|
العدالة الانتقالية والتنمية المستدامة وسيلة لتحقيق الأمن المجتمعي
سيف ضياء
(Saif Diaa)
الحوار المتمدن-العدد: 7037 - 2021 / 10 / 4 - 12:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انطلاقاً من فرضية أن العدالة الانتقالية والتنمية ترتبطان بعلاقة تكاملية فإن الهدف من هذه العلاقة وبصورة أساسية هو إنشاء مشروع المصالحة الوطنية الذي يسعى بدوره الى إرساء السلم المجتمعي وصولاً إلى بناء الامن المجتمعي عبر اكمال مستلزمات التحول الديمقراطي، حيث ان اغلب المجتمعات وخلال مسيرتها النهضوية والتنموية لبناء أمنها وسلامها واستقرارها المجتمعي بعد الانهيار تتعرض الى تحديات كبيرة وكثيرة وعلى الاصعدة كافة سواء كانت هذه التحديات (اجتماعية، سياسية، اقتصادية، وحتى بيئية)، وهذه التحديات دائما ما تخلق فجوات بين فئات المجتمع، ولأجل التغلب على هذا التحديات وتحقيق الغايات المنشودة نحو بناء امن مجتمعي مستدام، يجب أن تكون هنالك سياسات عامة تحوي جملة من الآليات والخطوات وباشتراك جميع افراد المجتمع وجماعاته والقطاع الخاص والمجتمع المدني وتحت إشراف حكم رشيد يأخذ على عاتقه ادارة هذه العملية، وهي ما باتت تعرف بمصطلح (العدالة الانتقالية) وهذا المفهوم حديث الظهور تبلور مع بروز الصراعات في المجتمعات التي شهدت انتقالاً نحو الديمقراطية والحكم الرشيد، وهو ما ربطها بالقضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان، مع ضرورة اتباع آليات العدالة الانتقالية لتحديد مسؤوليات الجناة من جهة وتعويض الضحايا من جهة أخرى، وهو ما يسهم في تحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة تماسك المجتمع من جديد، وبهذا الصدد تعد الحقيقة والمصالحة أحد أهم آليات العدالة الانتقالية التي تسعى من خلالها الى اعادة نسج الثقة بين مكونات المجتمع وإحلال السلام والاستقرار والامن واعادة بناء مؤسسات الدولة وهو ما يحتاج إلى عدالة متعددة الابعاد، ترسخ تطبيق القانون وتحقق السيادة وتعالج الانتهاكات الجسيمة وإصلاح أخطاء الماضي لاسيما فيما يتعلق بالضحايا من خلال تعويضهم أو ذويهم مثلاً ومحاولة إعادة تأهيلهم اجتماعياً، وعلى الرغم من تنوع تعاريف العدالة الانتقالية بحسب الزاوية التي ينظر إليها منها، لكن اغلب هذه التعاريف تؤكد على نقاط ثلاث وهي "الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلح الى حالة السلم، أو الانتقال من حكم سياسي تسلطي إلى حالة حكم ديمقراطي، أو التحرر من احتلال أجنبي باستعادة أو تأسيس حكم محلي، وكل هذه المراحل تواكبها بعض الإجراءات الإصلاحية الضرورية مع محاولة إصلاح اضرار ضحايا الانتهاكات الخطيرة” وبناءً على ما تقدم يمكن القول ان العدالة الانتقالية تتمثل بمجموعة من (الاجراءات والآليات)، سواء كانت قضائية او غير قضائية يتم اتخاذها خلال مرحلة الانتقال بهدف نهضة المجتمع وتحوله من حالة الفوضى والاقتتال الى الديمقراطية والحكم الرشيد لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة زمنية معينة سواء كانت (نزاعاً مسلحاً، حكماً تسلطياً، تدخلاً خارجياً)، والهدف يكون منها إصلاح وإزالة آثار الضرر الحاصل مع تعويض الضحايا والقصاص من المتسببين لمنع الإفلات من العقاب، وتحقيق المصالحة الوطنية والاستقرار المجتمعي وإصلاح مؤسسات الدولة وهي واحدة من أهم شروط عملية التحول الديمقراطي والحكم الرشيد وتحقيق التنمية المستدامة وبالنتيجة تحقيق الاستقرار والسلام وبناء امن مجتمعي بصيغته المستدامة، لذلك فان مفهوم العدالة الانتقالية يرتبط إلى حد كبير بمفهوم التحول الديمقراطي والحكم الرشيد الذي يشير في أوسع معانيه إلى عمليات وتفاعلات مرتبطة بالانتقال أو التحول من صيغة نظام حكم غير ديمقراطي إلى صيغة نظام حكم ديمقراطي رشيد، ولقد حدد (صاموئيل هنتنجتون) عملية التحول الديمقراطي هذه بثلاث مراحل، وكما يلي: 1. المرحلة الأولى: اعتدال النظام، أي عملية تفكيك النظام القديم وانحلاله. 2. المرحلة الثانية: التحول الديمقراطي، أي عملية تغيير البنى الاساسية والاساليب القديمة. 3. المرحلة الثالثة: الترسيخ والاستقرار الديمقراطي، أي جعل البنى التي تغيرت والاساليب التي تبدلت مترسخة ومستقرة لتتماشى مع الوعي المجتمعي للمجتمع. مع الإشارة إلى أن المرحلة الاخيرة هذه تقوم على معايير عدة، كما هو موضح في المخطط أدناه:
الرسم التوضيحي رقم5: معايير الترسيخ والاستقرار الديمقراطي
المصدر: الشكل من اعداد الباحث بالاعتماد على: عبد السلام بغدادي ابراهيم، المصالحة الوطنية وبناء السلام في العراق التحديات والفرص، (القاهرة: الدار الدولية للاستثمار الثقافية،2020).
المصدر: الشكل من اعداد الباحث بالاعتماد على: عبد السلام بغدادي ابراهيم، المصالحة الوطنية وبناء السلام في العراق التحديات والفرص، (القاهرة: الدار الدولية للاستثمار الثقافية،2020). ولا يمكن تحقيق تلك المراحل جميعاً او تكاملها الا من خلال تبني مشروع متكامل من التنمية التي تهيئ الارضية لذلك، لكون أن علاقة التنمية بالعدالة الانتقالية هي علاقة تكاملية كما أسلفنا ولذلك فإن التنمية تضمن مستوى افضل في مجال الصحة والتعليم والتمتع بمستوى معاشي جيد مع ضمان الحريات وحقوق الانسان وهي تشترك مع العدالة الانتقالية بكون أن هدفيهما يتمثل بالحفاظ على (جودة حياة الانسان)، غير أن العدالة الانتقالية تهتم بماضي حقوق الانسان، بينما التنمية تتعامل مع المستقبل، أي أنها تهدف إلى ضمان مستقبل افضل يعتمد بالأساس على معالجة الخلل الموجود في الماضي، واغلب الدول التي تشهد تحولاً تعاني من تركة ثقيلة لانتهاكات حقوق الانسان كما تعاني من مشكلات في التنمية، لذا فان العدالة الانتقالية ينبغي ان تكون جزءاً من منهج تنموي شامل للمجتمعات التي تمر بمرحلة التحول، فالانتقال الناجح لا يتم من دون التصدي للموروث والمخلفات من الفترة السابقة حيث ان العدالة الانتقالية تحتاج الى موارد وقدرات مؤسسية تكون مفقودة في المجتمعات التي تخرج من الازمات، وهكذا فإن برنامج التنمية يساعد على إرساء العدالة الانتقالية عن طريق توفير الموارد الخام لدعم انشاء مؤسسات قوية تأخذ على عاتقها تنفيذ برامج التعويضات او توفير القدرات اللازمة لإنشاء لجان تقصي الحقائق او عقد محاكمات للجناة، إذ أن فلسفة العدالة الانتقالية ترتكز على ضرورة الالتزام بمبدأ الديمقراطية بعد المصالحة والقيام بدور فعال في بناء مؤسسات حكم جديدة في اطار لا يسمح في الافلات من العقاب وهذا ما أكد عليه الهدف (16) من أهداف التنمية المستدامة (SDNs) لعام 2015 - 2030 والذي شجع على اقامة مجتمعات مسالمة لا يهمش فيها احد بهدف تحقيق التنمية المستدامة واتاحة امكانية وصول الجميع الى العدالة وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة تشمل الجميع وعلى المستويات كافة، وهذا ما سيتم إيضاحه من خلال النماذج الثلاثة للدول المختارة.
المطلب الاول: الانموذج الاسيوي_ العدالة الانتقالية في فيتنام
تعتبر حرب فيتنام احد اهم الحروب في القرن العشرين، اذ دارت رحاها بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاها من جانب، والشيوعين في فيتنام من جانب اخر ابان الحرب الباردة ، اذ خلف هذا الحرب ملاين من القتلى والجرحى والمشردين، اضافة الى الخسائر المادة الكبيرة جراء القصف العنيف، كما ان الفيتناميين لازالوا يعانون من مخلفات الاسلحة الخطيرة التي القيت عليهم ،اذ إن قنابل النابالم والرصاص العشوائي و التدمير المنهجي لأفراد هذا الشعب وبطريقة وحشية والتي ادت الى انهيار التنمية وانشار الفقر والجوع بالبلاد مما ادى الى انهيار الامن المجتمعي بالبلاد ، وبما ان العدالة الانتقالية على المستوى الدولي تتحقق بإقامة محاكم خاصة تضطلع بالمتابعة القضائية ضد الضالعين بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والتعذيب والابادة الجماعية، ان ذلك جعل الفيلسوف والناشط المناهض للحرب برتراند راسل يدعو إلى تشكيل محكمة جرائم حرب دولية في فيتنام تهدف الى التحقيق في جرائم الولايات المتحدة في فيتنام - ليس فقط لمعاقبة الجناة ولكن لإعلام الرأي العام بما حصل ، اذ ان التدخل العسكري في حرب فيتنام هو مثال ساطع على انتهاكات القانون الدولي، لذا ناقش القائمين على هذا المحكمة العديد من الأفكار حول كيف يجب أن تكون التدخلات العسكرية المستقبلية هي الملاذ الأخير، وفي حالة حدوث أي مخالفة للصكوك الدولية تبرز ضرورة الإشراف على مثل هذه الأنشطة ومعاقبتها بشدة، اذ ان هذا الصراع وضع حجر الأساس لعكس ذلك ، حيث حقيقة كونه مرنًا للسلوك الذي يمكن لدولة ما أن تنشر فيه قواتها فوق أراضي دولة أخرى وتستخدم أسلحة مع مجموعة كبيرة من المواد والخطر الدائم كانت فيتنام حجر الأساس للإفلات من العقاب . اولا : وصف المحكمة • الصلة القانونية للمحكمة : ادارت مناقشات هذه المحكمة حول الأعمال التي ارتكبت خلال حرب فيتنام ، مع التركيز بشكل أساسي على الانتهاكات للقانون الدولي والإنساني وقد ادارها رؤساءها (برتراند راسل ، وجان بول سارتر ، وفلاديمير ديدير )، وانضم إليهم بعض من أعظم العقول في ذلك الوقت الذين كانوا مسؤولين عن تقديم الأدلة ومناقشتها واتخاذ القرار بناءً عليها من أجل الكشف عما حدث بالفعل في فيتنام وكيفية إصدار قرار عادل. • نطاق عمل اللجنة والاختصاص القضائي : لا تخضع محكمة راسل لاختصاص أي دولة ولا الى الاختصاص القضائي الدولي (المحكمة الجنائية الدولية ، محكمة العدل الدولية) ، وبالتالي فهي غير قادرة على إعلان حكم قضائي للمتهمين لأن المحكمة نفسها لا يمكنها ضم المتهمين ومع ذلك ، يمكن أن يفرض حكمًا أخلاقيًا واجتماعيًا على المتهم و يجوز إحالة وجوب تنفيذ القرار الصادر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة. • الأساس والسلطة القانونية للمحكمة: تكمن فقط في صفات أعضائها كأفراد وإن سلطة المحكمة ليست رسمية بأي شكل من الأشكال ، لكنها مادية . • القانون الواجب التطبيق فيما يتعلق بتحديد مجموعة القوانين التي تنطبق على وظائف واختصاصات هذه المحكمة ، فان مصادرها مختلفة تمثلت بالقوانين الدولية كـ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،اتفاقيات جنيف والمعاهدات الفرعية التابعة لها ،ميثاق لندن لعام 1945 ،قرار الجمعية العامة رقم 96 للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) .
