يسري حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1649 - 2006 / 8 / 21 - 10:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نسفت الحرب الإسرائيلية على لبنان , كافة أوهام حزب التطبيع , الذي إنتعش بعد زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس , ثم إزدهرت أفكاره بعد توقيع إتفاق وتكوين السلطة الوطنية الفلسطينية .
هذه الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على غزة ولبنان , تثبت مجدداً بطريقة بليغة أن إسرائيل هي العدو , مهما حاولت التخفي وراء مساحيق السلام وأكاذيب التعاون والصداقة وتنمية العلاقات الدبلوماسية عبر فتح السفارات في العواصم العربية ! .
وضرب لبنان بهذه الهمجية سيقضي تماماً على معسكر التطبيع , الذي سكن في المكاتب الفارهة والصحف الحكومية التي تنفق من مال الشعب وتتحرك ضده دائماً وتستلهم الخطط والثقافة المعادية لإستقلاله وأمنه .
وقد تبجح معسكر التطبيع بعد توقيع إتفاق أوسلو , وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية . وإدعى هذا الحزب غير الوطني أنه المتحضر والقادر على قراءة رياح العصر , والتكيف على أرض المصالحة وعبور الحاجز النفسي , الذي تحدث عنه السادات كثيراً , بإعتبار أن الصراع مع إسرائيل لا يخرج عن سوء الفهم والعُقَد النفسية وعدم الشعور بالأمان الإسرائيلي , في محيط عربي يتوعدهم بإلقائهم في البحر .
وكانت حركة مناهضة التطبيع إشتد عودها , بعد زيارة القدس , وإستطاعت بالفعل أن تلجم بعد الدوائر التي لا تستحي من التعاون مع العدو . غير أن توقيع إتفاق أوسلو مع الفلسطينيين , شجع المعسكر التطبيعي على الحديث بصفاقة وإستغلال صفحات الجرائد الحكومية للتعبير عن التصالح والصداقة , والترويج بأن العصر لا يعترف بالعداوات التقليدية وأن العولمة هي طريق التعاون والإنفتاح على التكنولوجيا الحديثة وإزاحة العقبات الوطنية من الطريق وتجاهل الأمن القومي وثقافة الوطن ! .
وشجعت المجموعات التي تكونت بإسم كوبنهاجن والقاهرة وغير ذلك من اللافتات على الحركة العلنية للتطبيع مع إسرائيل . وشهدت لندن بالذات النشاط الصهيوني الذي يدعو إلى التطبيع ودعوة صحفيين عرب لزيارة الكيان الصهيوني والوقوف على مدى إنسانيته وصدقه ورغبته الحقيقية في السلام , لولا أنصار التطرف والتزمت الذين يدفعون المنطقة نحو الإرهاب والتشدد والتعصب بكل أنواعه ! .
وقد حاولت طوائف المطبعين إغراء بعض الأصوات الليبرالية والتقدمية لزيارة العدو , بدعوى الحوار والتفاهم واللقاء حول نقاط الخلاف والإتفاق في عالم يدعو إلى المصالحة , بعد إنهيار الكتل الأيديولوجية وإلتقاء الشرق مع الغرب ونهاية الحرب الباردة والصارع الفكري وتحول العالم إلى قرية واحدة . ومن الأهمية ذكر أن أغلبية المنابر الإعلامية العربية تحاصر الأقلام الوطنية التقدمية وترحب بمن لهم علاقات مباشرة مع إسرائيل ويتهجمون على قضية التحرر والإستقلال ويلقون بالقذائف الموجهة ضد الأطرحات التي تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي وإنهاء عملية التطبيع معه .
وكان هم التطبيع العزف على أوتار التفاهم , وقضية إعرف بنفسك وأحكم , طالما أن الجانب الفلسطيني نفسه قد تصالح في أوسلو , ومد جسور التفاهم والمصالح والإتصالات ! .
حاولت محاور التطبيع أن تجعل من لندن عاصمة أخرى تقيم الجسور وتغري من أجل مايسمى بالحوار المتعدد الأطراف والوصول إلى معرفة الأخر , وأن من واجب المثقف الحوار بدلا من الخصام والرفض , خصوصاً بعد إنهيارات عدة حدثت في العالم العربي وإتجاه الجميع نحو التنمية ببناء القرى السياحية ونشر قنوات الرقص الفضائية حتى تهدأ الخواطر وتعالج النفوس القلقة , التي شغلتها الحروب والمواجهات خلال نصف قرن كامل .
