أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - نظرية الشيطان ج2















المزيد.....

نظرية الشيطان ج2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7048 - 2021 / 10 / 15 - 02:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في التراث الديني وخاصة اليهودي التوراتي نجد تفسيرا غريبا لدور الشيطان وسلفه إبليس، وكأن هذا التراث الديني حياديا بين الخير والشر، بل أنه يبرر للشر كونه يخدم الخير ولكن موقف الخير من الشيطان موقف غبي، قد يعجب البعض لهذه النتيجة ومخرجها، سأستعير لكم من هذا التراث ما يؤيد كلامي (يتحدث الرب في سفر التكوين إلى حاشيته من "أبناء الرب"، والملائكة أثناء خلقه للأرض. توجد فقرة غريبة في التكوين السادس، فيما يخص نهاية عملية الخلق. حيث نقرأ أن "أبناء الرب" أتخذوا بنات البشر لأنفسهم نساء وكانت الذرية الناتجة هم العمالقة القدماء (النيفيليم). وهذه الفقرة توضح لماذا أرسل الرب الطوفان (شكل من الشر الواقع على الأرض). وامتلكت العديد من أماكن العبادة آلهة اقترنت بالنساء، خاصة زيوس في الميثولوجيا الإغريقية. لكن الأعراف الإسرائيلية رفضت هذا التصرف لأن هذا الإقتران يوحي بالوثنية) .
ليس هذا فقط بل أن النصوص في الأسفار تذهب نحو هذه النتيجة وتوحي لها (كتاب سفر أيوب من أوائل النصوص التي تناولت موضوع العدالة الإلهية (ثيوديسيا)، التي تواجه سؤال "إذا كان الله خَيّر هكذا، لماذا يسمح بوجود كل هذه المعاناة والشر؟" يبدأ الكتاب بالملائكة وهي تنقل تقاريرها للرب. من ضمنهم إبليس، كانت وظيفته أن يجوب العالم واضعا عقبات أمام البشر (من ثّم اسمه) تضعهم أمام اختيار إما الخير أو الشر. يمكن القول بأنه كان كمحامي أدعاء للرب. وفي إحدى تقاريره يذكر عبده أيوب الذي ازدهر. لكن بالطبع يذكر في تقريره أن الفضل في هذا كله للرب) .
نادرا ما يظهر إبليس في النصوص اليهودية وفي المراجع القليلة التي يظهر بها يكون معارضا للبشر لا الرب، ففي عدن خدم هذا الغرض (على هيئة ثعبان) واضعا خيار أمام آدم وحواء، وعلى مدى معظم كتب الأنبياء يُلام الشر على خطايا البشر الوثنية، ويزال الرب صاحب السلطة العليا في معاقبة بني اسرائيل، وحتى في القرآن وإن كان قد حكم مسبقا وقبل أن يفهم آدم وجوده الدنيوي أن (هذا لكم عدو مبين)، فهذا الحكم المسبق لم يكن كافيا لآدم أن يكون على بينة من أمره وأن الله هنا أستخدم إبليس للغواية كأداة وليس كفاعل بنفسه، أي أن إبليس في عملية تغرير آدم وزوجه لم ينطلق من دوافع ذاتية بل كان تحت تأثير وخضوع لإرادة الله الذي كان ينتظر حصولها لتتم الحجة على الأثنين ومن ثم نزولهما للأرض، فلم يكن إبليس هو من خدع آدم، بل كلاهما كانا تحت خديعة الله (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) 30 الأنفال، و (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا(15) وَأَكِيدُ كَيْدًا) 16 الطارق، و (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) 142 النساء؟؟.
تطورت فكرة اليهود عن الشيطان لا سيما بعد أن أعادهم الامبراطور الفارسي كورس عام 539 ق م وقد تأثروا كثيرا بالفكرة الزرادشتية القائمة على التناقض بين النور والظلمة، بين الخير والشر (كان الشر يمثل كل ما هو مناقض للخير كان أهورا مزدا "الإله الحكيم" كائنا نقي و خَيّر وكان منبع كل شيء، في حين على الجانب الأخر وجد دروڇ ليمثل الفوضى، يمثل دروڇ أنغرا ماينو "الخاطئ أو المخادع المعروف أيضا بأهريمان، وكانت السموات والأرض وجميع البشر يقعون تحت نطاقه أيضا)، وبدأ اليهود التحول الجذري في تفسير وفهم الشيطان فبدأوا يوكلون له كل الشر في العالم بدلا من الرب الذي كان في السابق هو من يسخر الشيطان البريء لتمثيل الله في أعمال الشر والفوضى.
