|
مفكر بعقل فقيه، ماجد الغرباوي
حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق
الحوار المتمدن-العدد: 7051 - 2021 / 10 / 18 - 01:57
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون، الآية( 134، سورة البقرة)". المقدمة: عندما دخل نابليون بقواته إلى مصر، كان قد حمل معه الكثير من الآلات الحديثة، واصطحب معه علماء بمختلف الاختصاصات وخاصة علماء الجغرافية، فبدأ بعصرنة واستثمار الأرض بأدواته الحديثة، فتشكلت هنا صدمة للعرب، وازدادت الصدمة عندما بدأ محمد علي باشا ببعث حلقات من الطلاب إلى أوربا للدراسة والتعلم، فهنا أتضح للعرب مدى تخلفهم عن الحضارة الغربية، وبدأوا يشعرون أنهم يعيشون في تخلف مدقع قياساً بالغرب، وهنا فكر العرب باللحاق بالغرب، وإلى يومنا هذا يفكر العرب اللحاق بالحضارة الغربية، فبدأ المفكر العربي بالبحث عن سبب التخلف، فنظر للغرب ورأى أن الغرب نجح بثورة حضارية عندما قضى على الدين، وهنا المفكر العربي أخطأ خطأ كلفه تخلفه عن الحضارة الغربية، وسيل من الدماء جرت بسبب تفكيره بتقديم قراءة جديدة للدين، فمشكلة المفكرين العرب، هم لا يدعون أنهم قاصرين عن المعرفة، بل يريدون الانطلاق بفكر تنويري من خلال التلاعب بالألفاظ الدينية، والتفريق بينها، والمشكلة أن الدين في قاطبته هو تسليم، والكثير منه غير عقلية أو لربما لقصور عقولنا لا نستطيع تعقله، وأضف إلى ذلك أن الدين قبل عصر النهضة كان لديه من الاعتدال بنسبة أفضل من ما بعد النهضة، فبسبب القراءات والكل تدعي أنها القراءة الصحيحة، ظهرت لنا الكثير من الحركات المتشددة والتي ساهمت في هدم البناء والعباد، فحتى الدعوات المتطرفة التي صدرت قبل عصر النهضة مثل دعوات البغدادي وأبن تيمية، قد أميتت فيما بعد، لكنها تم أحياؤها في عصر النهضة، والحقيقة أن اللحاق بالغرب، ليس له علاقة بالدين، والدين في الغرب كان شرهاً جداً ومعطل للحياة السياسية والعلمية، أما عندنا في الإسلام لم يكن كذلك، ويشهد التاريخ الإسلامي على ذلك فقد برز لدينا الكثير من العلماء، وأن دعوات المفكرين العرب بتقديم قراءة جديدة للدين يتناسب مع الوضع الراهن، ما هي إلا بضاعة خاسرة وتعبر عن عجزنا في اللحاق في الغرب، واليوم نتفاجأ بوجود المفكر العراقي ماجد الغرباوي، والذي يعيش في دولة تعد من الدول المتقدمة حضارياً جداً، لكنه وللأسف يفكر بطريقة استهلاكية وبدائية، فتجد الغرباوي يحث على تقديم قراءة جديدة للدين، وتجده يؤول ويفسر ويخطأ ويصوب، فتجده مفكر بعقل فقيه، ويظهر ليس كرجل مجدد ومقدم لقراءة تحث على المشتركات الاسلامية، بل تجده ناقداً للأسس الصلبة التي تقوم عليها الفرق الإسلامية، فهذا التجديد عانى منه العرب كثير، لأنه يقوم على مبدأ التخطيء والتصويب. ماجد الغرباوي، سيرة وفكر: ولد ماجد الغرباوي في مدينة قلعة سكر في محافظة ذي قار في العراق، أكمل دراسته الابتدائية في مدارسها ، ثم انتقل وهو صغير السن مع افراد أسرته الى العاصمة