وحقيقة لم يسقط في دوائر التطبيع سوى بعض الأسماء الباهتة التي ليس لديها ما تدافع عنه وتتنكر لإنتمائها إلى هذا الوطن , ودائماً تغرد بعيداً عنهم .
الحرب القذرة التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة , تثبت لأجيال عربية أن العدو هو هذا الكيان الذي يحاربنا بهذه الوحشية والشراسة بإستخدام ترسانة الأسلحة الأمريكية .
وقد تظاهر أسكتلنديون ضد إستخدام واشنطن لمطارات أسكتلندا لإمداد إسرائيل بالصواريخ الذكية لهزيمة حزب الله والقضاء عليه . وهذا الموقف من أفراض الشعب الأسكتلندي يؤكد أن الدفاع عن الحق والعدل , لا يعرف الإنتماءات لأديان أو أعراق أو جنسيات .
فكما أن هناك عرباً ومسلمين أيدوا الغزو الإسرائيلي , وأصدروا الفتاوى لتأييده فأن بعض الأفراد الأسكتلنديين تظاهروا وهاجموا سياسة الحكومة البريطانية التي فتحت مطاراتها أمام الطائرات الأمريكية لإمداد إسرائيل بالذخيرة والأسلحة لتدمير حزب الله .
هذا العدو لا يهدد لبنان وغزة فقط , إنما هو أيضاً يهدد مصر وسوريا وكافة الدول العربية , التي يريد تركيعها لتقبل بمشروعه للهيمنة على المنطقة , حتى يكون هو السيد والعرب هم الأتباع بلا إرادة وطنية ولا مصالح يدافعون عنها .
وإسرائيل تنفذ سمات مشروع الشرق الأوسط الجديد , الذي طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس , ولبنان يحترق . وأعتبرت هذا التدمير هو المطلوب لإقامة شرق أوسطها بلا مقاومة أو ممانعة , وإنما إستسلام وعبودية في ظل معادلة تكون فيها إسرائيل هي المندوب الثاني للولايات المتحدة في المنطقة .
إن مشروع رايس الجهنمي في الشرق الأوسط , هو تركيع الجميع وتخويفهم من أجل المحافظة على الكراسي والأنظمة التي تدير الأوطان طبقاً لمصالحها وأجندة العائلات الحاكمة ودوائر حزب الفساد والنهب الذي يواصل إستنزافه للثروات الوطنية للشعوب .
وصحيح أن حزب التطبيع ظل دائماً مرتفع الصوت , لا يخشى العقاب وليس لديه الحياء الوطني . لكن الصحيح أيضاً أن هذه القوى لن تكون قادرة على تسويق برامجها للتطبيع والمصالحة والترويج للسلام الأعرج . ومن الممكن أن تشن هذه المجموعة الهجوم على حزب الله , كما فعلت الحكومية . لكن ما فعلته إسرائيل جعل الشعب يدرك أن السلام وهم وأن العدو هو الذي يطلق النار على المدنيين في غزة وجنوب لبنان . والدليل على أن إسرائيل هي العدو , قيام السلطة الوطنية في فلسطين بطرح كل التنازلات ولم تخجل تل أبيب من ضربها وإهانتها , كما فعلت مع الرئيس الراحل ياسر عرفات . وبما أنها نفذت ذلك مع سلطة منتخبة وشرعية , فكان لابد من نمو جناح المقاومة الرافض لهذا الكيان ويرفض الإعتراف به أو التعاون معه .
لقد عادت المنطقة مرة أخرى إلى المربع الأول وإحتاجت لسنوات طويلة حتى تجهض المشروع الذي جاء به أنور السادات , الذي صدق بأن إسرائيل تحتاج للأمان حتى تعيش معنا ! . وسيناريو هذه الأيام يثبت أنها تسعى لإبادتنا جميعاً حتى تبقى وتزدهر وتنمو , بينما مدننا يتم تدميرها برضاء الولايات المتحدة والأنظمة المتحالفة معها .
إن التطبيع مع إسرائيل إنتهى , ونحن في حقبة جديدة . ومن لا يصدق عليه رؤية ما تقوم به الدولة الصديقة من تدمير شعب شقيق لنا هم أهل لبنان . وتمارس الإبادة نفسها مع شعب فلسطين الذي بدأت به في جولة إلتهام الأرض والبشر والناس .
إسرائيل نفسها , هي التي دقت المسمار الأخير في نعش التطبيع , ولا عزاء لعبد المنعم سعيد وعلي سالم وأمين المهدي وغيرهم من أولاد الكامب وأبناء أوسلو وأيتام كوبنهاجن ! .
#يسري_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