|
السذاجة الإلحادية..حامد عبدالصمد نموذج
سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي
الحوار المتمدن-العدد: 7035 - 2021 / 10 / 2 - 17:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في لقاء شاهدته أمس على يوتيوب تحت عنوان (التنوير الإسلامي أو العلمانية الإسلامية) وكان ضيوفه حامد عبدالصمد مع د هبة دربالة ، وهو لقاء أشبه بالمناظرة حول حقيقة تبني العلمانيين المسلمين مفاهيم الاستنارة ، أو التنويريين المسلمين مفهوم العلمانية، وكما هو واضح كان محكمة تفتيش في جوهره للإصلاحيين المسلمين وصدق انتسابهم للتنوير..
حامد عبدالصمد كان يقول: مفيش حاجة اسمها تنوير إسلامي، لأن الإسلام دين شيطاني وكل من ينتمي له ليس مستنيرا على الإطلاق، وكل من يدعي العلمانية وهو مسلم جاهل ومنافق، بينما د هبة كانت تنفي هذه الرؤية وتتهمها بالضعف والاختزال وأحيانا التعصب..
وفي البداية أثني على الصديق العزيز "أرنست وليم" مستضيف هذا الحوار الثري في قناته باليوتيوب، فعندما علقت عليه بسؤال: هل اللقاء سيكون هجوما على المستنيرين والعلمانيين المسلمين؟..فكان جوابه لا طبعا فجميعنا رواد إصلاح وسوف يستضيفني في لقاء خاص عن نفس الموضوع قريبا..لكن بمتابعة اللقاء وجدته محاكمة للمستنيرين المسلمين من طرف حامد، فوفقا لرأيه أن التنوير والعلمانية (فقط للملحدين) بينما الإصلاح الديني (فقط للمسلمين) وهنا يفرق بين الأمرين من جهة مشروعية إصلاح الدين من أبنائه، لكن قضايا الاستنارة والعلمانية لا تخضع لمنطق الإيمان بل اللادينية، رغم أن مدلول التنوير والإصلاح واحد، وكلا المعنيين لديهما نفس الفعل..فمن يصلح مجتمعا ظلاميا هو يعمل على تنويره، وقصة تفريق حامد بين الأمرين في ذلك هو تحايل ليس إلا..فقط لغرض حصر مسائل التنوير والعلمانية في اللادينيين وهو ما يخدم أيدلوجيته الفكرية..
وأشير إلى أن غالبية انتقادات حامد للفكر الديني نفعلها ربما بشكل أكثر دسامة منه وتنوعا، وهذا منعا للمزايدات التي قد تأتي من طرف أتباعه المتعصبين فيحملونا على الوهابية والتشدد الديني مثلا، فكلانا يقول بالدولة العلمانية والقوانين الوضعية ورفض الكهنوت والثورة على الخرافات وسلوكيات المتدينين الإقصائية، والفارق بيني وبين حامد أنني أقبله كملحد في دولة مواطنة ليبرالية له فيها كل الحقوق..لكنه لا يقبلني كمؤمن ويصادر على قناعاتي بنزع صفة التنوير والعلمنة وحصرها فقط فيه وبأتباعه..
لن أشرح ما دار في تلك المناظرة غير المتكافئة بالتفصيل، فكما عهدت هبة دربالة صاحبة عقل تحليلي تجيد النقاش المحترم ومن ثم التفكيك والتركيب والتحليل ببراعة، وهو ما يُضفي عليها سمات الإنصاف والموضوعية الفكرية والاتزان..بينما حامد كثير التعميم والخلط والاختزال والقفز على الأسئلة الجادة..ومن ذلك عندما قال أن هناك علمانيين (للأسف) فيهم بقايا تدين، فردت عليه هبة : أنت بذلك جعلت العلمانية دينا في المقابل وتطلب من كل علماني مسلم أن يترك دينه ويدخل الإلحاد، كذلك في قوله أن العلمانيين والتنويريين المسلمين يستدلون بأقوال فقهاء أصوليين ولا يستدلون بملحدين أو لادينيين كفرح أنطون، وينتقدون البخارئ والأئمة لكن لا ينتقدون النبي، فردت عليه هبة : أن نقد علماء التفسير والحديث ضمن الصندوق الإسلامي جائز ومشروع لكن نقد شخصية النبي يخرجهم من الدين، وبالتالي انت بذلك تفرض نمطا معينا على خصومك وإلا فهم ليسوا تنويريين..
