|
رحلتي في بلاد المهجر …الجزء الأول - موسكو
احمد السماوي
الحوار المتمدن-العدد: 7038 - 2021 / 10 / 5 - 14:59
المحور:
سيرة ذاتية
في شتاء عام 2000 وبالتحديد الشهر الحادي عشر ..كنت في ال 24 من عمري …كانت بداية الرحلة الى المجهول …الى موسكو التي لا اعرف عنها شيء… كان شعور متناقض بين الفرح والخوف معا وانا اصعد الطائرة …اقلعت الطائرة ليلا من مطار الملكة علياء في الأردن… وصلت موسكو صباح اليوم التالي… ما زلت اتذكر جيدا رائحة الأشجار ورذاذ المطر المتساقط حتى رائحة عوادم السيارات كانت مميزة عندي وأتذكرها الى اليوم … هنا بدأ الصراع الحقيقي مع الحياة … كنت لا املك حينها الا ورقة واحدة من فئة المئة دولار استبدلتها بالمطار بالروبل الروسي …خارج المطار صعدت احدى حافلات النقل والتي لا اعرف الى أين وجهتها ...حتى توقفت في مكان شاهدت أفواج من الناس تدخل وتخرج من مكان يشبه القبة…عرفت حينها ان هذا ما يسمى بالمترو…كانت التذاكر تباع على شكل أقراص معدنية تشبه النقود …اشتريت قرصا معدنيا ونزلت تحت الارض … كان منظر مدهش للغاية … أفواج من البشر نساء ورجال متلاصقين من شدة الزحام …وقف شاب بقربي في المترو…لحسن الحظ كان يعرف القليل من الألمانية …سألته عن كيفية الذهاب الى مدينة سانبطرسبورك شمال روسيا…تفرغ لي حينها الشاب وقال لي سأوصلك الى القطار رغم ان هذا ليس طريقي… رافقني الى محطة القطار واشترى لي تذكرة بعد ان أعطيته حقها وأوصلني الى رصيف القطار وقال قطارك سينطلق بعد اربع ساعات وستصل سان بطرسبورك صباح اليوم التالي … في تمام الساعة السابعة صباحا وصلت سانبطرسبورك…كان ما يزال الظلام مخيما على المدينة وأفواج الناس المتوجهة الى عملها بصمت تملأ ارصفة الشوارع…كان شيئا غريبا وغير مألوف عندي …علمت فيما بعد ان ليل الشتاء طويل عندهم وتتأخر الشمس بالشروق …اخذت اسير في شارع النيڤسكي اكبر شوارع المدينة … توقفت عند كنيسته الكبرى بعد ان اشتريت علبة كولا وقطعة خبز من احد المحال الصغيرة على الشارع ..جلست اتامل مصيري لا سيما ان الليل قادم لا محالة وليس عندي مأوى ولا سكن .. اتكلت حينها على الله بأنه سوف يتدبر امري ... وانطلقت امشي بدون هدف ولا وجهة ... دخلت بالشوارع الضيقة الفرعية الى ان وصلت الى النهر الذي يقسم المدينة الى قسمين ... استمريت بالسير على رصيف النهر الى ان لاحت لي من الصوب الاخر منارة جامع .... كان امرا غريبا ويثير الدهشة ...جامع كبير بقبة ومنارتين بوسط المدينة .... عبرت الجسر بخطوات متسارعة للوصول .. وصلت قبل اذان الظهر... توضأت وصليت الظهر ولمحت شابين عليهم ملامح عربية يغادرون المسجد.... لحقت بهم في الشارع خارج المسجد... كانوا من تونس طلاب يدرسون هناك واخبرتهم باني جديد هنا واتمنى ان اجد شخص عراقي التقي به ... اصطحبوني معهم لإحد المقاهي القريبة وشربنا قهوة سوية ... بعدها استأجرا لي سيارة اجرة واخبروا السائق ان يوصلني لمكان يوجد به عراقيين... كان المكان عبارة عن معهد للدراسات ...دخلت كافتيريا المعهد فكان هناك شاب شقي يضحك بصوت عالي ويمزح مع الكل بلكنة عراقية ... سألته هل انت عراقي ... قال لا.. انا عارف من سلطنة عمان لكن يسموني عارف العراقي لان كل اصدقائي من العراق وهم يسكنون معي.. واخذ يعددهم لي .. حميد من الكوت وحسن من الناصرية توقف للحظة ثم قال تعال معي اعرفك عليهم ...مسكين عارف كان يضن سيفرحون بي كفرحه... ما ان وصلنا المنزل حتى تغيرت الوجوه واصبح عارف محرج امامي ... اذ لم يكن يتوقع ان تكون ردة فعلهم هكذا لا سيما اني ابن بلدهم ... نمت اول ليلة عندهم ...