ثانيا نتائج المحكمة وكشف الحقائق:
لقد خلصت المحكمة لكشف بعض الحقائق من خلال الشهادات والتقارير المقدمة لها اذ تم توثيقها وارشفتها في سجلات وبيانات خاصة بالمحكمة وعرضها على الراي العام ،وكما يلي: ● تراوح عدد الضحايا في الحرب من 195- 430 الف ، مدني في جنوب فيتنام. ● تراوح عدد الضحايا في الحرب من 50- 65 الف ، مدني في شمال فيتنام. ● قتل برنامج فينيكس لمكافحة التمرد الذي نفذته وكالة المخابرات المركزية وقوات العمليات الخاصة الأمريكية وجهاز الأمن لجمهورية فيتنام 26369 من عملاء ومخبري جبهة التحرير الوطني المشتبه بهم. ●خلف القصف الأمريكي في كمبوديا ما لا يقل عن 40 ألف مقاتل ومدني. ● تراوح عدد الضحايا من جيش جمهورية فيتنام ما بين (331 -357) الف تقريبا ،خلال الحرب. ● أن ما لا يقل عن 400 الف شخص تقريبا قد لقوا حتفهم بسبب العنف السياسي من 1975-1987 على يد الحكومة في الشمال. اما فيما يتعلق بالأسلحة واثارها اذ تم رش ما يقارب 18 مليون جالون من العامل البرتقالي (الديوكسين) من قبل الجيش الأمريكي على أكثر من 10 % من جنوب فيتنام ، كجزء من برنامجها حرب مبيدات الأعشاب الأمريكي ، عملية مزرعة اليد ، خلال حرب فيتنام بالفترة الممتدة من عام 1961 حتى عام 1971، كما وان الحكومة الفيتنامية قد ادعت أن 400الف شخص تقريبا كان ضحية أو شوهوا نتيجة الآثار اللاحقة لهذا العامل ، وأن ما يقارب 500 الف طفل ولدوا بعيوب خلقية ايضا. جبر الضرر: التعويضات اليابانية : في عام 1960 تم عقد اتفاقية بين اليابان وجنوب فيتنام والتي تم الاتفاق من خلالها على مشروع تعويضات تقدم من قبل اليابانيين الى فيتنام للحرب وعلى مدار خمس سنوات وقد بلغ مجموع مدفوعات تعويضات اليابان بحوال 39 مليون دولار وقد تم استخدام ما يقارب 90% من التعويضات البالغة 35 مليون دولارا امريكيا لبناء مشروع دا نهيم (Da Nhim) والذي اكتمل في عام 1964، اما ما تبقى من التعويضات اليابانية والبالغة 10% تم استخدامها لبناء (مصنع للكارتون ، اعمال انقاذ السفن ، انشاء مصنع لمحركات الديزل ، انشاء مصنع للخشب الرقائقي، انشاء مسبك للحديد)، هذا من جانب اما من جانب اخر فان هناك تعويضات يابانية تمثلة بشكل قروض مقدمة من قبل اليابان لفيتنام لا نشاء مشاريع للإعمار في البنية التحتية ، كمشروع خطوط النقل (Thu Duc Bien Hoa) الذي بلغ تكلفته بما يقدر 7 ونص مليون دولار امريكي تم تمويله بالكامل بقرض ياباني ،اضافة الى 600 الف دولار امريكي قدمها اليابان على شكل خبراء ومدربين اذا تم تحويل نصفها الى تدريب 200 فيتنامي في اليابان ،اضافة المساعدات الهندسية المقدمة منذ عام 1964 ، والبالغة 1700 الف دولار أمريكي 25 سيارة إسعاف وأدوية ومعدات طبية و 20 الف جهاز راديو ترانزستور وبطانيات ومواد بناء، كما وقدمت اليابان الطاقم الطبي في مستشفيات سايغون وتشو راي ، ثم قامت ببناء جسر ماي ثوان على نهر ميكونغ بالقرب من فينه لونغ ، واضطلعت بمشروع ري كبير في مقاطعة نينه ثوش بتكلفة بلغت قرابة 9 مليون دولار أمريكي. التعويضات الامريكية : كان الأمر الأكثر إثارة للجدل هو مسألة ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة دفع تعويضات عن الدمار الذي ألحقته العمليات العسكرية بفيتنام خلال حرب الهند الصينية الثانية. في كانون الثاني - يناير 1973 ، وكجزء من اتفاقية باريس للسلام ، وافقت إدارة نيكسون على تزويد فيتنام الشمالية بأكثر من 4 مليار دولار كمساعدة لإعادة الإعمار الاقتصادي، وكان القصد من ذلك هو الحافز على احترام شروط الاتفاقية، لكن هانوي كانت مصممة على إعادة توحيد البلاد وحققت ذلك الهدف في نيسان - أبريل 1975 ، وبعد ذلك بعامين عندما سعى الرئيس الامريكي جيمي كارتر إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة فيتنام الاشتراكية ، قدمت جمهورية فيتنام الاشتراكية مجموعة نقاط تتعلق بدفع تعويضات تعادل على الأقل مبلغ مساعدات إعادة الإعمار الموعودة كشرط لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة ،ولكن الرد على ذلك جاء سريعا بتصويت مجلس النواب الأميركي ، في رد سريع وغاضب على معتبرته ابتزاز بحظر المساعدات أو التعويضات أو المدفوعات من أي نوع لجمهورية فيتنام الاشتراكية ،وعلى النقيض من ذلك و بعد عقد من الزمن، دفعت الولايات المتحدة تعويضات عندما أسقطت بطريق الخطأ طائرة ركاب إيرانية مدنية فوق الخليج العربي، اذ كشفت هذه النتائج المتباينة كيف أن مبدأ التعويض عن الأضرار لم يتم ترسيخه بحزم في القانون الدولي، اما في الوقت الحاضر وبعد عودت العلاقات السياسية الحديثة بين البلدين وكجزء من المساعدات الأمريكية لفيتنام ، قدمت الولايات المتحدة الامريكية منحة بقيمة 230 مليون دولارا امريكيا لفيتنام وذلك لتنظيف التربة الملوثة بالديوكسين (العامل البرتقالي) في مطار دا نانغ الفيتنامي، وكذلك لمساعدة عشرات الآلاف من الشباب الفيتناميين الذين يعانون من (إعاقات شديدة في المناطق التي تم رشها بشدة)، اما في الوقت الحاضر فان فيتنام تطالب بتعويض من مصنع العامل البرتقالي وشركة مونسانتو وغيرها من الشركات الأمريكية لتعويض الضحايا ومساعدتهم ،اذ ان المواطنين ما زالوا يمرضون أو يواجهون إعاقات مرتبطة بالمواد التي استخدمتها الولايات المتحدة خلال الحرب في البلاد قبل خمسة عقود) .