كل الفكرة الدينية مع قول البعض أنها من مصدر واحد تؤكد أن التصور البشري المخنوق بإشكالية التفسير والتبرير هي التي منحت الشيطان تلم الأهمية في تحديد وتفسير الكائن البشري في محاولة منه لتبرير إنحرافه وفوضويته، ولو رجعنا إلى النص الديني عندما يفسر البعض منطق (وألهمها فجورها وتقواها) ينسبون لله هذا الإلهام على أنه مبدأ تكويني فطري، والحقيقة أن النص لا يقول هذا يب يشير فيه إلى أن خالق النفس وطبعا هناك فرق بين خالق النفس وبين خالق الروح، فالنفس واحدة من تشكيلات المخلوق لا تخلق هكذا أو هكذا، بل تصنع وفقا للظروف والمعطيات التي تحيط بالمخلوق، فالنفس هي تفاعل وجودي طبيعي يتفاوت ويتغير ويتبدل ويتحور وفقا لقوى طبيعية داخل الوجود بعد أن يمنح القوة الروحية التي تجعله قادرا لأن يتأثر ويتشكل نفسيا حسب ما هو فيه من بيئة وتكوين وإعداد وتربية وتعليم.
فالنفس هي التي تمنح الخير والشر وفقا لنفس الطريقة التي خلقت فيها، أي أن الشر والخير أعتباران مصطنعان وفق ظروف النشأة ومن ألهمهما ليس الله بل محددات الوجود لهذه النفس، ومن هذه المحددات ما يصنعه الإنسان بنفسه لنفسه، إذا فكرة الشيطان هي مبتكر وجودي بشري تماهى النص الديني معه ومع قصدياته ليكون مبررا وحتى في مضمون العهد الجديد نجد هذا التبرير ليكشف أنه وبعكس القرآن الذي جزم بأن لا سلطان له على المؤمنين بإرادة الله، نجد أن الشيطان يتحكم في كل البشر ومن ضمنهم الرسل (عادة ما ذكر بولس الجن كأتباع الشيطان الذين تدخلوا في مهمته للدعوة. ويوضح في كتاباته أثناء سجنه، أنه لم يستطع زيارة مجتمعه "لأن الشيطان أعاقه" (الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي 2:7-18). وعبر عن صراعاته الداخلية كشكل من أشكال الاستحواذ: " ليمنعني من الابتهاج الشديد ... غرز شوكة في جسدي، رسول من الشيطان، لمضايقتي ..." (الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس 12:7-9). رأى بولس في هذا قدرة الرب على التحكم بالشيطان لاختباره، وجملته الشهيرة "إن المؤمنين يعيشون الآن بيسوع"، تشير أن يسوع يحمي ضد تأثيرات أتباع الشيطان في العالم) .
لم يكن الموقف في العهد الجديد ثابتا من قضية الشيطان بل تطورت مفاهيمه من القرن الثاني وصعودا، ففكرة نزول يسوع للعالم السفلي بعد صلبه وإدخاله القبر يوم الجمعة وحتى صعوده للعالم الفوقي يوم الأحد كان قد حرر في رحلته الأرواح المؤمنة من الأنبياء والرسل والفلاسفة كأدم ونوح وموسى وحتى أفلاطون عندما فتح القبر صعدت هذه الأرواح معه لعالم النور عالم الخير المطلق، هذه التصورية السردية لا تمت لروح الدين بقدر ما هي تصور لاهوتي مصطنع لتبرير قتل يسوع المسيح وتبرير براءة من قتله لأن خلص عالم الخير من أسر عالم الجحيم الذي هو نتاج عالم الخطيئة البشرية الأولى في تصورهم حينما شاركت حواء المتجسدة بالشر مع ألة الله ووسيلة في فعل الخطيئة وحلول اللعنة الأبدية على آدم وذريته، هنا يتضح بشكل بين بين براءة إبليس من فعل الخطيئة وأعتبارها طبيعة تكوينية للبشر وخاصة حواء (حازت حواء على أهمية أكبر لكونها الآثمة الأولى في عدن. في إطار وجهات النظر المعادية للنساء، كان من المفهوم أن حواء قد أغواها الثعبان (بسبب ذلك القضيب الضخم)، ثم أغوت آدم. في أطروحة الحاخامات، سفر تكوين رباح، بقت النساء محجبات بسبب الفعل الجنسي المخزي لحواء، وأن الطمث عقاب لسفك دماء آدم. وزعم ترتليان، أب لكنيسة في القرن الثاني الميلادي، أنه بسبب حواء كانت كل النساء "منفذ للشيطان" وبسببها "حتى ابن الرب كان عليه الموت" عن ألبسة النساء، الجزء الأول .
