عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1648 - 2006 / 8 / 20 - 10:30
المحور:
القضية الفلسطينية
دعوات وأصوات كثيرة ليست وليدة الوضع الراهن كانت قد خرجت وطالبت بحل السلطة الفلسطينية وبالتحديد منذ أن تعرضت هذه المؤسسة لكثير من الاعتداءات الاسرائيلية بحقها وبحق الرموز التي تقوم على تسيير شؤونها , ولقد ابتدأت تلك التعديات والانتهاكات مع فترة الاجتياحات وإعادة احتلال مناطق السلطة في عام 2002 مع بداية العملية الاسرائيلية العدوانية في تلك الفترة والتي أطلقت عليها ما يسمى بعملية "السور الواقي" برئاسة رئيس الوزراء الاسرائيلي في تلك الفترة أرئيل شارون , وما نجم عن تلك العملية من تدمير واسع وكبير لبنى السلطة التحتية والامنية والخدماتية وما رافق ذلك من عملية محاصرة وعزل للرئيس الراحل ياسر عرفات لينتهي به الامر إلى الموت بعدما تم سمه من قبل دولة الديمقراطية والسلام " إسرائيل " التي تقتل حتى شركائها في السلام , وولم يتوقف مسلسل الاعتداءات الاسرائيلية إلى هذا الحد بل إنها استرسلت في مسلسلها الاجرامي حتى انتهى الامر إلى تدمير واغتيال الديمقراطية الفلسطينية الوليدة من قاعدتها إلى رأس هرمها .
إن الدعوات والمطالبات الكثيرة من قيادات وأطر سياسية وفكرية ثقافية لم تأتي عبثا أو نوعا من الترف الفكري كما يصور البعض الامر أو يتصوره هذا البعض بالفعل والحقيقة , بل إن الامر أتى ويأتي في سياق عملية فكرية واضحة من خلال النظر إلى السلطة من حيث السياق التاريخي الذي ادى إلى نشأتها ومرجعية انشائها والاغراض والاهداف المتوخاة من عملية خلقها وإيجادها , وطبيعة الفلسفة والهيكلية التي تقوم عليها , وهل هذه الفلسفة والهيكلية تؤدي فعلا إلى تحقيق الغرض الوطني المطلوب والمعروف في حدوده واهدافه وهو اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كحد ادنى من الحقوق والمطالب الفلسطينية بالاضافة إلى المطالب والثوابت الوطنية الاخرى المتعلقة بعودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين .
أما السياق التاريخي الذي نشأت بفعله السلطة الفلسطينية أو سلطة الحكم الذاتي , فلقد جاءت هذه السلطة كنتيجة حتمية لانهيار حالة الحد الادنى من التماسك للجسم العربي في اطاره الرسمي , وهذا الانهيار لم يكن دفعة واحدة بل هو حالة مستمرة ابتدأت منذ "كامب ديفيد" الاول الذي بموجبه تم إخراج مصر كأكبر دولة عربية فاعلة وقوية في قضية الصراع العربي الاسرائيلي , ثم لتحدث بعدها كل حالات الانهيار الاخرى في الجسم العربي الكبير , إلى أن وصل الامر بتوريط النظام العراقي السابق من قبل الولايات المتحدة باحتلاله لدولة الكويت وما نجم عن هذا الوضع من انتهاء العراق كجزء مهم في حالة الصمود العربي إلى الحالة التي نرى العراق عليها الآن .
إن هذا الانهيار للجسم العربي الرسمي في سياق صموده وتماسكه في حده الادنى يعود السبب فيه إلى أن القيادات العربية الرسمية تنقسم كما يبدو الى فئتين ربما لا ثالث لها : فإما أنها أنظمة متواطئة وإما أنها أنظمة قبلية وفئوية لا تصلح على الاطلاق لقيادة مشروع تحرر لا على مستوى الامة ولا على مستوى تحرير فلسطين عقدة الصراع والسبب الاول والرئيس لما يتجلى ويظهر من احداث وحروب في المنطقة العربية والاسلامية برمتها .