المطلب الثاني: الانموذج الثاني _ العدالة الانتقالية في دولة رواندا ان عمليات الابادة الجماعي التي حصلة في دولة رواندا جراء العنف والمذابح التي خلفت ما يصل إلى قرابة اكثر من مليون ضحية واغتصاب ما يصل إلى قرابة 250.000 امرأة، كان لها اثر سلبي على النسيج الاجتماعي والبنى التحتية للمجتمع الرواندي، حيث خرجة البنية الاجتماعية ممزقة تماما ومنقسمة على نفسها الى عدة هويات فرعية كل منها يريد الإلغاء الاخر وإبادته مما انعكس بالنتيجة على بناء الامن المجتمعي للبلاد ، لذا كان هدف الحكومة الجديدة واضحا وهو التخلص من هذه الاثار، اذ عمدت الحكومة الى ادارة التنوع الاثني والاجتماعي وخلق هوية وطنية ومجتمعية موحدة للتعزيز من فرص السلام والاستقرار المجتمعي وبالنتيجة بناء الامن المجتمعي المستدام، ركزة الايديولوجية الجديدة على تطبيق استراتيجية التنمية من خلال تحقيق اهداف الالفية الثانية والتي ركزت على الانسان، اذ تهدف الى رفاهه و تعمل وفق مبدئ ( تنمية الناس، من اجل الناس ،بواسطة الناس ) ،ومن هذا المنطلق بدئت الحكومة بالشرع في عملية طموحة لتحقيق تلك الاهداف ، وبما انه لا يمكن تحقيق هذه الاهداف دون معالجة مخلفات الماضي من النزاعات واثارها وايجاد مجتمع مسالم لا يهمش به احد واتاحة وصول الجميع للعدالة، ، نظمت الحكومة اجتماعات استشارية وطنية واسع النطاق ورفيع المستوى بالفترة المتمددة ما بين (ايار1998 واذار 1999) في مكتب الرئيس السابق (فليج اوروغويرو) ،جمع مجموعة من الشخصيات الوطنية ومن كل اطياف المجتمع وتم في هذا الاجتماع مناقشة مشاكل راوندا ومن اهم تلك المشاكل هي (المصالحة الوطنية ،تحقيق العدالة والمساوة، الحد من الفقر)، لكونها العنصر الرئيس في بناء امن مجتمعي مستدام ، وكنتيجة لتلك الاجتماعات تم وضع مسارا مستقيما نحو الوصول الى اهداف التنمية وفق استراتيجية تحمل في طياتها مجموعة من الاهداف تنفذ وفق سياسات عامة مدروسة اطلق عليها اسم (رؤية 2020) التي تهدف الى اعادة بناء الامة وراس مالها الاجتماعي على اساس القيم الثقافية الايجابية والمعرفة التكنلوجيا ،وتحقيق السلام والاستقرار الداخلي والخارجي الذي يتيح لجمهورية راوندا التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وبالنتيجة ينعكس على المجتمع ويساعد في بناء امنه واستقراره المستدام ) ( ،اذ ان السنوات التي تلت الإبادة الجماعية شهدت عمل دؤوب لتحقيق العدالة الانتقالية بعد الإبادة الجماعية ، حيث تم اعتقال أكثر من 120,000 شخص من المتهمين بالمسؤولية الجنائية عن مشاركتهم في عمليات القتل، و للتعامل مع هذا العدد الكبير من المتهمين وكشف الحقيقة والعدالة والاحتكام الى القانون وبناء الامن المجتمعي ، فقد اتبعت رواندا مسارا يجمع في كشف الحقيقة بين الاليات التصالحية والاليات الجنائية والجزائية ، حيث كان هناك اليتان جنائيتان تتمثلان بـ(المحاكم الوطنية ، محاكم الجاكاكا المحلية ) ، والية جزائية وحدة متمثلة بالمحكمة الدولية الجنائية الرواندية، ويمكن القول ان مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية قد ساهمة في تدويل الازمة صوب تشكيل محكمة جنائية دولية وكما يلي: • الاسباب الداخلية : حجم المأساة الكبيرة التي افرزتها الحرب الاهلية اذ وصل عدد القتلى من كلا الطرفين اكثر من مليون شخص ، فضلا عن فرار مئات الالاف من المقاتلين الى دول الجوار التي باتت هي الاخرى تان منهم ، علاوة على الكم الهائل للمتهمين وعدم قدرة المحاكم الوطنية على استيعاب هذا العدد من القضايا ،لاسيما بعد قتل عدد كبير من القضاة والمحامين في الحرب وفرار الاخرين منهم خارج البلاد ، ان جميع تلك الداخلية قد اطرت بول كاجامي وحكومته التقدم بطلب الى مجلس الامن . • الاسباب الخارجية: تزامن اندلاع الحرب مع تشكيل منظمة الوحدة الافريقية لمنع وادارة وتسوية الصراع في عام 1993 ،اي قبل الحرب بسنة واحدة في اطار الرغبة ليس فقط في التسوية انما منع حدوثها، وترافق هذا الاهتمام الافريقي مع اهتمام دولي لاسيما بعد تقرير لجنة تقصي الحقائق التابع لمجلس الامن والذي قد اشار الى وجود 55 من كبار المسؤولين في رواندا متورطين في عملية الابادة الجماعية، وهو ما توافق مع تقرير الامين العام للمجلس الصادر في تشرين الاول – اكتوبر 1994 ، والذي على اثره طالب بإنشاء محكمة دولية وفق البند السابع من الميثاق. يمكننا تحديد خطوات العدالة الانتقالية في رواندا بما يلي: اولا: كشف الحقيقة والاحتكام الى القانون لبناء الامن المجتمعي 1.المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR): تعتبر هذه المحكمة التي تم تشكيلها بموجب القرار المرقم 955 في 18 تشرين الثاني - نوفمبر 1994 من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بطلب مقدم من الحكومة الرواندا، أول محكمة قانونية دولية يتم انشائها لمحاكمة الاشخاص رفعي المستوى بتهمة الابادة العرقية وارتكاب انتهاكات للقانون الدولي الانساني في قارة افريقيا ، وقد حدد النظام الاساسي للمحكمة الاختصاص المكاني بإقليم دولة رواند اضافة الى اقاليم الدول المجاورة التي وقعة فيها الجرائم ، وقد كان الهدف من مد نطاق الاختصاص الى خارج اقليم دولة رواندا هو مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة وعلى وجه الخصوص مخيم زائير والتي ادعى بان انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان والقانون الدولي قد ارتكبت فيها في فترة النزاع والحرب الاهلية ،اما في ما يتعلق بالاختصاص الزماني فقد اقتصر على الفترة الممتدة من 1-1- 1994 ولغاية 31-12-1994 فقط وذلك بسبب ان هذه الفترة قد شهد عملية الإبادة الجماعية، وجاء تشكيلها استنادا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة باعتبار أن ما يحدث في رواندا من أعمال إبادة جماعية يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ، وكونها قد شكلة وفق قرار متخذ في اطار الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة فان لها الاسبقية على القوانين المحلية والمحاكم الوطنية وبمقدورها فرض تسليم اي متهم روانديا كان او غير روانديا يقيم في رواندا او اي بلد مجاور ، ووفقا لما نص عليه قرار مجلس الامن المرقم 977 في 22 شباط – فبراير 1995 ،تم تحديد مدينة أروشا التنزانية مقرا لها لضمان حيادتيها ولكي تكون بعيدة عن الضغوط الداخلية مع مكاتب اضافية لها في كيغالي ونيويورك ولاهاي ، وان المحكمة قد اختصت بمحاكمة الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية كبيرة عن الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وقد شملة جميع المجرمين سواء المقيمين داخل جمهورية رواندا أو في دول الجوار، وتعد هذه ميزة إضافية لمنع المجرمين من الإفلات من العقاب ، ووفق القانون التأسيسي للمحكمة) (، فإنها بحسب ما جاء بالمواد (2، 3 ،4) فأنها تنظر في ثلاث مستويات و انواع من الجرائم الأساسية وفق مجموعة من المؤشرات الدالة عليها وهي كما يلي: • جرائم الإبادة الجماعية التي تم تحديدها وفق المادة 2. • جرائم ضد الإنسانية التي تم تحديدها وفق المادة 3. • جرائم الحرب والتي تستند على اتفاقيات جنيف والبروتوكول و تتماشى مع القانون الدولي الإنساني، والاتفاقيات الدولية بغض النظر عن القانون الوطني في البلاد تم تحديدها وفق المادة 4. وقد تضمنت بقية النصوص في النظام الاساسي للمحكمة العديد من المبادئ الحاكمة والمنظمة لعمل هذا المحكمة مثل الاختصاصات المشتركة بين المحكمة والمحاكم الجنائية الوطنية مع اعطاء الاولوية للمحكمة الدولية (الفقرة 1-2 من المادة الثامنة)، اضافة الى مبدأ عدم جواز المحاكمة على الفعل الواحد لأكثر من مرة وفق المادة التاسعة ، وغيرها من المبادئ. الاجهزة والآليات العمل للمحكمة الدولية الجنائية الرواندية . تشكل المحكمة من ثلاث اجهزة رئيسية (الدوائر، مكتب المدعي العام ، قلم المحكمة ) ،وقد نصت المواد (12،13،14،15،16)، من النظام الاساسي للمحكمة الطريقة التي يتم بها انتخاب وتعين اعضاء المحكمة والتي تعمل وفق اربع دوائر يفصل القضاء فيها في المحاكمات والطلبات امام المحكمة ، ثلاثة منها دوائر ابتدائية ومقرها في مدينة اروشا، وواحدة استئنافية مقرها في لاهاي ، وتتألف الدوائر جميعها من 16 قاضيا دائما و9 قضاة خاصين تختارهم جميعا الجمعية العامة للأمم المتحدة ،ولكل من الدوائر الابتدائية الثلاث 3 دائمين ، ولدائرة الاستئناف سبعة قضاة دائمين ، ولكن لا يجلس على كرسي القضاء في دائرة الاستئناف سوى 5 من اصل7 قضاة دائمين في اي وقت معين ، وعلى الرغم وجود 9 قضاة خاصين في محكمة رواندا فيتم اختيارهم من اصل 18 قاضيا خاصا ، وقد أنشئت مجموعة القضاة 18 الخاصين لتعجيل وتيرة الاجراءات القضائية ، ففي الاصل لم يكن يمكن سوى لأربعة قضاة خاصين العمل في المحكمة في اي وقت ، لكن الضغوط و جدول القضايا ورغبة مجلس الامن في اغلاق المحاكم نهائيا بحلول عام 2009، ادى الى زيادة عدد القضاة الخاصين العاملين الى 9 قضاة في 27 تشرين الاول –اكتوبر عام 2003، بينما يتولى المدعي العام مسؤولية التحقيق بجميع الجرائم في محكمة رواندا وتكون لديه ولاية قضائية عليها ، واعداد صحف الاتهام ومحاكمة المتهمين ، اما في ما يتعلق بقلم المحكمة فتكون وضيفته تقديم الدعم وكل ما يلزم من امور ادارية للدوائر والمدعي العام. الاستراتيجيات الخاصة بالمحكمة الجنائية الرواندية . لقد حدد قرار مجلس الامن 1503 في 2003 الاستراتيجيات الواجب اتباعها في للمحكمة ، وقسمها لمراحل وبجداول زمنية محددة لتقضي بالتعاون وتوزيع المهام بينها وبين المحاكم الوطنية كونها تتعلق بعدم الاثقال وتقليل الكلفة ،كما ان هذا الاستراتيجية قد حددت عام 2004 تاريخ لأنهاء جميع تحقيقاتها وعام 2008 لأنهاء جميع انشطة المحاكم الابتدائية ،وعام 2010 لأنهاء جميع اعمالها ، مع احالة قضايا المتهمين من المستوى الادنى والمتوسط الى المحاكم الوطنية المختصة وحسب الاختصاص،ولملاحظة ان عبء العمل في دائرة الاستئناف قد لا يؤدي الى للإنجاز بالوقت المحدد، لذا تم تمديد عمل المحكمة الابتدائية حتى عام 2012 والاستئناف لعام 2014،وبحلول كانون الأول / ديسمبر 2012، أكملت المحكمة مرحلة المحاكمة من ولايتها، و خلال عقدين من العمل عقدت لفترة 5800 يومًا من الإجراءات، وجهة الاتهم الى فيها الى 93 شخصًا، وأصدرت 55 حكمًا أوليًا و 45 حكمًا بالاستئناف، وكذلك فأنها قد استمعت إلى روايات 3000 شاهد عمدوا بشجاعة إلى سرد بعض الأحداث الأكثر صدمة التي يمكن تخيلها خلال محاكمات المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ، وقد حكمت المحكمة على 61 شخصًا بالسجن المؤبد لدورهم في المذابح التي حصت في تلك الفترة ، و تمت تبرئة 14 متهما وإحالة 10 آخرين إلى المحاكم الوطنية وأُغلقت رسمياً في 31 كانون الأول / ديسمبر 2015 ، وقد تولت المحاكم الجنائية الدولية التي أنشأها مجلس الأمن في ديسمبر 2010المهام المتبقية للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا لضمان ألا يؤدي إغلاق المحكمة الجنائية الدولية لرواندا إلى ترك الباب مفتوحًا أمام إفلات الهاربين المتبقين من العقاب بدأ فرع المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في الآلية العمل في 1 يوليو2012 ، لقد عرضت على المحكمة قضايا مهمة و أصدرت أحكام تاريخية فيها من اهمها : • في 9 كانون الثاني – يناير 1997 عقدت المحكمة محاكمتها الاولى ، وقد تناولت احدى اهم القضايا في تاريخ القانون الدولي والتي تمثلت بقضية المدعي العام ضد (جين بول اكاييسو) ، وقد وجهت اليه 12 تهمة في بداية المحكمة تتعلق بـ(الابادة الجماعية ، والجرائم ضد الانسانية ، انتهاكات للمادة 3 المشتركة من اتفاقية جنيف 1949 والتي اتخذت شكل التعذيب والمعاملة القاسية والقتل )، وفي حزيران – يوليو من نفس