|
آراء حول الدولة والمليشيات المسلحة
لطفي حاتم
الحوار المتمدن-العدد: 1650 - 2006 / 8 / 22 - 10:05
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
طرحت الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان كثيراً من الأسئلة التي سرعان ما تحولت إلى جدل ساخن تمحور حول قضايا فكرية / سياسية حادة انقسم المثقفون العرب إزاءها. قبل التعرض لبعض محاور السجال المتصاعد لابد لنا من استعراض اللوحة السياسية العامة للمنطقة العربية بهدف تشكيل رؤية عامة تساعد على مواصلة تحليل الوقائع الراهنة وتأثيراتها على مسار التطور اللاحق. ــ بداية من المفيد الإشارة إلى أن منطقة الشرق الأوسط كانت ولازالت الساحة الأساسية لتجريب توجهات الدبلوماسية الأمريكية الهادفة إلى الهيمنة الكونية. وفي هذا السياق تعمل إدارة المحافظين الجدد على إعادة صياغة الأنظمة السياسية لدول المنطقة بما يتناسب ومشاريعها ( الديمقراطية ). ــ أتسمت المشاريع الأمريكية لصياغة الشرق الأوسط الجديد بعقلية عسكرية مغلفة بأهداف إيديولوجية تتلخص بنشر (الديمقراطية) عبر الضغوط الاقتصادية والتدخل في الشئون الداخلية وصولاً إلى التدخل العسكري بهدف الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية. ــ ترابط الركائز الأساسية لمشاريع الإصلاح الأمريكية وتوجهات السياسة العسكرية الهادفة لمكافحة الإرهاب وتدمير ملاذاته الآمنة، الأمر الذي أدى إلى تعذر فك الاشتباك بين المصالح الاستراتيجية الأمريكية وبين مكافحتها للأنشطة الإرهابية. ــــ أفضت العقلية العسكرية للممارسة الأمريكية إلى نتيجتين بالغتين الخطورة على الأمن الإقليمي إحداها تمثلت بتراجع الدبلوماسية ولغة الحوار في حل النزاعات الدولية. وثانيتها تجاهل المصالح الوطنية لدول المنطقة والتدخل في شئونها الداخلية وما نتج عن ذلك من ظهور اصطفافات إقليمية تركزت بمحورين محور عربي محافظ يسعى إلى مقاومة الضغوط الأمريكية وإصلاحها الديمقراطي من خلال التكيف التدريجي والخضوع لمتطلبات الوافد الخارجي وآخر راديكالي مناهض للسياسة الأمريكية ونزعاتها الحربية. ــ أفضت المحاور الإقليمية والسياسة الأمريكية في المنطقة إلى انقسام الشريحة العربية المثقفة وقواها النشطة إلى ثلاث كتل أساسية: أ: ــ كتلة رسمية سياسية / إعلامية مدافعة عن النهج السياسي لهذا المحور الإقليمي أو ذاك. ب: ــ كتلة ليبرالية عربية مدافعة عن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان بطبعتها الأمريكية وروحها الهجومية. ج: ــ كتلة عربية ثالثة معارضة للأنظمة الاستبدادية ومناهضة لسياسة التدخل في الشئون الداخلية واستخدام القوة في العلاقات الدولية. استناداً لتعقيدات الصراع الجاري ومساهمة في الحوار الجاري أحاول تفكيك المضامين الفكرية / السياسية لهذا الصراع برؤية بالغة الكثافة. بداية أشير إلى أن السجال الفكري / السياسي المندلع لا يمكن عزله عن النتائج الكارثية للسياسية الأمريكية في الشرق الأوسط والتي نجد تجلياتها في المفاصل التالية: ــ ـــ افرز الغزو الأمريكي للعراق فوضى وطنية / كبرى تلخصت نتائجها بتفكك الدولة