أضيف أن فرح أنطون لم يكن ملحدا ولم يُعرف أنه طلب هدم الأديان وتدميرها مثلما يطلب حامد، فلا أعلم دلالة الاحتجاج به في ذلك السياق..!
أشير ان هناك مناظرة شهيرة في التاريخ بين الفيلسوف واللاهوتي المسيحي "أبو بشر متى بن يونس" المتوفي عام 328هـ وبين الفقيه المسلم واللغوي "أبو سعيد الصيرفي" المتوفي عام 368هـ، ولكي تعلم ماهية المناظرة فأبي بشر بن يونس هو (مُعلّم الفارابي) يعني راجل تقيل ومحقق من العيار الثقيل، بينما الصيرفي مُحدّث من بتوع حدثنا وأخبرنا، وبذلك نفهم موضوع واتجاه المناظرة، فأبي بشر بن يونس كان يقول بضرورة تدريس المنطق لضبط فضيلة التفكير وطرح الأسئلة الصحيحة التي ستؤدي لأجوبة صحيحة في الغالب، بينما الصيرفي كان مثل ابن تيمية يعيب على المنطق ويقول بأنه لا طائل من وراءه وأنه علم يوناني عقيم..
علما بأن الصيرفي كان تلميذا لأحمد بن موسى (المحدث الراوي) المتوفي عام 324هـ وذكر في طبقات الحنفية ولتقي الدين الغزي صـ 106 وفي سير أعلام النبلاء للذهبي كمحدث وفقيه حنفي (16/ 248) وقد رُميَ بالاعتزال كتهمة كمن رمى المسعودي بالاعتزال والتشيع، ففي هذا الزمن لم تكن الفروق بين ذوي المذاهب واضحة كما ظهرت في القرن 5 هـ بعد الوثيقة القادرية، وعن رفضه للمنطق والفلسفة، فعمدة الصيرفي في ذلك هو (الجهل بلغة اليونان) وبالتالي رفض كل منتجاتها ، وكل ما جاءت به من (منطق وفلسفة) عند الصيرفي غير مقبولة وأن اللغة العربية وحدها الكافية للعلم بحقائق الأشياء، وسنذكر علاقة ذلك بكلام حامد عبدالصمد بعد قليل..
ودوافع الصيرفي معروفة لدارسي الفلسفة وعلم اللغات، فمن يرفض المنطق الصوري الأرسطي في هذا الزمن كان (مؤمنا حرفيا) بظواهر نصوصه الدينية، وبالتالي تقديم لغاته المحلية وأدواتها من الكناية والمجاز والاستعارات على المنطق الصوري، وبالتالي عدم كفاية المنطق لفهم اللغة وبالتالي الدين..ففلفسة أرسطو هنا سياقها مختلف تماما عن طريقة تفكير العربي، وهذا يفسر كيف نشأت الفلسفة الإسلامية في بلاد فارس وخراسان ، وكان أكبر شراح أرسطو ليسوا من قبائل العرب أو ممن يتبنون التفسير الحرفي للنصوص الدينية، وتتلمذ الفارابي على يد فيلسوف نسطوري مسيحي يؤكد أن المسيحية كانت صاحبة فضل على فلاسفة المسلمين في الاهتمام بالفلسفة اليونانية، وفي عصر الفارابي كثرت الترجمات عن أوروبا مثلما حدث لإسحاق بن حنين الذي كان مسيحيا وأسلم، فنقل إلى العربية علوما يونانية كثيرة هي التي صنعت بعد ذلك نهضة العقل المسلم..حتى وصلت للفارابي فشرحها واستحق لقب المعلم الثاني بعد أرسطو..
