من جماليات الاحتلال أننا تخلصنا من المناسبات الوطنية والقومية والتاريخية، وأعياد الميلاد الرسمية، وأعراس الاحتفال بالنجاة من حوادث الاغتيال، أو محاولات خنق الرئيس على الطريقة العباسية تحت الوسادة، بدافع الغرام أو الغيرة أو المنافسة أو الحقد السياسي أو الحزبي أو التاريخي أو العشائري.
لكن هذه المناسبات صارت أكثر هذه الأيام على أي مقياس سواء مقياس ريختر للزلازل الأرضية والسياسية والحربية، أو مقياس موسوعة غينس للأرقام القياسية، حتى أن المواطن العراقي الجديد الخارج من المرعى هذه الأيام لا يجد فرصة واحدة للعمل أو التفكير أو النوم أو الشخير من كثرة أعياد ومناسبات وأفراح وذكريات هذه السنة الجديدة المباركة التي ستدخل القبو التاريخي تحت عنوان: سنة حلوة يا جميل!
فبعد أن تخلصنا من عيد ميلاد الطاغية، وعيد ميلاد الابن الأول والثاني والثالث، وعيد ميلاد زوجته الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة، حتى الرقم 25 مليون زوجة وعشيقة وأسيرة وسبية، وعيد ميلاد فرسه الصحراوية، وأسده الحجازي، ونمره الهندي، وكلابه الألمانية، ومشانقه الأمريكية، وثاليومه البريطاني، و مسدسه الروسي، وطائرات تجسسه الفرنسية، ومفاعله الباريسي،
وحزامه الكشميري
وكلابه الأكثر أصالة من كل الكتاب العرب،
وأعياد النصر في معاركه القومية، والعاطفية، والجنسية، والحزبية، والأسطورية، وأعياد التزحلق على صدورنا، وانتصاراته المذهلة حتى على الجن، وأعداء الأمة، وهزيمته جنود الصحون واللاقطات، ويوم النصر على محطات التخريب الإذاعية، ومحطات البث الفضائي المعادية، وتحديه لتلسكوب هافل في العثور على أي أسير أو سجين أو جرثومة، أو مختفي( اسم رواية لي منشورة قبل سنتين !)، وأعياد نصره في مؤامرة الرفاق في الحزب، وأعداء الجبهة الوطنية،وأعداء الوحدة الوطنية، والذين فجروا بيان 11 آذار التاريخي الذي جعل متوسط عمر العراقي خمسة شهور كي يتخلص من أوجاع المراهقة، ومشاكل الإيجار، والمواصلات، ويتخلص من حروب الإخوة الأهلية، ومزقوا اتفاقية الجزائر، وخانوا الجبهة الوطنية، بعد كل هذه الأعياد وغيرها دخلنا هذه الأيام في التقويم الجديد الذي حول المواطن من كائن لا يرى بالمجهر من الجوع والنحافة والخوف والأناشيد الوطنية وحفلات الإعدام العلنية في الشوارع، إلى كائن تنبل ضخم الجثة من الأكل والفرح والكسل والنوم والضحك والأمان والضمان والكرزات والموسيقى وكثرة العطل والمناسبات التي تجاوزت أيام السنة الواحدة حتى صارت السنة العراقية أكثر من 400 يوم فرطنة.
كما أن وجه المواطن العراقي المليء بالأخاديد والرعب والذبول من سنوات الخوف، تحول هذه الأيام إلى وجه رخو، هش، متهدل، مثل مخلوق رخوي بحري، غاطس بالنعيم.
وقائمة المناسبات الجديدة كما هي مثبتة في التقويم الوطني الجديد هي:
يوم ضرب الهدف الفرصة.
يوم ضرب العاصمة كلها بأكثر من ألفي صاروخ كروز.
يوم الهجوم البري
والهجوم الجوي الشامل
والهجوم البحري.
يوم القصف العنقودي والذكي والحراري والليزيري والانشطاري .
يوم الغارات على الطرق والجسور والصوامع والمنائر والمعامل والحدائق وأوكار الطاغية.
