أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - تقديم طبعة بغداد لكتاب مقدمة في علم الكلام الجديد















المزيد.....

تقديم طبعة بغداد لكتاب مقدمة في علم الكلام الجديد


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 7032 - 2021 / 9 / 28 - 13:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الكاتبُ الجادّ هو الكاتبُ الذي يعيشُ الكتابةَ بوصفها تجربةَ وجودٍ. تجربةُ الوجودِ صيرورةٌ، تجربةُ الوجودِ ليست ميكانيكية، كلُّ تجربةِ وجود شديدةٌ،كلُّ تجربة وجود يعيشها الإنسانُ تعطّلُ كلَّ شيء سواها لحظةَ تتحقّق. تفرض تجربةُ الكتابةِ على الكاتب الذي يعيشها ألا يصغي إلّا إلى ندائها، ماخلا حضورها يغيبُ الكاتبُ عن كلِّ شيء ويغيبُ عنه كلُّ شيء. لحظةَ يبدأ الكاتبُ الكتابةَ تأخذه إليها، لا تدعه يفكّر إلّا في مداراتها،كلّما حاول الهربَ قبضت عليه من جديد أنى كان، لا تتركه مالم يمنحها كلَّ ما يمكنه. الكاتبُ الذي يعيشُ الكتابةَ بوصفها تجربةَ وجودٍ تمكث حياتُه الخاصة مؤجلةً على الدوام.
أعيشُ الكتابةَ بوصفها أُفقًا أتحقّقُ فيه بطور وجودي جديد. فشلت في أن أكونَ شخصيةً نمطية، أعرفُ أني لا أنفردُ بذلك،كلُّ مَنْ تكونُ الكتابةُ تجربةَ وجود في حياته لا يمكن أن يكونَ نمطيًا.
تتكرّرُ لدي تجاربُ الكتابة والتحرير، وعلى الدوام لا أصل للشعورِ باكتمال النص، ونقائه من الوهن والثغرات، وصفاء صوته، ونضج طاقة المعنى الذي يريد إبلاغَه للقارئ، لذلك كثيراً ما أعود إليه لتقويمه وترميمه وإثرائه. أتردّد في نشره، وأقلق لحظةَ أنشره، مثلما يقلقني إهمالُه ونسيانُه، ينتابي شعورٌ أحيانًا كأني خنتُ ذلك النصَّ المؤجل، أو خنتُ القرّاءَ الأصدقاءَ ممن يتطلعون أن يجدوا في كتابتي ما يبحثون عنه.
لا تكون الكتابةُ جادةً مالم تتكشف فيها شجاعتُنا في البوح والاعتراف للقرّاء بعجزنا البشري. لم أكن قادرًا على الاعتراف بالعجز قبل أربعين عامًا، لكني روضّت نفسي بمشقة على الاعتراف بضعفي، حتى صار البوحُ يشعرني بالشفاء من الخوف. أبادر لمراجعة كتاباتي وأعمل على تمحيصها، وأستبعد ما أكتشفه من هفوات وأخطاء، بحدود إدراكي لها. يرشدني أيضًا التقويمُ والنقدُ الذي يصلني مشافهةً أو عبر الكتابة، من قرّاء نابهين أذكياء، غير مأزومين نفسيًا وأخلاقيًا، ولا شتّامين. أضيف ما أراه ضروريًا لترسيخ قناعة القرّاء بصواب ما اهتديتُ إليه، وأحاول تعزيزَ الأدلة، وتوضيحَ ما هو ملتبسٌ أو غامضٌ أو مبهمٌ من المفاهيم.
أكتبُ لنفسي قبلَ الكتابة للقراء، أخاطب نفسي قبلَ مخاطبة القراء، وأُعلِّم نفسي قبل أن أكون مُعلِّمًا للقراء. أحاول البحثَ عن إجابات لأسئلتي الوجودية، وأسعى لاكتشاف حلول لمشكلاتي، عسى أن ينكشفَ النور الذي يُضيء خارطةَ النجاة. يهمني أن أكتشف نفسي قبل أن أكتشف العالَم، وأغيّر نفسي قبل أن أغيّر العالَم.
