|
فيه اختلافاً كثيراً _ الضعف التمثيلي و المشاكل اللغوية في صدر السَّجعيّة رقم 17 من ترتيلة البقرة
راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.
(Rawand Dalao)
الحوار المتمدن-العدد: 7030 - 2021 / 9 / 26 - 13:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سلسلة في #فقه_الخطأ_القرآني
بقلم #راوند_دلعو
يقول المؤلف المجهول للكتاب المسمى بالقرآن في السجعية رقم 17 من ترتيلة البقرة في سياق حديثه عن المنافقين ؛ الذين يتظاهرون بتصديق قثم بن عبد اللات ( محمد ) في حين يكذبونه في بواطنهم :
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17)
⛔ لو قمنا بعرض النص السابق على مذبح العقل و من ثَمّ معالجته بشيء من التأني و الحيادية لوجدنا فيه تشبيهاً غريباً من نوعه ...
🔰 و بيان ذلك كالتالي :
بعد أن شن مؤلف القرآن حرباً لا هوادة فيها على المنافقين في السجعيات السابقة ، يحاول هنا أن يشبه حالتهم النفاقية بحالة من أشعل النار فأضاءت ما حوله ، ثم إذا برب محمد يتدخل ليُطفئَها و يُغرق مشعلها بالظلام الدامس !!!
و هذا تشبيه فاسد ينطوي على خلل بنيوي بياني واضح، إذ هناك مفارقة صريحة و بَونٌ شاسع بين المشبه و المشبه به من حيث الكيف و الدراما و السيميائية ، مما يمنع قيام و تبلور ( وجه الشبه ) كجسر يصل ( المشبه ) ب( المشبه به ) ....
و كي يفهم الأخ القارئ مقصودي ، لا بد لي من ومضة خاطفة أتحدث فيها باقتضاب عن حالة المنافقين في يثرب.
🍄 ( شذرة توضيحية عن وضع المنافقين في يثرب )
كما نوّهتُ للتو ، فلكي أشرح مكمن الضعف في التشبيه السابق يجب علي أن أشرح معنى النفاق و طبيعة سلوكيات المنافقين اليثربيين و حالهم عند تأليف هذه السجعيات في مدينة يثرب.
فالمنافقون ( وفق السردية المحمدية ) بشرٌ عاشوا في يثرب بشكل طبيعي ، إذ كانوا في حالة من التعايش و الانسجام مع الوسط المحيط دون الحاجة إلى النفاق ، ثم استمر وضعهم على ذلك إلى أن سمعوا بدعوى النبوءة المحمدية فلم يصدقوها لعدم قيام الدليل على صحتها من وجهة نظرهم و بالتالي عدم اقتناعهم بصدق الرجل ... لكن ؛ و بسبب وصول محمد إلى رأس السلطة في يثرب ثم تَحَكُّمه بزمام الأمور فيها ، اضطر المنافقون إلى التظاهر بتصديق محمد و ذلك تفادياً للقمع و الإرهاب الذي مورس عليهم ، فحالهم كحال الغصن الذي مال مع الريح كي لا ينكسر ...
لذلك نجد أنهم اضطُّرُّوا إلى التظاهر بالإيمان بديانة محمد انسجاماً مع ظروف الواقع الجديد ؛ ذلك الواقع الذي منح أتباع محمد امتيازات لا يمنحها لغيرهم ، بينما جعل غير المحمديين تحت خطر الذل و التهميش و الإقصاء الذي وصل إلى حد الطرد و الاغتيال و التهجير إلى الصحاري ( كما حصل مع يهود بني قينقاع و النضير حيث قام محمد بتهجيرهم متذرعاً بأسباب واهية ، فمات الكثيرون منهم في الصحراء _ راجع سيرة ابن هشام ).
https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&idfrom=915&idto=918&bk_no=58&ID=469
🍄 فالنقطة المهمة التي أريد من القارئ أن يركز عليها من خلال هذه الومضة هي {{ أنَّ المنافق إنسان لم يبادر إلى اعتناق المحمدية ، و لم يذهب إلى محمد مبايعاً و لم يقتنع بهذه الديانة أساساً ... بل كان جالساً بأمان في بلده يثرب إلى أن جاء محمد و عصابته و قد قبضوا على رأس السلطة يتحكمون بزمام الأمور مما دفعه مضطراً إلى التظاهر بالإيمان بمحمد خوفاً من بطشه }}.
📛 و الآن ، و بعد أن أخذنا فكرة كافية عن حال المنافقين في يثرب ، فلنعد إلى السجعية القرآنية لنحلل التشبيه الوارد فيها في ضوء الومضة السابقة.
قال مؤلف القرآن :
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17)
#الحق_الحق_أقول_لكم .... إنّ هذا تشبيهٌ تمثيلي ، شبه فيه مؤلف القرآن حالاً بحال أخرى ....
⬅️ الحالة الأولى :
هي حالة المنافق الذي يتظاهر بتصديق محمد بينما يكذبه في باطنه ....