يوم ضرب عقل الطاغية.
يوم ضرب نوبة الحر.
يوم ضرب روح الطاغية المعنوية بأكثر من ثلاثة آلاف غارة على بغداد وإجهاض أحلامه في الصمود والتماسك وتشتيت قيادته كقوم موسى في الصحراء، وإجهاض عشرات الحوامل، وعشرات القبل، وعشرات القصائد، واللوحات، والمواعيد البريئة، وعشرات المحاولات الانقلابية( ظهر أن المخابرات الأمريكية تنسق قبل الحرب مع الحلقة الضيقة للطاغية، ويبدو أنها خافت من الحل الوطني، فاستعجلت الحرب!).
يوم ضرب الجامعة المستنصرية وكر الشر والعلم والمختبرات وبعوض الحزب.
يوم ضرب الأسواق الشعبية كي يتعلم المواطن العراقي الموجود في المرعي وقتها كيف يشتري مع البطيخ شظايا قنابل التحالف.
يوم قتل الأطفال تحت سن الخامسة كي لا يصلوا إلى سن الشيخوخة بدون ضمان صحي أو أمني وبلا نفط في الحقب القادمة.
يوم ضرب محطات الإذاعة،
والمواصلات،
والبريد،
كي يتخلص المواطن من الأغاني الثورية، ومن أجرة الهاتف، ومن أخبار العالم الخارجي وجرائم الشرف الأدبي والفكري والسياسي والنقدي والإعلامي.
وهذا خطأ إستراتيجي شنيع لأن المواطن العراقي لم ير على الشاشة مراسم منح الرئيس الأمريكي شهادة دكتوراه في القانون على أطروحته الشهيرة ( السطو على أوطان الآخرين بالقنابل العنقودية!) كما جاء في حيثيات قرار جامعة كولمبيا.
يوم قصف المطار،
يوم ضربه بقنابل شبحية، ضبابية.
يوم اختفاء الجيش في المطار، وتحوله إلى دخان أو غيم أو سراب أو وهم أو فحم أو ريح.
يوم قصف المدارس،
وأماكن تجمع الفدائيين والذباب وأسراب النمل الثوري وجراد الحزب القومي.
يوم ضرب صالونات تجميل الحزب الحاكم
وصالونات حلاقة نساء الأحزمة الناسفة.
يوم قتل قائد فرقة في الحرس الجمهوري،
يوم قتل قائد فرقة موسيقية شعبية.
يوم السطو على أدوات استحمام الريس،
وصابون الثورة، ومعجون أسنان الحزب القائد.
يوم سرقة خيمة الحزب الثوري.
يوم نبش قبور الموتى والمختفين
يوم البحث عن السجناء وأبواب التعذيب.
يوم حرق ونهب وسلب الدولة المارقة
وأجهزة المخابرات
وأجهزة تنظيم ضربات القلب
وأجهزة الأحوال المدنية( كركوك مثلا!).
يوم سرقة الأسلحة الثقيلة وتهريبها للأحزاب الوحدوية من أجل الإخوة والوحدة الوطنية ومن أجل يوم فيدرالي قادم لاشك في ذلك سترون فيه نجوم الظهيرة( التمزيق/ فيلم كوميدي قريبا على الشاشة!).
يوم تفكيك مفاصل الركبتين وجعل الناس ترتجف من الرعب من عصابات مسلحة تحت غطاء أمريكي،
وتحت غطاء الحماية،
وغطاء الإخوة
وغطاء التعددية
وتحت غطاء وحدوي، وأخوي، وجغرافيا واحدة، وقوميات متحدة،
وتحت غطاء عودة المالكين الحقيقيين إلى ديارهم وطرد الغزاة.
وتحت غطاء إتحادي،
أو ديمقراطي،
أو جماعة إنقاذ وطني،
تم تفكيك مفاصل الدولة( المعادية!) وتحويلها إلى خربة ينعق فيها البوم وفلول الحزب المنقرض والجرذان، وبيعها للدول المجاورة بالعملات المحلية والقروية والعشائرية وبالأحذية خدمة للشعب العراقي الغريق، والعريق.
