|
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الواحد والعشرون
خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب
(Khalid Goshan)
الحوار المتمدن-العدد: 7051 - 2021 / 10 / 18 - 22:58
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تعلم متى تعرض ، ومتى تخبر ، ومتى تفعل كليهما معا
الكتاب الجيدون يصعدون ويهبطون سُلم اللغة . فى الأسفل سكاكين حادة وخرز مسابح ، وخواتم زيجات ، وبطاقات بيسبول .
فى الأعلى كلمات تسعى الى معنى أرفع ، كلمات مثل الحرية والمعرفة . احذر من منتصف درجات السلم حيث تكمن رتابة البيروقراطية وروتين الكنوقراط .
فى المنتصف إلى الاعلى يشار الى المعلمين ب " نظراء كل الوقت " وتسمى دروس التعليم " وحدات توجيهية ".
يبقى سلم التجريد واحدا من أهم النماذج المبتكرة نفعا فى التفكير والكتابة على الاطلاق ، بدأت شهرته على يد هاياكاوا فى كتابه اللغة فى حركة العام 1939 ، وقد اعُتمد السلم وطوع فى مئات الرسائل ، ليساعد الناس على تأمل اللغة والتعبير عن المعانى .
أسهل طريقة لفهم هذه الأداة هى أن نبدأ من اسمها " سُلم " وهو أداة معينة كما ترى ، نمسكه بأيدينا ، ونتسلقه .
انه يتطلب مشاركة الحواس . وبوسعك استخدامه فى أشياء كثيرة . كأن تضعه أمام شجرة لتنقذ دمية ، يستقر السُلم على أرض اللغة الصلبة .
لهذا ، حين تسقط من السلم من علو شاهق ، قد تنكسر قدمك ، قدمك اليمنى المزينة بوشم عنكبوت .
الأسم الثانى هو " التجريد " ليس له طعم ولا رائحة ولا يمكنك قياسه ، وليس من السهل تفحصه ، لأن الحواس لا يمكن أن تشعر به ، إنما هو يتبدى للفكر والعقل .
إنه التجريد فكرة تتوق إلى التجسيد . تبدأ مقالة جون أبدايك للعام 1964 بقوله : " نحن نحى فى عصر اختراعات لا مبرر لها وتطورات سلبية " تلك لغة عامة وتجريدية ، بالقرب من قمة السلم . إنها تحفز تفكيرنا ، ولكن ما هو البرهان الملموس الذى سيقدمه ابدايك فى خلاصة مقالته ؟
الجواب يكمن فى الجملة الثانية : " خذوا علبة الجعة فى عين الأعتبار ". ولكى أكون أكثر تحديدا ، يشتكى أبدايك من أن لسان فتح علبة الجعة هو أختراع أفسد التجربة الجمالية لفتح العلبة ، إن كلمتى " لسان " و" علبة الجعة " تقعان فى أدنى السلم ، بينما الخبرة جمالية تقع فى أعلاه .
تعلمنا درس اللغة هذا فى الحضانة ، عندما كنا نلعب لعبة " أخبرنى ما هو " .
حين عرضنا على الفصل بطاقة بيسبول لميكى مانتيل تعود الى العام 1957 كنا عندها فى أسفل قاع السُلم .
وعندما أخبرنا الفصل كم كانت حلقات موسم ميكى فى العام 1956 عظيمة ، نبدأ بتسلق السلم بآتجاه معنى العظمة .
وها هو أبدايك مجددا من روايته " تزوجنى " :
" خارج نافذة غرفة نومها ، بجانب الطريق ، وقفت شجرة دردار ضخمة ، واحدة من القلائل التى نجت فى غرينود ، الاوراق الجديدة كانت تنجدل فى لحظة تفتح البراعم ، بألوان باهتة مثل غبار ، أو حجاب ليس كثيفا بما يكفى ليخفى تشريح الأغصان . كانت الأغصان مثنية وبهية وثابتة :
اطمئنان مريح لا ينضب لعينيها . من بين كل الأشياء التى فى مجال بصر روث ، كانت شجرة الدردار ا؟لأكثر قربا لإقناعها بالسلام الكونى .
ولو طلبت منها ان تتصور الرب ، لتصورته هذه الشجرة ".
بينما كان يهبط السلم من " اختراعات لا مبرر لها " إلى " علبة جعة " يذهب أبدايك هنا فى الاتجاه الاخر ، مرتقيا بالمعنى بتسلقه " شجرة الدردار الضخمة " ، نحو السلام الكونى ".
كارولين ما تيلينى ، معلمة الكتابة المُؤثرة من جنوب كارولينا ، علمتنى بأنى عندما أكتب نثرا لا يستطيع القارىء أن يراه أو يفهمه ، فإننى غالبا أكون محتجزا فى منتصف السلم ؟ .
