامة من إمكانية خلق عدو من الأسلاموية بالمواصفات المطلوبة اذا احسنوا ادارة تشكيل هذا العدو الجديد و احدى سبل هذا التشكيل تتم من خلال تعميق الصراع بين الحضارة الغربية و الحضارة الشرقية الإسلامية و تنمية نقاط التطرف لدى جانبي الصراع .
و جاء اعتداء 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية ليعزز الرغبة الأميركة و يغذيها في خلق عدو يلبي متطلباتها , و قد كان لهذا الحدث أكثر من وجه , وجه يبدو و كانه مجرد رد فعل بسبب الشعور بالإهانة و الظلم الغربي المستمر لشعوب الدول الإسلامية و وجه ثاني و كأنه فعل نتيجة استيقاظ العنصر المتطرف في الفكر الإسلاموي و وجه ثالث هو تزاوج بين هذا الفعل و رد الفعل .
و أطلقت أمريكا صرختها الشهيرة ( من ليس معنا فهو ضدنا ) فهرولت الكثير من الدول لتصطف خلفها و أول المصطفين كانت دول حلف الناتو حيث باشرت امريكا و حلفائها و شركائها في حرب شاملة على ما اسموها ( الحرب على الإرهاب الأسلاموي ) و كانت أولى صفحات تلك الحرب هو الاحتلال الأمريكي الناتوي لأفغانستان , حيث اعتبرت امريكا دولة افغانستان التي كانت تعيش حالة من الفقر و البؤس و التمزق و الاقتتال الداخلي هي المركز الرئيسي و المنطلق الأكبر لخطر الإرهاب الإسلاموي العالمي الذي يهدد الغرب بأسره رغم انه ليس من بين منفذي اعتداء 11 سبتمبر اي مواطن افغاني .... ! و لم يكن لشعب افغانستان ذنبا في ما حصل حتى و إن ادار بن لادن ذلك الاعتداء عن بُعُدْ من داخل احدى مقراته السرية في كهوف أفغانستان , تلك الكهوف التي كان بن لادن يتلقى فيها المساعدات من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حين كان حليفا لأمريكا اثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان .
لقد كانت الحجة و الغرض الأمريكي المُعْلنْ لاحتلال أفغانستان هي القضاء على بن لادن و جماعته , لذا كان احتلال أفغانستان اشبه بمن أرد قتل ذبابة تقف على رأس حصان فرماها بطلق ناري , قتلَ الحصانْ و طارتْ الذبابة , بالنسبة لأمريكا لم يهمها مصير الحصان و ظلوا يطاردون الذبابة حتى قتلوها بعد عشر سنوات في بلد آخر هو باكستان .
بعد الاحتلال الأمريكي الناتوي لأفغانستان استمر الهجوم الأمريكي و تم احتلال العراق بحجج لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب و قد وضعت امريكا في زمن حربها المفتوحة على الأسلاموية دولا أخرى على لائحة الانتظار لاحتلال أمريكي قادم .
مع مرور السنين أخذت الحرب على الإسلاموية تفقد بريقها , و لكي يبقى هنالك تحالف مرتبط بأمريكا تقوده كيفما تشاء أمتد نظرها الى الشرق حيث لاح في الأفق قوة اقتصادية و عسكرية و تكنولوجية و علمية صاعدة هي الصين , فوقع الاختيار هذه المرة على الصين لتكون هي العدو الجديد البديل ... !
و هكذا باشرت أمريكا بالرحيل عن مناطق المواجهة مع الأسلاموية و التوجه صوب بحر الصين الجنوبي ...!
لقد كان انسحاب أمريكا من افغانستان و توجهها السريع صوب بحر الصين الجنوبي عبارة عن هروب غير منظم مما افقدها ثقة حلفائها في الناتو بها , لذلك باشرت أمريكا في إنشاء نواة لحلف جديد اسمه اوكوس يتشكل من دول أقل اعتراضا من بعض دول حلف الناتو و أكثر انصياعا للإرادة الأمريكية هما بريطانيا و استراليا مع استمرار محاولاتها في ترميم حلف الناتو ليكون لديها بدل العدو الواحد عدوين هما الصين و روسيا , حلف الناتو لمواجهة العدو الروسي و حلف اوكوس لمواجهة العدو الصيني .
لكن ... كل المؤشرات على الساحة الدولية تدل على إن العالم متجه لأن يكون عالم متعدد الأقطاب , و رغم إن هذا الانتقال الى عالم تتكاثر فيه الأقطاب يسير بشكل تدريجي و بطيء إلا انه انتقال رصين و حتمي .
لا شك إن تحول العالم الى عالم متعدد القطاب سينهي الهيمنة الأمريكية حتى على حلفائها السابقين الأعضاء في حلف الناتو و ستجد أمريكا نفسها مضطرة لأن تكون أكثر واقعية في التعامل مع الدول و أن تكف عن خلق اعداء لها .
#آدم_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