وفي محاضرتي عن علم الحديث منذ 5 أعوام قلت أن ظروف تدوين الحديث في عصر المتوكل بالله ارتبطت بهذه النهضة العقلية أساسا، فهي كانت ردا ومقاومة دينية للعقل اليوناني الذي خاض في مواضيع لاهوتية كثيرة منها الله والقضاء والقدر وغيرها..وبالتالي نفهم لماذا علماء الحديث صبّوا غضبهم بالذات على المعتزلة والأحناف الأوائل ، ليسوا بصفتهم مفكرين أحرار ولكن بصفتهم (ذيول) للفكر اليوناني الإيراني وزنادقة المفكرين من الوثنيين والمجوس وغيرهم..!!..وتتذكرون حديث "القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة" هذا خرج في تلك الأجواء ، فالقدرية هم المعتزلة والمرجئة هم الأحناف من يرفضون التكفير والحكم على الناس في الدنيا لنسبية الحقائق من جهة، ومن جهة اخرى قولهم بحرية الاختيار، وهذا كان مذهب أبي حنيفة بالأصل..
ولمن يسأل عن سر تبني فلاسفة مسيحيين ونشرهم لعلوم اليونان، فالامبراطور الروماني جستنيان قضى عام 529 م على المدارس الفلسفية اليونانية، وأصدر قرارا بإغلاق كافة مدارس الفلسفة بدعوى الوثنية آخرها مدارس الأفلاطونية المحدثة، لكن الكتب اليونانية ظلت محفوظة في الكنائس والأديرة حتى جاء فلاسفة نسطوريين ومترجمين نقلوا هذه الكتب للغات الأخرى ومن ضمنها العربية، والفيلسوف "متى بن يونس" كان نسطوريا من هؤلاء
ولأن المسيحية لا تُحرّم الموسيقى كما يُحرّمها العرب – آنذاك – تأثر الفارابي بهذا المناخ الفني، فنقل عن أستاذه "متى بن يونس " عشقه للموسيقى وكتب رسالة شهيرة فيها، ويروى أنه كان عازفا بارعا، مما يدل على عدم تعارض بين الحاسة الفنية الأدبية وبين التدين بالعموم..فمتى والفارابي كانوا مؤمنين بالمسيحية والإسلام رغم ذلك كانوا فنانين، علاوة على تأثير المجتمع في تحفيز الخيال الفني..فمجتمع خراسان وفارس بالأصل عاشقا للفنون..ولا زالت تلك الحاسة الفنية مؤثرة في مجتمعات إيران وآسيا الوسطى رغم تكاثر فقهاء التحريم..ونفس الحال بمصر الذي يعشق شعبها كافة أنواع الفنون ولم يؤثر فيهم تكاثر علماء التحريم سوى بعد تبني السلطة لهم منذ السبعينات..
طب إيه علاقة هذا الكلام بمناظرة حامد عبصمد وهبة دربالة؟
أولا: حامد تبني منطق الصيرفي المتشدد في تفسير الدين ، فكما أن الصيرفي يقول بكفاية اللغة العربية والرواية لتفسير الدين..حامد عبصمد يقول نفس الشئ، بتفسير الإلحاد لقضايا الكون ومعضلات الفكر، فالمتدين المسلم عنده حتى لو كان مصلحا هو على ضلال إلى أن يتوب ويدخل الإلحاد، بالضبط كما كان الصيرفي يقول أن الفيلسوف على ضلال حتى لو مصلحا إلى أن يتوب ويدخل جماعة الحديث ويجلس في أي زاوية يستمع لمن هم أغبى منه وهم يكذبون حدثنا وأخبرنا..!!
بينما هبة دربالة تقلدت شخصية الفارابي ومتى بن يونس، فكانت أكثر موسوعية فكرية وقدرة على التحليل والاستنتاج العقلي السليم، وفي الحقيقة تفاجئت بمستواها الفلسفي واللاهوتي الرفيع..فربما هي المرة الأولى التي أراها تتحدث في أمور فكرية بهذا العمق، وأعترف أنها شجعتني لرؤية لقاءاتها القديمة (كاملة) فما رأيته منها – قديما - كان يخص جوانب الاجتماع والسياسة وحقوق الإنسان والعلمانية أكثر من خوضها مسائل فلسفية وفكرية معقدة..
