|
سياسة تعطيش الفلسطينيين وأهداف التنمية المستدامة
نهى نعيم الطوباسي
الحوار المتمدن-العدد: 7051 - 2021 / 10 / 18 - 14:54
المحور:
القضية الفلسطينية
نهى نعيم الطوباسي* لا يخفى على أحد أن إدراج الأمم المتحدة للهدف السادس ( المياه النظيفة والصحية)، ضمن أهداف التنمية المستدامة، هو تأكيد واضح من الأمم المتحدة على ما كفله القانون الدولي للأفراد والدول بالحصول على المياه بكرامة، ودليل على تنبه المجتمع الدولي، إلى تدهور الأمن المائي العالمي، على الرغم من أن المياه تغطي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، أي ما يعادل 71% من مساحة الأرض الكلية. لكن وحسب الأمم المتحدة، مازال هناك 844 مليون شخص يفتقرون إلى مياه الشرب الأساسية، ويذهب 80% من المياه العادمة إلى المجاري المائية دون معالجة كافية، وترتفع أعداد الفارين من التصحر والجفاف والتلوث ومن شبح الفقر والبطالة والذين يطلق عليهم اسم "لاجئي البيئة". وعند مراجعة غايات الهدف السادس، ومع الاعتراف بأهميتها جميعها، نتوقف أمام الغاية الأولى، التي تلخص حلول الأزمة المائية العالمية والإنسانية " فحصول الجميع بشكل منصف على مياه الشرب المأمونة والميسورة التكلفة بحلول عام 2030". تبدو غاية طموحة لها إيقاع جميل، وبنفس الوقت كأحجية ملغومة بالألغاز! فكيف يمكن تحقيق تلك الغاية في ظل الأزمات والصراعات السياسية على المياه والأزمة السكانية العالمية الموجودة؟ إذا ما تم إسقاط هذه الغاية على فلسطين في ظل وجود الاحتلال، ماذا ستفعل الأمم المتحدة أمام هذه الحالة المستعصية؟ كيف يمكن وصول المياه للجميع وبشكل منصف، وبطريقة ميسورة ومأمونة للجميع، في منطقة يتحكم فيها الاحتلال بكل مصادر المياه السطحية والجوفية، وفي ظل النمو الديمغرافي الفلسطيني والإسرائيلي، حيث تسيطر دولة الاحتلال على أكثر من 80% من مصادر المياه في فلسطين؟ في عام 1997 أعلنت اسرائيل أن كافة مصادر المياه الموجودة في الأراضي التي تم احتلالها هي ملك لإسرائيل. كما وتسيطر على 100% من الحصة الفلسطينية لنهر الأردن. بكل الأحوال من يطّلع على تصريحات زعماء الحركة الصهيونية، يجدها تؤكد أطماعهم بكل مصادر المياه داخل فلسطين، وخارجها، واعتبار السيطرة عليها شرطا لتحقيق أمنهم وبقائهم، لذلك حتى الآن تعتبر قضية المياه من قضايا الحل النهائي العالقة، التي لم يتم إيجاد حل عادل وشامل لها. فكيف يمكن تطبيق المساواة بالحصول على المياه مع احتلال يتبع سياسة قطاع الطرق ويستولي بالقوة على المياه، ويحولها للمستوطنين كيفما شاء؟ من سخرية القدر وضعف المنظومة الدولية، أن تقوم اسرائيل بسرقة المياه، وإجبار الشعب الفلسطيني على شرائها، والعيش في ظل ندرة المياه، وكأنه بالصحراء، على الرغم من أن مصادر فلسطين المائية، تقدر بحوالي 650 مليون متر مكعب، إلا أن الحصة الفلسطينية لم تتجاوز 70 إلى 80 مليون متر مكعب سنوياً، الأمر الذي يضطر الحكومة الفلسطينية لشراء حوالي 80 مليون متر مكعب من المياه من الاحتلال. وهل يمكن أن تلتفت الأمم المتحدة والعالم إلى سياسة التمييز العنصري التي تتبعها اسرائيل في توزيع المياه؟ فحسب وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، "يبلغ استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه نحو 72 لترًا للفرد في اليوم، (يقل كثيراً عن المستوى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية وهو 100 لتر للفرد يوميًا)؛ فيما يبلغ مقدار استهلاك الفرد الإسرائيلي للمياه نحو 300 لتر يوميًا، أي أنه يزيد بنحو أربعة أضعاف. ويعيش الفلسطينيون في بعض التجمعات القروية على أقل كثيرًا من 72 لترًا للفرد في اليوم، ولا يكاد يزيد في بعض الحالات عن 20 لتر يوميًا، وهو الحد الأدنى للمقدار الذي توصي به منظمة الصحة العالمية للاستجابة لحالات الطوارئ". وتفرض اسرائيل قيودا على الفلسطينيين، في مجال حفر آبار جديدة لأغراض الزراعة، وتجميع المياه وتضع سقفا لكمية المياه التي