العراقية بغداد ، وفيها اكمل دراسته في اعدادية الكاظمية ثم الثانوية ، لكنه تعرض للسجن مع ثلة من رفاقه ، وبعدها واصل دراسته خارج حدود وطنه بموضوع الشريعة والعلوم الاسلامية ، واستقر به الحال والمطاف في سيدني بأستراليا، مارس الغرباوي التدريس بالمعاهد العلمية في اطار تخصصه لسنوات عدة ، وشارك في العديد من الندوات والحوارات والمؤتمرات والحلقات والمواسم الفكرية والعلمية ، وشغل رئيس تحرير مجلة ( التوحيد )، واشرف على اصدار سلسلة رواد الاصلاح ، وعمل على تأسيس صحيفة المثقف، ونال عدداً من الجوائز التقديرية عن اعماله الفكرية والعلمية البحثية، و له العديد من المنجزات الفكرية ، بلغت حوالي 3٥عملاً ومؤلفاً اضافة إلى عدد كبير من الدراسات والبحوث والمقالات التي نشرها في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية المختلفة المتعددة ، ومن أهم كتبه: متاهات الحقيقة (7) تراجيديا العقل التراثي، متاهات الحقيقة (6) المرأة وأفاق النسوية، متاهات الحقيقة (5) تحرير الوعي الديني، متاهات الحقيقة (4) مضمرات العقل الفقهي، متاهات الحقيقة (3) الفقيه والعقل التراثي، متاهات الحقيقة (2) مواربات النص، متاهات الحقيقة (1) الهوية والفعل الحضاري، النص وسؤال الحقيقة ، نقد مرجعية التفكير الديني، جدلية السياسة والوعي ، قراءة في تداعيات السلطة والحكم في العراق، الحركات الإسلامية ،قراءة نقدية في تجليات الوعي، الشيخ محمد حسين النائيني، منظّر الحركة الدستورية ،الضد النوعي للاستبداد ، استفهامات حول جدوى المشروع السياسي الديني، تحديات العنف، التسامح ومنابع اللاتسامح ، فرص التعايش بين الأديان والثقافات إشكاليات التجديد ،الشيخ المفيد وعلوم الحديث، مدارات حوارية ساخنة حوار في منحنيات الأسطرة واللامعقول الديني / حوار طارق الكناني مع ماجد الغرباوي، رهانات السلطة والحكم في العراق ، حوار في أيديولوجيا التوظيف السياسي / حوار طارق الكناني مع ماجد الغرباوي، إخفاقات الوعي الديني، حوار في تداعيات النكوص الحضاري / حوار سلام البهية السماوي مع ماجد الغرباوي، المرأة والقرآن ، حوار في إشكاليات التشريع / حوار ماجدة غضبان مع ماجد الغرباوي. الغرباوي كاتب وباحث بالفكر الديني ، وصاحب مشروع فكري معاصر، يسعى الى ترشيد الوعي عبر تحرير الخطاب الديني من سطوة التراث وتداعيات العقل التقليدي ، ويقدم قراءة متجددة للنص الديني على اساس النقد والمراجعة المستمرة من اجل فهم متجدد للدين كشرط أساس لأي نهوض حضاري وعصري، فيعتقد الغرباوي أن الحضارة تقوم بتقديم قراءة جديدة للنص الديني، و يدعو في خطابه الى ترسيخ حس ثقافي وفكري تقدمي وعقلاني يهدف الى وعي ومصالحة شاملة بين مكونات المجتمع ، ويرى ضرورة واهمية تقديم قراءة متأنية لأسس واصول التسامح السائدة في واقعنا العربي ، ويبحث عن قراءة واعية وحقيقية مبنية على قاعدة متينة تشكل قفزة نوعية في اخراج المجتمع من محنه وازماته المتراكمة ، وتقوده للخلاص من