ومن ذلك قول عبدالصمد: أن العلماني المسلم يريد أن (يُجمّل) الدين، فردت على الفور: لماذا هذا الوصف؟..فهناك من يراه جميلا بالأساس، وهذا يدل على سعة أفق ورد اعتبار للإصلاحيين المسلمين الذين يهاجمهم عبصمد دائما ويتهمهم بالنفاق مثلما هاجم "إٍسلام بحيري" في هذا اللقاء بالإسم لمجرد نقده للإلحاد، والخاطرة التي استوقفتني حينها بجواب نقضي مباشر (طب ما انت ياعم عبصمد تهاجم الإيمان..حد اتهمك بالنفاق؟) شخصيا أرى ذلك حرية رأي ولا غضاضة عندي لمن ينتقد الرسول نفسه لكن لا يجبرني على اتباع مذهبه أو يطلق أحكامه المعلبة والغبية لمجرد الخلاف بالرأي..
ثانيا: عبدالصمد يحاكم خصومه بعمومية زائدة وأحكام مسبقة وإهمال تام للسياق، وهذا فقر أدبي فالمعروف في علوم النقد أن إهمال السياق هو خصيصة للأغبياء لا الأدباء، فعندما يطلق الرجل أحكامه المسبقة على (كل المسلمين) و (كل المستنيرين المسلمين) بأنهم جهلة ومنافقين..ثم يحشر قضايا الفن في (سياق تلك الأحكام) سيظهر على الفور اتهامه للعلمانيين المسلمين بالعداء مع الفنون..!...شئ غريب، وهذا يفسر زيادة موجة اتهامات الترقيع عند أتباعه التي يلاحقون بها العلمانيين المسلمين ، وهذا كان سر لموقفي الحاد من هؤلاء وطردي للمئات منهم قبل أسابيع لخطرهم على حرية الفكر، وبالطبع لو سألته عن كيف يكون المسلم عدوّا للفن بينما الفارابي كان فنانا؟..لن يجيب، ولو سألناه سؤالا فلسفيا صغيرا عن نظرية "الانبثاق والتوالد" عند الفارابي أيضا لن يجيب، فتلك النظرية (الإيمانية) هي التي طوّرها الفارابي من الأفلاطونية المحدثة، وبالتالي ياعم عبصمد قبل ما تتهم العلمانيين المسلمن بالجهل والمستنير المسلم بالنفاق رد على أدلته أولا..
وأشير إلى أن بعض الأخوة تواصلوا معي بشأن بوست كتبته على تويتر أمس قارنت فيه بين عبدالله رشدي وعبدالصمد قلت فيه بالحرف " كلاهما يقولا بأن (العلماني يجب أن يكون ملحدا)..!..وهي رؤية ساذجة للدين والعلمانية والمعتقدات بالمجمل لا علاقة لها بالفكر وتقفز على إشكاليات اللاهوت وتطور المجتمعات وفكرة المواطنة" وهو ما عرضت جزءا منه قبل قليل أن كلاهما – أي السرسجي وحامد – يُحرّمان العمل بالفلسفة ، وإن كان الثاني لا يصرح بذلك ، أولا: لعدم خوضه في مسائل اللاهوت وإشكالات التفكير التي تصحبها والإصرار على محاكمة الإسلام – بالذات – لسلوك أصحابه، وثانيا: لأسلوبه في الاختزال والقفز والخلط والمغالطات المنطقية ، مما يدل على ضعف ذهني وفقر علمي وإن كان يصاحبه هدوءا معتادا قد اكتسبه جراء الاضطهاد الذي لاقاه في مصر، والثقة التي حصّلها من جراء تسليط الضوء عليه كأحد مشاهير الإلحاد العربي..
فكان جوابي: أن تلك المقارنة لا تجعل عبدالصمد إرهابيا تكفيريا، لكن تجعله إقصائيا أحادي الفكر وضعيف الذهن مثلما يعاني السرسجي، فكلاهما ينقل عن رموز له وأئمة في وقت يرفض فيه الحوار الجدي حول مسائل الإيمان عقليا، وإذا فعلها ظهر مستواه الضعيف بالقفز والاختزال مثلما حدث أمس، وهذا لا يعني مصادرة على حق الرجل في التدين، فأنا شخص ليبرالي أؤمن بحرية الفكر المطلقة ولا أؤمن بشريعة ولا دياولو بل بالقانون العلماني والمواطنة، وهذا يعني أن حامدا عندي هو مواطن وشقيق في الإنسانية..لكن من حق كل إنسان نقد الإقصاء والأحادية عند أي طرق لما تنتجها من عوار فكري ونشرا للغباء والتعصب ورفض الحوار..فكما أن السلفي إقصائي باسم الشريعة والدين، فعبدالصمد إقصائي أيضا باسم العلمانية والتنوير..!!
