|
ثقافة الحجاب والوعى الزائف للمرأة
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7052 - 2021 / 10 / 19 - 01:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ثقافة الحجاب .. والوعى الزائف للمرأة --------------------------------------------- تتميز فترات التحول التاريخى التى تمر بها المجتمعات ( مثل الفترة التى نعاصرها الآن ) بتزايد الأزمات السياسية والاقتصادية ، وتصارع التيارات الثقافية متعددة الاتجاهات . بعض هذه التيارات يستمد أطروحاته من الماضى والتراث ، فى مقابل تيارات أخرى ، تتخذ من العقل الناقد المبدع ، أداة ومنهجاً ، ينقى الحاضر من تشوهاته ، ويدعم المستقبل بآليات التقدم والرقى الإنسانى . فى ظل هذه الصراعات وتلك الأزمات ، يدفع المجتمع بأسره – رجاله ونسائه – الثمن . ولكن المرأة ، ولأسباب تاريخية جعلتها الجنس الأضعف اجتماعياً وسياسياً تدفع الثمن مضاعفاً . وكما هو معروف تاريخياً ، أن فى وقت الأزمات والصراعات ، يكون النساء والفقراء والأقليات ، والمهمشون أول الضحايا . وبالنسبة للمرأة فهى تتلقى الضربات تلو الضربات ، فتتحول إلى كبش الفداء لدى أصحاب الفكر المتزمت المتأسلم ، الذين يستخدمون أو يختارون أكثر التفسيرات رجعية ، وعنصرية ، للنصوص الدينية . الأمر الذى أدى إلى تغييب وعى المرأة المصرية ، وعدم إدراكها للأسباب والدوافع الحقيقية وراء ما تسلكه من تصرفات . وخير مثال على ذلك هو ارتداء المرأة المصرية للحجاب ، الذى انتشر انتشاراً واسعاً فى الآنة الأخيرة ، منذ منتصف السبعينيات للقرن الماضى وحتى الآن . إن المرأة المصرية تتوهم أن إرتدائها للحجاب هو بمثابة " الاختيار الحر " ، فنجد أن كثيرا من المحجبات يرددن ، أن إرتدائهم له ، هو قناعة شخصية ، ومن قبيل اختيار نابع من إرادتهن الحرة . إن إرتداء المرأة للحجاب ، ليس اختياراً شخصياً كما تزعم ، بل أرغمت على إرتدائه ، وهى فى حالة من التخدير الفكرى ، وفى حالة من غياب للوعى الحقيقى ، بالعوامل والأسباب الجوهرية التى تكمن وراء هذه الظاهرة . إنه بنظرة فاحصة ومتأملة لفترة السبعينيات – من القرن الماضى – وحتى الآن ، سنجد أن هناك عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية ، قد ساهمت بقدر كبير فى ولادة هذه الظاهرة ، ثم انتشارها بهذا الشكل الذى نراه الآن . وأهم هذه العوامل هو العامل السياسى ، لقد أراد السادات التخلص من خصومه – والتى يمثلها التيار الشيوعى والاشتراكى – فأطلق العنان للتيار الإسلامى كى يقوم بهذه المهمة . وأشاع مناخاً إسلامياً شكلياً ، فأطلق على نفسه الرئيس المؤمن ، وأفرد للإسلاميين مساحات عريضة فى وسائل الاعلام ، خاصة المرئية . وكان التليفزيون هو الوسيلة السحرية والفعالة لتشكيل العقل المصرى ، وصبغه بصبغة دينية شكلية ، ومن ثم قولبته وتزييف وعيه ، بحيث ينصرف عن الاهتمام بالقضايا الجوهرية إلى القضايا الشكلية . فكان التركيز على تحجب المرأة ، وكانت ظاهرة " الشيخ الشعراوى " ، وبدأت بعض الفنانات بإرتداء الحجاب واعتزال الفن ، وظهرت شركات توظيف الأموال . فى ظل هذا المناخ انتعشت التيارات الإسلامية الأصولية المتطرفة ، وخاصة فى الأحياء الفقيرة والعشوائية ، وأصبح شغلها الشاغل ، الدعوة لإرتداء المرأة للحجاب . بل تجاوزت ذلك الدعوة لإرتداء النقاب ، والقعود فى البيت ، الا للضرورة القصوى . إن هذه التيارات تتبنى شكلاً من أشكال الوصاية على المرأة ، فهى ترسم لها خطواتها ، وتتدخل فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتها من الميلاد وحتى الموت . إنها تنظر إلى المرأة كجسد يثير الفتنة ، ويلهب الغرائز. المرأة فى نظرهم كائن من الدرجة الثانية ، فهى ناقصة عقلاً وديناً ، نجسة الجسد ، والروح ، ولا ترقى إلى مرتبة الرجل ، الطاهر ، والذى يتميز برجاحة العقل وحسن التمييز. إن هذه النظرة إلى المرأة تعبر عن التوجه الذكورى ، الذى أفرزه المجتمع الأبوى ، وهى بهذه الرؤية تحط من قدر المرأة وتختزلها فى صورة جسد ، وهيئة شيطان . إن قناعة المرأة بإرتداء الحجاب ، ما هو إلا موافقة ضمنية على أنها جسد ، يغطى لحماية الشهوات المنفلتة للرجال . لقد بالغ التيار الإسلامى الأصولى ، فى وجوب إرتداء المرأة للحجاب لدرجة أن البعض قد ادعى أنه فريضة كالصلاة والصوم ، وبالتالى أصبح للإسلام ستة فرائض ، بدلاً من خمسة ، كما يعرف الجميع . لقد روج هذا التيار لظاهرة الحجاب ، باستخدام تنويعات مختلفة من