⬅️ و الحالة الثانية :
هي حالة من أشعل ناراً فأضاءت له ما حوله ثم تدخل الله فأطفأها له ليغرق في الظلام الدامس !
و المراد من التشبيه الوارد في السجعية وفق ما ذهب إليه أغلب المفسرين ما يلي :
{♦️ تشبيه حالة التظاهر بالإيمان التي يبديها المنافق أمام الملأ ، بإشعال النور ....
♥️ ️ و تشبيه ما يبطنه المنافق من تكذيب لمحمد بالظلام الذي ذهب بالنور فأصاب صاحبه بالعمى } .
لكن هل هذا التشبيه التمثيلي سليم ؟ هل فعلاً تتشابه حالة المنافق ، مع حالة مشعل النار ؟
في الحقيقة لا .... فهناك نقطتان تصنعان المفارقة بين المشبه و المشبه به لينهار التشبيه عن بكرة أبيه ، و سأشرح ذلك كما يلي :
♥️ المفارقة الأولى :
لا يصح تشبيه حالة ( التظاهر بالإيمان التي يبديها المنافق ) بحالة ( مستوقد النار ) لعدم توفر المبادرة في حالة المُشَبّه ( المنافق ) .... !
و بيان ذلك أنّ المنافق لم يبادر إلى المحمدية و لم يعتنقها ، بعكس مستوقد النار الذي بادر إلى الحطب و أشعل النار ابتغاءً للنور .... فالمنافق لم يعتنق المحمدية و لم يؤمن بنورانيَّتها ، بل هي التي جاءته إلى عقر داره فاضطر إلى التظاهر باعتناقها تجنباً لشرها ....
و من هنا نلاحظ أن الفعل النفاقي لا مبادرة فيه بل هو سلبي وقائي اتقائي ، أما استيقاد النار ففعل ينطوي على مبادرة و انبعاث ، فقد انبعث إراديَّاً لإشعال النار ... و هذه مفارقة قاتلة تنسف أساس التشبيه ، إذ لا يصح تشبيه سلبية المنافق التي فرضتها عليه ضرورة التكيف مع الظرف الجديد بإيجابية المستوقد الذي انبعث بإرادته الحرة نحو إشعال النار ابتغاءً للنور.
♦️ المفارقة الثانية :
لو سايرنا المصطلحات القرآنية و افترضنا جدلاً أن الإيمان بمحمد بمثابة إشعال الضوء و تنوير المؤمن ، ثم عدنا لقراءة السجعية بتمعن و هدوء للاحظنا سقوطاً آخر للتشبيه في أودية المفارقات و ذلك من زاوية أخرى ...
و بيانه أن المنافق لم يؤمن حقيقة و بالتالي لم يُشعل النور أساساً ، بل إنه مجرد متظاهر بالإيمان ، فكيف يشبهه بصانع النور ( مستوقد النار ) ؟ !
فالتظاهر بالإيمان نوع من الكذب اضطر إليه المنافق ليتجنب إرهاب محمد ، فكيف يكون الكذب نوراً ؟ فالمنافق لم يؤمن ، و إنما يكذب على المحيط حيث يتظاهر بالإيمان ، فأين النورانية في هذا التصرف يا مؤلف القرآن ؟
و هنا نلاحظ مدى سذاجة هذا التشبيه الذي جعل من سلوك الكذّاب إنارة ، و من الكذّاب منيراً ، و من الكذب نوراً ، فألفَى النفاقُ على قباحته الشرعية استنارة !
و هذه مفارقة أخرى تمنع قيام التشابهيّة بين حالة المشبه و حالة المشبه به ، ليصبح التمثيل عبثياً فالكلام _ بلا شك _ ملقى على عواهنه !!!
و لو أردنا تصحيح التشبيه السابق بحيث يقترب من الانسجام مع حالة المنافق لقلنا ( مثلهم كمثل الذي اقتحم النورُ داره فدثَّر نفسه ليبقى في غياهب الظلام )
📒 (ترقيع أقبح من تمزيق )
⬅️ حاول بعض الكهنة المحمديين ترقيع النص كي يستقيم التشبيه و ذلك من خلال الادعاء بأن منافقي يثرب قد آمنوا بمحمد على سبيل الحقيقة و الإخلاص ثم تراجعوا عن الإيمان به و كذبوه ... فحالهم حال من استوقد النار ابتداءً ثم انطفأت في النهاية .... فالاستيقاد حاصل بالإيمان الذي استقر في قلوبهم ، و الانطفاء حاصل بتركهم لهذا الإيمان.
⬅️ أقول :
و هذا كذب بواح بهدف ترقيع الخلل الواضح في التشبيه ... فلو آمن أهل يثرب حقيقة ثم تركوا الإيمان بمحمد لما صحت تسميتهم بالمنافقين أصلاً ، بل لتمّت تسميتهم بالمرتدين إذ هناك فرق واضح في القواميس العربية بين معنى كلمة ( مرتد ) و كلمة ( منافق ) ....
