|
جسر اللَّوْز 7
علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 7038 - 2021 / 10 / 5 - 16:13
المحور:
الادب والفن
صباح الخير عزيزتي إيمان، أنا بخير كالعادة. كنتُ البارحة في ورشة عمل في جامعة فرايبورغ، جنوب غرب ألمانيا. واحدة من أقدم الجامعات الأوروبية، جامعة معروفة بعراقتها في تدريس العلوم الإنسانية والاِجتماعية والطبيعية. وقفتُ أمام مكتبة الجامعة المُدهشة تنظيمياً أتفرَّج على البشر والحجر. أدرتُ ظهري إلى المدخل الرئيسي للمكتبة. رأيتُ أمامي مباشرة المبنى القديم لرئاسة الجامعة. نُقِشَ على واجهته الغربية شعار الجامعة: "الحقُّ يُحرِّرُكم". وهو الرسالة الأساسية للجامعة وهدفها الذي لن تتوقف عن السعي وراءه. عندما رجعتُ إلى بيتي، بحثتُ عن مصدر الشعار، وجدته في آية من إنجيل يوحنا: وتعرفون الحقَّ، والحقُّ يُحرِّركم. في تلك اللحظة خطرت على بالي الآية القرآنية "وقُل ربِّ زِدني عِلماً" التي تُتوٍّج شعار جامعة دمشق. لو طرحت الآن عليك السؤال "ما هي العلاقة بين الحقيقة والحرية؟"، كيف ستكون إجابتك؟ في الحقيقة ليس هذا ما وددت كتابته لك. توجهت صباح اليوم إلى مكتبي وأنا متلهف لقراءة كلماتك، معتقداً أنك قد كتبت لي إيميلاً ممتعاً طويلاً مليئاً بالتفاصيل، لكني ويا للأسف لم أجد إلا هراء. لا شيء يستحق القراءة والتمعُّن. أردت أن أتواصل معك بطريقة إنسانية صادقة وطيبة لأنك بنت البلد. كنت أرغب في التعرُّف عليك ولكن ليس بهذه الطريقة المرضية السخيفة. أسلوبك في الكتابة لي يعكس فقط حقيقةَ أنك تحملين في داخلك امرأتين متناقضتين تماماً. لا أريد إذلالك أو إهانتك لا سمح الله، بل مساعدتك. ما الذي تخافين منه؟ لماذا أنت مترددة جداً؟ لماذا تسعين إلى تشكيل حياتك بألوان مختلفة وصعبة التركيب؟ لست بحاجة لأن تكوني غامضة مع حضرتي. الحياة أسهل بكثير مما تتخيلين. أنا الآن غاضب، غاضب جداً منك وخائب الأمل فيك. أعتقد أنه عليك ابتكار شيء خاص، شيء بعيد عن الملل واليوميات العادية التافهة، حتى تتمكنين من الفوز بي مرة أخرى. في الحقيقة ليس هذا ما وددت كتابته لك. إيمان، لقد فكرت بمشروع علاقتنا بشكلٍ مكثف، أريد أن أقول لك بعد تمحيص وتدقيق أنه لا يمكن أن يكون لي علاقة شراكة مع واحدة مثلك أبداً. نحن لا نناسب بعضنا البعض كرجل واِمرأة، لا أريد أن أكذب عليك، نحن مختلفان تماماً، بالإضافة إلى ذلك أجد أن الحياة ثقيلة عليك في ألمانيا ولا تليق بك إطلاقاً. لا أشعر بالأمان حين أكتب لك ولا بالحرية، العلاقة الجيدة تحتاج إلى الكثير من الوقت والأعصاب وهذا ما لا أمتلكه. أنت امرأة تبحث عن حياتها المهنية وتحقيق ذاتها. أنت إمرأة ذكية تستحق أن تُلاعب وأنا رجل بسيط يبحث عن امرأة ليتزوجها ويشكّل معها عائلة، رجل يبحث عن أم لأطفال له لم يأتوا بعد. يرتكب الرجل العربي المتَّنور صاحب الشخصية المُتبلوِرة والذي يعيش في بلد أوروبي، ألمانيا مثلاً، خطأ كبيراً جداً حين يحاول التعرُّف باِمرأة عربية فما بالك إذا فكّر بالزواج منها. في الحقيقة ليس هذا ما وددت كتابته لك. لقد قرأت هذه الرسالة التي أكتبها لك أكثر من مرة، وفي كل مرة أكتشف أنها سلبية أنانية ولا تليق بي أو بك، وفي كل مرة أقرر حذفها غير أني لا أجرؤ، لقد احتجت إلى وقت طويل لكتابتها، لن أحذفها لأنها صارت لك، أرجو أن لا تُبكيك أثناء القراءة. أشعر بالتعب ولن أستطيع متابعة الكتابة، يجب أن أعمل، لدي في الغد لقاء عمل مهم يحتاج إلى تحضير طويل، العمل يحررني، يجعلني سعيداً ومتوازناً. لن أُغيِّر ولا كلمة في هذا الإيميل وسأرسله لك فوراً كي لا تجلسين طويلاً بانتظار كلماتي. لكن قبل أن أنسى أود أن أسألك فيما إذا كنت تدخنين! ولماذا ترغبين بإنقاص وزنك؟ أتعتقدين أن مؤخرتك قد زادت عن حجمها التكعيبي؟ سأتابع الكتابة لك في الأيام القادمة، لا تتركيني وحيداً، فأنا أمر بظروف نفسية سيئة للغاية. في الحقيقة ليس هذا ما وددت كتابته لك اليوم. ملاحظة أولى: تصفين حالك بالفوضوية وأنك تحوزين على الفوضى في داخلك، وهذا ليس عيباً، فالفوضى ضرورة للمرأة كي تلد شموساً دافئة وإيميلات راقصة. ملاحظة ثانية: لا أستطيع الإجابة على بعض ما تطرحين من أسئلة كتابةً، لذا أرغب بالمهاتفة معك والإجابة على أسئلتك كلها شفهياً وبأريحية، بدءاً من سؤالك عن علاقتي بزهور، الصديقة المشتركة بيننا. قد نتواصل بشكل أفضل عبر الهاتف. ما رأيك؟ في الحقيقة لا أعرف ما الذي يحدث معي، لعلني مشوش، لعل ذهني مُلبّد بطيفك، في الحقيقة ليس هذا ما وددت كتابته لك هذا اليوم. أتمنى لك أياماً مليئة بالمفاجآت السّارة. الآن سأضغط زر الإرسال... سامحيني. أحمد
مساؤك ساحر أيها الأحمق، في طريق عودتي من العمل إلى البيت رتّبت أفكاري التي سأضمنّها رسالتي هذه. كيفَ أنت يا أيها النزق؟ عساك بخير. سأسهر معك الليلة، غداً السبت ولن أضطّر لأستيقظ باكراً إذ لا دوام . يطلّ القمر الليلة عبر نافذتي وقد شارف على نصف بدر، يبدو مغروراً، حوله نجمات كثيرات لكأنّه يتربّع عرشاً. أعتقد أنّك مدين لي باعتذار كبير عمّا سبّبته لي من فوضى المشاعر. ليس عدلاً وليس من شيمي ألا أردّ عليك أو أن أتركك تتحدّث وحدك ولست تدري إن كنتُ أصغي إليك أم لا. لا أدري من أين أبدأ، على طاولتي "سنوبي" الصغير يرتدي حذاءً أسود وقميصاً فيروزيّاً، وينظر إلي بملل أن إبدئي، أرغب أن أهديك إيّاه ذات يوم إذا كان هناك فرصة. لا أدري لماذا اليوم وأكثر من أيّ يومٍ آخر كنت حاضراً، وكأنّي استيقظت على كتاباتك لي، ورحت ترافقني في كلّ لحظة، كنت معي في طريقي إلى العمل، وشربتَ قهوة الصباح معي. أرغب بالتحدّث إليك ولكني لا أعرف من أين أبدأ، وعن أيّ شيءٍ أتحدّث، أشياء كثيرة وجديدة يمكن أن أحكيها لك، لكن أخشى أن لا تكون قادراً على متابعة حديثي المفصّل، إذ لستَ تملك الوقت، كما أنّ الأشياء التي سأحدّثك عنها قد لا تهمّك، لا أعرف بالضبّط ماذا يهمّك. قد أحدّثك مثلاً عن رحلتي إلى متحف الجنس في أمستردام والتعارف إلى أشخاص ظرفاء، وعن صديقي الجديد رافي الذي تعرّفت إليه في دورة الطبخ في جامعة بون، وهو طالب دكتوراه في معهد الإنفورماتيك، إنّه شابّ لطيف، مشاكس، ذكي، منطلق جدّاً، مرح، ذو بديهة حاضرة، أسمر البشرة، طويل، يميل إلى النحافة، عيناه عسليتان كبيرتان ذابلتان، أنفه كبير، شاربه أسود، صوته جميل يغنّي بإحساس في رحلاتنا المشتركة، رغم أنه يدخّن مثلي وأكثر، وقد رافقني مع آخرين في رحلة أمستردام التي نظمها مكتب الطلاب الأجانب في الجامعة، وكانت رحلةً رائعةً، حتى أن منظّم الرحلات في مكتب الأجانب ـ أعتقد أنّه يقارب الخمسين من العمر، وهو محترم جدّاً ولطيف أيضاً، وقبل كل شيء جذاب جداً بشعره الفضيّ وبذلاته الأنيقة ـ أرسل لي ولصديقي رافي يرجو مرافقتنا لهم في رحلة ثانية إلى مدينة براغ لأيام ثلاثة وزيارة متحف كافكا هناك، وقد ذهبت مع رافي في هذه الرحلة وكانت أمتع من سابقتها، أسعدتني