الثواب والعقاب ، فالمرأة المحجبة فى الجنة ، أما غير المحجبة فهى فى النار . ولقد ساهمت التفسيرات المتطرفة المتزمتة فى تزايد ظاهرة الحجاب ، ومع تزايد واستفحال هذا الفكر ، لم يسلم السادات من أن تطاله نيران التطرف ، فكان قتله على أيدى التيار الذى أحياه وروج له . إننا إذا تأملنا فترة ما قبل السبعينيات وأثناء حكم عبد الناصر ، سنجد أن ظاهرة الحجاب هذه لم تكن موجودة . فالإسلاميون آنذاك كانوا منزوعى الأظافر والأنياب ، ولم يكن لهم أى سطوة . وهذا يدلل على أن التوجهات السياسية لكل حاكم ، هى التى تتدخل فى كل شىء حتى فى شكل الملبس الذى ترتديه النساء . ولنا أن نتأمل زى النساء ، قبل وبعد الخمينى فى إيران . أما العامل الثانى فيتمثل فى العامل الاقتصادى ، ففى ظل الانفتاح الاستهلاكى انتشر الفقر بين الفئات العريضة فى المجتمع المصرى ، وتزايدت البطالة ، فكانت دعوة التيارات الإسلامية المتطرفة بعودة المرأة إلى المنزل و إفساح المجال للرجل كى يحل محلها فى سوق العمل ، وانتشرت الأفكار الإسلامية التى تدعو إلى نبذ الحياة الدنيا الزائلة ، فى مقابل التمسك بالحياة الأخرى . ومع هذا المناخ الاقتصادى الضاغط ونتيجة للاحباط والعجز عن تغيير أو تحسين هذا الواقع ، احتمت المرأة بالحجاب كميكانيزم دفاع ، فى مواجهة الضغوط الاقتصادية من حولها . إن الدليل الواضح على أن الضغوط الاقتصادية قد ساعدت على ارتداء المرأة المصرية للحجاب ، هو انتشاره بدرجة كبيرة فى الأحياء الشعبية الفقيرة ، وفى العشوائيات ، مثل امبابة ، وعدم انتشاره بالصورة نفسها ، فى الأحياء التى تتمتع بمستوى اقتصادى مرتفع ، كالزمالك ومصر الجديدة . والعامل الثالث يتمثل فى العامل الاجتماعى ، والذى يعبر عنه خير تعبير ، ما يمكن أن يطلق عليه " سيكولوجية القطيع " . فمعظم المجتمع المصرى إنحاز إلى الحجاب ، فأصبحت القلة القليلة من النساء غير المحجبات ، تبدو وكأنها شاذة ، ومع كافة الضغوط الاجتماعية ، المباشرة وغير المباشرة ، التى تم ممارستها على المرأة غير المحجبة من خلال الأسرة والعمل ، وتحرش الرجال فى الشارع المصرى ، أجبرت هذه الفئة القليلة من النساء على ارتداء الحجاب ، مفضلة نعمة الانضمام إلى القطيع ، على حالة الحصار اليومى المتمثل ، فى الهجوم والانتقادات التى تواجهها المرأة فى كل مكان تذهب إليه . إن المحصلة النهائية لهذه العوامل الثلاثة ، كان انحياز المرأة والمجتمع بأسره لإرتداء الحجاب ، بينما يقوم هذا التوجه وهذا الانحياز فى حقيقته ، على أرضية من الوعى الزائف جعلت المجتمع عامة ، والمرأة خاصة ، تظن أنها تختار بإرادتها الحرة . ولكن فى الحقيقة ليس هذا الاختيار إلا وهماً . وأقول أن الحجاب بهذا الانتشار ، لم يعد مجرد " زى " ، وإنما " ثقافة " ، لها مفرداتها وأهدافها ، والأوتار الحساسة التى تلعب عليها . بعض الناس ، يهاجمون الحجاب ، باعتباره زياً فقط . لكننا فى الحقيقة ، لابد أن نواجهه بشكل أكثر عمقاً وجذرية ، باعتباره " ثقافة " و " منظومة " متكاملة ، و" رمزا " سياسيا ، يعبر عن كل أطياف الفكر الاسلامى الاخوانى أو السلفى ، تمهيدا للحكم الدينى . من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002 -----------------------------------------------------------------------------
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- ثقافة القبح - تفسد حقوق المواطنة
-
متى ندفع الثمن لنستحق الديمقراطية أو العدالة أو الحرية ؟؟
-
مروجو الفتاوى واحتلال الاسلام الشكلى الخليجى والأفغانى لمسلم
...
-
مجهولو النسب .. ضحايا غياب العدالة
-
للزوجات فقط .. نصائح للسعادة الزوجية منتهية الصلاحية
-
تطبيق الشريعة الاسلامية فى بلاد الأمريكان
-
الشرط الأوسط .. الشرع الأوسط .. الشرخ الأوسط الجديد ؟؟!!
-
النقاب أهو معركتنا الجديدة ؟؟؟؟.
-
اختلاف الفقهاء ليس رحمة ولكن تخبط
-
تنويعات على لحن الصمت العربى
-
الفكر الوهًابى الارهابى يجتاح مدارسنا
-
- أمى - وأنا فى مجتمع ذكورى
-
لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون
-
الكبت الجنسى وفشل مؤسسة الزواج
-
الزى الاسلامى وخطر السرطان
-
الزواج السياحى ....... نساء للبيع
-
ارهاب التيارات الاسلامية يخدر العقول
-
كيف تصنع ارهابيا ناجحا ؟
-
اطعام فقراء مصر من فضلات القمامة
-
افتراءات رجل ذكورى يدمن الجمود والتعصب
المزيد.....
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|