شئ آخر دفعني لتلك المقارنة بين سرسجي الدعوة وحامد عبدالصمد، أن كلاهما يستخدم منطق الفيلسوف السوفسطائي ثراسيماشوس Thrasymachus المذكور بالبروباجاندا والديماغوجية في محاورة أفلاطون عن الجمهورية، فالرجل كان محرضا على سقراط باستغلال عواطف الناس الدينية والاجتماعية، والاثنين – أي حامد والسرسجي – يستخدمان نفس الأسلوب، فكلاهما لا يناقش خصمه بالعقل والحجة ولا يتعمقان في الفكر الإنساني بطلاقة..ويقفزان على الأسئلة الجادة والمحورية لصالح شعارات وجُمَل تحفز عواطف الناس تجاه الخصم، فالسرسجي بكلامه يَحمل العلماني المسلم على الإلحاد وهو نفس ما يقوم به حامد عبدالصمد الذي ينزع من العلماني المسلم تنويره إلا لو كان ملحدا، وهذا يفسر (كثرة أتباعهما) وتضخم مواقعهم بأن صاروا قبلة للمتعصبين ورافضي الحوار من الطرفين، علاوة على جذب حامدا لتيار مسيحي كبير ناقم على الإسلام بسبب العنف الداعشي وخرافات وجهالات المنابر، مما يفسر عدم هجوم حامد على المسيحية خشية فقدانه ذلك التيار الكبير..
وفي السابق قلت في كتابيّ (الدين والعقل – والفلسفة هي الحل) أن الوضوح الأيدلوجي قوة اجتماعية بالأساس، فكل داعٍ لأيدلوجيته الفكرية وكان واضحا بنفي وتقبيح أي اختلاف سيجذب له الأتباع وفقا للظرف الاجتماعي والسياسي، ولا يختلف اثنان أن ما نعيشه الآن من ردة فعل على الأديان بسبب داعش والإخوان جذب للإلحاد تيارا شبابيا كبيرا فاستقبله حامد ليغرس فيه تعصبه وإقصائيته وجهله الفلسفي، بينما لم يذهب ذلك التيار لمفكرين لادينيين موضوعيين هم أقل شعبية يكتبون عن ضرورة شيوع الفكر الإنساني وعدم الصدام مع الأديان، ومثل هؤلاء بالعشرات ممن أعرفهم وأصدقائي بشكل شخصي..
أخيرا: من لطائف حامد التي كشفت تعصبه الديني دعمه لما تسمى (سورة الويسكي) فقد حدث بشهر يونيو الماضي 2021 ومحتوى هذه السورة "إنا أعطيناك الويسكي، فاشرب باسم ربك واسقي، صافيا لا تخلطه بالبيبسي" انتهى، وقد نشرتها فتاة مغربية على وسائل التواصل الاجتماعي فحُبِسَت على نشرها، ودوافع حامد أن من حقه السخرية وشتم القرآن وفقا لحرية الرأي والتعبير، ولا أعلم ما الحرية في الشتم حقيقة؟..وكذلك هي استجابة لقوله تعالى في القرآن " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله " [البقرة : 23] وبما أن سورة الويسكي على قافية وسجع سورة الكوثر فهي من مثله..والرد على ذلك..
أولا: هناك تأويلا جيدا لتلك الآية، وهو أن المقصود من مثله أي (من مصدر مماثل) يعني من إله مماثل، والمشكلة في تفسير الآية التي حصرت تحديها في اللغة والبيان من قَبَل المفسرين، وما فعله الرجل هو تكرار لكلام السلفية وحصر تعريفه الظاهري والبناء عليه لا أكثر، وهذه عند التحقيق تصبح مغالطة رجل قش..فعلى الأقل يعترف بأن الآية مختلف عليها بين المسلمين، ولها أوجه تفسير وتدبر غير الشائع، فيصبح مقارنته مع سرسجي الدعوة هنا في محلها لبنائه على الموروث الديني أحكام مسبقة لا البحث بنفسه في أصول الدين، ومن تلك الزاوية يصبح عبدالصمد رجل عامي وناقل لا صاحب فكرة..