إذن السياق التاريخي الذي جاءت فيه هذه السلطة هو سياق حالة الضعف العربي وتفككه واستعلاء الكيان الصهيوني وغروره وتوسع الاطماع الاستعمارية في المنطقة العربية وبالتحديد من قبل امريكا والدول الغربية التي تدور في فلكها ونظامها الجديد , تلك هي المعادلة الاستعمارية الغربية على مدى تاريخها , فمزيدا من الضعف للكيانات والدول التي تحتلها يعني ولا شك بالنسبة لها مزيدا من الامعان في السيطرة وتطوير استراتيجياتها , ولذلك لاحظنا أن الولايات المتحدة قد طورت استراتيجيتها مع بداية دخول نظامها للعالم الجديد الذي رسمته لنفسها خصوصا حينما انهار الاتحاد السوفيتي وتفكك مع نهاية العقد التاسع من القرن الفائت .
من منطلق أن الكيان الصهيوني هو أداة الغرب الاستعماري في تكريس حماية مصالحه واطماعه في المنطقة العربية, ومع تطور الاطماع الامريكية والغربية وما انبنى عليها من تطور في الاستراتيجية تبعا لذلك, فكانت الحاجة لديهم ماسة لشرعنة الاحتلال الصهيوني وبموافقة فلسطينية وعربية على ما تبقى من ارض فلسطين المحتلة عام 67 حيث جاءت عملية السلام وبحق كمشروع واطار استراتيجي لتحقيق هذه السيطرة , وكل الوقائع على الارض منذ دخول تلك العملية إلى أرض الواقع وحتى يومنا هذا تشير بوضوح أن الغرض منها كان يعني المزيد من الاحتلال وانتشار المستوطنات ومن ثم تحويلها إلى جيوب اقليمية تقطع أوصال تلك الاراضي وتحيلها إلى معازل هنا وهناك إلى أن وصل الامر إلى بناء الجدار العازل وعزل مدينة القدس والاغوار وغيرها .
السلطة الفلسطينية ككيان ذاتي كان الغرض منه بناء على الرؤية الامريكية والاسرائيلية والمرجعية الدولية التي أصرتا عليها وهي القرار رقم 242 هو أن يكون لهذه السلطة دوران لا ثالث لهما حتى يتحقق الغرض الاستراتيجي الامريكي والاسرائيلي منها كما سلف أن أشرنا إليه , وهذان الدوران هما أ: أن تقوم هذه السلطة بالاعباء الادارية والمدنية للسكان المحليين في الضفة والقطاع , وفي هذا تخفيف كبير عن الكيان الصهيوني بموجب تلك المسؤوليات والالتزامات التي يفرضها القانون الدولي وبالتحديد منه المتعلق بالجانب الانساني الذي نصت واكدت عليه اتفاقات ومواثيق جنيف لسنة 1949 وخاصة الاتفاقية الرابعة منها . ب: أما الدور الثاني فهو أن تقوم السلطة بضبط السكان المحليين أمنيا ومنعهم بالتالي من القيام بأية أعمال مقاومة أو وطنية مناوئة للاحتلال الاسرائيلي وذلك عن طريق ما كان يعرف وبدرجة قليلة جدا الآن بالتنسيق الامني , هذان الغرضان والمطلبان هما جوهر وأس وفلسفة السلطة ككيان منشأ من جهة الولايات المتحدة وإسرائيل.
لذلك وربما من باب حسن النية من قبل القائمين على السلطة وأقصد هنا على وجه التحديد رأس هرمها أبو عمار كان قد أصدر التعليمات في تلك الفترة لمنع وملاحقة اعمال المقاومة الفلسطينية كاستحقاق للعملية السلمية والتفاوضية والالتزام بهذا الخط على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحقيق الحقوق الفلسطينية في سياقاتها الدنيا , لكن عندما تبين لأبو عمار أن الغرض من مجمل تلك العملية وفقا للرؤية الامريكية والاسرائيلية هو المزيد من تكريس الاحتلال وقضم المزيد من الاراضي وتقطيع اوصال الجغرافيا والديمغرافيا للاراضي المحتلة أعلن رفضه لوجهة هذا المشروع وليس أدل على ذلك من موقفه التاريخي المشهود في رفض التنازل عن الحقوق والثوابت في" كامب ديفيد" عام 2000 .
السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي جرى لابو عمار ولمؤسسات السلطة المختلفة حينما رفض الافق والاطار لحدود وصلاحيات السلطة المرسومة والمحددة مسبقا أمريكيا وإاسرائيليا ؟
ألم تقم اسرائيل باجتياح مناطق السلطة وقامت بتدمير بناها التحتية وكل ذلك بموافقة امريكية وصمت وتواطىء أوروبي , ألم تقم اسرائيل بماحصرة أبو عمار وبالتالي تصفيته جسديا وسياسيا , كل ذلك لأن الامريكيين والاسرائيليين لا يمكن أن يقبلوا إلا بسلطة وفقا لمقاييسهم واشتراطاتهم .
