أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - أخبار بغداد الموحشة!















المزيد.....

أخبار بغداد الموحشة!


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1649 - 2006 / 8 / 21 - 10:53
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


كانت حروب النظام الدكتاتوري وسياساته العدوانية إزاء المجتمع وأجهزة قمعه المنتشرة في سائر أنحاء العراق سبباً في هجرة ثلاثة ملايين إنسان عراقي إلى الخارج عرفوا الشتات وعاشوا الغربة وفقدان الأحبة وعانوا من علل نفسية وجسدية. قتل ما يقرب من مليون إنسان بسبب حروب النظام الخارجية وتجاوزاته على القانون الدولي. كما قتل ما يزيد عن ربع مليون إنسان بسبب سياسات وحروب النظام الداخلية. ومات تحت تأثير الحصار الدولي عشرات ألوف الأطفال والمرضى والعجزة. تحمل العراق خسائر مالية بلغت مئات المليارات من الدولارات النفطية عبر تلك الحروب والسياسات والنهب المستمر لثروات العراق. عاشت القوميات كلها في عذاب أليم. فما زال الكرد يعيشون مأساة الأنفال وحلبچة والتهجير والتعريب القسري لعشرات الألاف من الكرد وجمهرة من التركمان فجراحهم النفسية ما تزال تنزف ألماً. وما زال الكرد الفيلية يتذكرون أوضاعهم الكارثية والرعب يسيطر على الأطفال والشيوخ وهم يعبرون الحدود العراقية الإيرانية على أرض مزروعة بالألغام وهم لا يحملون سوى أجسادهم وما عليها من ملابس قليلة, أو يتذكرون شبابهم الذي اعتقل ثم قتل في السجون ودفن في مقابر جماعية, أو أرسل ليموت في الصفوف الأمامية وعلى جبهات القتال مع إيران. وما زال عرب الوسط والجنوب من الشيعة يعيشون مأساة الأهوار والانتفاضة والتهجير القسري والقبور الجماعية. وما زال سكان غربي بغداد يعيشون عمليات انتقام راس وأعوان النظام ممن عارضوا حكم البعث ورفضوا سياساته أو الذين التحقوا بالمعارضة للنظام. وكان أتباع القوميات الأخرى يعانون من ظلم وطغيان النظام فهاجرت عشرات ألوف العائلات المسيحية والأيزيدية وغيرها طالبة اللجوء في الشتات. أجبرت جمهرة كبيرة حقاً من مثقفي وأدباء وشعراء وصحفيي وفناني على ترك العراق وبغداد العاصمة والهجرة على أنحاء شتى من العالم ليساهموا في إغناء العالم بإنتاجهم الفكري والعلمي والفني الثري وأعمالهم الإبداعية, وتراجع الإبداع في بغداد والعراق لفترة غير طويلة إلا من مجموعات رائعة كانت مجبرة في أن تبقى في الظل لتحمي نفسها من ظلم الطاغية المخلوع.
سقط النظام وتحرك الأمل في نفوس الناس واجتاحت بغداد ومدن العراق الأخرى في الأشهر الأولى من سقوط الطاغية موجات من الناس المغتربين العائدين إلى عائلاتهم وبيوتهم ليعيدوا ذكريات الماضي مع أحبتهم وليشاركوا في بناء العراق الجديد.
لم يدم هذا الحلم الجديد والأمل الجميل طويلاً, إذ عاد الأشرار إلى شوارع بغداد بأسماء وأزياء وأشكال مختلفة تجمعهم قضية واحدة: كيف يقضوا على أمل وحلم الناس الجميل؟ وكيف ينشروا الفوضى والموت والدمار والإحباط في العراق؟ كيف يجعلوا الحياة في بغداد جحيما لا يطاق ويعيدوا الدكتاتورية الجامحة إلى البلاد؟
ومنذ ما يقرب من أربعين شهراً على سقوط النظام أصبحت الحياة في بغداد لجمهرة كبيرة من الناس جحيما لا يطاق. فبغداد اليوم موحشة, تموت فيها الحركة قبل حلول الظلام وتتحول إلى مدينة أشباح. تغيب عن بغداد تلك الليالي المضيئة في شارع "أبو نؤاس" وتلك المقاهي العامرة والملاهي الليلية وحانات الشعراء والأدباء والناس الطيبين التي كان الناس يأتونها من مختلف مدن العراق في الخمسينات والستينات أو حتى بعض السبعينات, وأصبحت السينمات التي كانت تعرض مختلف أنواع الأفلام لمختلف فئات الشعب وأذواقهم وتغص بالمشاهدين قفراء تغلق أبوابها خشية التفجيرات الانتحارية المجنونة, وشارع الرشيد ببغداد الذي كان يعج بحركة الناس, وسوق السراي والشورجة حيث كانت الحركة التجارية لا تتوقف فيهما تبدو اليوم حزينة كئيبة. باعة الكبد (الأسود) والتكة والكباب وبيض الغنم لم يعد مكاناً لهم في أمسيات وليالي بغداد في ساحة النصر وفي العديد من أزقة بغداد بين باب الشرقي وساحة النصر. الناس في بغداد في هلع دائم, الموت يقترب من كل إنسان فيها, فالبقاء على قيد الحياة استثناء والموت هو القاعدة, والصدفة هي التي تبقيهم على قيد الحياة أو تنهي حياتهم.
