أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - أصطناع العدو .... نظريات وتأريخ















المزيد.....

أصطناع العدو .... نظريات وتأريخ


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7046 - 2021 / 10 / 13 - 09:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أصطناع العدو
من السياسات الأساسية للسيطرة على الأخر من ضمن مجموعة من التدابير المباشرة والغير مباشرة مما يعرف بسياسة أصطناع العدو، أو نظرية الأبدال التي تعني التركيز على شخص أو فكرة أو مجموعة من خلال سياسة شيطنتها لغرض صرف النظر عن العدو الحقيقي أو إلهاء متعمد يشتت الأنتباه عن مصدر الخطر من خلال الإعلام والتوجيه والتحريض، في الوقت الذي تمرر من خلاله الجهة الصانعة سياستها اللا مرئية والتي تمثل العدو الحقيقي للمجتمع، فالأساس الذي تقوم عليه هذه النظرية هو العامل النفسي الموجه والمسيطر عليه من خلال ظاهرتي الشك والخوف وبالتالي إجبار العنصر الموجه له الخطاب التحريض أن يلتزم مسار متوهم خارج إرادته.
المبررات التي تعطيها السياسات التوجيهية لنفسها في هذه الممارسة لا ترتبط بقيم أخلاقية ولا بقواعد قانونية، وهي في الغالب تدابير أو معالجات لحالات أختناقية تمر بيها السياسة أو التنظيم وحتى بعض القوى الأجتماعية الهدف منها تصريف عوامل الضغط والأختناق، وقد تكون سياسة دائمة عندها أو مجرد تكتيكات ضمن أستراتيجية كبرى، فأن العدو لا يشخص ولا يُحدَّد بناءً على وقائع عينية ترشحه ليكون عدوًا، بل يُحدد بناءً على حاجة معينة هي التي تلبسه ذلك اللقب كي تُبرر محاربته، فالدول هي من تعرُّف عدوها وفقًا لمصالحها، فإذا رأت أن تعريفًا ما لا يخدم مصالحها الاستراتيجية، تلجأ إلى وضع مصطلحات تحرّرها من المسؤولية وتوحي بمسؤولية القتيل عما حدث له، لا مسؤولية القاتل عن فعلته وهذا ما فعلته مثلا الولايات المتحدة في تبريرها للانتهاكات والتعذيب في أبو غريب وغوانتانامو.
هذه السياسة نجحت في إعادة بلورة الرأي العام سياسيا خاصة عندما تتعهدها السلطة وتستخدمها عمليا في صناعة رأي العام خادع، وتعيد ترتيب أوضاع اللعبة السياسية من جديد بأفتعال أزمة وطنية ومن هذا المنهج يتم إعادة توصيف المسميات لتلعب دورا مغايرا الهدف من ورائه أما تأكيد لهوية النزاع كما يحدث الآن في العالم الغربي بما يسمى فوبيا الإسلام، لتزرع هوية مؤقتة وربما دائميه لتحديد الهدف القادم سواء كان بالقوة العسكرية أو من خلال جعل العدو المصطنع في موقف دفاعي وتجريدة من ما يسمى بزمام المبادرة، أو يكون الهدف أبعد من ذلك لإعادة جغرافية الصراع السياسي والعسكري كما يحدث الآن من شيطنة إيران في الواقع العربي في محاولة تخفيف الأهتمام بالصراع العربي الصهيوني أو ربما إهمالة وبداية مرحلة التطبيع معه.
من هذا المنظار نفهم معنى أن يختلق عدو، ولماذا يستوجب الأمر أن يكون هناك صراع ضدي بدل التعايش السلمي الذي هو ضرورة وجودية لبناء عالم حر وحقيقي، هذه الأسئلة وغيرها بحثها المختصون في علوم السياسة والاقتصاد والأجتماع فضلا عن علماء النفس، وتوصلوا لحقيقة مهم هي أن (وجود العدو أمر ضروري بالمجتمع فهو يؤدي أدوارًا اجتماعية وسياسية عديدة، فعلى الجانب الاجتماعي يلبّـي العدو حاجاتٍ اجتماعية متعددة، كالحاجة إلى الهُوية "تعريف الذات من خلال تعريف الآخر"، والحاجة إلى تهدئة حالات القلق الاجتماعي "فحين يعاني المجتمع، يشعر بالحاجة إلى أنْ يجد أحدًا يمكنه أنْ يعزو إليه ألَـمَه، وينتقم منه لخيبات أمله"، هذا فضلًا عن الحاجة إلى توطيد الأواصر ضمن الجماعة "كما هو الحال بباكستان التي تمزّقها الحروب الأهلية ولا يجمعها إلا العداء للهند" .