يوم سرقة المتاحف
ويوم حرق المكتبات
ويوم نهب البنوك
ويوم جعل المواطن العراقي يجلس على عتبة داره في انتظار تابوت شاغر
أو سيارة إسعاف
أو نجدة
أو جيش تحرير
أو رغيف خبز
أو استمارة انتماء أو ورقة استفتاء لكي يوقع عليها بيده أو رجله أو، إذا كان قد قلصته القنابل، بمؤخرته
أو أي حذاء قديم.
يوم مجزرة الزعفرانية
يوم مجزرة الفلوجة
يوم مظاهرات ساحة الفردوس
يوم سقوط نصب الطاغية
يوم هروبه
( الطاغية ليس فردا أو نصبا، بل مجموعة قيم سياسية وأخلاقية وثقافية وسلوكية منحطة).
وهو لا يختبئ في قبو الآن، بل تحت الجلد، في الدم
وفي مفاهيم الحزب الواحد، والفكر الواحد، والسطو، والنهب، والاعتداء، وفي الكذب، والنصب، وفي أسلوب خداع الجماهير بخطاب ملفق.
الطاغية موجود في الاجتماعات المغلقة لاختيار حكومة جديدة. هذه هي العقلية التي أنجبته والتي ستنجب غيره:
عقلية اعتبار الناس حفنة غنم،
وحصى،
وكومة بعرور
وأحجارا تتجمع أو تتبعثر بقرار أو نشيد أو خطاب.
هنا يختبئ الطاغية.
يوم توقف البث الإذاعي
يوم توقف البث التلفزيوني
يوم سرقة حديقة الحيوانات
وهرب الطيور الجوارح،
ويوم جوع الأسود ولحم الضان يأكله حزب التجمع من أجل البنك المركزي الوطني أو التجمع العراقي النفطي.
كل مؤتمرات الإنقاذ لم ترجع أرنبا واحدا لحديقة الزوراء.
يوم وصول الجلبي إلى الناصرية.
ويوم اغتيال الخوئي
ويوم هرب عزة الجزراوي،
أو طه ياسين الدوري( لا فرق ).
يوم القبض على وزراء وجنرالات وعلماء جراثيم.
يوم عودة حرم الريس
ويوم ظهور الابن البكر في مضايف عشائر في الشمال
يوم خطاب أو رسالة الطاغية
يوم مفاوضات وزير للاستسلام مع قوات التحالف.
يوم ظهور محمد محسن الزبيدي.
يوم ظهور الجنرال العبيدي
يوم سجنهما بتهمة الاختلاس والسطو على بنوك وسيارات وأموال عامة.
يوم تعيين مدير شرطة جديد
يوم استقالته بتهمة السطو على بنك.
يوم ظهور الزبيدي مدافعا!
يوم ظهور مدير الشرطة متبرعا!
يوم مجيء جي غارنر
يوم جولاته
أول يوم زيارة( علنية!) للرفيق المناضل علوان المسعودي لبغداد.
وأول يوم زيارة ( بدون طاقية إخفاء) لزعيم التشوه الوطني بعد عمر مديد في التفاوض والتحالفات السرية والتصفيات والحروب الإقليمية والزيارات السرية وتأسيس دولة مخابرات، طبعة ملونة، ومنقحة، ومزيدة، صغيرة سوف تنتقل معه إلى عاصمة العدو بغداد خدمة للجماهير، ومعه خبرة عريقة معتقة في تصفية الرفاق أو حرق سمعتهم أو تغيبهم على طريقة دكتاتورنا الهارب في شرايين الوعي وقيعان المخ الثوري، وفي ثقافة الحيلة والتشهير، والشذوذ، والكذب.
يوم وصول السيد الجلبي إلى بغداد.
يوم جلوسه في نادي الصيد.