أخبار التفجيرات هي المهيمنة على أخبار العراق, موت هنا واغتيال واختطاف هناك لا بالآحاد بل بالعشرات, دع عنك أضعاف ذلك من الجرحى والمعوقين والدمار الذي يلحق بدور السكن والشوارع والسيارات. أخبار التفجيرات تشمل أغلب شوارع وأحياء بغداد, أخبار العثور على جثث مقيدة اليدين ومقطوعة الرؤوس وآثار التعذيب بادية عليها, جثث مجهولة الهوية مشوهة ليست لها أسماء ولا أماكن سكنى ولا هوية, أناس هم من سكان العراق لا غير. المصائب تتفاقم رغم الاعتقالات الواسعة والمستمرة في صفوف المجرمين والمشتبه بهم, ومع ذلك فالعمليات تتكثف وكأن المجرمين يشعرون بدنو أجلهم ويريدون إرسال أكبر عدد ممكن من الناس إلى القبور قبل أن يحطوا هم فيها. أخبار بغداد موحشة, موحشة جداً إلى حد البكاء والعويل, وصراخ الثكالى وبكاء اليتامى يتصاعد على عنان السماء ولا من سميع أو مجيب!
معامل وبيوت عدوانية تعمل ليل نهار من أجل إنتاج أو التحضير للعمليات الانتحارية وجمهرة من الانتحاريين تجلس في طابور تنتظر موتها وموت العشرات على أيديها, إنها ثقافة العنف, ثقافة الانتقام, ثقافة الموت للدخول إلى الجنة, إنها ثقافة الإيمان بالجهل, ثقافة الإيمان بالموت في سبيل الحياة في الآخرة! إنه القذارة والبؤس والانحطاط بعينه.
على عاتقنا جميعاً تقع مسؤولية التنوير والكشف عن بؤس وعدمية هذه الثقافة التجهيلية العدوانية المهمشة للإنسان, فالإنسان في مثل هذه الثقافة البائسة لا قيمة له أبداً, إنه لا شيء, ليس إلا موضوعاً للموت.
لا يمكن أن تبقى ليالي بغداد موحشة بهذا الشكل, لا بد للأمل أن يخضر ويورق من جديد, لا بد للحياة الاعتيادية الجميلة أن تفرض نفسها على القتلة والمجرمين من جديد, لا بد للإنسان أن يستعيد عافيته ويعيد بناء نفسه ويتخلص من علل الماضي القريب والبعيد, لا بد للعقل في العراق أن يسود على العاطفة المتهيجة, لا بد لروح وهوية المواطنة أن تنتصر على الهوية الطائفية والدينية وغيرهما.
لا يمكن ولا يجوز للموت أن يحصد الناس يومياً وبالعشرات, لا يجوز ولا يمكن القبول بانتشار الذئاب المفترسة وهي محملة بالأحزمة الناسفة أو تقود سيارات مفخخة تقتل مع صباحات بغداد المشمسة أو كركوك أو أي مدينة أخرى في العراق الناس الفقراء والكادحين والعمال الذي يتجمعون في مساطر مؤملين أنفسهم بعمل شريف ويوفر الخبز النظيف لعائلاتهم.
لا يمكن لخطة المصالحة الوطنية وخطة أمن بغداد والعراق أن تجدا النجاح دون دعم وتأييد وتعاون ضروري من جانب الناس الأمناء لوطنهم وشعبهم, وهم يشكلون الغالبية العظمى من سكان العراق, ولا بد لنا أن نعمل من أجل الحصول على هذا التأييد. لا بد للأحزاب السياسية الوطنية أن تتعاون بإخلاص وصدق مع الحكومة لكي تستطيع القضاء على أوكار الإرهابيين والقتلة والتخريبيين, وإقناع الوطنيين منهم بضرورة ترك السلاح والعودة إلى جادة الصواب والتحري عن حلول سلمية للأوضاع الراهنة. لا بد للأحزاب السياسية الإسلامية أن تمارس سياسة بعيدة عن الطائفية والانتقام المتبادل, إذ لا يحمل هذا الدرب الوعر غير الموت للجميع.
لا بد للأمم المتحدة أن تلعب دوراً أكبر في حماية الإنسان وحقوق الإنسان في العراق, حماية حياته وحريته ومستقبله. لتتضافر جهود الناس الطيبين في العراق من أجل وضع حد للإرهاب والقتل والخراب, من أجل أن تعود الشمس مشرقة والقمر ساطعاً والسلام دافئاً في حياة وأجواء العراق, وأن تعود الحركة الدائبة للناس في بغداد وفي كل العراق.
آب/ لأغسطس كاظم حبيب




