|
-يوم النفير- الغنوشي في تونس
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 7044 - 2021 / 10 / 11 - 19:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صورة في إطار صغير، تحتوي على حافلات لندن الحمراء ذات الطابقين، في ساحة فسيحة شديدة النظافة، ورائهم بعض البنايات اللندنية العتيقة وجسر لندن وساعة "البيغ بنغ" الشهيرة ذات الرمزية في قدسية الوقت وبالتالي تكييف الإنسان لنفسه وفق تلك المؤشرات الزمنية. تغذي الصورة حلما كعربي له ماضي من الحضارة والقوة في أن يبعث نفسه حضاريا من جديد، وأن تغدو مدننا كذلك ويغدو إنساننا كذلك، مدنا نظيفة تحاكي إنوجاد إنسان كمواطن ودولة راقية، تعيش وفق إيقاع الزمن المعاصر وتصارعه في مسار التـقدم الروحي والحضاري الإنساني العام. تُـناقض هذه الصورة تماما، صورة المدن المهدمة والمدن القذرة والإنسان التائه في الزمن، وتعتصر تلك المآسي في صورة من واقعنا العربي البائس، وهي صورة الإرهابي الإسلامي الذي يقوم بذبح إنسان عربي أو غيره والذي يريد قـتل إرادة أحلام اليقظة العربية نفسها، وقـتل العقل والوجدان لينغمس الإنسان في كهفيته المظلمة متواريا عن الشمس، خارج التاريخ، ممزقا شبه كيان أو ضل كيان إنساني في معركة مع نفسه وفي ممارسة تدمير متواصل لذاتيته وللآخر كجوهر إنساني حر. لأجل ذلك تمسح وجوههم دوما الكآبة وينطفئ في عيونهم ضوء الحياة.. ذاك الإرهاب الإسلامي الذي يختـلف ويتـنوع في الدرجات ولكنه ذات الجوهرية التـدميرية ذاتها للإنسان والحرية والحضارة. يعلن نفسه عنوانا للهمجية والوساخة والامعقولية. وإن أكثر المظاهر تـزيـيفا وبرقـشة فيما يتـشكل فيه هذا الإرهاب يُسمى بالإسلاميـين المعتدلين. الإسلامي بربطة العنق والسترة الإفرنجية البراقة. الإسلامي المتراقص كأفعى بين جنبات البيوت بمظهر الحمل الوديع. هؤلاء بالذات، حين تـترك لهم المجال للتعبير عن أنفسهم في لحظة أزمتهم، يفضحون أنفسهم بكل غباء، وتلك الأزمة ليست إلا خروجهم من السلطة، وفي الديمقراطية فإن الخروج من السلطة ليس نهائيا بحيث توجد دوما إمكانية العودة للسلطة ما أن يقيم الحزب أخطائه بل حتى إذا وصل إلى مراجعة جميع أسسه الفكروية، ولكن بما أنهم لا يؤمنون بالديمقراطية، وبما أن السلطة غنيمة، وبما أن رؤيتهم قائمة على مبدأ التدافع بالقوة، فإن خروجهم من السلطة يرونه انقلابا عليهم، ونهاية لوجودهم السياسي لأن السياسة هي السلطة والغنيمة لديهم. لقد تأكد في ثالث مظاهرة يقومون بها للأسبوع الثالث في يوم الأحد الموافق لـ 10 أكتوبر 2021، ومن الأرجح أن يكون لهذا التاريخ تداعيات كارثية عليهم ابتدأت بالإعلان عن حكومة جديدة برئاسة السيدة "نجلاء بودن بن رمضان"، وهي حكومة الرئيس قيس سعيد في خط الإجراءات الاستـثـنائية المتأسسة على لحظة 25 جويلية 2021، المتأسس بدوره على منطوق عودة صوت الثورة والشعب ممثلة في الزخم الشعبي المتماثل مع رئيس الجمهورية كقائد لهذا المسار وكممثل فعلي للشعب. وبالتالي فالحكومة هي الثورة في السلطة، والثورة تـقوم بالانقلاب على المنـقـلبين على الثورة ومطالب الثورة. الانقلاب على الثورة تمثل حركة النهضة الإسلامية ابرز ممثليه وفاعليه.. في مظاهرة يوم الأحد النهضوية، يتأكد من خطابهم وسلوكياتهم، أنهم ليسوا إلا دعاة الهمجية والبربرية والضحالة. شعاراتهم التي رفعـوها وأكثرها فظاعة شعار "قيس سعيد عدو الله"، بما أنهم يعتـقدون في أنفسهم وكلاء الله في الأرض، وخصمهم السياسي، هو عدوهم و ليس مجرد منافس وخصم سياسي و بالتالي هو عدو الله وعدو الدين. يعني نفس التهم التي يكيلونها إلى جميع خصومهم، برغم التدين الواضح للرئيس قيس سعيد، بل إن الرئيس ربط بين مسئوليته أمام الشعب وبين محاسبة الله له يوم القيامة. هذا الذي جعل عمر ابن الخطاب مثله الأعلى في السلطة. هذا يغدو عند "الخوانجية" عدو الله وكأنهم هم الله أصلا. طبعا تعود بنا الذاكرة هنا مباشرة إلى يوم استـقبال أنصار الغنوشي له في 2011 في المطار يوم عودته من منفاه الطويل في لندن. حينها غنى أنصاره أغنية "طلع البدر علينا". يعني الغنوشي هو بمثابة رسول الله محمد وعودته هي يوم فتح مكة بخلط معلوم لديهم، وفتح مكة هذا ليس للشعب