في صباح اليوم التالي وكأن عارف العماني يعلم ما سيحدث اخرج لي معطفه وقال لي احمد الشتاء بارد هنا البس هذه ثم اخذني بجولة بالمدينة والتقطنا بعض الصور سوية وحاول المسكين جاهدا استئجار غرفة لي بأي مكان لانه كان خائف علي لكن للاسف لم نجد.. اتفق الاخوة العراقيين على عدم ايوائي ووبخوا المسكين عارف لانه اوصلني لمنزلهم ... لم ارد ان اسبب لهم الكثير من الاحراج تركت حقيبة ملابسي عندهم وغادرت المنزل في رحلة بحث اخرى اصعب من الاولى ... بقيت تلك الليلة حيث الشتاء القاسي وبداية تساقط الثلوج التي اشاهدها اول مرة .. في الليل كنت احتمي بممرات العمارات السكنية جنب بطاريات التدفئة وفي النهار اجوب الشوارع باحثا عن عمل .... بقيت يومين على تلك الحالة .... الى ان اوصلتني قدماي ليلا الى احدى محطات القطار في وسط المدينة وكان هناك شاب بملامح عربية يعمل في داخل احد اكشاك بيع الشاورما ..توقفت امامه وحالة التعب والبؤس قد تكون واضحة بملامحي ..نضر لي وقال شكلك عربي هل تحتاج مساعدة ... رويت له حكايتي فما كان منه الا ان وضع كلتا يديه على رأسه واخذ يقول الله اكبر ..تنام بالشارع وانا موجود...جزاه الله خيرا ادخلني لمكان عمله الصغير واعد لي الطعام والشاي ...وقال في الصباح الساعة التاسعة سينتهي عملي تعال معي للبيت لتستريح.... وصلنا الى البيت واخذ يتصل بأصدقاء من اجل توفير مكان عمل لي ... بعد يوم او يومين رن الهاتف الارضي وكان صوت احد الاشخاص الذين لا انسى فضلهم الى اليوم ... دكتور مهند ابو شمس شخص عراقي يدرس الدكتوراه في روسيا ...قال تجي حالا على مترو موسكوفسكايا في الجنوب وانا منتظرك.. صعدت المترو وتوجهت للمحطة وفعلا كان بانتظاري.. كان عنده محل صغير جدا لبيع الشاورما وبسيط جدا كذلك ..علمني المهنة بسرعة وفعلا تعلمت واخذت اعمل ليلا وفي النهار اذهب لمكان سكنه الطلابي.. انام في غرفته المتواضعة في الطابق السابع عشر.. كان منظر رائع مطل على المدينة ما زلت اتذكر صوت الرياح والمطر القوي على الشباك ..وبعد شهر قال لي وجدت لك شقة كبيرة بثلاث غرف وصالة ايجارها 90 دولار بالشهر وكنت بهذه الفترة تعرفت على اشخاص عراقيين كثيرين منهم رسول وعامر والذين سكنو معي لاحقا بالشقة ... اصبحت شقتي ملتقى للعراقيين ... كل يوم بعد العمل نتجمع ما يقارب ال عشرة اشخاص او اكثر كانت من اجمل ايام العمر وما زالت علاقتنا من اقوى العلاقات رغم مرور 21 سنة ورغم تفرقنا بعدة دول النرويج السويد كندا فنلندا قبرص بريطانيا لكن لليوم نحن اخوة وعلاقتنا من اجمل العلاقات ... عارف العماني اخ وصديق الى اليوم وفي كل زيارة لسلطنة عمان يكون باستقبالي .. حتى حسن وحميد الذين رفضوا استقبالي يوما بقيت صداقتي معهم الى اليوم رغم تحججهم بالخوف مني لانهم لم يعرفوني بالبداية ... سنة وثمان شهور هي كل المدة التي قضيتها في مدينة سانبطرسبورك .. حصيلة هذه التجربة انها كانت اروع واجمل فترة مرت في حياتي على الاطلاق تعرفت فيها على اخوة واصدقاء .. وعلمتني الاعتماد على النفس وانه لا شيء صعب او مستحيل في الحياة متى ما توفرت الجرأة والارادة... بالاضافة الى اتقان اللغة الروسية التي نفعتني وكانت سبب وصولي لفنلندا .... في كل دولة مررت بها كانت قصص وحكايات ومواقف ولكن روسيا كان لها وقع خاص على نفسي حتى مكان سكني في فنلندا اخترته قريب من المدينة التي كنت اعيش فيها في روسيا .. فهي تبعد عني ساعتين ونصف وكنت كل ما اشتقت لها زرتها ... هذه المدينة سانبطرسبورك اعشقها بجنون في كل شارع فيها لي فيه ذكريات ومواقف ...
#احمد_السماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصدر سعودي يكشف معلومات عن المشتبه به بهجوم الدهس بألمانيا و
...
-
أحد أكثر حوادث الطيران غموضا.. الطائرة المنكوبة MH370 تعود ل
...
-
إعلام ألماني يعلن ارتفاع حصيلة قتلى هجوم الدهس في مدينة ماغد
...
-
هل هو فصيلة جديدة؟.. اكتشاف أحفورة تشبه النمر بأنياب حادة جد
...
-
الأزهر يدين حادث الدهس في ألمانيا: -الاعتداء على الآمنين خرو
...
-
الكونغرس الأمريكي يمرر تشريعا للتمويل تفاديا لإغلاق حكومي
-
عن الخروج الروسي من سوريا..!
-
إسرائيل تواصل قصف غزة موقعة قتلى وجرحى والحوثيون يستهدفون تل
...
-
كلمة الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن / مسيرة الملت
...
-
تركيا تدين بشدة هجوم مدينة ماغديبورغ الألمانية.. وتكشف عدد م
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|