ظافر شانو
الحوار المتمدن-العدد: 7029 - 2021 / 9 / 25 - 09:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحية و احترام:
موضوعي اليوم عبارة عن جواب لسؤال وجههُ ألي أحد الأخوة الكرام طالباً رأيي الخاص في (دور قداسة بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في أعادة وحدة كنيسة المشرق). وعليه سأجيب بأستفاضة حسب منظوري الخاص للأمر كأحد أبناء رعية الكنيسة الكلدانية منطلقاً من مبدأ الفائدة العامة لاغير, ملتزماً بأحترام خصوصيات الآخرين وعدم التدخل في شؤنهم قدر الأمكان, وفي المحصلة النهائية الكل أحرار بقبول وجهة النظر الشخصية هذه أو رفضها ونقد مضمونها.
الدور الذي يقع على عاتق قداسة بطريرك كنيسة المشرق الآشوريه هو ذات الدور الذي يقع على عاتق أخوته البطاركة الأجلاء في حال وجود نية صادقه بشأن لم شمل كنيسة المشرق عند الجميع! تتمثل ب(تغليب المصلحة العامة لوحدة كنيسة المشرق ونكران الذات), فهذه الوحدة ستكون مصدر قوة للجميع اذا تمت بصورة صحيحة وستساهم بأنقاذ شعب أصيل من الأنصهار في أمم أخرى أو على الأقل ستؤخر منها!, عن نفسي أراه حلم صعب المنال كونه لا يهم إلا نفر قليل جداً اليوم, علاوة على أنه محاط بكم من العراقيل والصعوبات ليس من السهل تجاوز بعضها!, وهنا يأتي دور المهتمين من البطاركة الأجلاء بأتخاذ خطوات جدية لمد جسور الحوار مع أخوتهم لتكون الوحدة بالأسم والفعل, وستتطلب وقتاً ومراحل بالتأكيد منها:
مرحلة الشأن الداخلي: من المفترض أن تكون الأسهل, تخص من بقى داخل أسوار كنيسة المشرق, تتجلى بأعادة وحدة الكنيستين (الآشورية والقديمة), لأن الكنيستان يجمعهما الكثير ولا يفرق بينهما سوى القليل, فخلافاتهما ليست مبنية على أساس عقائدي لاهوتي ولا سلطة خارجية للغير عليهم, لكن تبقى هناك نقطة مهمة واحدة سأتطرق اليها لاحقاً.
مرحلة الشأن الخارجي: تتعلق بالكنائس التي ترتبط بالجذور مع كنيسة المشرق لكنها أختارت الأنشقاق عنها أدارياً وأتباع كرسي روما الكاثوليكي, وهذه المرحلة أصعب من سابقتها لعدة أسباب منها خلافات عقائدية لاهوتيه وأنتزاع السلطة من يد أصحاب القرار!.
عن نفسي أجد أن بطريركية الكلدان يقع على عاتقها أتخاذ الخطوة الاولى نحو عملية أعادة الوحدة!, السبب لأن كرسي الكلدان وجد بسبب الأنشقاق عن كنيسة المشرق وليس العكس وأخذ شرعيته من كنيسة روما كتابع لها, لهذا عندما نتكلم عن أعادة وحدة كنيسة المشرق علينا أن نبدأ من حيث تم الأنشقاق أول الأمر والطرف الذي أختار الأنشقاق والأسباب, يتبعها العمل على أيجاد السبل للعودة الى داخل أسوار كنيسة المشرق دون وضع قيود أو شروط تعجيزية من قبل الراعي كي يبرئ ساحته بأنه ليس بالضد من عملية أعادة لم الشمل! فعلى سبيل المثال دعى غبطة البطريرك ساكو عام 2015 لوحدة كنيسة المشرق لكن بشرط وهو: (شركة الايمان والوحدة مع الكرسي الروماني قاعدة أساسية وجوهرية للوحدة)!! مع أنني كلداني لكن عن نفسي أجد أن هذا شرط تعجيزي لأخوته البطاركة الاجلاء, فإيمان كنيسة المشرق لم يكن ناقصاً يوماً كي يكتمل بالشراكة! وطريق الأتحاد مع كنيسة روما مفتوحة أمام الجميع ولا تحتاج الى واسطة من قبل هذا الطرف أو ذاك! هذا أولاً, وثانياً ماعلاقة كنيسة روما بوحدة كنيسة المشرق؟!, الدعوة الحقة الى الوحدة يجب أن تكون مبنية على أُسس سليمة شعارها (كنيسة المشرق أولاً) وليس تكبير قاعدة الكنيسة الكاثوليكية التي عملت جهدها للنيل من هذه الكنيسة العريقة بسلخ رعاياها منها وقد نجحت! وما الكلدان وبعض ملبار الهند وغيرهم إلا مثال حي على ذلك!.
أرى أنه على البطريركية الكلدانية ممثلة براعيها تهيئة البيت الكنسي الكلداني كخطوة أولى اذا ارادت الحفاظ على بنيان كنيسة المشرق (فنحن من نمثل دور الأبن الضال هنا أكثر من غيرنا!) ومع قساوة هذا التشبيه لكنني لا أنزه أخوتنا الآخرين منه, نحن من تركنا بيت أبينا مهرولين نحو الآخرين! ومن يومها معول الحداثة والتأوين دمر ما دمر من صلولتنا وطقوسنا وهويتنا تنفيذا لأوامر الغربيين لقلعنا من جذورنا! لنكون أول المنصهرين مستقبلاً وسيُضيع معنا هذا الارث الثمين أن لم نتريث ونفكر كيف يمكن أنقاذ ما تبقى منه والحفاظ عليه!.
