|
- ثقافة القبح - تفسد حقوق المواطنة
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7038 - 2021 / 10 / 5 - 21:30
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
---------------------------------- يبدو أن أحلام وتطلعات العاملين النشطاء فى مجال البيئة العربية ، قد اقتنعت بضرورة الاصلاح البيئى ، كمدخل أساسى ، فى أجندة الاصلاح . فهناك مؤتمرات عربية للأمن البيئى ، التى وصلت بعد جهد طويل ، الى توصيات غير مسبوقة لحماية البيئة العربية . وقد أدركت موطن الداء ، حيث أننا لا نفتقد الى أفكار ، ولكن الى ارادة لتطبيق هذه الأفكار ، المحبوسة فى الأدراج . ولذلك فقد أوصت بتحويل " الأحلام البيئية " ، الى واقع فعلى ، واسلوب يومى فى الحياة . على سبيل المثال ، تهدف فكرة " المنتدى العربى للبيئة " ، إلى تقديم العون اللازم لقيام مشروعات حماية البيئة العربية ، ومشروعات الحفاظ على الموارد العربية ، وتنميتها ، ولأن إقامة هذه المشروعات غير ممكن بدون الإطار النظرى السليم ، فإن فكرة " المنتدى العربى للبيئة " ، تهدف إلى نشر الثقافة البيئية ، وتدعيم " التربية البيئية " ، على مستوى جميع القطاعات. من التوصيات المهمة أيضاً للمؤتمرات العربية للأمن البيئى ، هى ضرورة صياغة " إستراتيجية عربية جديدة " ، تحدد كيف يمكن للقطاع الخاص المساهمة فى الإدارة البيئية ، وكيفية دعم المشروعات البيئية ، عن طريق إدخالها فى نظام التأمينات على مشروعات التنمية ، وكيفية تشجيع رأس المال الخاص فى الاستثمار فى مشروعات حماية البيئة ، والحفاظ على الموارد. وسمعنا أيضا عن تدريس مادة " التشريعات البيئية " ، فى كليات الحقوق على المستوى العربى ، مما يصب مباشرة فى تكوين " العقلية البيئية " التى نطمح إليها ، أو " الثقافة البيئية " ، التى بدونها تصبح كل التوصيات ، حبراً على ورق. ويرتبط بهذا الحل ، المطالبة بضرورة خلق آليات ، أو أدوات قانونية ، تختص فقط بالفصل فى المنازعات البيئية للشركات متعددة الجنسيات. ولأن جزءاً لا يستهان به من مشكلات التلوث البيئى ، أو المشكلات الناتجة عن عدم استخدام تكنولوجيا " صديقة للبيئة " ، يعود إلى ضعف " تقييم " المشروعات البيئية ، والاستهانة بتقديم دراسات كاملة عن المردود السلبى ، والإيجابى لإنشاء المشروعات الاقتصادية ، نجد أيضا مطالبات بضرورة اعادة تقييم المشروعات البيئية ، و " توحيد " معايير التقييم بين الدول العربية . وأعتقد أن هذا منطقى ، فليس من المعقول ، ونحن نتكلم عن " تحول بيئى" ، الذى سيشمل كل البلاد العربية ، ونتكلم عن " الاستراتيجية البيئية " ، التى ستغطى البلاد العربية جميعها ، أن يحدث التخبط فى المعايير البيئية فى كل بلد. إن " توحيد " معايير التقييم البيئى ، لا تعنى التغاضى عن " تفرد " ، و " خصوصية " كل بلد عربى ، يقام على أرضه المشروع البيئى ، لكنه يعنى " تثبيت " مجموعة من " المعايير" المتفق عليها ، والتى ثبت نجاحها فى تجارب أخرى ، ودول أخرى ، مع