هذه المبررات حقيقية ولا أحد يمكنه إنكارها خاصة وأننا في التأريخ القريب والبعيد نرى نماذج وتطبيقات قريبة جدا من هذه المفاهيم، وبالعودة للتأريخ الإسلامي المبكر نرى أن ما يسمى بحروب الردة وهي في حقيقتها كان الهدف منها خلق حالة رعب وإرهاب نفسي لدى المسلمين من عدو داخلي لا بد من حشد كل القدرة على مواجهته، هذا كان الهدف المعلن أما السبب الحقيقي هو صرف أنظار المسلمين على ما حصل في أمر الخلافة وبروز معارضة حقيقية لها من داخل الدائرة النخبوية المحيطة بمصدر القرار السياسي، بواسطة هذه التكتيكات تم أمتصاص حالة الغضب المتزايد على الطريقة التي تم بها أمر تنصيب الخليفة الأول، وأيضا إبعاد القادة العسكريون والاجتماعيون عن المدينة مركز السلطة وإشغالهم في أمر ثانوي، أما النتائج التي حصدها فريق السلطة فتمثلت بأستقرار الأمر في المدينة للحاكم الجديد والقضاء على أهداف غير مؤثرة ولا تشكل خطرا على المجتمع الإسلامي في حينها.
هذا واحد من الأثلة التأريخية التي تبين الأستخدام الحقيقي لصناعة العدو، وما زال البشر يمارسون نفس اللعبة في كل مرة يكون هناك حاجة ولو حتى أحتمالية لذلك، ولا يترددون في صنع الأعداء الأشباح للتغطية عن فشل أو أمتصاص غضب ما أو تفريغ شحنات أجتماعية سلبية، التنافس أو التناقض أو التضاد أو حتى العداء خصائص وديناميكيات أساسية في إعطاء الحياة لون وكنه ومعنى استناداً إلى مبدأ "لا يظهر طبيعة الشيء إلا ضده"، يتجلى ذلك عندما تكون هناك قوة أو جملة من القوى تسعى ليكون مكانها أوسع أو أكثر وزناَ من قوى أخرى تتنافس على مجال حيوي واحد لا يتسع بنظرها للجميع، إنها عملية مزاحمة أو إقصاء ممنهج للتفرد والهيمنة والأستحواذ، ما يستلزم أحياناً وجود واحدة على حساب الأخرى أو حتى إلغاء الواحدة لأخرى، فبعضها لا يستطيع العيش أو لا يثبت وجوده إلا بوجود عدو ما ليجعل وجود العدو مبرراً لتلك القوة كي تمارس هيمنتها وسيطرتها على محيطها والتحكم بقدر شعوبها.
بعد سقوط صدام حسين ونظامه في عام 2003 خرج أحد المفكرين الروس بتصريح في غاية الغرابة في حينها عندما قال أن أمريكا بهذا العمل قد أسقطت حيويتها، كان الكثير يظنون أن العكس هو ما سيحصل بقدر ما تم تقديم صدام حسين على أنه شيطان العصر الذي يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد العالم، كان رأي المفكر الروسي يتمركز حول فكرة فقدان المبرر التي كانت أمريكا تتعكز عليه في صراعها من أجل بسط سيطرتها على العالم بعد أنتهاء الحرب الباردة، في رأي المحايد كانت أمريكا تعرف هذه النتيجة وتتوقعها لذا سارعت بعد ذلك لأختيار هدف ثاني كعدو شيطاني، هنا كان الخيار إيران أو الصين، كان لا بد من إبداع أو اصطناع أو حتى فبركة عدو جديد من أجل ديمومة التوتر والسيطرة والتناقض والتنافس والتضاد المولدة لحالة الهيمنة المسَلًم بها للضرورة في عالمنا البائس، كان المرشح الأفضل كعدو- ولأسباب كثيرة يطول شرحها- هو "الإسلام أو الأسلمة"، وكان لا بد من إيجاد حامل لذلك "البعبع" أو الشبح المخيف الجديد.
هناك حقيقة لا بد من الوقوف عندها وهي أن اصطناع العدو (الافتراضي) شيء ومواجهته شيء آخر، اي ان اللعبة تقتضي وحسب القواعد بتجزئة (الطعم) او الضحية لتسهيل اصطيادها اولاً، ولضمان استفراد اجزائها ثانياً، هذه بعض مدخلات الادارة الامريكية للحرب ضد ما يسمى (الاسلام الأصولي الجهادي) باسم (الارهاب) ومشتقاته، وعليه فالتدابير المطلوبة هنا تتمثل بضرورة وحدة المسلمين كمدخل أساسي لتعديل الموازين او تخفيف النكبات او تبادل الخبرات او توسيع دائرة المواجهة، وهذا واقع لا يمكن تحققه بسبب العوامل التاريخية بين طوائف ومذاهب المسلمين أولا، ومن خلال أختراق كل الزعامات الدينية في جميع الطوائف من قبل قوى واجهزة مخابراتية وتجسسية، وهنا لا يمكن لهم تشتيت قوة العدو الحقيقي وهم مشتتون أصلا، لذا سيحتاج المشتتون في داخل المجتمعات الإسلامية لعدو أخر سهل أو على الأقل بالمستوى المناسب الذي يمكن تحريك العقل الجمعي نحوه.