يوم مصادرة نادي الصيد من قوى الردة والخيانة والعولمة القومية وغرف التعذيب لصالح الجماهير وخوابي الخمر.
يوم مصادرة كل مؤسسات الدولة من أجل القضية ومن أجل جماهير الأحزاب الوطنية والقومية والتقدمية والاشتراكية والوحدوية.
يوم مصادرة الأندية الرياضية لصالح التاريخ والجغرافية والقضية وجرذان المستقبل ونمل الروح.
يوم تنزيل صور الطاغية
يوم وضع صور الرفيق.
يوم وصول خبير التدليك والإرهاب بول بريمر.
يوم تبادل الذمم والقيم والتحف
يوم شراء الضمائر بالعملة الصعبة أو مقابل مكنسة كهربائية أو ملين صحي أو صابون تشطيف أو إطار سيارة أو ورق الكلنكس.
يوم الحزن العراقي.
يوم المخاط الوطني.
يوم موت العلامة الفلاني.
يوم قتل السيد الفلاني.
يوم هدم هذه المؤسسة،
أو تخريب ذاك المقر،
يوم دفن الجيش العراقي.
يوم ظهور الراقصة الفلانية على مسرح الجماهير الجديد للاحتفال بيوم النصر على حطابي غابات مضيق برسلين أو حمالي الشورجة أو مجانين الشماعية.
يوم استيراد النفط من الأردن
والماء من الكويت
والعازل الجنسي من السعودية.
والفياغرا من قطر.
يوم ظهور الموت الخلوي.
والحب الخلوي
والأمل الخلوي.
يوم مظاهرات الوحدة والتضامن بين الشرطة والأمن والاستخبارات والأمن الخاص والعاطلين عن العمل والسجناء القدامى والفارين من الأقبية والعائدين بالمايو من المنافي أو الهاربين من الأقبية أو مراكز الإصلاح والسجون للحصول على آخر ما تبقى:
من شروال وطني
أو طاقية للجواهري
أو مزقة من معطف الرصافي
أو قصيدة لحسين مردان
أو رباط حذاء للسياب
أو نتف لحية جواد سليم
أو سرقة المتحف الوطني
أو عربة بائع شلغم في ساحة الطيران
أو ما تبقى من حمامات فائق حسن.
يوم التعاقد السري مع شركات نفط أمريكية( يقال أن الإنتاج النفطي العراقي سيكون من 5/6 مليون برميل يوميا على أنغام الجاز والصمت الوطني لحلب ضرع البقرة قبل أن يجف بأسرع وقت!)
عقود سرية مع معامل صابون، وأحذية، ومعجنات، وشراء سيارات ومصابيح ليل وشروج احتياطية.
ومع شركات بناء مباول عصرية على الهاتف الخلوي،
ومحطات تلفزة ما بعد الحداثة، وما بعد الركبة، وما بعد شعر العانة.
أدوات عصرية لدورات المياه تجعل المواطن القادم من المرعى الثوري والعقائدي يبول ذهبا، ويخرج بكتاب فلسفي قبل نزول الحاجة من إسهال الوعي المندلق بين الركبتين.
مكاتب حداثوية، ونساء من المطاط بالشعر الأشقر، والأسود، والأبيض، وبكل اللغات، حتى بلغة البلابل.
مراهم لدهن البشرة من التصحر،
والرأس من الجفاف
والضمير من الصرع.
مساحيق عجيبة لإطالة الشعر الأصلع
واستنبات اللحى في المناسبات الدينية
ولإطالة الأمل، والعمر، والقضيب.
يوم خروج آخر سجين سياسي.
يوم الاحتفال بآخر أمي. آخر فاشي.
يوم الاحتفال بآخر واش، وآخر كاتب تقارير.
يوم موت آخر شرطي تعذيب.
يوم بناء أول سجن مجهز بمعدات الصيد، ومعدات الرؤية الليلية للكواكب، وقنوات الري والتلفزة.
وأدوات للتزحلق على صدور السجانات الحسناوات في أوقات الفراغ الفكري وفي نهاية يوم التنظير.