هامش من المرونة تواجه خصوصية البلد المعنى . لقد أصبحت المشكلة الناتجة من المشروعات التى تعادى البيئة ، ومن غياب الثقافة البيئية ، أمراً خطيراً لا يمكن السكوت عليه ، أو تأجيله. وإذا كانت البلاد العربية قد فشلت فى " التوحد " السياسى ، فربما تكون الاستراتيجية البيئية العربية ، والمنتدى العربى البيئى ، بداية مواتية لتحقيق نوع من الاتفاق والتوحد ، على مستوى حماية البيئة العربية. هل يمكن أن تفتح قضايا البيئة ، صفحة غير مسبوقة ، للتعاون العربى الفعلى المشترك ؟. ؟ هل يمكن أن تحقق " البيئة " ، ما فشلت فيه السياسات العربية ، وما عجز عن تحقيقه مبدأ " اتفاق العرب على ألا يتفقوا " ؟؟. إنه حلم ، أن تتحقق بيئة عربية نظيفة خضراء متوازنة ، متواصلة العطاء للأجيال المقبلة. ان أى تصورات خاصة باصلاحات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ، لا تكتمل ، ولا تحقق التنمية المطلوبة الحقيقية ، بدون تصور واصلاح للأحوال البيئية . أقول هذا لايمانى بأن جزءا اساسيا ، من حقوق المواطن المصرى والعربى ، هو حقه ، فى ألا يحاصره " القبح " ، وأن يتمتع بــ " اللمسة الجمالية " ، فى البيئة المحيطة . لمسة جمالية ، فى محيط نظيف آمن صحى . كمواطن مصرى ، يعرف ، ويقدر ، ويعشق " الجمال " . الجمال الذى هو أحد الفروع الكبرى للفلسفة ، وهى " الحق " .. " الخير" .. و " الجمال ". وكذلك باعتبارى متخصصاً فى العلوم البيئية ، أجد غياباً واضحاً ، واهتماما نظريا فقط ، لما يمكن تسميته بــ " الإصلاح البيئى ". وأرى أن هناك تقصيراً ، فى الاهتمام بــ " الجمال " واللمسة الجمالية ، فى جميع أمور حياتنا ، وليس فقط فيما حولنا من بيئة مادية مثل البيوت ، والشوارع ، والميادين ، والمناطق العشوائية. بمعنى آخر ، نحن نعانى مما هو حقيقة مؤسفة ، وأطلق عليه " ثقافة القبح " . تماماً مثلما نعانى من " ثقافة الوصايا " ، و" ثقافة امتيازات الذكور " ، و" ثقافة الاستعلاء الفارغ " ، و" ثقافة معاداة الجديد ". لقد أفرزت لنا ، " ثقافة القبح " ، أنواعاً من التلوث البيئى ، تؤذى المواطن المصرى ، وتصيب " حقوق المواطنة " فى مقتل . نذكر التلوث البصرى ، من تفاوت ارتفاعات المبانى ، وتنافر ألوانها ، تناثر القمامة والقاذورات فى الشوارع ، الفضلات و " الكراكيب" التى تُخزن على أسطح المنازل ، غياب اللون الأخضر ، الإعلانات المختلفة التى تلصق على واجهات البيوت وفى الشوارع ، والملصقات التى توضع على وسائل المواصلات العامة ، دون انسجام ، أو نظام ، ويمكن أن نضيف أيضاً عوادم السيارات ، وأدخنة المصانع. ونذكر التلوث السمعى ، من فوضى وعشوائية استخدام الميكروفونات ، فى الجوامع ، وفى مناسبات الأفراح ، والمآتم ، ومع الباعة الجائلين. إن " ثقافة القبح " والتى من بعض آثارها التلوث البصرى والسمعى ، أصبحت " ثقافة شعبية ". أقصد أن " القبح " أصبح الحقيقة السائدة فى مجتمعنا . كم من المرات التى شاهدت فيها ، عربات مكتوب عليها من الخلف " تجميل