كيف تبدو اللغة من نقطة المراقب فى منتصف السلم ؟ دعونى ، أجب بقصة من إحدى مدارسى المفضلة فى فلوريدا ، مدرسة مارغورى كينان رولينغ الابتدائية .
منذ العام 1992 نذر معلموا المدرسة أنفسهم لمساعدة كل طفل على تعلم الكتابة ، وفى أثناء ورشة عمل هناك ، سألت المديرة إن كانت المدرسة قد طورت عبارة تحدد الهدف من مهمتها ، فأرسلت مساعدا أحضر لى ورقة فخمة لامعة : " مهمتنا هى تطوير إنجازات الطالب ، وبالتالى إعداد التلاميذ للتعليم المستمر فى المرحلة المتوسطة والثانوية .
هذا التجمع التعليمى سوف يحقق هذه المهمة عن طريق تطوير وتطبيق نظام تعليم ذى تصنيف عالمى .
وسوف تجرى مراقبة إعادة التوجيه عبر التطبيق المستمر لعايير الجودة ، والاستجابة لتطلعات العملاء " .
لم أختلق هذا الأمر . الأصل فى مكتبى إن شئت رؤيته , كيف انتهى به الأمر الى مكتبى ؟
لقد سرقته ، فى خطوة من الشجاعة والتفانى من أجل الكتابة الجيدة .
قبل وقت ليس بطويل ، أرسلت الى المديرة بطاقة صغيرة احتوت العبارة التى تحدد هدف المهمة الجديد ، وقد خلت من الرطانة والبيوقراطية المملة .
كانت العبارة : " مهمتنا تعلم الكتابة ، والكتابة من اجل التعلم " . ولأننى أحمل كثيرا من الود للمعلمين والمديرة ، فإننى أعلن أن هذا أعظم تنقيح فى القرن العشرين .
توماس بوزويل واحد من أبرع كتاب رياضة البيبول ، كتب فى مقالة عن الرياضيين والتقدم بالعمر :
" عمال التنظيف يجيئون عند منتصف الليل ، يتسللون تحت الأضواء الشبحية لملعب البيسبول الفارغ بمقشاتهم بطيئة الكنس ، وخراطيم الشطف النحيلة ، طوال الموسم ، يزيلون قمامة لعبة لا روح فيها .
والان ، فى الأيام المتلاشية لسبتمبر وأكتوبر ، يجيئون لحصد أرواح كرات البسيبول . العمر هو الكانس ، والاصابة هى المكنسة .
بين مزيج من دفق أكواب جعة ، والأغلفة الملطخة بالخردل ، والمتجهة نحو كومة نفايات ، نجد أصدقاء قدامى أرسلوا الى سلة مهملات تاريخ البيسبول " ( من الوشنطن بوست ).
المعنى المجرد ل " قمامة لعبة لا روح فيها " يغدو واضحا فى صيغة " دفق أكواب جعة " و " أغلفة ملطخة بالخردل " وعمال التنظيف بمقشاتهم الحقيقية وخراطيم المياه يتحولون إلى منظر مقبض لحاصدين يبحثون عن " أرواح كرات البيسبول " .
الاستعارة والتشبيه يساعدننا على فهم التجريد من خلال مقارنة أشياء حقيقية بعضها ببعض.
" الحضارة جدول ذو ضفاف " . يكتب ويل ديورنت فى مجلة لايف موظفا نهايتى السلم : " يمتلىء الجدول أحيانا بالدماء من اقتتال الناس وسرقاتهم وصراخهم ، وقيامهم بأشياء عادة ما يدونها المؤرخون ، بينما على ضفتيه يمضى أناس لا يكادون يلحظون فى بناء البيوت وممارسة الحب والغناء وكتابة الشعر ، وحتى نحت التماثيل ، أن قصة الحضارة هى ما يحدث على الضفتين . المؤرخون متشائمون لانهم يتجاهلون ضفتى النهر " .
هناك سؤلان سيساعدانك على الاستفادة من هذه الأداة : " هل تستطيع اعطائى مثالا ؟
هذا سيقود القارى الى أسفل السلم .
لكن " ما معنى هذا ؟ ، سوف يرتفع به إلى الأعلى .
والى الأداة الثانية والعشرون فى مقال قادم
#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)
Khalid_Goshan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة العشرون
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة التاسعة عشرة
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثامنة عشرة
-
كتابة وجنس
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة السابعة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة السادسة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الخامسة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الرابعة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الثالثة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الثانية عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الحادية عشرة
-
وعكة صحية
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة العاشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الاداة التاسعة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثامنة
-
عريس سحليه
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السابعة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السادسة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الخامسة
-
صبى الصفارة
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|