فالمرتد : هو الذي ترك الدين بعد أن اعتنقه بإخلاص و صدق.
أما المنافق : فهو الذي لم يقتنع بالدين أبداً ، و إنما تظاهر بالاقتناع تجنباً لبطش أهل الدين به.
⬅️ الحق الحق أقول لكم .... إنه ترقيع أقبح من تمزيق ؛ فلو سايرنا هؤلاء المرقعين ، و سلمنا بصحة ترقيعهم لوقع مؤلف القرآن في فضيحة لغوية مجلجلة ... فهذا يعني أن مؤلف القرآن لا يعرف الفرق اللغوي بين المرتد و المنافق !!!
فعلى المحمدي أن يختار لقرآنه أحد سقوطَين .... إما سقوط التشبيه القرآني في هذه السجعية ، أو سقوط مؤلف القرآن في اختبار اللغة العربية ، لأننا اكتشفنا للتو أنه لا يدري ما الفرق بين المرتد و المنافق !!!
و أحلاهما مر ... إذْ كلاهما يدمغ القرآن بالبشرية و القصور .... و لا ينسجم مع العصمة المفترضة للكمال المطلق !
🔄 تناقض :
لقد لاحظنا كيف تصبَّب المرقِّعون عرقاً و هم يحاولون إنقاذ التشبيه السابق من السقوط في فخ التباين .... و لمّا لم يسعفهم النص ادّعوا أن منافقي المدينة قد آمنوا بمحمد ثم كفروا ...
و لو أخذنا بكلامهم و تبنينا تفسيرهم لهذه السجعية لسقط القرآن في تناقض صارخ آخر ... إذ جاء في السجعية 13 من ترتيلة البقرة في سياق الحديث عن المنافقين قوله : ( و إذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ؟) ... فهنا كما نلاحظ يصرّح القرآن بأنهم لم يؤمنوا على سبيل الحقيقة و التصديق ! فكيف ينفي عنهم الإيمان في هذه السجعية ثم يشبّههم بمن استوقد النار و استجلب النور ( أي آمن وفق تفسير هذه الفئة ) في السجعية 17 ؟؟؟!!!
تناقض مُستحكم غير قابل للجمع و لا التلفيق بحال من الأحوال ... و هو اختلاف ( تناقض) من الاختلافات الكثيرة التي قال فيها القرآن : ( و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) ! و بذلك يضع القرآن معيار البشرية و يسقط فيه ... فالاختلاف واضح و صريح.
في الحقيقة لقد أصابتنا الحيرة مع هذا القرآن !! ... فتارة ينفي الإيمان عن المنافقين و يحكي لنا رفضهم و ترفُّعَهم عن مشابهة السفهاء الذين صدقوا محمداً ... ثم تارة أخرى يشبههم بمن استوقد نار الإيمان في قلبه !!!
و بما أن سقوط المحمدية مرهون بسقوط القرآن .... و سقوط القرآن مرهون بوجود خطأ واحد فيه ، فها نحن بصدد خطأ من عشرات بل مئات الأخطاء التي وضعتُ يدي عليها و التي لا مجال لترقيعها .... فتأمل يا رعاك الله !
كش ملك مات !!!
الرسم المرفق للفنان السوري فيصل إبراهيم.
#راوند_دلعو (هاشتاغ)
Rawand_Dalao#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(فيه اختلافاً كثيراً _ معالجة أفقية ثم عمودية للسجعيّات رقم
...
-
مُعَدّل النزيف ....
-
فيه اختلافاً كثيراً _ خطأ استراتيجي واضح في السجعية رقم 8 من
...
-
الأديب الهارب من الله !
-
قصة نجمتين
-
العُنْصُطَائفية المحمدية
-
الوهم الهرموني المريح
-
الإبهام في الشعر الرمزي
-
ضياع الارتقائية في المسابقات الأدبية
-
لم يعد الإبداع الأدبي حِكراً على طبقة الأكاديميين
-
على مذبح الترجمة _ الفرق بين الأدب و اللغة !
-
فيه اختلافاً كثيراً _ الأخطاء القرآنية في ترتيلة المسد
-
شذرات الذهب في نقد أهم معلقات العرب !!
-
لماذا نجح صانعوا الديانة المحمدية في إيصالها إلينا و جعلها م
...
-
الرصاصة الأخيرة في نعش الإله الأخير ...
-
لماذا نرسل أبناءنا إلى المدرسة ؟
-
أحاشيشٌ محمدية _ دعاء ركوب الدابة و المرأة !!
-
التأجيج الطائفي وحش يبتلع إنسانية الإنسان تحت غطاء المُقدَّس
...
-
تحويل البيئة التعليمية إلى وطن (مَوطَنَةُ المدرسة)
-
طفولة على مذبح الطلاق _ قصة قصيرة
المزيد.....
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
-
الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم
...
-
هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|