العام اضاف المدعي العام ثلاث تهم تتعلق بجرائم ضد الانسانية وانتهاك للمادة 3 المشتركة البروتكول الثاني الاضافي، والتي اتخذت شكل الاغتصاب ، والاعمال اللاإنسانية وهتك الاعراض، وفي 2 ايلول – سبتمبر 1998 اصدرت المحكمة حكمها بإدانته بتهم تخص الابادة الجماعية والتحريض العلني والمباشر والابادة الجماعية ، واقتراف جرائم ضد الانسانية كالقتل والتعذيب والاغتصاب ،وحكم بالسجن المؤبد ، ويعد هذا الحكم هو أول حكم صادر عن محكمة دولية بشأن الإبادة الجماعية وكان الحكم أيضًا أول من خلص إلى أن الاغتصاب والاعتداء الجنسي يشكلان أفعال إبادة جماعية بقدر ما يرتكبان بنية تدمير مجموعة مستهدفة كليًا أو جزئيًا. • في تشرين الاول – اكتوبر عام 1997 قدم الى المحكمة جان كامباندا رئيس وزراء رواندا المؤقت خلال فترة المئة يوم الذي حصلت بها المذبحة ، وبالاضافة الى ما نتج عن محاكمة اكاييسو من فقه قضائي مهم ،فقد ارست المحكمة في محاكمة كامباندا سابقتين مهمتين ، الاولى تتعلق بإقراره بالذنب والتهم الموجه له التي تلخصت بستة تهم وجهت اليه تتعلق بـ(الابادة الجماعية والتآمر والتواطؤ والتحريض المباشر والعلني في ارتكابها ،اضافة الى جرائم ضد الانسانية ) ، والثانية تتعل في ادانته ، فان اقراره بالذنب وادانته يمثلان المرة الاولى في تاريخ القانون الدولي التي يدان بها رئيس حكومة بجرائم ابادة جماعية وكذلك المرة الاولى التي يعترف بها متهم بذنب ارتكابه هذه الجرائم امام محكمة جنائية دولية ، وقد اصدرت المحكمة عام 1998 حكم بالسجن مدى الحياة عليه لارتكابه جرائم الإبادة الجماعية والتحريض عليها ،حيث عمد الى جمع المدنيين في الكنائس والمدارس والقيام بإعدامهم . • في عام 2003 ادين فريديناد ناهيمانا وجون و بوسكو باراياغويزا مديرا محطة الاذاعة والتلفزيون الحر للتلال الالف ،وحسن نغيزي مؤسس ورئيس تحرير صحيفة (كانغورا) ،بتهمة الابادة الجماعية والتآمر والتحريض المباشر العلني على ارتكابها ، وارتكاب جرائم ضد الانسانية بعد ما وجهت اليهم المحكمة لائحة اتهامات لهم ثلاثتهم في محاكمة واحدة يشار اليها عامة باسم قضية الاعلام ، وقد مثلة هذا المحاكمة المرة الاولى بعد محاكمات نورمبرغ التي يتم التحقيق بها في دور وسائل الاعلام كعنصر من عناصر القانون الجنائي الدولي، وقد حكم ناهيمانا ونغيزي في بادئ الامر بالسجن المؤبد ،وعلى باراياغويزا بالسجن لمدة 35 سنة ،ولكن بعد الاستئناف خفض على ناهيمانا ليصبح 30 سنة وعلى نغيزي ليصبح 35 سنة . 2. المحاكم الوطنية : اضافة الى المحكمة الدولية كان هناك الية عدالة جزائية اخرى تمثلت بالمحاكم الوطنية والذي يقع ضمن اختصاصها الحكم على المتهمين بالتخطيط للإبادة الجماعية أو مرتكبيها بما في ذلك قضايا الاغتصاب وقد اجرت 2500 محاكمة وبحلول منتصف عام 2006، كانت المحاكم الوطنية قد حاكمت حـوالي 10000 متهم من المشتبه في ارتكابهم جرائم الإبادة الجماعية، وفي عام 2007 تم ألغت الحكومة الرواندية لعقوبة الإعدام، التي كانت قد نفذت آخر مرة في عام 1998 عندما أُعدم 22 شخصًا أدينوا بارتكاب جرائم تتعلق بالإبادة الجماعية، وقد أزال هذا التطور الجديد في المحاكم الوطنية العقبات أمام نقل قضايا الإبادة الجماعية من المحكمة الجنائية الدولية لرواندا إلى المحاكم الوطنية، تزامنا مع اقتراب المحكمة الجنائية الدولية لرواندا من اتمام عملها ونهايتها . 3.المحاكم المجتمعية الجاكاكا واللجوء الى تقاليد التسامح : تم إعطاء الأولوّية في الداخل لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية ، ولبلوغ هذا الهدف وتعزيز السلام والاستقرار وتحقيق العدال والمصالحة على المستوى الشعبي والتعاون لبناء الامن المجتمعي وفق مبدأ "الحقيقة مقابل العفو" ، قاموا بأنشاء نظام العدالة الذي يُدعى (الجاكاكا-Gacaca )، وهو اشبه بالمجالس العرفية التي تم انشائها ووقع على عاتقها العبء الاكبر ، اذ منذ دخولها حيز التشغيل الكامل عام 2005 اخذت على عاتقها البت في قرابة المليون ومئتي الف قضية من خلال 12 محكمة وما يقارب 100 الف قاضي تم انتخابهم على المستوى المحلي في القرى والبلدات للاستماع إلى المشتبه بهم والمتهمين بجميع الجرائم باستثناء التخطيط للإبادة الجماعية ، من خلال اعتراف الجاني بذنبهم، وتشجيع المجني عليه بالسماح تم محاكمة الجناة وقبول طلب الغفران من ذوي الضحايا، وكذلك تمكن الناجون من الابادة ومن خلال هذه المحاكم ، معرفة المزيد عن مصير أقربائهم، كما وقد صدرت أحكام مختلفة بحق المجرمين الذين باحوا بجرائمهم واعترفوا بذنوبهم حسب مدى خطورة الجرائم التي ارتكبوها، فحُكم على البعض بخدمة الصالح العام، والبعض الآخر بالسجن، وفي غضون عشر سنوات عقدت أكثر من 12000 محكمة مجتمعية نظرت في أكثر من مليون قضية في جميع أنحاء البلاد، تم ادانت 65%من الجناة وحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة وتبرئة 25% من المتهمين وهناك قضايا معلقة لنقص المعلومات ، أعطوا من خلال هذه المحاكمات الجناة الفرصة للاعتراف بجرائمهم، وإبداء الندم وطلب العفو أمام مجتمعهم كما ان المحاكمات كانت اشبه بالمنتديات الوطنية التي ساهمة في تعزيز المصالحة الوطنية واعادة تأهيل المشاركين في المذبحة ودمجهم في مجتمعاتهم بعد قضاء فترة عقوبة مناسبة تتناسب مع الجرم الذي قاموا به، مما ساعد على بناء الامن المجتمعي في البلاد ، تم إغلاق محاكم الجاكاكا رسميًا في 4 مايو 2012( ). ثانيا : اصلاح المؤسسات وتعديل القوانين لبناء امن مجتمعي مستدام من خلال الدستور الجديد الضامن لحقوق الانسان : لبدء مسيرة الحكومة الرواندية الانتقالية التي تبنة اليات تهدف الى تحقيق الاستقرار والسلام والرفاه الاجتماعي وبالتالي السير بتجاه بناء امن مجتمعي مستدام ، كان يستوجب في بادئ الامر تقنين الاجراءات التي تعمل وفقها مؤسسات الدولة من جانب ، ومن جانب اخر تحديد حقوق المواطن والواجبات الملقاة على عاتقه في راوندا الجديدة ، لذلك تم انشاء ما يعرف باللجنة الدستورية والقانونية عام 1999 والتي تأخذ على عاتقها صياغة دستور وطني جديد للبلد والذي تم اقراره عام 2003 ، ركز الدستور الجديد على مبادئ تعزيز السلام و الامن المجتمعي من خلال الوحدة الوطنية وحظر وتجريم استخدام اي خطاب عرقي وكذلك اي مسميات تدعو للتفرقة وانهيار الامن المجتمعي كـ(الهوتو ،التوتسي) ، واعتماد مبدئ المساوة بين الجنسين، والعدالة الاجتماعية ) (، وان احكام هذا الدستور اعتمدت على حقوق الإنسان كمبدأ أساسي ومعيار للعمل ، وهذا ما اكدته ديباجة الدستور الجديد من خلال تمسّكها بمبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها في الصكوك الدولية ، كميثاق الأمم المتّحدة 1945، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المؤرخة 1948، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1965، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المؤرخ 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ 1966، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1980، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981 واتفاقية حقوق الطفل المؤرخة 1989 ،كما ويكفل الباب الثاني من دستور جمهورية رواندا من المادة 10 إلى 44 تحت عنوان "حقوق الإنسان الأساسية وحقوق وواجبات المواطن"، مجموعة كبيرة من الحقوق ويقنن المبادئ الأساسية الضرورية لكي تتجسد في التشريعات الداخلية للحقوق الأخرى المنصوص عليها في الصكوك الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، وفقاً لدستورها الجديد، فأنها تعترف بأولوية مبادئ القانون الدولي المعترف بها عالمي وكذلك فأنها تكفل مواءمة تشريعاتها القانونية معها، وبالتالي فأنها قد قدمت تعهدات دولية ملزمة للتقيد والالتزام بالمعايير المنصوص عليها في هذه الوثائق العالمية لحقوق الإنسان، والاخذ بعين الاعتبار وضع اللبنة الاساسية لتحقيق الاهداف الانمائية للألفية الثانية 2000-2015، وتشمل الحقوق التي يكفلها دستور جمهورية رواندا ما يلي: • حرمة الانسان والحق في الحياة والسلامة الجسدية والعقلية : اذ جاءت فقرات المادة العاشرة وتحت عنوان المبادئ الاساسية لتأكد على التزام جمهورية رواندا واحترامها وضمان لحرمة الانسان من خلال منع جريمة الابادة الجماعية وجميع مظاهرها والمعاقبة عليها ،واستئصال ظاهرة التفكك والانقسام على اساس العرق او المنطقة او على اي اساس اخر ، اضافة الى تأكيدها من خلال المادة الثانية عشر من الدستور على حق الفرد في الحياة وعدم جواز سلب او حرمان هذا الحق بشكل تعسفي ، والحق في السلامة الجسدية والعقلية وعدم جواز اخضاع احد للتعذيب او الايذاء الجسدي والمعاملة القاسية كما بينته المادة الرابعة عشر ، اضافة الى المادة الثالثة عشر التي الزمة الدولة بها نفسها بالدفاع والحماية عن قدسية حرمة الانسان . • المساواة و القضاء العادل ،اذ نصت المادة الخامسة عشر على ان جميع الاشخاص متساوون امام القانون ولهم حق التمتع بحماية متساوية ، اذ ان الروانديين يولدون ويضلون متساوين في الحقوق والحريات دون أي تميز من أي نوع سواء كان عرقي او ديني او جنسي او مناطقي كما اكدته المادة السادة عشر من الدستور ،اذ جاءت هذا المادة متوافقة مع الهدف الثالث من اهداف الالفية الثانية والذي يهدف الى تعزيز المساواة بين الجنسين. • المصالح الفضلى للطفل، اذ نصت المادة التاسعة عشر من الدستور على وجوب اتخاذ تدابير واليات لحماية ومساعدة الاطفال حسب سنهم او ظروفهم المعاشية على النحو المنصوص عليه في القانون الوطني والدولي، دون اي تميز بسبب النسب او غيرها من الظروف مع التأكيد على حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي ،اذ جاءت هذا المادة متوافقة مع الهدف الرابع من اهداف الالفية الثانية والذي يهدف الى تخفيض معدلات وفيات الاطفال. • الحياة الكريمة ، اذ نصت المادة الثلاثون من الدستور الرواندي،على الحق في حياة تكفل كرامة الإنسان من حيث الحق في حرية اختيار العمل لجميع الافراد دون أي شكل من اشكال التميز، والحق باجر متساوي للعمل المتساوي وتوفير مستوى معاشي كافي للفرد ولأسرته والتحرر من الجوع والضمان الاجتماعي ،اذ ان هذا المادة قد جاءت متوافقة مع الهدف الاول من اهداف الالفية الثانية والذي يهدف الى القضاء على الجوع والفقر المدقع . • الحق بالتعليم اذ نصت المادة العشرون من الدستور على حرية التعليم واكدت على انه حق مكفول لكل رواندي وفقا للشروط التي يحددها القانون والتي تضمنت ان التعليم الابتدائي الزامي ومجاني في المدارس العامة المدعومة من الحكومة المسؤولة عن تنظيم التعليم ، وهذا ما توافق مع ما اكد عليه الهدف الثاني من الاهداف الثمانية الانمائية للألفية بوجوب تحقيق تعميم التعليم الابتدائي . • الصحة الجيدة والبيئة النظيفة :اذ نصت المادة الحادية والعشرون على حق كل مواطن بالتمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمانية والعقلية وتحسين جميع جوانب الصحة ، اضافة الى المادة الثاني ولعشرون اكدت على حق الفرد في العيش في بيئة نظيفة والزمت الدولة بتحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية وتهيئة جميع الظروف التي من شانها تامين الخدمات الطبية والعناية للجميع في حالة المرض ،وهذا ما يتوافق مع الاهداف (5،6،7) من الاهداف الانمائية للألفية الثانية والذي تهدف الى تحسين الصحة ، ومكافحة فيروس المناعة ، اضافة الى وجوب كفالة الاستدامة البيئية . بالإضافة لمواد اخرى تكفل الحقوق المتعلقة بـ(حرية الفكر والوجدان والضمير، حرية الصحافة والتعبير والوصول للمعلومات ، تكوين الجمعيات والنقابات والتجمع السلمي ) ،وغيرها من الحقوق التي نص عليها العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما انعكس بالتالي على استقرار وبناء الامن المجتمعي.