غرضُ كتاباتي سكينةُ الروح، وطمأنينةُ القلب، وإيقاظُ العقل. البُعد البياني والجمالي لم يكن غرضَ كتاباتي المباشر، هذه لغتي التي لا أعرفُ أن أكتبَ بغيرها ‏اليوم، وهي لغةٌ بذلت جهودًا مضنية حتى أمتلكتها. ‏سعيدٌ بامتلاكي هذه اللغة بعد مطالعات متواصلة، كانت ومازالت تأكلُ كلَّ وقت فراغي خارج العمل، شرعتُ فيها منذ الصف الخامس الابتدائي، وسجنت نفسي في الكتابة طوعيًا حتى اليوم، مضافًا إلى تمارين كتابة متواصلة بدأتُ بها قبل نحو نصف قرن، ولم تكتمل لغتي ولم أصل إلى ما أنشده إلّا قبل ثلاثين عامًا.
لم يكن كتاب: "مقدمة في علم الكلام الجديد" يحظى بهذه العناية لولا الإدمان على القراءة والكتابة، ولم يكن مؤلفُه يتوقع مثلَ هذه الثقة بكتابه بعد نشره مباشرة حين بادر قرّاء متخصصون ومهتمون بعلم الكلام للاحتفاء بالكتاب مشكورين. أستاذٌ في جامعة جزائرية لحظةَ قرائته الكتابَ قرّر تبنيه لتلامذته في الدكتوراه، ورئيسُ لجنةٍ علمية في جامعةٍ عراقية أصدر قرارًا بتبنيه لتلامذة جامعته في الدراسات العليا، وهكذا بادرت أستاذاتٌ وأساتذةٌ كرام، في أكثر من جامعة في البلاد العربية لتبني الكتاب. وقرّرت بعضُ أقسام الدراسات الإسلامية والفلسفية اعتماد الكتابَ في مقرّر "علم الكلام الجديد" ابتداءً من العام الدراسي الجديد. وبعد شراء أحد خريجي الأزهر الأندونيسيين للكتاب من معرض القاهرة الأخير وقراءته، راسل المؤلفَ فورًا يطلبُ الإذنَ بترجمته للأندونيسية، لأنه رأى ضرورةَ حضوره في أقسام الدراسات الإسلامية والفلسفية في الجامعات الأندونيسية، وتقديمه للقرّاء في هذه اللغة التي يتحدّثها أكبرُ مجتمعٍ مسلم، وباشر بالفعل ترجمتَه، ويعتزم مترجمٌ ترجمتَه للتركية، وأنجز الدكتور زاهدبور ترجمته للفارسية. كلُّ ذلك دعا المؤلفَ لإعادة النظر في الكتاب، وكعادته بنقدِ كتاباته قبل أن ينقدها غيرُه، وعملِه الدؤوب على اكتشاف ما فيها من وهن وأخطاء وقصور في التعبير أو التفكير، أعاد العملَ على هذا الكتاب مجدّدًا، وأمضى مدةَ شهر تقريبًا يعيد تحريرَه وتدقيقَه وتهذيبَه، محاولًا أن يشرح مفاهيمَ محورية اختزل الكلامَ فيها في الطبعة الأولى مثل مفهوم الوحي، وعزّز أسسَ أركان علم الكلام الجديد، إذ اكتملت هذه الأركانُ في سبعة بعد أن كانت ناقصة، وشرحَ مواردَ أخرى كان مقتصِدًا في التعبير عنها، أعاد صياغتَها بوضوحٍ بكلمات أصرح وأوضح، وعالج الوهنَ والخللَ في بعض الجمل والفقرات، وأصلح أخطاءَ إملائية ونحوية ومطبعية غفل عنها فيما مضى.