يسمح لأصحاب الآبار في الضفة الغربية وقطاع غزة بضخها. وسرقة المياه الفلسطينية علنا، من مياه الأمطار والمياه الجوفية عن طريق حفر الآبار في المستوطنات، هذه الأزمة أدت إلى انعكاسات خطيرة على الحياة الاجتماعية وعلى الأنشطة الزراعية والاقتصادية في العديد من المدن والقرى والتجمعات الفلسطينية، بل عمقت الفروقات الطبقية والاجتماعية بين التجمعات الفلسطينية، فالحصول على المياه يبدو أصعب في المخيمات والقرى والمناطق النائية عنها في المدن، فما زال هناك 150 تجمعًا سكنيًا فلسطينيًا في الضفة الغربية غير مرتبط بشبكة توزيع المياه، ويعاني سكان هذه التجمعات من نقص المياه. غير ذلك اختلاف أسعار المياه من منطقة لأخرى، وأن تصبح المياه من المستلزمات التي يجب شراؤها كالدواء والغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى هو أمر يمس الكرامة بعمق، وكارثة انسانية بكل معنى الكلمة، وذلك يضع الأسر الفقيرة والمحدودة الدخل في مأزق. عند المرور على عنوان الهدف السادس، ( مياه نظيفة وصحية)، تبرز مشكلة التلوث المائي الموجودة بكل فلسطين، ولكنها قد تكون في قطاع غزة مضاعفة وأكثر حدة، حيث حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والمعهد العالمي للمياه والبيئة والصحة، من خطر التلوث المائي حيث أن نسبة المياه غير الصالحة للشرب في قطاع غزة قد أصبحت 97%، وأن ربع الأمراض المنتشرة في غزة ناتجة عن تلوث المياه، و12% من وفيات الأطفال والرضع، مرتبطة بأمراض معوية ذات صلة بالمياه الملوثة. واقع قطاع المياه مأساوي، ولا يكفيه مقال واحد، لكن تحقيق أي تنمية مستدامة مستحيل من دون الأمن المائي، المطلوب لا يتوقف فقط على تشكيل مجالس لتنظيم المياه، فالأزمة سياسية واقتصادية وليست فقط فنية، والمياه إحدى القضايا الجوهرية في صراع الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي، يستدعي ذلك استخدام كل الوسائل للضغط على المجتمع الدولي لوضع حد لهذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي والمواثيق الدولية. فالاستيلاءعلى مصادر المياه في فلسطين وسياسة التعطيش هي جزء من خطة اسرائيل ومشروعها الاستيطاني الكبير. والأمن المائي كفيل أن يحيي القطاعات الأخرى لو سيطرت عليه فلسطين، بل هو عصب مهم للحياة والبقاء والتنمية، وامتداد للتاريخ والإرث الفلسطيني، وقطاع مهم للجذب السياحي، وللترويج للرواية الفلسطينية، والاستبسال بالدفاع عنه واجب وطني أصيل. آن الأوان لتفجير معركة من أجل قضية المياه في الأمم المتحدة والساحات الدولية. وذلك لوضع حد لسياسة التنقيط في أفواه الفلسطينيين، ووضع حد لسياسة التعطيش من أجل التهجير، ورفع سقف المطالبة بحصة من المياه، وانتزاع حق فلسطين في السيطرة على مصادرها وثرواتها المائية، وذلك بإنهاء الإحتلال. *ماجستير في التنمية وحل الصراع
#نهى_نعيم_الطوباسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واقع المرأة بين المساواة والمواساة
-
التعليم والحرية وأهداف التنمية المستدامة
-
من أهداف التنمية المستدامة: الصحة الجيدة
-
الهدف الثاني للتنمية المستدامة: القضاء التام على الجوع
-
الاحتلال والفقر أصل الشرور الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين
-
المرأة الفلسطينية بين المطرقة والسندان
-
القدس تعيد قضية اللاجئين الفلسطينيين للصدارة
-
إضراب عظيم وشعب عظيم
-
ارتفاع الأسعار من زاوية مختلفة
-
غياب دور الجامعة العربية تجاه القدس
-
ظاهرة عمالة الأطفال في فلسطين
-
التعليم أولوية وطنية وعماد النهضة
-
باقون على أرضنا
-
الشباب أمل المستقبل وقادة التغيير لا أدوات استقطاب
-
القطاع الصحي وثقة المواطن الفلسطيني
-
الثقافة في خدمة الاستيطان
-
الانتخابات وإنهاء الانقسام الفلسطيني
-
القدس والخناق الاقتصادي
-
عمالنا في الداخل ونمط العبودية الحديثة
-
تقصير الأمم المتحدة في تحقيق العدالة والسلام للفلسطينيين
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|