ثالثا : نزع السلاح وتسريح المقاتلين واعادة ادماجهم كمواطنين صالحين في المجتمع استكمالا لمسيرة الدولة الانتقالية لتحقيق المصالحة الوطنية وبناء المجتمع والسير باتجاه بناء امن مجتمعي مستدام بعد سنوات العنف والصراع التي القت بظلالها على البلاد والبلدان المجاورة وساعدت على اشتعال نار الحروب وخاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبعد ان تُوجت مبادرات السلام الإقليمية باتفاق لوساكا لوقف إطلاق النار في يوليو/تموز 1999 بدأت حكومة رواندا والعديد من الحكومات الأخرى، بسحب قواتها من جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2001، حيث كانت سياسة حكومة رواندا ترمي إلى تشجيع عودة المقاتلين الى البلاد وإعادة إدماج أفراد الجماعات المسلحة الرواندية المقاتلين السابقين في الحياة المدنية كونه يشكل أمرا حاسما في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي والحد من العنف المجتمعي المحلي ، ولتحقيق هذه الغاية، نفذت الحكومة الرواندية الجديدة برنامجها الذي يحتوي على خطوتين الاولى تتعلق بنزع السلاح وتسريح المقاتلين ، اما الثانية فتتعلق بإعادة تأهيل المقاتلين المسرحين ودمجهم كمواطنين صالحين في المجتمع، ولقد نجحت راوندا في تسريح واعادة ادماج ما يقارب 54000 منذ بدء هذا البرنامج وقد اتمت تنفيذ لجنة التسريح واعادة الادماج الرواندية (RDRC) تلك العمليات بموجب مرحلتين رئيسيتين وهي الان في المرحلة الثالثة ، فالأولى كانت بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وامتدت بين عامي 1997 و2001، وسرحت أكثر من 18 ألفا من جنودها، اما الثانية فجاءت بعد طلبت الحكومة مساعدة البنك الدولي في حزيران / يونيو 2001 بهدف تجديد البرنامج وتوسيعه، وقد امتدت من 2002 الى 2008 ، وهو الان في مرحلته الثالثة و شملت تلك العمليات مجموعة من الجهات المسلحة متداخلة في بعض الاحيان وسنبين في بادئ الامر المرحلتين وانجازاتها المتعلقتين بنزع السلاح والتسريح ومن ثم اعادة الاندماج وكما يلي : الخطوة الاولى : نزع السلاح والتسريح واعادة الاندماج لقد استطاع برنامج رواندا المعني بتسريح المقاتلين واعادة ادماجهم في المجتمع من تقيق تقدما كبير بتجاه تحقيق الامن المجتمعي للبلاد حيث تم من خلاله تمكين الاف المقاتلين من العودة الى حياة مدنية منتجة، اذ ان المرحلة الاولى والتي استمرت للفترة الممتدة من ايلول – سبتمبر عام 1997 حتى اذار – مارس عام 2001، تم نزع سلاح وتسريح 18692 من جنود قوات الدفاع الرواندية اضافة الى 7091 من مقاتلي الجماعات المسلحة التي كان يستهدفها البرنامج ،لقد مثل ذلك توازنا مع اعادة دمج ما يقارب 15000 من القوات المسلحة الرواندية السابقة في صفوف الجيش الوطني خلال نفس الفترة ، مع العرض ان الجيش قد وضع عدة معاير في اختيار الجنود ليتم تسريحهم تمثلت بـ(الصحة ، درجة الاعاقة ، الالتزام العائلي، الرغبة بموصلة التعليم )، اما فيما يتعلق بالمرحلة الثانية فقد تم تسريح لغاية 31 ايار – مايو 2007 ما يقارب 22 الف مقاتل ومن ثم تجاوز العدد ليصبح 22675 جنديا من قوات الدفاع الرواندية السابقة ، كما وتم انهاء خدمة ما مجمله 7091 مقاتلا من 12500 مقاتل من مختلف الجماعات المسلحة الاخرى ، بالإضافة الى 624 من الجنود الاطفال السابقين ، وقد حصل 12969 مقاتلا سابقا من القوات المسلحة الرواندية على مساعدة لإعادة الإدماج . الخطوة الثانية : اعادة دمج المقاتلين السابقين في المجتمع والحد من العنف المجتمعي تمثل عملية اعادة ادماج المقاتلين في الحياة المدنية من جديد، امرا حاسما للحد من العنف المجتمعي ، اذ يمثل عاملا مهم ينعكس على الاستقرار الاجتماعي المحلي والنمو الاقتصادي مما ينعكس بالتالي على تنمية البلاد وبناء امنه المجتمعي ، لذا فان اللجنة قد قدمت مجموعة من التدابير وعلى جوانب عديدة وكما يلي : • اعادة الاندماج من الجانب الاقتصادي : قدمت اللجنة حزمة اقتصادية شاملة لمساعدة الجنود المسرحين من قوات الدفاع الرواندية على العودة إلى الحياة المدنية والاعتماد على أنفسهم، اذ تلقى المقاتلون السابقون كافة والبالغ عددهم 22675 والذي تم صرفهم من الخدمة في المرحلة الثانية في نفس يوم تسريحهم، معونات مادية قيمتها 60 ألف فرانك رواندي لتغطية تكاليف الحصول على متطلبات الحياة الاساسية من مسكن وشراء الغذاء واللوازم المنزلية وتلبية الاحتياجات الفورية، وبعد شهر تلقوا بدل اعتراف بالخدمة من النظام المصرفي وتراوح المبلغ من (150_2000) دولار واختلف كل حسب رتبتهم الوظيفية السابقة ، وفي النهاية تأهلوا للحصول على منحة لإعادة الإدماج قيمتها 120 ألف فرنك رواندي لبدء نشاط تجاري صغير يدر دخلا اقتصاديا لهم ، وكذلك فان المقاتلون السابقون في الجماعات المسلحة ممن عادوا للوطن من جمهورية الكونغو الديمقراطية قد حصل على منافع مماثلة، اذ تم دفع بدل الاعتراف بالخدمة إلى 12969 من المقاتلين السابقين في القوات المسلحة الرواندية، وتأهل 3242 من بينهم للحصول على منح نافذة مساندة الضعفاء، كذلك قدمت مساعدات في اعادة التأهيل الاجتماعي الى 674 من الاطفال المجندين خلال المرحلة الثانية من المشروع . • اعادة الاندماج الصحي : قدمت الرعاية الصحية والطبية الى 8400 مقاتل كانوا يعانون من الاعاقات والامراض ، اضافة الى اقامة مبادرة تتعلق بزيادة الوعي بمرض نقص المناعة الايدز والارشادات خلال مرحلة التسريح وتقديم الخدمات لهم في ما يتعلق بـ(التوعية ،المشورة قبل وبعد الفحص ،العلاج ،النصائح بعد العلاج لتجنب العدوى في المستقبل) وكذلك منحهم الدعم النفسي والاجتماعي. • اعادة الاندماج من الجانب التعليمي : إدراكا من القائمين على المشروع والحكومة الرواندية، أن الكثير من المقاتلين السابقين يعانون نقصا في التعليم ويحتاجون أكثر من مجرد مبلغ من المال او معونه اقتصادية بل هم بحاجة لرفع المستوى التعليمي لهم ، لذا بدأ المشروع أيضا بتقديم فرصا للتدريب والمساعدة الفنية، اذ حصل 669 مقاتلا سابقا على مساندة تعليمية رسمية فيما حصل 1885 على تدريب في المجال المهني و664 على تدريب صناعي، اضافة وصول عدد المستفيدين من برنامج محو أمية الكبار إلى 2093 مقاتلا سابقا حتى عام 2007 ، بينما قدمت برامج أخرى دورات تدريبية في المهارات الأساسية للأعمال التجارية وإدارة الصراع تمثلت بـ(التدريب على ممارسة الأعمال التجارية، مساعدات فنية)،وقد استفاد قرابة 1523 مشاركا من هذا الجهد. المطلب الثالث: الانموذج الامريكي اللاتيني - العدالة الانتقالية في دولة تشيلي كانت دولة تشيلي تسعى لتحقيق العدالة الانتقالية عن طريق الكشف عن الحقائق باتجاه تحقيق المصالحة الوطنية، حيث أن فوز مرشح الرئاسة بتريشيو ايلوين (Patricio Aylwin) في (11 آذار - مارس 1990) ،مثل نقطة انتقال من صفحة قائمة في تاريخ العنف السياسي وإرهاب الدولة ونهاية الحكم العسكري في تشيلي، حيث صدر المرسوم الرئاسي المرقم (335) في 25 نيسان - أبريل 1990 ،والذي نص على تشكيل لجنة عرفت باسم "لجنة ريتغ" (Rettig Commission)، أو (اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة)، وكان الغرض من هذه اللجنة مساعدة الشعب للتوصل إلى فهم الانتهاكات الخطرة لحقوق الانسان المرتكبة خلال فترة امتدت قرابة 17 سنة من البطش تحت نظام الجنرال اوغستو بينوشيه وبشكل واضح، والهدف مساعدة التشيليين لتحقيق المصالحة، لاسيما بين المسؤولين عن هذه الانتهاكات وأسر ضحايا الاغتيال والاختفاء القسري، منطلقاً من أن إبراز الحقيقة سيساهم في تلبية المتطلبات الاساسية للمصالحة نحو تحقيق العدالة، لأن الحق في معرفة حقيقة الانتهاكات لحقوق الانسان والقانون الانساني هو موضع اعتراف تدريجي في الصكوك الدولية والتشريعات الوطنية أيضاً والسوابق القضائية الداخلية والدولية وغيرها، كما ان الحق في معرفة الحقيقة هو أمر وثيق الصلة بحقوق أخرى من حقوق الانسان، كالحق في الوصول الى العدالة والحق في اللجوء الى سبل فعالة للإنصاف والجبر والحصول على معلومات موضوعية ، ووفقاً للمادة الثالثة من هذا المرسوم أنشأت اللجنة من ثمانية اعضاء ذوي انتماءات وتوجهات مختلفة، ستة منهم كانوا رجالاً واثنان نساءً، وقد وجهت أوامر بالتحقيق بأحداث الفترة الممتدة من (11 أيلول - سبتمر 1973 الى 11 آذار - مارس 1990)، ولاسيما فيما يتعلق بحالات الاخفاء والتهجير والاعتداء خارج نطاق القانون والتسبب بالوفاة وحالات القتل التي تجاوز عددها ألفي قتيل خلال