#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من معالجة جادة لمطالب شعب إقليم كردستان؟
- حوار مع الدكتور ميثم الجنابي حول رؤية مس بيل للعرب! 1 & 2
- حذاري حذاري من نموذج حزب الله في العراق!
- حوار ما يزال مفتوحاً حول مضامين رسالتي إلى الشيوعيين العراقي ...
- المرأة العراقية وحقيقة أوضاعها في المجتمع الذكوري الإسلامي ا ...
- العرب والأحداث الجارية في المنطقة!
- هل في الوضع الأمني الراهن مجال للبحث في استراتيجية للتنمية ف ...
- ما هي أبعاد الجانب السياسي في خطة التنمية في إقليم كردستان ا ...
- المصارحة والشفافية والوعي بمصالحنا هي السبيل الوحيد لانتصارن ...
- هل من أساليب جديدة في عمل قوى الإسلام السياسي في كردستان الع ...
- الاستقرار وقوى الإسلام السياسي في إقليم كردستان العراق !
- هل من سبيل لإنجاح مشروع المصالحة الوطنية في العراق؟
- خسأ المجرمون وشيخهم, لن ينجحوا في تفجير حرب طائفية في العراق ...
- هل من جديد في أفكار المؤتمر القومي العربي وفي بيانه الموجه إ ...
- حوار فكري وسياسي مع الكاتب والناقد العراقي الأستاذ ياسين الن ...
- وداعاً أخي عوني!
- لنعمل معاً من أجل وقف استمرار جرائم الاعتداء والقتل ضد الصاب ...
- هل من جديد في مشروع المصالحة الوطنية؟
- ملاحظات حول ما نشر عن الصديق السيد جورج يوسف منصور
- رسالة مفتوحة إلى قيادة وأعضاء وأصدقاء الحزب الشيوعي العراقي


المزيد.....




- كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
- إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع ...
- أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من ...
- حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي ...
- شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد ...
- اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في ...
- القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة ...
- طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
- الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
- الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - أخبار بغداد الموحشة!