الجهل والتخلف والامية، وقد ساهم الغرباوي من خلال صحيفة ( المثقف ) في نشر الوعي الثقافي والفكر الحر الديمقراطي والليبرالي ، وتركت صدى واسعاً ، ولقيت تقديراً واحتراماً من الاوساط الادبية والثقافية والفكرية في مختلف اقطار العالم كونها منبراً حراً للكلمة والرأي والموقف ، وبفضل ما تنشره من دراسات وأبحاث ومتابعات ومداخلات واضاءات أدبية وفكرية واجتماعية وسياسية ، وكتابات ابداعية ، شعرية ونثرية، ونتفق مع الدكتور محمود محمد علي، أن الدكتور الغرباوي يتمتع بموهبة أدبية إبداعية وأفاق علمية واسعة، ويتصف بالذكاء والفطنة والبصيرة الثاقبة وبعد النظر والرؤية الواضحة والوعي المتجدد والمتوهج المتوقد، وهو مفكر متواضع جداً وراعي للفكر والعلم ومشجع للشباب الباحث عن الفكر، وهنا أذكر أن الغرباوي من أوائل من شجعني على الكتابة واعطى لكتاباتي البسيطة قيمة كبيرة، مما زاد من همتي على الكتابة فشكراً للدكتور الغرباوي، على كرمه ورعايته للفكر. تعقيب حول طروحات الغرباوي: أ_ العقيدة: يعتقد الغرباوي بسير حركة الدين والعقيدة، فالعقيدة كما يرى تسير أما بطريقة اندثارها أما استغلالها من قبل سلطة سياسية، فيقول" بشكل عام، العقيدة شأنها شأن أي كائن تبدأ صغيرة، بسيطة، وربما ساذجة ثم تتطور، بعضها يموت، وبعضها يقاوم، عندما تجدد العقيدة خطابها، وتصد تحدياتها، أو تتبناها سلطة دينية أو سياسية، تساهم في انتشارها." ويرى أن العقيدة إطار نظري للإيمان، وهناك علاقة جدلية بين الإيمان والعقيدة وهي علاقة تأثير متبادل، و يساهم كلاهما بمقومات وجودهما، فتطور التجربة الإيمانية يتطلب استجابة عقدية، ترسم ملامح إطار نظري يبرر تجلياتها، مادامت ضربا من الهيام الروحي، بفعل خصوبة الخيال، وقدرة النفس على التحليق، في أجواء غيبية وميثولوجيه، وأيضا عندما تتطور العقيدة نظريا تستدعي تطور التجربة الإيمانية، والتطور المقصود في كليهما نسبي، مهما كانت تمظهراته وحدوده، فتارة تكون التجربة الروحية بسيطة جدا، ليس لها تجليات واضحة، غير أنها تؤكد ذاتها عند الصدمات النفسية، ولا تقف تأثيرات العقيدة عند حدود التجربة الإيمانية والروحية، بل أن العقيدة منظومة فكرية توجه وعي الفرد، ويتأتى الإيمان بها عبر تراكمات لا شعورية، نفسية – ثقافية، وهي سر تفاوته من شخص إلى آخر، فتؤثر في تكوينه جميع المؤثرات النفسية والسلوكية والاجتماعية والسياسية والعلمية والثقافية والتربوية، ويرى الغرباوي أن من أسباب تطور العقائد ، هي مركزية الدين في حياة الناس، وقدرته على توجيه الوعي ضمن استراتيجيته، تدفع باتجاه توظيفه سياسياً وطائفياً، باعتباره سلطة مقدسة، تستحوذ على مشاعر الفرد، وتحول دون تمرده، فكان هذا أحد أسباب تطور العقائد أو نشوء عقائد موازية، وأيضا اضطرت الأطراف المتصارعة على السلطة إلى توظيف الديني لصالح أهدافها السياسية، فقامت بتأصيل عقائد، تعتمد التأويل والروايات المنحولة والمقولات الكلامية، لتثبيت أسس المذهب السياسي – الديني. ( وهنا الغرباوي يفسر العقيدة بأنها حالة اجتماعية تتطور بمرور الزمن، والحقيقة أن لفظة العقيدة، هي مختصة بالدين، والدين ليس عادة اجتماعية تتغير بمرور الزمن، وخاصة الاديان السماوية، فمثلاً الصلاة والحج والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخ...، وجدت مع بداية الدين الإسلامي، ولم يطرأ عليها تغير، وأن طرأ فلن يكون في صلبها، بل تغيرات تحدث نتيجة ظروف اجتماعية وسياسية وعلمية، وأن مفهوم العقيدة يخص القضايا الصلبة في الدين، أما أثر السياسة في الدين، فبالتأكيد لها أثر كبير، لكنه مع ذلك لن ينجح في المساس في الأسس الصلبة للدين، فمثلاً كان سب الإمام علي(ع) عند الدولة الأموية، لكنه فيما بعد تم القضاء على هذه القضية والتي هي من القضايا المهمة في الدين، أن الذي يتغير العادات والتقاليد المجتمعية، وهي هنا تؤثر في مسار الدين في مجتمعات، وذلك في بعض الاحيان بسبب قلة الوعي، والذي يكون بدوره نتيجة للوضع السياسي المتردي والذي يساهم في تجويع وتجهيل الشعب، وأيضاً يفرق الغرباوي بين العقيدة والتي يعتقد أنها تصور نظري، وبين الأيمان والذي يرى أنه تطبيق للعقيدة، واعتقد أن هذه المصطلحات هي مصطلحات فقهيه دلالتها واحدة في الدين، فهي تدل على الترادف، ولا يمكن أن يعتنق الانسان عقيدة بدون إيمانه بها، أن الغرباوي هنا حاله حال المفكرين الذين سبقوه فقط يتلاعبون بألفاظ اللغة ،وهذا ديدن المفكرين العرب، ولا اعرف لماذا التنوير يراد منه الانطلاق من التراث، فتراثنا هو كان محل خلاف فيما بينهم وسالت الكثير من الدماء بسبب التفاسير، وللأسف الشديد يبدو أن العرب حتى عندما يفكرون بالتنوير يرجعون للماضي ، ويبدو أن هذه طريقتهم بالتنوير أو حدود معرفتهم، فهذا جان جاك روسو وفولتير صناع التنوير في فرنسا والعالم، لم يفكروا ويبحثوا في ماضي الكنيسة، بل انطلقوا من واقعهم، واعتقد أن مشروع الغرباوي مشروع مستهلك ، والقراءات التي يقدمها الغرباوي هي قراءات متعارف عليها لم تنفع في الماضي ولن تنفع في الحاضر، لكنها تبقى ثقافة ممكن يتعاطها البعض) ب_ الدين: يرى الغرباوي أن " هدف الدين ترشيد الوعي لمركزية العقل، وتعميق الحضور الميتافيزيقي في أعماق النفس البشرية، لاستعادة إنسانية الإنسان المهددة دائما بفعل نزواته، وما يحيطه من تحديات وإكراهات قد يخضع لها لا إراديا، فالحضور الميتافيزيقي يخلق وازع التقوى ويسمو بالإنسان ، وتغدو الأخلاق طبع وسمة، ويرى أيضاً أن هناك تعارض الأوامر الإلهية مع الأخلاق: " إن أول مصاديق التعارض بين الدين والقيم الأخلاقية تلك الأوامر التي وردت في قصص الأنبياء، كإقدام إبراهيم النبي الكريم على ذبح ولده إسماعيل (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وكذلك قتل الغلام من قبل العبد الصالح الذي رافقه موسى النبي الكريم. وقد أكد الأول أن قتل الغلام ليس قراره: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا). أن الدين