يتحدث عديدون عن مبررات بقاء السلطة كمشروع وطني ونواة وطنية جاءت بناء على التضحيات التي خاضها الشعب الفلسطيني , لكن من المهم جدا القول وللأمانة العلمية والتاريخية أن السلطة جاءت والاتفاقات التي أنشأتها بعيدا عن موافقة الشعب الفلسطيني عليها فضلا عن أانه كان لايعلم بها أصلا , لا أريد أن أقول إنها كانت صفقة , بل يمكن القول إن تلك الاتفاقيات بمرجعيتها وشروطها وما تمخض عنها من كيان ذاتي محدود الصلاحيات والاختصاصات كان خطئا تاريخيا ارتكبته قيادة منظمة التحرير في حينها , فالسلطة منذ نشأتها لم تستطع بفعل الاطار المرسوم لها وقبول قيادتها بهذا الاطار واستغراق الكثير من مسؤوليها بالفساد السياسي والاداري والمالي أن تتحول إلى الغرض الذي كان ينشده كثير من الفلسطينيين بأن تنقلب هذه السلطة وتتحول بالتدريج إلى دولة تكون جغرافيتها الاراضي المحتلة عام 67 , هذا من جهة ومن جهة اخرى أن السلطة لم تحاول أن تخرج من الفلسفة والهيكيلة التي رسمتها لها اسرائيل ومن خلفها امريكا بحيث تصبح هذه السلطةأوتتغير إلى اطار يقود مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده بغية تحقيق الاهداف الوطنية المنشودة , وبالتالي فهي لا انقلبت إلى دولة ولا قادت بالتالي مشروع مقاومة .
يقول البعض إن حل السلطة الفلسطينية سيؤدي إلى إحداث حالة من الفراغ السياسي والقانوني والمعيشي والخدماتي , هذا الكلام صحيح في حالته الراهنة , وهو عقلاني ومنطقي جدا من حيث السؤال عن البديل الاستراتيجي لحل السلطة الفلسطينية وفي هذا السياق يمكن القول بمايلي :
1- إن السلطة الفلسطينية من خلال الواقع الذي كشف الغرض المتوخى منها من الطرف الآخر ينحصر في سياق الصلاحيات الادارية والخدماتية والامنية المحلية , ومن المعروف والبدهي أن قضية الشعب الفلسطيني ليست على النحو المذكور في صلاحيات السلطة وأن قضيته قضية سياسية وقانونية واخلاقية في المقام الاول تتعلق بوجود الاحتلال .
2- لقد ثبت عمليا وبالممارسة أن السلطة بخطها المرسوم لا يمكن أن تحقق الحلم الوطني بإقامة الدولة , بمعنى أن الجانب السياسي والقانوني والاخلاقي المتعلق بازالة الاحتلال سواء بالتفاوض أو المقاومة غير متوفر ومهيأ ضمن فلسفتها وهيكليتها والاهداف والاغراض المحددة لها سلفا .
3- إذا كان الامر كذلك كما هو واضح في النقطة السابقة فهل من المعقول والمنطقي والوطني أن يتم التضحية بالاهداف الوطنية والسياسية والقانونية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني وإزالة الاحتلال في سبيل أن توفر السلطة وتقوم " هذا إن كانت حقا قادرة " فقط بأداء الدور المدني والخدماتي وضبط الامن المحلي دون أن يترافق ذلك ولو بالتدريج بحقوق سياسية وقانونية تتعلق بالسيادة الحقيقية لتلك السلطة على الاراضي التي هي موجودة عليها
4- لذلك طالما أن الغرض الاساسي من القضية الفلسطينية غير متوفر في هكذا سلطة فإن الحديث عمن سواه هو ضرب من الهراء وتركيز الجهود على غير الاولويات الأم في هذا الجانب , وبالتالي فإن طرح البديل لتولي الشؤون الخدماتية والمدنية للشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة أمر ممكن وممكن جدا في حال لو تم حل السلطة , وفي سياق هذه النقطة يمكن القول بمايلي :
أ: إن الاطار السياسي والقانوني والاخلاقي للقضية الفلسطينية هو منظمة التحرير الفلسطينية , وهو الاطار الذي من خلاله يمكن للشعب الفلسطيني أن يقود حركته المقاومة, وهو في نفس الوقت الاطار الذي من خلاله يمكن اجراء المفاوضات مع اسرائيل , وقبل هذا وذاك لابد أن يصار إلىاعادة بناء واصلاح منظمة التحرير على أسس وطنية وديمقراطية لقيادة هذا المشروع الوطني وذلك في اسرع وقت ممكن تنفيذا لما تم التفاهم عليه سابقا في القاهرة .