ثانيا: هل نتفق على أن هدم المساجد والكنائس والقضاء على الأديان بالقوة لا يندرج تحت بند حرية التعبير ؟..فلو اتفقنا على ذلك يصبح شتم الكتب المقدسة بهذا الشكل هو أحد أشكال العنف ضدها ويعني في مضمونه هدم المعابد، فالواجب على المثقف أن يقف ضد العنف بكل أشكاله اللفظية والبدنية، وما فعله حامد هنا هو نوع من العنف اللفظي يحسب عليه، وبتشجيعه هذا النوع من العنف يُعرّض حياة البعض من الذين غُرّر بهم على يديه للخطر..
ثالثا: هل نتفق على أن الشعوب المسلمة بحاجة للتفكير وخفض مساحة الغباء المتفشي من أثر التقليد والتعصب؟..فلو اتفقنا على ذلك يصبح شتم الكتب المقدسة بهذا الشكل هو تعزيز هذا الغباء المتفشي وزيادة حدة التعصب والتقليد، فالناس حين يشعرون بالخطر على أديانهم لا يلجأون للحكومات ولا رجال الأعمال..بل يلجأون لرجل الدين، فيكون ما فعله حامد بشتم القرآن هكذا هو دفع الناس آليا للاحتماء برجل الدين وتعزيز نفوذه أكثر، فالشعوب المسلمة تحتاج للتفكير النقدي والعلمي، وهذا سيوجَد وفقا لنقد التراث المبني على النظر في النصوص علميا وعقليا، وبالطبع ما فعله حامد بعيد تماما عن هذا الاتجاه بل يشوه أصحاب المنهج النقدي والعلمي بشدة..إذ يضع كل التنويريين في دائرة واحدة عنوانها (شتم وإهانة الكتب المقدسة)..
رابعا: حامد عبدالصمد وقع في مغالطتين، الأولى: تسميم البئر حين اتهم كل المعترضين على هذا الفعل منه بأنهم (الحصن الثاني للوهابية والتشدد) وكأن الاعتدال والعقلانية يؤيدان ما فعل ..وأتحداه أن يأتي بفليسوف وعالم تنويري كبير قديما وحديثا فعل هذا العمل ، والمغالطة الثانية: هي رجل القش بعدما اتهم كل معارضيه بأنهم يؤيدون السخرية من الآخر وتحقيره وفقا لكتابهم المقدس، وهذا قفز على مناهج الفكر والتأويل والمذاهب العقلانية التي رفضت هذه الأمور ورأت تأويل الأديان وفقا لمستجدات العلم وصريح العقل وحدود الأخلاق، فإذا كان الرجل يعترض على هؤلاء ويرى أعمالهم ترقيعا فليس من حقه أن يقفز على جهدهم العلمي بالاختزال وأن يملك الجرأة والثقافة لمناقشة أدلتهم، وفي رأيي أن عبدالصمد ليس من هذا الفريق العلمي بل مقلد حرفي لريتشارد داوكينز في كتابه (وهم الإله) وقد سبق لي نقد هذا الكتاب في لقائي مع برنامج في الغويط واستعراض بعض الردود الفلسفية عليه من مثقفين أجانب..
خامسا: لست مع قتل وسجن من يهين القرآن والكتب المقدسة، فالقرآن نفسه لم يقل بمعاقبتهم ولكن (تركهم وشأنهم) قال تعالى "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم "[الأنعام : 108] "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره" [النساء : 140] "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره " [الأنعام : 68] وبالتالي ما فعله القاضي المغربي غير صحيح وتجني على غير المسلمين، فمن حق أي إنسان أن يدلي برأيه السلمي مهما كان صادما، ومن حقك الرد عليه أيضا سلميا، فإذا لم ترضى بهذا الرد فما عليك إلا (الإعراض) وتجاهل صاحب الكلمة، لكن مع تلك الأصول لا يمكن ضبط ردود أفعال الجماهير التي سمعت هذا العنف اللفظي ضد معتقداتهم..وهنا الفارق بين النظرية الحقوقية التي نتبناها وبين التطبيق..