هذه الرحلات، ولديّ الكثير أحكيه لك وعن تداعيات هاتين الرحلتين، سأريك بعض الصور يوماً ما. أو هل أحدّثك عن خلافي مع بعض صديقاتي العازبات وهنّ قلّة، صديقاتي المتزوّجات يصعب عليهنّ مرافقتي بسبب ظروفهنّ والتزامهنّ بأولادهنّ أو بأزواجهنّ المملين، وهنّ قلّما يرافقنني في المشاوير الممتعة كحضور مسرحيّة أو ندوة أدبيّة، علميّة، أو زيارة معرض ما، يمكن أن نلتقي في مناسبات أو في زيارات عائليّة وحسب. لكن وجود رافي إلى جانبي في الأشهر الأخيرة، صديقي الظريف الذي ألتقيه باستمرار، قد عوضني عن حاجتي لهن. أرجو أن لا تُزعجك أخباري وألا تُصاب بالغيرة والحسد أثناء القراءة. وهكذا يا أحمد العصبي كما ترى فإن الرحلات هي التي تحرّرني، لا العمل، هي التي تجعلني سعيدة ومتوازنة، لا العمل كما في حالتك أنت، وهنا يكمن جوهر الخلاف بيني وبينك. وكما تعلم يا أحمد باشا، وأنت سيد العارفين، بأن عبارات مثل "العمل يجعلك حراً" أو "لكل شخص ما يستحقه" هي شعارات لئيمة حقيرة تَصَدّرتْ بوابات معسكرات الإعتقال النازي. لا يُجيز القانون الألماني اليوم استخدام هذه الكلمات عن سابق قصد أو الاِلتفاف على هذه العبارات بشبيهاتها، كأن تقول مثلاً: "اجتماعي هو ما ينجزه العمل" أو "التحليق يجعلك حراً". هذه التعابير تشبه إلى حدٍ كبير تلك العبارات الدكتاتورية التي ما زالت مستخدمة في شرقنا العربي على نمط "وأنْ ليسَ للإِنسان إلا ما سَعى" أو "ولكمْ في القِصَاص حياةٌ يا أُولي الألباب". ولا أحد يعرف في النتيجة ماذا كُتب على بوابات السجون في الشرق العربي، لأن المُعتَقل يدخل السجن إما معصوب العينين أو فاقد الوعي، أما عند إطلاق سراحه فلن يلتفت إلى الوراء قطعاً. ماذا تقرأ هذه الأيام؟ أنا أقرأ رواية لكاتبة مصرية، وأتصفح بالتأكيد الصحف العربية بشكل سريع على النت. هل تعلم يا عزيزي أحمد أني بت أرأف بحالتك النفسية وأشفق عليك. أتراك وقعت في حبي أيها المسكين دون أن تراني أو تشمني؟ هل تعلم أيها الدرويش بأن المرأة العربية ذات الشخصية المستقلة والتي تعيش في بلد أجنبي، ألمانيا مثلاً، ترتكب خطأ فادحاً حين تفكر بعلاقة عاطفية مع رجل عربي، فما بالك إذا فكّرت بالزواج منه؟ وهل خلت ألمانيا من الرجال كي تتورط المرأة بهذه المستحاثات العربية!؟ هل صحيح ما سمعته عنك يا أحمد المتهور!؟ وصلني أنك متزوج من امرأة ألمانية. هل هي جميلة؟ هل هي في مثل عمرك؟ هل لك أطفال منها؟ هل هي غنية؟ هل حصلت على الجنسية بسبب زواجك منها؟ لماذا تريد أن تتصل بي إذن؟ وهل تتصل بغيري في الوقت نفسه!؟ لا تقلق يا أحمد، سأساعدك، لن أتركك وحيداً، أعدك بهذا. لقد درسنا في الجامعة الكثير عن حالات مشابهة لحالتك. أعتقدُ أنني لنْ أضيفَ شيئاً آخر وعليه أستودعك اللّه. سأضغط الآن زر الإرسال... تصبح على خير يا أحمد العربي إيمان يتبع
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جسر اللَّوْز 6
-
جسر اللَّوْز 5
-
جسر اللَّوْز 4
-
جسر اللَّوْز 3
-
جسر اللَّوْز 2
-
جسر اللَّوْز ـ 1
-
جاري الوزير
-
رسالة إلى أم إسحاق
-
إيميل إلى مارتا 3
-
إيميل إلى مارتا 2
-
إيميل إلى مارتا 1
-
الأزرق
-
أنشودة محمد
-
عن الدولة وشوربة العدس
-
نوابض ضجر
-
بريد أنثوي من بلد البطاطا 3
-
بريد أنثوي من بلد البطاطا 2
-
بريد أنثوي من بلد البطاطا 1
-
كشك الأفاعي
-
نهاية شلعوط
المزيد.....
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|