يقول غاستون بوتول في نظريته التي يفسر فيها طبيعة الجريمة وأنواعها ضمن أسباب كثيرة تبرز نظرية كبش الفداء فيؤكد أن "المجتمعات إذن كالأفراد تحس لا شعوريا بالحاجة لإيجاد المبررات، فتراكم الاضطرابات والمعضلات وحالات القلق، لتعبر عن نفسها بأشكال عدوانية، تنتشر في أشكال شتى، فمثلا يعتبر كل منا سلاح الآخرين سلاحا هجوميا، ولكن يعتبر سلاحه الخاص سلاحا دفاعيا، فكبش الفداء هو شرط الوعي الجيد في الروح العدوانية"، إذا وحسب رأي بوتول من أسباب أصطناع العدو هو البحث عن كبش فداء لتقديمه للجمهور لإسكاته أو على الأقل إبطاء حركة الرفض من قبله لقواعد اللعبة السياسية والأجتماعية.
في الختام أرى أن الأسباب الرئيسية التي يمكنها أن تسبب في حالات أصطناع العدو تعزو إلى عاملين أو إلى علتين، الأولى عندما يكون الخيار هنا مقصودا وممنهجا ومرادا بالشكل الذي يؤدي إلى نتائج أفتراضية، وكما أسلفنا أسبابه تدور بين الحاجة لصياغة هوية أصطفافية أو مواجهة حالة من الإنسداد في المجرى الرئيسي للعلاقات الطبيعية، فيجري تنفيس هذا الإنسداد عبر قناة فرعية لتفادي الأنفجار أو المواجهة الحتمية التي قد تؤدي إلى تدمير بنية سياسية أو أجتماعية لا تقبل بالإقرار بهزيمتها، والعلة الأخرى تعود لأسباب نفسية وأجتماعية أساسها أضطراب تكويني نتيجة العنف المبكر تجاه الشخصية أو ربما الخوف من المجهول المعلوم، يقول "ريو. ت" في كتابه "سيكولوجية المشاعر" إن الخوف هو أول شعور يحس به المولود الجديد منذ اليوم الأول، ويتزايد هذا الخوف مع الكبر، يضاف إلى ذلك الخوف الغريزي والاجتماعي هذا الخوف الناتج عن التقدم في السن وعن الحاجات والمعتقدات والقوانين والقيم الطبقية في المجتمع، والتربية تقوى غريزة الخوف تارة وتقوي مجابهتها تارة أخرى، وعندما تستيقظ الروح العدوانية يواجهها المجتمع بالعقوبات والاصلاح والاجراءات، أو يبثها ويدعمها في احتمالات الحرب"، فالخوف عبر سلسلة من الأفعال النفسية تؤدي بالشخص أو المجتمع لثلاث حالات أما يعكس العنف لداخله "مازوشية"، أو ضد شخص قريب أو ضعيف أو غير قادر على الرد "سادية"، أو البحث عن كبش فداء ليكون عدو خارجي يوجه له العنف، ولو ليس بالضرورة أن يمارس هذا العنف ضده، بل يكفي أن تجعل منه عدو لتنفيس عن حالة العجز عن فعل العنف لضعف في القوة أو عدم المقدرة على إيقاعه أصلا.




#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف والإيمان
- في نظريات الكوسمولوجيا
- من الدين إلى الألحاد
- كيف نتعامل مع الموروث الديني؟ ولماذا الدين أصلا؟
- مفهم الديمقراطية بين حاجة السلطة وحق الشعب
- تكوين وتأسيس الحضارة ج2
- تكوين وتاسيس الحضارة ج1
- العقل الجمعي...ظاهرة وتكوين
- تأخرنا بماضينا وتقدم الأخرون بالمستقبل
- التاريخ والحضارة
- علاقة التاريخ بالأقتصاد
- علاقة التاريخ بعلم النفس
- علاقة التاريخ بعلم الأجتماع
- علاقة التأريخ بالأنثروبولوجيا
- قصة التأريخ
- الأسطورة والتأريخ
- الإنسان والتاريخ
- تجربة الحرية والمجتمع العراقي
- الإيمان بالتأريخ
- وهم القوة وكتابة التأريخ....


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - أصطناع العدو .... نظريات وتأريخ