ازداد حجمُ الكتاب في هذه الطبعة أكثر من خمسين صفحة. لا شكّ في أن هذه النسخةَ أغنى وأدق وأوسع وأوضح، إلا أن المؤلفَ لا يعدُ القرّاءَ بأن هذه الطبعةَ نهائية، فلو راجع الكتابَ بعد سنة أو أكثر من صدوره لكرّر ما فعله في الطبعة الأولى. وهذه عادةٌ منهِكةٌ يعترف أنه لا يستطيعُ الخلاصَ منها. طالما أزعج المؤلفُ أصدقاءَ ناشرين، فبعد أن يُرسل لهم كتابًا جاهزًا للإخراج والطباعة، يعودُ بعد أيامٍ لإرسال إضافات أو استبعاد كلمات أو جمل أو فقرات، ويواصل هذه العمليةَ إلى أن يصدرَ الكتاب، وأحيانًا يضطرّ الناشرُ لتأخير الكتاب في المطبعة وقتًا اضافيًا.
يعترف المؤلفُ بأن كلَّ نصٍّ يكتبُه لا يراه نهائيًا، يكتبُه كمسوّدة، وبعد تحريرٍ وتنقيحٍ ومراجعاتٍ متعدّدة يبعثه لدار النشر، وعند نشره تتحوّل هذه الطبعةُ إلى مسوّدة لطبعةٍ لاحقة، وهكذا تلبث كتاباتُه مسوّداتٍ غير مكتملة،كلُّ طبعة جديدة مسوّدةٌ لطبعة لاحقة، وكأنه يحلم بالكمال الذي يعرفُ أنه لن يدركَه في كلِّ ما يكتبُه.
كلُّ كتابٍ نكتبُه يكتبُ تاريخَه الخاص بعد نشره، يبدأ تاريخُه منذ قراءة القارئ الأول له، يمتلك القرّاءُ مصائر الكتب بعد قراءتها. للكتب الجادّة حياةٌ يتحكمُ في مآلاتها القرّاءُ والنقّادُ، وتحدّد أعمارَها ومصائرَها مواقفُهم وانطباعاتُهم، ونوعُ تلقيهم لمضمونها، وكيفيةُ قراءتهم لنصوصها. ربما تدخلُ بعضُ الكتب كهوفَ النسيان بعد صدورها مباشرةً على الرغم من أهميتها، ثم يأتي مَنْ يُخرِجها من الظلام ويسلّط الضوءَ عليها بعدَ مدة، وربما يتلقى القراءُ كتبًا أخرى لحظةَ صدورها بثقةٍ واهتمام.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل القيم تجد معناها في حمايتها للكرامة
- محمد رضا حكيمي وإعادة إنتاج الأخبارية
- هل هناك حاجة للكراهية؟!
- كتاب الدين والكرامة الإنسانية
- الفردانية المطلقة وسوء فهم مفهوم الفرد
- المصيرُ المشترك يفرض قيمًا واحدة
- الإنسانُ كائنٌ غريبٌ في العالَم
- علم كلام جديد أو علم كلام معاصر
- في معاشرةِ الناسِ نحتاجُ القلبَ أكثر من العقل
- الحُبُّ بوصفه عطاءً
- الدينُ كائنٌ حيٌّ يطلبُ ما يمدُّه بالحياة
- القلب هو الطريق
- الجهلُ بالطبيعة الإنسانية و#أخطاءُ_التربية
- الإيمانُ يتكلّمُ لغةً واحدة
- الطبيعةُ الإنسانيةُ ملتقى الأضدادِ
- مقدمة في علم الكلام الجديد
- الدكتور عبد الجبار الرفاعي يفوز بجائزة البطريركية الكلدانية ...
- أثر رؤية المفسِّر للعالَم في التفسير
- #علي_شريعتي وعلي الوردي
- #عليُ_الوردي مثقّفٌ نقدي


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - تقديم طبعة بغداد لكتاب مقدمة في علم الكلام الجديد