ومجهز بسجانين درسوا في أمريكا أو لندن يجعلون المجرم أو المتآمر يعترف بعد أول سيمفونية لموازات أو تشايكوفسي،
وبعد أول رشفة ويسكي هولندي معتق، أو فودكا فلندي منعش،
وأول دغدغة،
وبعد أول عناق حار مع حسناء من مصلحة السجون العراقية متخصصة في التدليك وفي الفرفشة وفي عودة الشيخ إلى صباه أو عودة الزير إلى البير أو عودة الروح إلى الميت أو عودة الوعي إلى مغفل أو عودة الغريب إلى أهله من أول عطسة أو ابتسامة أو خلوة.
يوم الاحتفال بموت آخر زعيم حزب سياسي ولد في القرن التاسع عشر وعاش قرنين متواصلين في خدمة الشعب، حتى آخر مواطن، وآخر بدل اشتراك.
يوم الصحافة الوطنية حيث لا يتدخل رئيس التحرير، كما في السابق، حتى لو قرر المحرر أو الكاتب التبول على الافتتاحية أو صورة عضو مجلس الأمة الجديد أو قضاء الحاجة خلال جلسات مناقشة الميزانية في دبابة أو ملهى ليلي أو نادي الصيد الجمهوري.
يوم وفاة آخر جريح
وآخر أسير
وآخر درع بشري في السي، آي، أيه.
يوم وصول قافلة من الشرطة الدنماركية، والبولندية، والايطالية، كأننا بحاجة إلى خبراء جدد في المافيا بعد السطو على ثكنات الجيش وتحول هؤلاء إلى قوة سياسية واقتصادية مفروضة بقوة السلاح والاغتيالات القادمة.
يوم فتح مكاتب علنية للاغتيالات في عيادات أو فنادق أو مسابح أو صالات حلاقة أو مواخير تحت الشمس والبرق والضوء، وتحت آذان الشرطة والتاريخ والحكومة وقبة البرلمان.
يوم عودة العشائر.
يوم عودة قانون العشائر في قتل المرتد والخارج عن العرف الحجري والعاشق والعاشقة، وطرد الخليع( وهو تقليد بدائي بعثي متخلف بدأت تمارسه بعض المواقع والمباول الشبحية الألكترونية التي يخاف أصحابها من ذكر أسماءهم حتى بعد زوال السلطة لأسباب لا يعرفها إلا الله والوثائق السرية، بطرد هذا الكاتب أو ذاك لأغراض دونية شخصية للتشفي والتنفيس عن عقدة الشعور بالعار والدونية وسنوات الذل).
يوم عودة المقاومة الإسلامية بعد نفاد صبر.
يوم أول انفجار
وقتل أول وزارة.
يوم عودة الطرد الملغوم
ورسالة الثاليوم المحسن.
يوم عودة الدستور الوطني من واشنطن.
يوم عودة القانون والسنونو المهاجر والساطور .
يوم تحطيم الكراسي القيادية
يوم القيادة الجماعية
يوم كنس الشوارع من الغبار والورق والجثث.
يوم النظارات السود كي لا نرى فيها الواقع والبؤس وعلامات الحرب الأهلية ونزيف حقول القمح والبترول والرز.
يوم ظهور أول دبابة على جسر الجمهورية.
يوم آخر ظهور للصحاف في فندق فلسطين مرديان.
يوم أول قتيل أمريكي على يد قناص بغدادي( وهذا أول الغيث. لا تنسوا فيلم القناص البغدادي رجاءً).
يوم أول عملية جراحية على يد طبيب عسكري أمريكي لمناضل عراقي في مستشفى العلوية للولادة أنجبت عجلا عراقيا مخنثا .
أول صيف عراقي تحت الاحتلال.
وأول رحلة قطار نحو الجنوب.
أول علاقة حب جنسي، مثلي، مع جندي مارينز.
أول فشل كلوي أثناء خطاب لزعيم كتلة أرباب السوابق في البرلمان الجديد.