سادسا: الإنسان لا يرتقي ثقافيا بالعنف والفوضى بل بالسلام والنظام، والتفكير هو علامة من علامات النظام، ومظهر من مظاهر التحضر، فلماذا لا يدعم حامد هذا المنهج السلمي وذلك النظام بالنقد العقلاني الموضوعي للكتب المقدسة؟..أعلم جيدا أنه يقوم بذلك أحيانا ..لكنه بحاجة لترك العنف وإلا سيدفع أنصاره وجمهوره للتحزب والتعصب وإلغاء العقل، واتخاذ مواقف عدوانية من الأديان ، فتصبح رفضا لمجرد الرفض لا لكذا وكذا، فيكون نفي علية أفعالهم مقدسة لإشاعة الغباء عند أحفادهم الذين لن يرثوا من عبدالصمد علوما بل عنفا يؤدي لمعارك في نهاية المطاف..
وقد اعترض عليّ أحد أصدقائي بقوله " السخرية من الافكار حتي ولو مقدسة حق من حقوق الانسان طالما لا تحوي علي تحريض في حين ان اي اعتداء بالقوة حتي ولو علي كباريه هو فعل إجرامي!"
قلت: هذا قياس خاطئ فالكباريهات ممتلكات شخصية من حقي ارفع عليك قضية لو هدمتها، بينما المعابد ممتلكات عامة لها نفس طبيعة وملكية النص المقدس، والمجتمع الذين يملك المعابد لا الدولة، كذلك فالنص المقدس غير مملوك من الدولة لكنه ملك المجتمع..كذلك فالسخرية من النص المقدس درجات وأنواع، في هذه الحالة لعبدالصمد وصلت لمرحلة الشتم وهو إجازة أمر ممنوع، فالخمر حرام بالقرآن..حضرتك لما تعمل سخرية فيها إجازة لذلك الحرام فهي احتقار له وللمؤمنين به، والاحتقار نوع من الإهانة، مما يعني أن السخرية الجائزة التي يمكن فيها التسامح ولا يمكن اعتبارها عنفا، هي السخرية العلمية ، كتضارب النص المقدس مع بعضه مثلا وتناقضه مع العلم والعقل ، وسبب مشروعية ذلك النقد أن لديه ردودا موضوعية علمية يمكن دحضها، لكن السخرية هنا ليست من هذا النوع الموضوعي الذي يمكن مناقشته بل وصلت للشخصنة، وهي سمة من سمات ضعفاء الفكر..
وفي تقديري أن هذا السلوك العنيف من بعض اللادينيين تجاه الدين هو رد فعل طبيعي ضد العنف الكهنوتي ضدهم، وبالتالي فدور المثقف هنا هو منع ذلك العنف او التقليل من أخطاره، فلا يجوز لمثقف أن يرتدي ثوب المراهقين وصغار السن في الشتم والسب، ولا في التعصب والاختزال ضد الخصوم، وأن يحرص على تحري المعلومة من مصدرها ولا محاكمة العقائد لسلوك أصحابها، ولو حدث ذلك من اللاديني فهو مماثل لما يفعله السلفي وبالتالي فالمعركة بينهم لن تكون بين (مصلح ومفسد) بل بين (مفسدين) سيفوز أكثرهم قوة بالطبع..
#سامح_عسكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خرافة الاقتصاد الإسلامي
-
الشخصنة كمرض نفسي واجتماعي
-
من تخاريف صحيح مسلم
-
اليد القابضة في نسف (حديث الرويبضة)
-
طالبان من المدرسة الدينية للحُكم
-
أصول ما يسمى علوم القرآن
-
التقية الوهابية..محمد حسان نموذج
-
في البحث عن المتعة ومذاهب اللذة
-
في العنف الزوجي ومصادره
-
في فهم الشخصية الإنسانية
-
في فلسفة الجمال
-
في فلسفة الصراع
-
في البحث عن الله
-
أمريكا والحرب بالقرن الأفريقي
-
البُعد الطبقي في الاغتصاب الجنسي
-
الحب والمرأة عند الفلاسفة القدماء
-
رحلة في الفكر الإسلامي وخطايا التاريخ
-
بذاءة المثقفين..أشرف الخمايسي نموذج
-
شكرا لك..تلك الكلمة الساحرة
-
ثورات المحمول الفنية..تيك توك نموذج
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|