منظومة روحية لا علاقة لها بالأخلاق، فيقول: " أن مركز اشتغال الدين هو الضمير، وليس الفعل الأخلاقي. أي أن الدين لا يفرض على الفعل الأخلاقي شرطه وقناعته، لاستقلالية الأخلاق عن الدين، لأنها من مدركات العقل العملي. ويبقى الحسن والقبح عقليان لا شرعيان. وأن الحسن حسن بذاته، لا ما حكم الشرع بحسنه. والقبيح قبيح بذاته، لا ما حكم الشرع بقبحه، لقد ذهبنا إلى استقلال الأخلاق عن الدين بمعنى التشريع، وأن الحسن والقبح ليس ما حكم الشرع بهما، بل ما حكم العقل به، وهذا لا يمنع أن يكون للدين بمعنى الإيمان دور في الأخلاق دون المساس بشرط الفعل الأخلاقي، فتبقى الاستجابة له منبثقة من أعماقه الإنسانية واستجابة للواجب الأخلاقي، فالفعل الأخلاقي فعل سلوكي، يواجه باستمرار تحديات تختبر صموده، وقد يخفق الضمير اتجاهها، فيأتي دور الإيمان ليعزز دوره الرقابي، ويحول دون تراخيه أو نكوصه، فدائرة اشتغال الدين هي ديمومة يقظة الضمير الذي يرتهن له الفعل الأخلاقي في تحفيزه ورقابته، والضمير مشترك إنساني، يرتهن له الفعل الأخلاقي في إخلاصه ونقائه الإنساني، كما للدين دور كبير شد عزيمة الإنسان وصموده أما النفس ومغرياته، وأمام الواقع وتحدياته، مهما كانت قاهرة." ويقول أيضاً : أن الأحكام الأخلاقية في القرآن، أحكام إرشادية لحكم العقل، لنسبية المعرفة الدينية." بل أن القران الكريم بالفعل إرشادي ، لكنه واجب التطبيق، ونجد في موضع آخر للغرباوي يقول: " أن القرآن كتاب ديني يشتمل على منظومة قيم أخلاقية تساهم في تشييد مجتمع الفضيلة الذي هو غاية المشروع السماوي. ترقى بالفرد إنسانياً وإيماني وروحياً." (أن الغرباوي هنا ينظر لمشروعه من خلال بعض من آيات القران الكريم، والقران الكريم هو حمال أوجه وفيه آيات متشابه، فيصف الدين مشروع لصناعة الإنسان أخلاقياً، وتارة تجده يرى أن الدين والاخلاق بينهم تعارض، ويذكر عدد من الآيات التي يعتقد فيها تعارض مع الأخلاق، وخاصة الآية التي أرادت من النبي إبراهيم(ع) ذبح أبنه، والحقيقة أن القرآن الكريم، هو كتاب محكم وحكيم والعبرة من الآية هي في صميم الطاعة الإلهية والتي تعبر عن أخلاقيات الإنسان تجاه خالقه، فالقضية هنا ليست فيها تعارض أخلاقي، بل العكس أن القضية هي تربية وتعليم أخلاقي، فالقرآن الكريم، في جل آياته يوعز الإنسان للأخلاق، وأيضاً الغرباوي في مشروعه هو يريد أن يعقلن الدين، لكن من ناحية تجده يصر على أن الحسن والقبح عقليان، وليس شرعيان، وهنا نسأل هل يعتقد الغرباوي أن بعض اللحوم والمشروبات والتي حرمت في القرآن الكريم، هل هما عقليان، أم شرعيان، الجواب هو نحن عرفناهن قبيحتان من اختصاص الشرع، وليس العقل، أو لربما ثبت عند العقل في وقت مبكر، فأذن الحسن والقبح هما منظومتان أخلاقيتان في صميم الدين). ت_ التسامح: يعتقد الغرباوي إن التسامح ضرورة حياتية تبقى الحاجة إليها قائمة ما دام هناك إنسان يمارس العنف والإقصاء والتكفير، ويرفض التعايش السلمي مع الآخر