الحكم العسكري والتي كانت أسبابها تعود لممارسات ارتكبت وفق مبررات وحجج سياسية. كما تم تحديد أهداف عمل هذه اللجنة بمجموعة من النقاط يمكن اختزالها بما يلي: • رصد انتهاكات حقوق الانسان الخطيرة، وتكوين صورة شاملة قدر الممكن عن حقيقة الأحداث وسابقاتها وظروفها. • جمع المعلومات والادلة كافة، التي من شأنها أن تساعد على التعرف على الضحايا بالأسماء وتحديد مصيرهم وأماكن وجودهم. • التوصية باتخاذ إجراءات لجبر الضرر وتعويض عوائل الضحايا على النحو الذي تراه عادلاً. • التوصية باتخاذ إجراءات وتدابير ادارية وقانونية تحول دون تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في المستقبل. ومع مباشرة اللجنة بالعمل، جعلت واجبها الأساسي تحديد انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت بالفعل لاسيما الخطيرة والجسيمة منها، وذلك عن طريق إيضاح وتفصيل كامل ودقيق لما حدث في كل حالة على حدة، كون ذلك سيمكنها من رسم صورة كاملة حسب الممكن، للظاهرة السلبية وبشكل إجمالي فيما يتعلق بانتهاكات الحقوق الأساسية للأفراد، كما أن معرفة هذه الحقيقة الفردية كان شرطاً أساسياً وهدفاً رئيساً يمكن من اتخاذ التدابير الرامية إلى إصلاح الضرر الذي لحق بعوائل الضحايا قدر الإمكان وتحديد الجناة الحقيقيين، مع التوصية باتخاذ التدابير الممكنة لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً، وقد فوضت المادة الرابعة من المرسوم اللجنة إجراء أي تحقيق أو تدابير تراها مناسبة لتتمكن من تحقيق أهدافها بفعالية تامة، بما في ذلك طلب اي تقارير أو وثائق أو أدلة من السلطات والوكالات الحكومية، كما ألزم المرسوم ذاته المسؤولين والهيئات الحكومية بتقديم التعاون الكامل وضمن مجال اختصاصهم المحدد، غير أن عدم منح اللجنة سلطة إلزامية أي شخص بالمثول أمامها او الادلاء بشهادته، وهذا ما جعل مهمتها تُفهم على أنها أخلاقية بطبيعتها، والهدف منها فحص أكبر قدر ممكن من الأدلة حول أخطر انتهاكات حقوق الإنسان في الفترة المحددة، لإعداد تقرير نهائي يعتمد بالأساس على الادلة والمعلومات التي تم جمعها وبحيادية تامة كتعبير عن استنتاجات اللجنة للإبلاغ عن النتائج التي توصلت إليها بناءً على الحكم الصادق والمدروس الذي تتخذه بهدف تنوير الدولة ومسؤوليها الحكوميين، بغية مساعدتهم في معرفة الحقيقة لاتخاذ القرارات الأكثر ملاءمة لتحقيق المصالحة الوطنية والشروع في بناء الامن المجتمعي من جديد، على أن تحل اللجنة نفسها تلقائياً بعد أن تقدم تقريرها النهائي الى الرئيس الذي سيقوم بدوره بعرضه على الشعب، مع اعتماد القرارات والمبادرات التي سيعتبرها مناسبة. اولا: الوصول الى الحقيقة وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان حددت اللجنة من خلال تقريرها المقدم الى السلطات الحكومية 2279 ضحية، وكانوا مقسمين الى 2115 ضحية لانتهاك حقوق الانسان، 164 ضحية للعنف السياسي وإرهاب الدولة، 641 كحالات عالقة لم تستطيع اللجنة التوصل الى دليل إدانة قطعي فيها، كما استلمت اللجنة 508 قضية لا تتناسب مع صلاحياتها، و449 حالة اقتصرت المعلومات على ذكر الاسم فقط، لتستبعد بسبب عدم وجود اساس لإجراء التحقيقات فيها. أما في ما يخص ضحايا القتل وخروق حقوق الانسان فيمكن تفصيلها وفق نتائج اللجنة كما يلي: جدول رقم 1: يوضح الضحايا حسب خروق حقوق الانسان التسلسل الطريقة العدد النسبة المئوية 1 محاكم الحرب 59 2.8% 2 اثناء الاحتجاجات 93 4.4 % 3 اثناء (محاولات هروب مزعومة من السجون) 101 4.8% 4 اعدامات عشوائية اخرى وعمليات التعذيب 815 38.5 % عدد القتلى الكلي 1068 50,5 %
الجدول : من اعداد الباحث بالاعتماد على : 1990National Commission for Truth and Reconciliation , CHILE مصدر سبق ذكره. في حين وصل عدد حالات الاختفاء القسري بعد الاعتقال وفقاً لتقرير اللجنة الختامي الى 957 حالة بواقع (45,2%)، ووصل عدد حالات قتل الاشخاص المختفين قسراً الى 90 حالة بواقع (4,3%)، اي ما مجموعه 1047 حالة بواقع (50%) كناتج عن الاخفاء القسري، وبجمع الحالتين معاً سيكون المجموع 2115 حالة قتل وفقاً لما أكدته اللجنة في تقريرها النهائي) (. كما أكد تقرير اللجنة على العديد من حالات القتل التي يمكن تصنيفها ضمن عمليات إرهاب الدولة حيث تم استخدام اساليب متنوعة منها (وضع متفجرات في اماكن عمومية، مهاجمة المواطنين عشوائياً، استخدام القوة غير المبررة للقتل)، بمعنى اساءة استخدام السلطة بطريقة تؤدي الى الموت، أو التعذيب المؤدي الى القتل. اما فيما يتعلق بالدوافع والانتماء السياسي فقد تم تسجيل عمليات قتل كثيرة ومنها استهداف قادة الاحزاب والنقابات وطلبة الجامعات والثانويات فضلاً عن منظمات المجتمع المدني، واغلب هؤلاء كانوا اما اعضاء في احزاب سياسية او من المتعاطفين مع الرئيس السابق سلفادور ألليندي الذي كان متبنياً للفكر الشيوعي. ويمكن تصنيف الضحايا وفقاً لهذه الدوافع حسب الجدول أدناه. الجدول رقم 2: يوضح الضحايا حسب الانتماء السياسي التسلسل التوجه السياسي العدد النسبة المئوية 1 الحزب الاشتراكي 405 17.8% 2 الحزب الماركسي المتشدد MIR 384 16.9% 3 الحزب الشيوعي 353 15.5% 4 حركة العمل الوحدوي الشعبية MAPU 24 1.0% 5 FPMR 19 0.8% 6 الحزب الرديكالي 15 0.7% 7 الحزب المسيحي الديموقراطي 7 0.3% 8 الحزب المسيحي اليساري 5 0.2% 9 الحزب الوطني 4 0.2% 10 الاحزاب الاخرى 15 0.7% 11 احزاب لا تصنف كحزب ناشط سياسيا 1,048 46.0% المجموع الكلي 2,279 100% الجدول من اعداد الباحث بالاعتماد على : 1990National Commission for Truth and Reconciliation , CHILE
تظهر القراءة الاولية لمخرجات لجنة الضحايا حسب الانتماء السياسي، ان النظام السياسي كان سلطوياً ودكتاتورياً واستهدف أغلب الاحزاب السياسية التي كانت موجودة في البلاد، بهدف إيصال رسالة واضحة موجهة للحياة السياسية والمدنية خلاصتها (ان هناك قوة واحدة في البلاد لا علو فوقها تتمثل بالمؤسسة العسكرية والحكم العسكري)، وهو ما يعتبر خرقاً واضحاً للحقوق المدنية والسياسية التي أقرتها الامم المتحدة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ،كالمادة 6 التي تنص على أن الحق بالحياة ملازم للإنسان وعلى القانون حمايته ولا يجوز لاحد حرمان احد من حياته تعسفاً، بالإضافة إلى المادة 19 التي تنص على حرية الانسان باعتناق الآراء والافكار وتلقيها ونقلها وحرية التعبير دون مضايقة، والمادة 21 التي تنص على الحق في التجمع السلمي وان لا يجوز ان يوضع قيود على ممارسة هذا الحق. ويمكن تصنيف الضحايا من حيث الحالة الاجتماعية كما يلي: جدول رقم3: الضحايا وفق الحالة الاجتماعية التسلسل الحالة الاجتماعية العدد النسبة 1 غير المتزوجين 960 42.1% 2 المتزوجين 1,172 51.5% 3 الارامل 12 0.5% 4 غير المصنفين 135 5.9% العدد الكلي للضحايا 2,279 100.0%
الجدول : من اعداد الباحث بالاعتماد على : 1990National Commission for Truth and Reconciliation , CHILE
كما أشار تقرير اللجنة إلى الضحايا وفقاً لأعمارهم حيث حدد اكبر فئة عمرية تم استهدافها هي فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20-40 سنة بمجموع 1356 ضحية وبنسبة مئوية وصلت الى قرابة 67,4%، كما لم يسلم الاطفال ايضا من بطش النظام الدكتاتوري العسكري إذ وصل عدد الضحايا منهم الى 318 ضحية وبنسبة مئوية 13,9 في حين أن الذين تترواح اعمارهم بين 41 الى 75 فقد وصل عدد الضحايا منهم 376 وبنسبة مئوية وصلت الى قرابة الى 16,9%، اما الأعمار غير المصنفة فقد بلغ عدد ضحاياها 75 ضحية بنسبة 3,4%،وفيما يتعلق بالضحايا من حيث الجنس تم تحديد الضحايا من الذكور بنسبة عامة بمجموع 2153 بنسبة مئوية وصلت الى 94,5% في حين سجلت ضحايا الاناث 126 حالة بنسبة مئوية 5,5%. ووفقاً للجنسية فقد سجلت اللجنة في تقريرها النهائي ما يقارب عشرين جنسية أخرى غير التشيلية تم تصفية ضحاياها على اراضي تشيلي خلال حكم الدكتاتورية العسكرية، فاذا كان نصيب تشيلي من الضحايا 2228 حالة بنسبة وصلت الى 97,76% فباقي النسبة من الضحايا موزع بين دول أخرى وخاصة (اسبانيا، فرنسا، الارجنتين، الاورغواي، بوليفيا، الاكوادور، البرازيل، أمريكا الشمالية، فنزويلا)) (. أما فيما يتعلق بالضحايا وفقاً لمهنهم فيمكن تصنيفهم حسب الجدول التالي: جدول 4: تصنيف الضحايا حسب المهن التسلسل المهنة العدد 1 الحرفيين 207 2 المشرفين , المدراء , مدراء الدرجات العليا 45 3 الموظفين 305 4 العمال و الفلاحين 686 5 موظفي القطاع الخاص 314 6 الطلاب 324 7 قوات الدفاع المسلحة و قوات الداخلية المسلحة 132 8 اصحاب مهن اخرى 226 9 مهن غير معروفة 40 المجموع الكلي 2,279 المصدر : من اعداد الباحث بالاعتماد على : 1990National Commission for Truth and Reconciliation , CHILE