الملخص أن الفكر الذكوري الديني في العهد الجديد صب جام غضبه على المرأة وجعلها دوما بوابة الشيطان التي سببت خراب العالم، هذه النظرة الدونية أنتقلت للفكر الديني الإسلامي وليس نصوص الدين المجردة، لذا فمقولة أن المرأة ناقصة عقل ودين وما روي من أحاديث وروايات تحتقر المرأة وتجعلها رديف للشيطان تسللت إلى الفكر الإسلامي بتأثيرات الإسرائيليات والفكر النصراني الذي كان منتشرا في مناطق النفوذ الإسلامي القديمة وما بعد "الفتح"، بالرغم أن لا نصوص في القرآن تنص على ما يشبه هذه الأفكار أو حتى الإشارة للمرأة بسوء، لا في المنزلة الإيمانية ولا في إدانتها على أنها أنثى، وحتى أن قصص زوجات الأنبياء المذمومات في القرآن كانت تتعلق بغواية الشيطان لها، بمعنى أنهن خرجن متمردات كأشخاص وليس كنوع مما جعل القرآن يورد نقيضا لهن حينما كرم مثلا امرأة فرعون وأم موسى ومريم.
في الخلاصة النهائية كما يقول الصحفي الهندي في روايته أن الشيطان ليس كائنا منفردا يمتلك القوة والفعل ويخرب الوجود لأنه فوضوي ومتمرد، بل "هو الإنسان" هو الفوضوي وهو المتمرد حينما يتخلى عن عقله وعن وجوده ويتبع النفس الأمارة بالسوء، النفس الملهمة شرا وخيرا يكل جدليتها وإشكالياته في الوجود، لا يمكن أن نكون نحن غير نحن عندما نختار الخطأ أو نختار الصح، الشيطان تماما هو تعبير حقيقي وقديم عن نظرية المؤامرة واليقين التام بها، الله القوي لا يحتاج لمبررات كي يفعل أو لا يفعل، خاصة وأنه منحنا العقل ووهب لنا حرية العمل ومضى وتركنا نحن مع نحن لنرى أعمالنا.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الشيطان
- أصطناع العدو .... نظريات وتأريخ
- العنف والإيمان
- في نظريات الكوسمولوجيا
- من الدين إلى الألحاد
- كيف نتعامل مع الموروث الديني؟ ولماذا الدين أصلا؟
- مفهم الديمقراطية بين حاجة السلطة وحق الشعب
- تكوين وتأسيس الحضارة ج2
- تكوين وتاسيس الحضارة ج1
- العقل الجمعي...ظاهرة وتكوين
- تأخرنا بماضينا وتقدم الأخرون بالمستقبل
- التاريخ والحضارة
- علاقة التاريخ بالأقتصاد
- علاقة التاريخ بعلم النفس
- علاقة التاريخ بعلم الأجتماع
- علاقة التأريخ بالأنثروبولوجيا
- قصة التأريخ
- الأسطورة والتأريخ
- الإنسان والتاريخ
- تجربة الحرية والمجتمع العراقي


المزيد.....




- الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة ...
- عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير ...
- كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق ...
- لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟ ...
- مام شليمون رابما (قائد المئة)
- مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
- مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة ...
- إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا ...
- نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن ...
- وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - نظرية الشيطان ج2