العراقية وانهيار مؤسساتها العسكرية / الأمنية وما نتج عن ذلك من تعدد ( السلطات ) العاملة في العراق ـــ سلطة الشرعية الانتخابية, السلطة الأمريكية, وسلطة القوى المناهضة للاحتلال ـــ، الأمر الذي أفضى إلى تفكك التشكيلة الاجتماعية العراقية وتوزع مكوناتها على خانات طائفية / عرقية. ــ بسبب العنف المتجذر بين الدولة العراقية ومكوناتها الاجتماعية لم تستطع المؤسسات الجديدة إيقاف دوامة الصراع الداخلي المصطبغ ً بألوان طائفية / عرقية والهادف إلى محاولة أطراف الصراع الداخلي للسيطرة على سلطة الدولة العراقية الجديدة. ــ ترابط فشل المشروع ( الديمقراطي ) في العراق وتغيرات سياسية كبيرة منها تنامي شعبية الحركات الإسلامية الراديكالية والذي تجسد عبر الشرعية الانتخابية ـ حماس، الائتلاف الموحد ــ الإخوان المسلمين في مصر ــ فضلاً عن انهيار الحلف المناهض للإرهاب المدعوم أمريكياً بعد سيطرة القوى الإسلامية في الصومال. ــ أدى صعود الموجة الإسلامية الراديكالية وتشابكاتها الإقليمية إلى تزايد خشية المحور العربي المحافظ من الروح الهجومية للطائفة الشيعية المتحالفة مع إيران. ( 1 ) على أساس المتغيرات المشار إليها وانكسار المشروع الديمقراطي الوافد يمكن الاصطفاف مع الموضوعة القائلة أن العقلية العسكرية الأمريكية المتشابكة ونزعة التوسع الإسرائيلية هي التي شجعت الدولة العبرية على شن هجومها على لبنان بهدف تعديل مسار السياسة الإقليمية لصالح التوجهات المناهضة للمنظمات الإسلامية والدول الراديكالية. استناداً إلى تلك الموضوعة يواجهنا السؤال التالي: ما هي تداعيات العدوان العسكري الإسرائيلي على مستقبل الشرق الأوسط ؟ . وما هي تأثيراته على الأمن الإقليمي ؟ . محاولة التقرب من الأسئلة المثارة تشترط حصر رؤيتنا بمضامين الخلافات الفكرية / السياسية الناتجة عن العدوان والتي يمكن وضعها بالمحددات التالية: ــ أولاً: ــ على صعيد العلاقات الدولية: ــ أثار العدوان شأنه شأن الغزو الأمريكي للعراق أسئلة كبرى منها: حدود استخدام القوة في العلاقات الدولية، موقف الأسرة الدولية من الغزو العدوان، حدود التفسير القانوني لموضوعة الدفاع عن النفس، مبدأ السيادة والتدخل في الشئون الداخلية، مسؤولية دولة العدوان عن تدمير الأبنية الاقتصادية / الخدمية للدولة المستهدفة، صيانة / انتهاك القانون الدولي الإنساني، وأخيراً كيفية ( تجفيف منابع الإرهاب ). إن هذه القضايا الدولية الشائكة والتي أصبحت مثاراً للبحوث القانونية والسياسية لا يمكن عزلها عن الروح الهجومية الأمريكية ممثلة بعقلية المحافظين الجدد الراغبة في إعادة صياغة العالم بما يتلاءم والسيطرة الأمريكية العالمية. ثانياً: ــ أثار الهجوم الإسرائيلي على لبنان سجالاً فكرياً صاخباً لحزمة من القضايا السياسية / الفكرية المتشابكة والتي حاول العديد من الكتاب والصحفيين اختزالها بقضية الدولة والميلشيات المسلحة بعيداً عن معالجتها بصورة مترابطة على أساس: ــ ــ العلاقة بين الشرعية الوطنية للحكم والدفاع عن السيادة الوطنية, وما يشترطه ذلك من معالجة البناء السياسي للدولة العربية وعلاقة