كل ما تقدم يمثل خلاصة نتائج لجنة الحقيقة والمصالحة حول ضحايا الانتهاكات الجسيمة التي مست حقوق الانسان في تشيلي للفترة الممتدة من 11 ايلول - سبتمبر 1973 ولغاية 11اذار- مارس 1990، أي خلال الحكم الدكتاتوري العسكري المطلق، وكان الهدف من دراستها وانجاز تقريرها، هو كشف الحقيقة، باعتبارها ستجلب قدراً من التطهير الروحي الانساني للفرد وتمهد الطريق لإعادة بناء الأمن المجتمعي، بالإضافة إلى تشكيل عنصر ردع وتصدي للانتهاكات بالمستقبل، وهذه الحقيقة تجسدت من خلال صيغ عدة كان أهمها الادلاء بالشهادات لرد الاعتبار الى الضحايا وذويهم والمساهمة في تحقيق العدالة الانتقالية وتعزيزها والعمل على توفير المرتكزات الاساسية للمصالحة الوطنية للانتقال الى مرحلة الدولة الديمقراطية بمؤسسات دستورية رصينة تساعد على التنمية وبناء الامن المجتمعي. ثانيا: إجراءات جبر الضرر صدر التقرير النهائي والمفصل للجنة الوطنية التشيلية للحقيقة والمصالحة في شباط - فبراير 1991 بعد عمل امتد قرابة تسعة اشهر ركز على انتهاكات حقوق الإنسان التي أدت إلى حالات وفاة واختفاء خلال سنوات الحكم الدكتاتوري العسكري، ليصبح التقرير مشهوراً لكونه أول تقرير وثق حالات الاخفاء القسري وتصدره لجنة تحقيق وطنية، كما أقرت كل الأحزاب التشيلية عقب نشر التقرير بصحة الوقائع التي تم التحقيق بها على الرغم من بعض الخلافات حول تأويل بعض الاحداث تاريخياً، كما تم الاعتراف بمعالجة قضية المفقودين الذين قدرت اللجنة أعدادهم بحوالي 3400 تقريباً ،كعنصر أساسي في عملية المصالحة الاجتماعية بعد العودة إلى الديمقراطية، كما اقترحت اللجنة ضمن توصياتها النهائية الصادرة عنها ثلاثة انواع من التعويضات للضحايا وأسرهم وكما يلي: • التعويضات الرمزية الهادفة الى رد الاعتبار. • التعويضات ذات الطبيعة القانونية والادارية الهادفة لحل القضايا المرتبطة بالوفاة كـ(الارث، نيابة قانونية عن القاصرين ابناء الضحايا) • التعويضات المساعدة وتعويضات التأهيل الاجتماعي والرعايتين الصحية والتعليمية. كما لم تقف اللجنة عند هذا الحد لتواصل اعمالها بالتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان والعمل على توفير معايير تعويض الضحايا، ليتم إصدار القانون رقم 123-19لسنة 1992، والذي تم وفقه تشكيل هيئة وطنية اطلق عليها اسم (المجلس الوطني لجبر الضرر والمصالحة)، وركزت مهامه حسب قانون تشكيله على ما يلي: • تنسيق وتنفيذ تدابير وتوصيات الجبر التي اقترحتها اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة. • تقديم الدعم للأقارب فيما يتعلق بتحديد مصير وأماكن ذويهم المفقودين والذين لم يتم العثور على جثثهم، مع إعادة رفاتهم والتكفل بمراسيم الجنازة ان وجدت. • التحقيق في حالات الاشخاص الذين لم تتمكن اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة من النظر فيها لعدم وجود أدلة او لقلة المعلومات الاساسية المقدمة عنهم، ومن ثم معالجتها. أما بشأن التعويضات فقد دعت الهيئة الوطنية للجبر والمصالحة الى استحداث معاش تعويضي يدفع على شكل منحة شهرية تقدم لأقارب الضحايا المباشرين المتمثلين بـ(الزوجة، الام، الابن دون سن 25، المعاقون)، وهذا المعاش يضمن الحد الادنى للمساواة لجميع الضحايا، كما سعت برامج جبر الضرر الى توفير سبل الانصاف على الانتهاكات المنهجية لحقوق الانسان عن طريق تقديم مجموعة من المزايا المادية والرمزية للضحايا ومن بينها التعويض النقدي والخدمات الطبية والنفقة او الدعم التعليمي مع اعادة الاملاك لأصحابها او تعويضهم عن فقدانها ببدل نقدي، مع تقديم الاعتذارات الرسمية العلنية وغيرها من اشكال جبر الضرر، كما تتم كفالة ضحايا تلك الانتهاكات حسب الاقتضاء وما يتناسب مع جسامة الانتهاك وظروف كل حالة والجبر التام والفعال وفق ما ينص المبدأ من 19 الى 23 لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ولاسيما رد الحق ومنح التعويض واعادة التأهيل وعدم التكرار. وتعتبر تجربة تشيلي إلى جانب التجربة الارجنتينية من انجح تجارب تنفيذ برامج جبر الاضرار لكونها اعتمدت تدابير شاملة إلى جانب التعويض المالي مع التركيز على نظام الرعاية الصحية للناجين من جحيم التعذيب في الحكم العسكري واسرهم حيث استطاعت التعويضات المقدمة بسخاء ان تحسن حياة الضحايا وتعالج البعض منهم من آثار تلك الانتهاكات المرتكبة بحقهم، واستثمرت تشيلي (3,2) مليار دولار امريكي في التعويضات التي شملت ما يقارب 2253 ضحية من ضحايا الاختفاء القسري والقتل، 38245 ضحية من ضحايا السجن السياسي والتعذيب وعدد كبير من ضحايا الفصل السياسي من الخدمة المدنية والشركات العامة، حيث كان جبر الضرر إقراراً بالمسؤولية ومثل احدى آليات العدالة الانتقالية التي كانت تطمح تشيلي الى تحقيقها من خلال المصالحة بين الدولة والمجتمع، حتى أصدر الرئيس اللوين باتريسيوا قانون رقم 123-13 لتزكية مبدئ التعويضات حيث حدد من خلاله المساعدات التي اقرتها مؤسسات التعويضات والمصالحة وتقسيمها على عائلة الضحايا المباشرة وعلى الوجه التالي: التسلسل نوع القرابة المبلغ النسبة المئوية 1 الازواج 215-$- 40% 2 الوالدة او الوالد في حالة غيابها 161-$- 30% 3 ابناء الضحايا حتى بلوغهم 25 او مدى الحياة للمعاقين 80-$- 15% 4 والد او والدة من ابناء الضحايا في اطار الزواج العرفي حتى بلوغ الابناء 25 من العمر 80-$- 15% الجدول :من اعداد الباحث بالاعتماد على ، تجربة العدالة الانتقالية في التشيلي بين الانقلاب العسكري على الشرعية وتحقيق المصالحة الوطنية، مصدر سبق ذكره. واضافة الى ذلك كانت جميع اسر الضحايا تتلقى مبالغ من المال تعادل ما مقداره سنة من الراتب الشهري، اي بمقدار 6500 دولار امريكي كانت تدفع دفعة واحدة بغية تحسين الوضع المعاشي للعائلة. كما كانت هناك مساعدات اخرى قدمتها الهيئة في مجموعة من المجالات كـ(التعليمي: على شكل منح دراسية من اجل متابعة الدراسة في مختلف المراحل التعلمية، الصحي: من خلال تقديم كل الخدمات والرعاية الصحية لجميع الفئات وخاصة المعتقلين السياسيين، الزراعي: من خلال تخصيص رواتب لفئة الفلاحين الذين تضرروا من وقف برنامج الاصلاح الزراعي، الاجتماعي: من خلال تخصيص رواتب ومخصصات تقاعدية للذين فصلوا من عملهم بسبب افكارهم السياسية وكذلك المنفيون الذي فرضت عليهم الدكتاتورية الابتعاد عن الوطن والاسرة)( ). ساعدت التعويضات التي تم تطبيقها بناءً على توصيات التقرير النهائي للجنة كشف الحقائق على تحقيق القبول والرضى من قبل مكونات المجتمع التشيلي، لكن الاجراءات والتعويضات لم تكن كافية لوحدها لتحقيق العدالة الانتقالية في البلاد والوصول الى المصالحة الوطنية الداخلية الحقيقية، وبناء امن مجتمعي مستدام من دون معالجة الاسباب التي افرزت الانتهاكات المريرة لحقوق الانسان، وتلك المعالجات لم تتم إلا من خلال اصلاح مؤسسات الدولة وتقنين عملها، وهذا ما سيتم إيضاحه في النقطة التالية. ثالثا: اصلاح المؤسسات وتعديل القوانين لبناء امن مجتمعي مستدام كان من أهم آليات العدالة الانتقالية هو إصلاح مؤسسات الدولة لاسيما تلك التي تواطأت في انتهاكات حقوق الانسان ضد أفراد المجتمع في تشيلي، وهذا ما أكد عليه الهدف (16) من أهداف التنمية المستدامة (SDNs) كما أسلفنا سابقاً، حيث أن هذه المؤسسات ساعدت على بناء أمن مجتمعي مستدام، ولكن هذا الاصلاح كان من المفترض أن يكون تدريجياً لتلافي الهزات الارتدادية التي يحاول المستفيدون من الفوضى وأعداء المصالحة الوطنية والامن المجتمعي تغذيتها لذلك بدأت دولة تشيلي بإصلاح مؤسساتها تدريجياً للعودة الى المسار الصحيح، وبعد انشاء (اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة) عام 1990، والتي اعقبها تشكيل المجلس الوطني للجبر والمصالحة في عام 1992، كانت الاصلاحات تتوالى، لتقطع تشيلي بعض السبل لتطوير إطارها القانوني وفق المنظور العالمي لحقوق الانسان، وكما يلي:
الاصلاحات الدستورية لتنظيم حقوق الانسان نحو بناء أمن مجتمعي مستدام