القاهرة " ، وهى تبث فى الهواء ، أدخنة العادم بكثافة ، وتصدر أصواتا مزعجة عاليةمن الموتور . ليس الخطر الحقيقى ، أن نعيش فى بيئة ليست صحية ، غير نظيفة ، تغيب عنها اللمسات الجمالية ، والمساحات الخضراء ، والتناغم فى أشكال المبانى أو ألونها. الخطر الحقيقى ، هو أننا قد " تعودنا " على هذا" القبح " ، والتعود يلغى إحساسنا أن هناك مشكلة ، ولابد أن تُحل . نحن سواء كنا حكومات ، أو شعوباً ، لم يترسخ بعد ، فى عقولنا ، ووجداننا ، " ضرورة الجمال " ، وأهمية تذوقه . مازلنا نعتقد أن الحرص على اللمسة الجمالية ، والنظافة ، والهدوء ، وتحقيق التناسق ، والتناغم كلها " رفاهية " أو " ترف ". هى ليست أساسية مثل توفير لقمة العيش ، أو السكن الرخيص ، أو التأمين الصحى. والبعض يظن أننا استوردنا مشكلات التلوث البيئى والحرص على الجمال ، من الغرب الذى لا يعانى من غياب الأساسيات. لدينا جهاز لشؤون البيئة ، ولكن ليس لدينا " العقلية البيئية ". عندما انتهيت ، من دراستى للماجستير فى العلوم البيئية ، فوجئت بأن هناك كماً كبيراً ، متنوعاً من البحوث والدراسات البيئية سواء على مستوى الماجستير ، أو الدكتوراه. كلها مركونة فى الأدراج أو مخزونة فى المكتبات. لم يستفد بها أحد ، ولذلك أقول ، إن الاهتمام بالجمال البيئى ، أو الإصلاح البيئى ، مازال موضوعاً للاهتمام النظرى فقط. لكنه لم يصبح بعد جزءاً أساسياً من فلسفة التطوير ، والإصلاح. فقد يقرأ المسؤولون توصيات عديدة ، عن ضرورة وجود اللمسة الجمالية ، فى البيئة المحيطة ، ويعجبون بها ويثنون عليها . لكن الشارع المصرى ، والبيت المصرى ، والبيئة المصرية ، قصة أخرى مناقضة. إن الحق فى حياة ، نظيفة ، خضراء ، صحية ، جميلة ، من أساسيات حقوق المواطنة وليس فقط مجرد الحق فى الحياة .. أى حياة .. وإن حاصرها القبح والتلوث والضوضاء.
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى ندفع الثمن لنستحق الديمقراطية أو العدالة أو الحرية ؟؟
-
مروجو الفتاوى واحتلال الاسلام الشكلى الخليجى والأفغانى لمسلم
...
-
مجهولو النسب .. ضحايا غياب العدالة
-
للزوجات فقط .. نصائح للسعادة الزوجية منتهية الصلاحية
-
تطبيق الشريعة الاسلامية فى بلاد الأمريكان
-
الشرط الأوسط .. الشرع الأوسط .. الشرخ الأوسط الجديد ؟؟!!
-
النقاب أهو معركتنا الجديدة ؟؟؟؟.
-
اختلاف الفقهاء ليس رحمة ولكن تخبط
-
تنويعات على لحن الصمت العربى
-
الفكر الوهًابى الارهابى يجتاح مدارسنا
-
- أمى - وأنا فى مجتمع ذكورى
-
لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون
-
الكبت الجنسى وفشل مؤسسة الزواج
-
الزى الاسلامى وخطر السرطان
-
الزواج السياحى ....... نساء للبيع
-
ارهاب التيارات الاسلامية يخدر العقول
-
كيف تصنع ارهابيا ناجحا ؟
-
اطعام فقراء مصر من فضلات القمامة
-
افتراءات رجل ذكورى يدمن الجمود والتعصب
-
أقراص فياجرا أم صواريخ كاتيوشا !
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|