المختلف، بل الحاجة إلى التسامح تشتد مع اتساع التنوع الديني، لامتصاص تداعيات الاحتكاك بين القوميات والثّقافات والأديان، والخروج بها من دائرة المواجهة إلى مستوى التعايش والانسجام، ويتطلب الرجوع إلى البنى الفكرية والعقيدية. ( أن الرجوع إلى العقيدة والتبحر فيها لن يجدي نفعاً والتاريخ اكبر شاهد على ذلك فالتحارب على تفسير القران والسنة النبوية قائم ولا يمكن له من زوال ، أن مفهوم التسامح لا يمكن له أن يستقر في المجتمع من خلال تقديم قراءة جديدة، بل يمكن له أن يستقر من خلال التركيز على التربية والتعليم، وتعزيز روح التعاون بين المجتمع من خلال تفعيل العمل التطوعي والحث عليه، ودعم المؤسسات الإنسانية والقيام بحملات توعية إجرائية بين الحين والأخر للمجتمع) ث_ المرأة: يعتقد الغرباوي أن المرأة في الوطن العربي مهمشة، ويقول: " رغم التقدم الحضاري، وسرعة التواصل بين مختلف شعوب العالم، غير أن المرأة العربية والشرق أوسطية مازالت تعاني التهميش والاقصاء، حتى وهي تمارس حقوقها الطبيعية، مما يؤكد وجود ثقافة سائدة، تحتقر المرأة، وتضعها مرتبة أدنى من الرجل، حد احتكار الإنسانية دونها، فمثلا عندنا في العراق، يستنكف بعض الرجال من ذكر المرأة، وعند الضرورة، يقول لمخاطبه فلانه (تكرم عن طاريها)، أي تكرم عن ذكر اسمها، باعتبارها أدنى من الرجل إنسانية، أو أنها قذارة يتعفف الشخص عن ذكرها أمام جلسائه، إلا مصحوبة بالاعتذار، و أن معظم الرجال العرب لا يؤمنون بحرية المرأة، بل يؤمنون بتهميشها كقدر تكويني، والحد من حريتها وسلطتها، وفقا للمعايير القَبلية التي كانت سائدة في جميع المجتمعات آنذاك، والقائمة على مركزية الذكر وتهميش الأنثى، وأن الذكورية تستبطن الاستعلاء، وتفرض لنفسها حقوقا وواجبات، ضحيتها المرأة، غير أن الغريب هو قمعها فكريا، بمعنى مصادرة حقها في التفكير، والاستخفاف بآرائها، ومن باب أولى عدم الاصغاء لها، واحتقارها، وهذا أحد مخلفات النظرة الذكورية التي استبدت بأغلب الرجال، بفعل البيئة الاجتماعية التي تمجد الذكر على حساب المرأة. ( أتفق مع الغرباوي ومع الكثير من الذين يقولون أن المرأة لم تحصل على كافة حقوقها وأنا معهم بهذا الطرح، لكن يفترض من الغرباوي كمثقف ومتابع للوضع الاجتماعي، لا بد أن يكون يعرف وضع المرأة حالياً في العراق، فليس كما يصورها بأنها مهمشة جداً، والرجل لا يذكر اسمها أو كنيتها وذلك لوضعها الدوني كما يرى الغرباوي، بل على العكس اليوم المرأة محترمة جداً ونراها تتبوأ كافة المناصب وهي تستحق ذلك، فلا اعرف من أين جاء الغرباوي بهذا الكلام، وتمثيل المرأة وكأنها أقل من الماشية، أما اذا وجد البعض لا يحترم امرأة فهذه ليس في العراق أو الوطن العربي وحده، بل بكل العالم، وهذا نابع من بنيتها الضعيفة وعقلها العطوف، لكن مع ذلك المرأة في الوطن العربي إلى يومنا هذا لم تأخذ كافة حقوقها، لكن ما وصلنا اليه اليوم من اعطاء حقوق المرأة وخاصة في العراق يعتبر طفرة