ذلك البناء بمسألة الديمقراطية السياسية. ــ العلاقة بين التداخلات الخارجية, ومشاريع الاستسلام المبنية على سلام القوة المخلة بمصالح الدول العربية. لغرض إضفاء شرعية فكرية /سياسية على مضمون السجال الفكري الدائر أحاول إيراد مقاربة أولية بين العراق ولبنان من خلال مؤشرات عامة، ولكن قبل الدخول في التفاصيل من المفيد التأكيد على أن مفهوم المليشيات المسلحة أصبح مفهوماً غامضاً تتشابك في ثناياه مفاهيم عدة منها المقاومة الشعبية التي تنشئها الدولة كفصائل مساعدة للأجهزة الأمنية، ومنها المقاومة الوطنية التي تتشكل أبان العدوان الخارجي على الدولة الوطنية بهدف الدفاع عن الاستقلال والسيادة الوطنية، الفصائل المسلحة المناهضة لعنف السلطات الديكتاتورية, وأخيراً المليشيا المسلحة بمختلف تسمياتها وتلاوينها السياسية والتي تشترطها الحروب الأهلية الداخلية الناتجة عن ضعف الدولة الوطنية وتفككها. إن هذه التحديدات ضرورية لغرض تفكيك لغة الإبهام والالتباس المحيطة بمفهوم المليشيات المسلحة والتي تساعدنا على تأطير رؤيتنا القادمة: ــ ــــ انبثقت المليشيات المسلحة في العراق على خلفية انهيار الدولة العراقية لأسباب خارجية. بكلام آخر اصطباغ الصراع العراقي بألوان طائفية بين قوى سلطة طائفية منهارة بالقوة العسكرية الخارجية وبين سلطة طائفية جديدة ناهضة بمساعدة المحتلين. ــ بالضد من ذلك جاءت المقاومة المسلحة في لبنان رداً على النزعة التوسعية لإسرائيل وتعويضاً شعبياً عن ضعف المؤسسة العسكرية اللبنانية. بمعنى إن المقاومة اللبنانية يمكن توصيفها بمقاومة شعبية لصيانة سيادة البلاد الوطنية. ( 2 ) ـــ شكلت الوحدة الوطنية اللبنانية أساساً قوياً لمواجهة العدوان والاحتلال وجاءت تلك الوحدة انطلاقاً من التجارب التاريخية التي عايشها لبنان ومراراته من الحروب الإسرائيلية والتناحرات الأهلية 0( 3 ) ــ في العراق تستعر حرب ( أهلية ) تشارك فيها مليشيات عراقية وأطراف خارجية أضفت على الصراع الداخلي الدائر طابعا وطنياً / إقليمياً / دولياً. ــ يهدف الحوار الوطني اللبناني إلى تعزيز الدولة الديمقراطية اللبنانية عبر دمج سلاح المقاومة الشعبية في بنية المؤسسة العسكرية وما يعنيه ذلك من ضمانة أساسية لصيانة النظام الديمقراطي والقدرة على مواجهة العدوان. ــ أصبحت المليشيات المسلحة في العراق أدوات أساسية بيد الأحزاب والقوى الطائفية بهدف الاستحواذ على السلطة والانفراد بها تحت أغطية الشرعية الانتخابية أو مناهضة التدخل الخارجي. خلاصة القول أن الصراع الدائر في الشرق الأوسط صراع تتشابك فيه مصالح ثلاث قوى رئيسية أولها القوى الوطنية / الديمقراطية في البلدان العربية المطالبة بالديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية. وثانيها القوى الإقليمية الراغبة في بناء الأمن الإقليمي على قاعدة السلام والتعاون المشترك بعيداً عن التداخلات الخارجية. وثالثها المراكز الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية الهادفة إلى تعزيز سيطرتها العسكرية / الاقتصادية / السياسية على منطقة الشرق الأوسط ارتباطاً بصراعها مع