أول سكرتيرة لزعيم حزب بثياب الضباب في قاعة المجلس البلدي.
أول قذف كلامي في مجلس الوزراء.
وأول قذف جنسي في مجلس الشيوخ.
أول مشادة ديمقراطية تحت قبة البرلمان بين شيوخ العشائر.
وأول عقال يتمزق في حوار وطني بناء ومثمر.
يوم عودة الحكيم إلى النجف.
يوم عودة الجنازات من المنافي.
يوم عودة الطيور الجارحة إلى الهور.
يوم عودة الكراسي إلى المحاكم.
يوم عودة القضاة إلى الكراسي.
يوم عودة السعال إلى الحناجر
والكوليرا إلى الوطن
والسحالي إلى الجحور.
والضباب إلى الأحزاب الثورية.
يوم عودة كراسي مجلس قيادة الثورة إلى الأشجار.
يوم عودة أدوات التعذيب إلى المتاحف.
يوم تحطيم آخر مشنقة.
يوم الاحتفال بآخر مشنوق.
وآخر معدوم
وآخر من اغتيل علنا.
يوم عودة القطا والربيع وطيور الأضرحة.
يوم وفاة آخر رقيب.
يوم عودة المسلسلات العربية والهندية والأمريكية وسينما هوليود وحفلات الزار والدروشة وضرب الحيطان ومحطات القطار الحجرية بالرأس بسبب طاقة الحرية.
يوم اختفاء آخر عكاز بعد أن صار الجميع يركبون سيارات الكترونية مجهزة بكل وسائل الاتصال بكل المكاتب السياحية وبيوت الدعارة وحتى بالبيت الأبيض.
يوم اختفاء آخر مسيرة راجلة بعد أن صار الناس يمشون على الغيم والضباب والمطر ويستعملون أحذية التحرير التي تمشي بسرعة الضوء.
يوم انتحار أول فنان سريالي أمام دبابة.
يوم ظهور أول مضاجعة علنية على سطح سيارة نجدة مشتركة.
أول ظهور لبنادق تفريق المتظاهرين تطلق فراشات وزهورا وأحذية لما تبقى من فقراء.
ظهور أول ميني بنك/ حائطي.
وأول مأتم وجنازة وصلاة وزواج على الانترنت.
وفاة آخر محبط من السياسة والجماهير والحرية والأدب والشعر والفن الملتزم والغرام ومنظمة الأوبك والوحدة الأفريقية والمؤتمر الإسلامي والجامعة العربية والأمم المتحدة ومقهى حسن عجمي وقوات التحالف والنجوم السبعة.
أول خروج للنظرية المادية من سرير التاريخ، ودخول جاي غارنر بدلها.
أول راقصة ثورية.
وأول صرصور ثوري.
أول لوحة عن التحرير بريشة كلب، لأن صاحبه مشغول بخارطة الطريق الجديد إلى المصرف العقاري.
ظهور أول منظّر جديد خارج من الكهولة والخرف والتاريخ والتابوت لتعليم مبادئ التعايش مع المحتل في سرير النوم.
لسنا ملائكة، ولسنا شياطين، لكنني لاحظت ظاهرة قد لا تكون عجيبة في مناخ ثقافة مزدوجة وهي أن كتابا ونخبا عراقية غير عربية الأصول تعمل على تمزيق العراق تحت شعارات التحرير والتحديث والخلاص من الفاشية والحرية.وتأتي هذه الكتابات من قوميات صغيرة بدون تستر( أصحاب القوميات الرئيسة يجيدون لعبة التخفي خلف قناع ولعبة التأجيل) .ربما لم يتمكن هؤلاء نتيجة الحقد والأمية الثقافية وكبر السن وعقدة القطع والحسم والبتر والجزم واللغة اليقينية القادمة من سنوات التحزب المنقرضة، من العزل بين السلطة الفاشية، وبين الدولة الوطنية، وبين الوطن، وبين الآيديولوجيا. وهذه ظاهرة طبيعية للعرق المهان، رغم كثافة الحجج، ومتانة المنطق المزور، والاختباء خلف ترسانة صلبة من التبريرات.