نوعية، المرأة في العراق اليوم تجدها في كافة الوزارات والهيئات المستقلة والغير مستقلة والاهلية، واضف إلى ذلك إنها اليوم تفتح لها أماكن رياضية وترفيهية والخ من الكثير من الامور التي يتمتع بها الرجل، فحقيقة أن كلام الغرباوي خالي من مراقبة الوضع الاجتماعي، ويبدو أن الغرباوي لم يخرج من عباءة الماضي المليء بتهميش المرأة، ويبدو أنه مراقب غير جيد للوضع الاجتماعي العربي الذي، يعطي قدر كبير جداً لحرية المرأة، ويبدو أن كلامه في إطار تنظيري ليس له صلة بالواقع فواقعنا اليوم، توجد حرية كبيرة جداً للمرأة، لكنها لم تصل للحد المطلوب). ج_ التجديد: يعرف الغرباوي التجديد" تحديث أدوات التفكير من خلال توظيف المناهج والنظريات الحديثة، وتقديم فهم جديد للدين ومقاصده وغاياته ومبادئه ومعارفه في ضوء تطور وعي الإنسان وقدراته العلمية والمادية، استجابة لتطورات العصر ومقتضياته ومعرفة حدود الدين، ". ( أن التفكير في التجديد، هو إحدى نكبات التفكير العربي، ولا يفترض أن نفكر بالتجديد، فالتجديد هو البحث في التراث، وهذا يدخلنا في ويلات الخراب، و التجديد هو قراءة تصويبية، تخطأ وتصوب، وتتعرض للحفر في اليقينيات المقدسة عند مجموعة تعتقد بها، وهنا لا يمكن للتجديد أن ينفع أو يساهم في تعزيز المشتركات الدينية، وبالتالي يعزز من قيم التسامح والتنوير، وهنا نسأل أين التنوير عندما يدخل الدكتور الغرباوي في حوار مع الاستاذ فاضل الشمري حول عصمة أئمة الشيعة، أو حول عقيدة الشيعة، أو عندما يرى ويوضح الكثير من الأمور التي يعتبر بها علماء المسلمين وقعوا في اخطاء، وهذا في الحقيقة مشكلة المفكرون العرب، هم لا يعرفون معنى التنوير، ويعتقدون أن التنوير الرجوع إلى الماضي وإظهار أخطاء العلماء في الماضي، ويبدو أن المفكر العربي يفهم التنوير هو نقد الدين لا غير ذلك).
#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيل جيتس
-
فلسفة الثورة عند سيد الشهداء الحسين بن علي(ع)
-
الطبيب الثائر، جيفارا
-
زها حديد وفن العمارة التفكيكي
-
دجلة
-
العمل التطوعي ، الثقافة الغائبة
-
ظاهرة التفاهة
-
المنطق عند جوزايا رويس
-
مفهوم الولاء عند جوزايا رويس
-
مفهوم البطل عند توماس كارليل
-
فلسفة العلم واللاعلم عند كارل بوبر
-
مفهوم الإرهاب
-
مفهوم الاستبداد
-
حفار اليقينيات عبدالرزاق الجبران
-
المرأة في فكر قاسم أمين
-
الدين والدولة في فلسفة مارسيل غوشيه
-
الثقافة عند سلامة موسى
المزيد.....
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
-
الجيش الإسرائيلي ينذر سكان 5 بلدات في جنوب لبنان بإخلائها
-
سحابة تسقط من السماء في إندونيسيا: سئمت من الطقس الممطر هناك
...
-
ترامب يستكمل تشكيلة حكومة باختيار بروك رولينز وزيرةً للزراعة
...
-
ترامب ينتهي من تشكيل إدارته باختيار وزيرة لتولي حقيبة الزراع
...
-
بوتين يوقع مرسوما: قاتل وسدد ديونك مع زوجتك
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|