التكتلات الدولية الناهضة. ( 4 ) استناداً إلى هذه الرؤية التحليلية أحاول إيجاز مداخلتي بالآراء التالية: ــ أولاً: ــ هناك علاقة وثيقة بين منظومة البلاد السياسية وبين السيادة الوطنية التي تتعزز من خلال الديمقراطية السياسية وتوازن المصالح الاجتماعية لمكونات التشكيلة الوطنية. ثانياً: ــ يرتكز بناء الأمن الإقليمي على روح التضامن والتعاون المنبثقة من توازن المصالح الوطنية / الإقليمية الخالية من نزعات التسلط والهيمنة الإقليمية / الدولية. ثالثاً: ــ إبعاد التداخلات الأجنبية في الشئون الإقليمية والكف عن المشاريع السياسية الخارجية لصياغة المنطقة التي أصبحت ـ المشاريع ـ سبباً لإثارة الصراعات الوطنية / الإقليمية. رابعاً: ــ عقد مؤتمرات إقليمية / دولية مبنية على أساس السلام والتعاون الإقليمي بضمانات دولية. على أساس تلك الآراء والمقترحات ازعم أن الأمن الإقليمي سينتقل من مرحلة التوترات والحروب الإقليمية إلى مرحلة التعاون المثمر الذي تتبدد فيه روح الكراهية وتزدهر في ربوعه روح المحبة والتعاون.
الهوامش
1:ـ تنطلق العقيدة الشيعية من روح جهادية مناهضة للتداخلات الخارجية بشكل عام رغم تناقضات الحالة العراقية المتمثلة بمهادنة بعض الفصائل الشيعية لقوى الاحتلال والتي يمكن تفسيرها باعتبارات حزبية تمليها مجريات الصراع الجاري في العراق. 2: ــ هذا التوصيف لا ينفي الأيديولوجية الطائفية لأهم فصائلها المتمثلة بحزب الله وحركة أمل الشيعيتين. 3: ــ البناء السياسي الطائفي للدولة اللبنانية يمنع الصراع الوطني على السلطة السياسية رغم تدخل أطراف خارجية في الحوار الوطني لحسابات إقليمية / دولية. 4: ـ إن القوى الثلاث الفاعلة في صراع الشرق الأوسط لا يمكن عزل فعاليتها السياسية بسبب ترابطاتها الأيديولوجية وتداخل مصالحها المستقبلية.
#لطفي_حاتم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملاحظات حول الشرعية الدولية والعدوان
-
التشكيلة العراقية وصراع بنيتها الطائفية
-
الفوضى الخلاقة وأزمة العراق الوطنية
-
السياسة الدولية والشرعية الانتخابية
-
الاحتلال الامريكي للعراق وانهيار بنية الخطاب الوطني الديمقرا
...
-
الاصطفافات السياسية وسمات المرحلة الدستورية
-
تدويل النزاعات الوطنية والديمقراطية الوافدة
-
بناء الدولة العراقية وتنازع بنيتها الدستورية
-
القانون الأساس وإشكالات بناء الأجهزة العسكرية
-
المواطنة بين المساواة الشكلية وتفكك الدولة العراقية
-
العولمة الرأسمالية وفعالية التناقضات الوطنية
-
أزمة العراق الوطنية وإصطفافات المرحلة الانتقالية
-
الاحتلال الأمريكي للعراق وتناقضات المرحلة الانتقالية
-
أراء حول المستجدات السياسية وبناء الرؤية الوطنية
-
الليبرالية العربية بين المراجعة التاريخية والروح الانقلابية
-
العقيدة التدخلية وتطور العلاقات الدولية
-
سلطة الشرعية الانتخابية ومسار السياسية الاقتصادية
-
الشرعية الانتخابية وأجهزة الدولة السيادية
-
الشرعية الانتخابية وغياب الرؤية الوطنية
-
التغيرات الدولية وإشكالية الكفاح الثوري
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|