ركزت دولة تشيلي على اتباع السبل الكفيلة بتطوير تشريعاتها الدستورية لتكون متوافقة مع الصكوك الدولية لحقوق الانسان لتتمكن تشيلي من إحراز تقدم ملحوظ في تطوير قوانينها الداخلية لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان السابقة من خلال تعديل بعض مواد الدستور المشرع في عام 1980 في فترة نظام الحكم العسكري، ليتم تعديله لمرات عدة منذ انتقال تشيلي وعودتها الى المسار الديمقراطي عام 1990، وعلى وجه الخصوص فقرات (المادة 19) من الفصل الثالث (الحقوق والواجبات الدستورية) في الدستور التشيلي، التي تم تعديلها لتنص على ضمانات حقوق الإنسان فيما يتعلق بـ(الحياة والسلامة البدنية والنفسية للشخص، حظر سوء المعاملة، والمساواة أمام القانون في تشيلي، الحماية القانونية المتساوية من حيث ممارسة الحقوق، احترام وحماية الحياة الخاصة وشرف الشخص وأسرته وحمايتها، عدم انتهاك حرمة المنازل والاتصالات الخاصة بكافة اشكالها، حرية التعبير عن كافة العقائد و ممارسة مختلف العبادات التي لا تخل بالآداب العامة، الحق بالحرية الشخصية والامان الفردي، الحق في العيش في بيئة غير ملوثة، المحافظة على الصحة، الحق بالتعليم، حرية التعبير عن الرأي والاعلام، الحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والحق في تنظيم النقابات في الحالات والشكل الذي يحدده القانون ويكون الانتساب لها طوعاً، حرية العمل وتوفير الحماية اللازمة له والحق في تطوير أي نشاط اقتصادي لا ينافي الادب أو النظام العام او الامن القومي ولا يجوز ممارسة أي تمييز تعسفي في معالجة الدولة واجهزتها للمسائل الاقتصادية، حرية التملك بمختلف انواعه ولكافة فئات الاصول العينية والمعنوية باستثناء تلك التي لها طابع مشترك لكافة الافراد بحكم الطبيعة او تلك التي يفترض ان تنتمي للامة جمعاء والتي يعلنها القانون على انها كذلك، التوزيع العادل والمتكافئ للضرائب حسب الدخل او التدرج او الشكل المنصوص عليه في القانون وكذلك التوزيع المتكافئ للنفقات العامة الاخرى، الحق في الضمان الاجتماعي)، وهذه التعديلات جاءت متوافقة مع مواد الصكوك الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان كـ(العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اعلان الحق بالتنمية).
إصلاح مؤسسات الدولة وحقوق الانسان لبناء الامن المجتمعي المستدام: 1. إصلاح مؤسسة السجون وعمل جهاز الشرطة : سنت تشيلي في 1 تموز – يوليو 1998 قانون رقم 19/567 والذي يقضي ويلزم الجهاز الشرطوي بإبلاغ جميع المحتجزين بحقوقهم، والا فان اية افادات تؤخذ منهم تعتبر غير صحيحة، كما ويلغى الاحتجاز بناءً على الاشتباه، مع التأكيد على المعاملة القانونية، واعتبار المعاملة السيئة والتعذيب جريمة يعاقب عليها القانون كل من يقوم بها من افراد السلك، والزام مصلحة السجون بإجراء تحقيق إداري في جميع الشكاوى التي تدعي وجود إيذاء او سوء معاملة او تعذيب وتقدم الشكوى ذات الصلة الى المحاكم المختصة لاتخاذ ما يلزم بحق المخالف، اضافة إلى المراقبة الخارجية والاشراف على عمل جهاز الشرطة الذي يتعلق بالشكاوى التي تقدم الى المحاكم المختصة، وبهذا اصبحت هناك مراقبة داخلية على عمل الشرطة من خلال قسم خاص في ادارة الشرطة مكلف بالتدريب على المراقبة من خلال مجموعة من اللوائح والسلوكيات التأديبية التي يتدرب عليها ويتلقاها افراد هذا السلك في مجال حقوق الانسان ومعاملة السجناء وذلك بما يتلاءم مع المواد (7-9-10) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيث نصت على حظر التعذيب وضمان حرية وأم الأشخاص ومعاملة المسجونين والمحتجزين بصورة جيدة تتوافق مع القانون.
2. سن قانون الإجراءات الجنائية الجديد: في كانون الأول / ديسمبر 2000 بدأ سريان قانون الإجراءات الجنائية الجديد في تشيلي ليحل محل نظام البحث السري السابق مع نظام خصوم، كما شمل هذا الإصلاح إنشاء مكتب للمدعي العام ومكتب للمدافع العام الجنائي الذي اعتبر المدافع الوطني لحماية حقوق الافراد وتحسين نظام العدل، حيث اصبح وفق القانون الحق للضحايا بتقديم شكاوى جنائية مع إجبارهم على إجراء التحقيقات، مع نقل القضية إلى مرحلة المحاكمة ويجب أن يحصل هذا الاجراء حتى في غياب مكتب المدعي العام، ليتوافق ذلك مع فقرات المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي اختصت بكفالة كل دولة طرف بالعهد باحترام الحقوق لجميع الافراد، وان تكفل سبل فعالة للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه، وفي آب / أغسطس 2003 ، أنشأت اللجنة الوطنية المعنية بالسجناء السياسيين والتعذيب (لجنة فاليش)، والتي اختصت في تجميع الشهادات والمعلومات ليتم بعد ذلك ارسالها بشكل قوائم تتضمن اسماء الضحايا الباقين على قيد الحياة ، والذين حرموا من حريتهم وتعرضوا للتعذيب لأسباب سياسية ، وان تلك الحالات كانت حالات لم تتناولها اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة .
3. إنشاء اللجنة الاستشارية الرئاسية لحقوق الإنسان: في 15 أيار- مايو 2006، أنشئت اللجنة الاستشارية الرئاسية لحقوق الإنسان من أجل تحسين سرعة وفعالية العمل المتعلق بحل قضايا المفقودين في الفترة الممتدة من 1973 الى 1990 وشكلت اللجنة هيئة من الخبراء لوضع الأساس لنظام تحديد مواقع رفات الأشخاص المفقودين، وبدء العمل بقيام دائرة الطب الشرعي التي تعمل تحت إشراف وزارة العدل بتحديد المفقودين وتحديد السبب المحتمل للوفاة، وتم تطوير هذا العمل بتوقيع اتفاق من قبل الحكومة مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في يونيو / حزيران 2008 ، والتي اصبحت تشارك اللجنة الرئاسية وتقدم المساعدة الفنية في تحليل وتحديد الرفات البشرية لضحايا الاختفاء القسري في الفترة المذكورة، وتم تجديد هذه الاتفاقية مرتين، الاولى في عام 2010 والثانية في عام 2013، حيث اثمرت هذه الاتفاقية عن اختبار الحمض النووي لـ( 2432) عينة مرجعية و (194) عينة من الأشخاص المفقودين بعد الوفاة، مع مطابقة الحمض النووي مع ذوي الضحايا، ليتم بعد ذلك إنشاء نظام قواعد بيانات وطنية للحمض النووي التشيلي الذي ينقسم إلى خمس قواعد بيانات مختلفة، كقاعدة بيانات خاصة تحتوي على عينات من الحمض النووي لأقارب الضحايا المعترف بها من قبل مختلف اللجان اضافة الى قواعد بيانات خاصة تحتوي كل منها ملفات جينية من مصادر مختلفة و ملفات جينية تطوع بها أشخاص يعتقدون أنهم على صلة بـ(المختفين قسرياً)، ليتم الاحتفاظ بهذه الملامح حتى يتم التعرف عليها و لضمان أن أية رفات بشرية يتم اكتشافها حديثا يمكن تحديدها بشكل صحيح وسريع، كما حرصت السلطات التشيلية على اقامة حملة توعية مستمرة لعائلات المختفين ودعت الأقارب لتقديم عينات دم بهدف تحديد هوية الحمض النووي.
4. إصلاحات السلطة القضائية والامن المجتمعي: حيث ان اهم الاصلاحات على المستوى القضائي والتطورات في مجال حقوق الانسان في دولة تشيلي في الفترة الانتقالية، كانت اصلاحات النظام القضائي في البلاد، حيث نصت الفقرة 2 من المادة 19 في الدستور التشيلي المعدل على )المساواة أمام القانون وان من حق الجميع التمتع بمحاكمات عادلة)(( ، لتتماشى هذه الفقرة مع المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تؤكد على (ان الناس جميعاً سواء امام القضاء ومن حق كل فرد التمتع بمحاكمة عادلة ونزيهة)، ليتم اصدار القانون المرقم (20/477) في عام 2010، والذي اجري بموجبه تعديل اختصاص المحاكم وخصوصاً المحاكم العسكرية التي لم يعد لها اختصاص يتعلق بالمدنيين بمعنى (إلغاء المحاكم العسكرية على المدنيين وإنهاء الولاية العسكرية عليهم)، وتم تحديد اختصاصات هذه المحاكم لتقتصر على النظر في الجرائم العسكرية التي يرتكبها افراد المؤسسة العسكرية والتي تدخل بشكل حصري في حيز القانون العسكري، مع امكانية استئناف احكام تلك المحاكم امام محاكم استئناف عسكرية تتكون من (ثلاثة قضاة عسكريين مع اثنين من القضاة المدنيين)، كما ويمكن استئنافها ايضاً امام المحكمة العليا بالإضافة الى مستشار عسكري، واخيرا يمكن لقضاة مدنيين تابعين لمحكمة استئناف عسكرية إجراء التحقيق في مثل تلك القضايا وهو ما يتماشى مع المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وفق لما بينه الدستور التشيلي المعدل.
#سيف_ضياء (هاشتاغ)
Saif_Diaa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفاعلون الأساسيون في إرساء الحكم الرشيد وأبعاده وتأثيراتهم
...
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|