لا ينفع الحوار مع هؤلاء لأنك تجد نفسك على الدوام أمام حائط من الإسمنت/ أعرف مجموعة من هؤلاء على نحو دقيق، والغريب أنهم يتشابهون في أشياء كثيرة: في السن، وفي الماضي اليساري، وفي النظرة، وفي أسلوب التكتم على العرق الأصلي كما لو كان فضيحة رغم كل الجعجعة المدوية عن الإنسان العالمي. تختلط عند هؤلاء لهجة الشماتة بانهيار الدولة، بفرح تنكري سيركوي لانهيار السلطة.
هؤلاء هم بقايا الدكتاتور
وهم الذين أوصلوه إلى السلطة
وأعطوه الذريعة والسلاح كي يقتلنا، وهربوا.
صاروا أبطالا حين هربوا،
وصرنا خونة لأننا عشنا حفنة سنوات ذل في الوطن.
حين يتحالفون مع سلطة تصير السلطة وطنية وثورية، وحين تطردهم تصبح السلطة فاشية.
إذا هربوا علينا أن نهرب معهم.
إذا ماتوا يجب أن نموت معهم.
إذا خانوا، خيانتهم نزاهة ووعي.
إذا عادوا على دبابة احتلال، تتحول هذه الدبابة إلى رمز مقدس.
هؤلاء الذين طاردونا في المنافي وسطوا على حق أجيال عراقية في المشاركة في القرار المصيري، حتى وهم في مرحلة الخرف العقلي والانحطاط الجسدي والفكري، هم الذين يصادرون اليوم حق كل عراقي يرفض الاحتلال أو يرفض الحياة المقرفة.
هم القرار عبر كل الأزمنة.
وهم الصواب الذي لا يعرف الخطأ،
وهم الذكاء المطلق في مواجهة الخطأ المطلق.
هم الجحيم القادم.
هؤلاء المومياءات،ملاك الثنائيات القذرة والتافهة، هم الإرهاب المقبل.
وهم السجن الجديد.
و هم حزب الطاغية السري.
الضباب راسخ،
ونحن نتلاشى.
أول عيادة لأحزاب، ووزراء الأنابيب والتلقيح المجهري.
أول عيادة لتأجير الأرحام الفكرية وظهور أول نغل عراقي نصف أشقر/ نصف أسمر.
أول استنساخ فاشل لزعيم حزب هرم،خرف، وولادة قرد بدله.
ظهور أول حصان عراقي مستنبت في مختبرات فلوريدا يمشي على الضباب دون روث، لأن هذه مهمة مجلس نواب الشعب القادم.
ظهور أول ضربة شمس وحادث قطار ونزلة تحالف وطني.
أول اتصال هاتفي من زعيم حزب عراقي بالبيت الأبيض:
الزعيم: أنا زعيم جماعة الغضب الساطع العراقي وزعيم الكتلة البرلمانية للفارين بالدخل القومي، من على الخط؟
ـ هل من طلب؟
الزعيم: أعرب عن أسفي للتأخير لأني لم أجد وسيلة مواصلات إلى مقرنا الثوري بسبب الظروف الصعبة غير استئجار مواطن بدولار ركبت على ظهره العريض القوي الحصين بقوة عظمة صاحب البيت الأبيض. إنني أضع كل من في البيت الآن على رأسي.
ـ لا يوجد أحدا هذه اللحظة عدا كلب الرئيس.
الزعيم: ولو . هل من فرق؟!
أول هجوم مسلح للجياع من أجل سرقة دجاجة.
أول غارة على فرن خبز.
وأول سطو على محل أحذية.
أول وجبة طعام لرئيس الدولة القادم تتكون من جوارح وأعشاب طبيعية ورصاص قنص، وبراز طبي محاكاة لجماهير تقعي منتظرة على الرصيف كقرود صناعية في انتظار
الهلال الأحمر،
والصليب الأحمر،
أو حتى الصليب المعقوف!