ب: في الاطار الخدماتي والانساني وتدبير أمر الشعب الفلسطيني, في هذا المجال نجد طرحين, الطرح الاول يقول : إن السلطة يجب أن تحل وتحال الامور الخدماتية والانساني للاحتلال وعليه هو أن يتدبر أمرها طالما أنه محتل فعليا لاراضي 67 وهو طرح منطقي وقبل ذلك قانوني استنادا إالى القوانين الدولية في هذا الشأن وبالتحديد القانون الانساني الدولي .أما الطرح الآخر فيقول أن الشعب الفلسطيني عليه أان يعتمد على نفسه في أمور حياته الانسانية والمدنية وعليه بالتالي أن يتبنى ثقافة الاكتفاء الذاتي باستغلال ما لديه من موارد متواضعة وبالتحديد في القطاعين الزراعي والاقتصادي , وهذا أيضا يحتاج إلى دعم الدول العربية والاسلامية, ونحن بدورنا نقول أنه يجب الجمع بين الخيارين حتى تتمكن المقاومة من أخذ دورها المطلوب والطبيعي دون تقييدها بكيان كما هو الحال مع السلطة الفلسطينية التي وقفت عائقا دون استمرار مشروع المقاومة بوتيرة متصاعدة كما هو الحال مع حركة حماس التي دخلت العملية السياسية لمحاولة اصلاح السلطة وجعلها جزءا من المشروع الوطني , لكن الحملة الامريكية والاسرائيلية اعلنت عن استنفار كل قواها في مواجهة حماس وغير حماس طالما أراد أي فصيل فلسطيني تحويل هذه السلطة نحو الوجهة التي تتماشى مع المطالب الوطنية الفلسطينية .
لقد تبين وبالتجربة الناصعة البرهان أن سلبيات وجود السلطة هي أكثر بكثير من إيجابياتها , فعدا أن هذه السلطة لم تستطع أن تحقق شيئا حقيقيا في مجال السيادة السياسية والقانونية , فإنه في الاطار الاداري والمدني والمالي وجدنا أن الفساد حتى الرأس لم يغادر شيئا من هذه الجوانب مجتمعة , فالفساد الاداري والسرقات المالية والفلتان الامني وغيرها من المشاكل وغياب سيادة القانون واعمال البلطجة والتطاول على هيبة المؤسسة القضائية وغيرها ما كنا نسمع بها الا في ظل هذه السلطة , لانه كما هو مخطط له ومبارك له في أداء هذه السلطة امريكيا واسرائيليا هو أمر مطلوب لتحقيق الغرض والهدف الاستراتيجي من وجودها كإطار وشكل مفرغ من المضمون لتحقيق المزيد من عملية تكريس الاحتلال على ارض الواقع , وكما قال أحد المفكرين العرب في هذا السياق : لقد جاءت عملية السلام في عام 1991 لتكريش شرعية الاحتلال على ما تبقى من أرض فلسطين المحتلة " يقصد أراضي 67 " .
المقاومة ليست الخيار البديل بل هي وبحق الخيار الاساسي والاستراتيجي , وليكن ماحدث من انتصار حزب الله على اسرائيل في الجولة الاخيرة وليست الآخرة من الصراع , حينما تتوفر الارادة والعزيمة لذلك, أكبر دليل على ان الحقوق تنتزع انتزاعا بعد اغتصابها , لقد بات الكثير الكثير من الاسرائيلين من مثقفين وكتاب وعسكريين وقطاع لا بأس به من الشارع الاسرائيلي يوجه نداءاته بضرورة أن تلتفت اسرائيل إلى جيرانها العرب للتفاوض معهم لانهاء الاحتلال كليا من الاراضي المحتلة عام 67 وهذا كله لم يأت إلا بالمقاومة وعزيمة وإرادة الصمود الحقيقي.
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