فضل فيه ولم يقوموا هم به بمثل ما هو معلوم، وإنما معجزة ربانية ليمكن وكلائه اللذين هم هم ليحكموا البلاد والعباد، وقد أكد هذا المفهوم القيادي وأول رئيس حكومة نهضوية "حمادي الجبالي" يوم الإعلان عن الفوز الساحق لحركة النهضة في انتخابات أكتوبر 2011، أنهم اليوم على أبواب الخلافة السادسة.. عادوا بسرعة إلى نفس المربع. هو نفس الخطاب ونفس المتن الفكروي يرفع اليوم شعار "قيس سعيد عدو الله". مظاهرة "يوم النفير العام" التي لم تتجاوز الثلاث آلاف ونصف حسب الإحصاءات الرسمية، وفي العاصمة وحدها، بفضل الأموال التي اشتروا بها ذمة شرذمتهم للمشاركة فيها، بالأموال بمثل ما قال سيادة الرئيس قيس سعيد. نقلوهم بالحافلات ليقوموا بالاعتداء على رجال البوليس الذين التـزموا بضبط نفس كبير. اعتدوا على بعض رجال الإعلام، وقام أحدهم بضرب شرطي، ثم تركوا الشارع وسخا بفضلاتهم من القوارير والقراطيس وغيرها تعبيرا عن كرههم للمهمة وكرههم للشارع وللبلاد وتعبيرا عن الهمجية والبربرية على العكس تماما من المظاهرات الشعبية الكاسحة في جميع المدن التونسية المساندة لرئيس الجمهورية قيس سعيد،حيث يقوم الشباب بتنظيف الشوارع بعد المظاهرات. هناك دلالة ذات أهمية كذلك في الفارق بين الفئة العمرية لأنصار الغنوشي وهي فئة متقدمة في السن بشكل عام وحتى شبابهم يتجاوز الثلاثين من العمر، وبين الفئة العمرية لأنصار قيس سعيد وغالبيتهم من الشباب ونسبة كبيرة جدا من الشباب اليافع الذي يدور في فلك العشرين المنعدم تماما عند أنصار الغنوشي. دلالة ذلك أن الغنوشي يمثل العالم القديم المتهاوي بكآبته وقيس سعيد يمثل العالم الجديد المنبثق بتؤدة في أولى لحظات فجر جديد معطر بالنسائم الكونية العطرة الطاهرة متطلعا بفرح وزهو لاشراقة الشمس التي ما أن يبزغ نورها حتى تمحو الظلام من الوجود. لكن، إلى متى سيتواصل عرض هذه المهزلة باسم حرية التعبير؟ هل يُعتبر القذف والكذب والهمجية حرية تعبير؟ كيف تـتهاوى هذه القيمة مثل بقية القيم على أيدي الإسلاميين إلى هذا الدرك الأسفل من التـزيـيف والكذب والوساخة؟ إن قيمة حرية التعبير ظهرت بالأساس في أوربا في صراع الفكر التنويري النقدي للكنيسة، أي أن حرية التعبير في أصلها الحديث هي في الاتجاه المضاد للسلطة الدينية فكيف تستمسك حركة دينية بثوب سياسي بحرية التعبير؟ ثم هل من باب حرية التعبير التكفير والرفع إلى مستوى العداء لله لمن يعارضك؟ هل من باب حرية التعبير القول أن الرئيس عدو الله؟ هل من باب حرية التعبير القيام بالاحتكار العلني لفكرة الله والتكلم بها وجعل الله في حضرة البربرية والهمجية واللاعقلانية؟ أليس الله هو اله الناس جميعا فكيف يكون عدوا لفئة من الناس لصالح فئة أخرى بشكل عام؟ والأهم من هذا الرد الحجاجي، ومن باب التفكير النظري، وباعتبار أن اللغة فكر، وبالتالي حرية التعبير هي حرية التفكير، وهنا نصل إلى مربع التفكير، فهل أن التعبيرات العدوانية بما هي ذات دلالة عنفية على فكر إرهابي احتكاري للسلطة باسم الوكالة من عند الله، له أحقية التعبير عن نفسه في بلاد شهدت ثورة شعب لأجل الحرية والعدالة الاجتماعية بكل تداعيات هذا الشعار من نظريات عقلانية تؤسس للتمدن والتحضر والتقدم الروحي والحضاري؟ هل من الممكن الدفاع عن حرية التفكير الإرهابي في حق شعب مسالم وفي حق دولة تريد أن تتطهر لبناء دولة القانون ومجتمع القانون وبناء دولة الحرية والعدالة الاجتماعية وفق المطلب المحوري للثورة؟؟
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جانب من حقيقة الوضع السياسي الحالي في تونس
-
ما وراء صخب الديمقراطوية في تونس اليوم
-
إنتصار الرئيس قيس سعيد
-
هل هو إنقلاب على الديمقراطية في تونس؟
-
ساكن القبر 5
-
ساكن القبر 4
-
ساكن القبر 3
-
ساكن القبر 2
-
ساكن القبر 1
-
أزمة الراهن التونسي
-
فلسطين.. نقطة تفتيش إسرائيلية
-
المثقف في لحظة موت الإسلام السياسي
-
حوار فلسفي مع فتاة ذكية
-
في رسالة رئيس الجمهورية -قيس سعيد- إلى -الغنوشي-
-
الحجاب والاسلام
-
المدينة العريانة
-
الصداقة والصندوق
-
حديث في الثورة التونسية
-
التنين
-
تخوم الضياع العربي
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|