أسئلة تطرح نفسها: هل كانت الأسباب يومها تستحق هذا الانشقاق؟ وهل تمت المعالجه بالصورة الصحيحة؟ وهل كانت النتائج سليمة؟ والأهم هل كانت العقيدة الأيمانية لكنيسة المشرق الأم تخالف تعاليم الكتاب المقدس؟ وهل كنيسة روما الكاثوليكية أدرى بمصلحتنا منا نحن أصحاب الشأن؟ وما الذي جنيناه وسنجنيه من كنيسة روما وهل تبعيتنا لها ستقربنا من ملكوت ربنا أكثر؟ هل نحن شركاء فعلاً أم تابعين! اسئلة كثيرة على البطريرك وأكليروس الكنيسة الكلدانية أن يعيدوا التفكير بها خصوصا أن اليوم ليس كالأمس! فهناك خلافات عقائدية ومصطلحات تقف عائق أمام أعادة هذه الوحدة مع أخوتنا في حال تمسك الطرفين بها! إلا أذا كانت وحدة مجاملات ومصالح وهنا تُسكب العبرات! على كل حال هذه الأمور نتركها لأصحاب الشأن أن يتمعنوا بها ليضعوا كنيستهم وشعبها على الطريق الذي أختاره السيد المسيح لها وأوصى الرسل أن يتبعوه.
أتمنى من بطاركة الكنائس الثلاث أن يجتمع كل منهم مع أكليروس كنيسته يناقشون فيه مسألة الوحدة بدراسة معمقه يتم توثيق النتائج التي توصلوا اليها, يتبادل بعدها البطاركة فيما بينهم هذه الخلاصة ليطلع عليها أكليروس كنائسهم ويتعرفوا على وجهة النظر الأخرى ليقرروا من بعدها الأستمرار أو ترك الحال على ما هو عليه وللزمن. بالمناسبة وحدة كنيسة المشرق شأن لا يمكن فرضه على الآخر أن لم يكن مؤمن به وبالمرجو منه, وكخطوة أولى للمهتمين من طرف واحد هناك مجال للعمل , وأقصد هنا ما حصل في سينودس الكنيسة الكلدانية الأخير حيث تم مناقشة تغيير أسم البطريركية الكلدانية ورفع أسم (بابل) منها! ألم يكن من الأفضل طرح تسمية (كنيسة المشرق) للنقاش أسماً لبطريركيتنا وكنيستنا كما كان بالأصل, لكن هيهات فطرح هكذا مسألة تحتاج الى شجاعة منقطعة النظير كونها ستنال أشد المعارضة من قبل الفاتيكان بالتأكيد قبل بعض القوميين الكلدان أنفسهم!.
من ناحية الأخوة الآشوريين, (كنيسة المشرق) تسمية أظن أنها ستنال معارضة شديدة من قبل الكثير من القوميين الآشوريين, لأنه كيف سيستقبلون خبر رفع كلمة (الآشورية) من تسمية الكنيسة؟ وهُم من أشد المهتمين بالشأن القومي والتسمية!, أغلبنا أطلع على ما حصل من ردود بشأن رفع كلمة بابل من تسمية البطريركية الكلدانية المطروحة في السينودس الأخير! مع أن الكلدان أقل أهتماماً بالشأن القومي! فكيف سيكون الحال هنا مع الأخوة الآشوريين؟!.
ولقداسة بطريرك كنيسة المشرق الآشورية أترجى منه: في حال فكرت قداستكم بالوحدة مع كنيسة روما فلتكن هذه الوحدة حسب قوانين وإيمان كنيسة المشرق لا قوانينهم, وإلا ستكون هذه الوحدة سبب قلع المسمار الأخير المٌتبقي الذي به يتماسك صليب كنيسة المشرق, وليُسدل الستار بعدها على أعظم صرح عرفته المسيحية أسسه الرسل حافظ على رسالة السيد المسيح وفقاً لتعاليمه و وصاياه ونقلها الى العالم بأمانة, بداياتها كنيسة الشهداء على يد الأغراب ونهايتها كنيسة شهيده بيد أبنائها! شاركت به الكنائس الثلاث الآشورية والقديمة والكلدانية على شكل مراحل.
الخلاصة: أعادة وحدة كنيسة المشرق تحتاج الى تدخل الروح القدس في مشيئة أصحاب القرار, من الذين عليهم أن يغلبوا مشيئة الروح القدس على مشيئة روح العالم التي هي شغلنا الشاغل اليوم كبشر! لأن بصيرة غالبيتنا عُميت عن الأولى للأسف وهي الأهم ولم نعد نرى سوى الثانية!(بالطبع هذا الكلام لا يشمل كل البشر ولا كل رجال الدين), وكذالك لشعب الكنائس الثلاث دور لا يُستهان به عن طريق دعم أي مبادرة صادقة تنطلق لأعادة لم شمل كنيسة المشرق وتسميتها العريقة وأن لا يستغل البعض التسمية ذريعة تعيق هذه الوحدة من أن ترى النور لكسب مناصب قيادية غايتها مصالح شخصية بحتة!, سيأتي يوم يُفصل فيه أبناء الملكوت عن أبناء العالم! لهذا أنتبهوا أيها الرعاة الأجلاء وأصحاب المناصب وعموم الشعب الذين قبلتم أن تحملوا الوزنات كمسيحيين, ان كل كراسي السلطة ستزول أمام كرسي الديان يومها في السماء, ولن يرحمكم شعبكم ورعيتكم ولا التأريخ على الأرض, وأخص هنا من أساء استخدام الوزنات في مسألة لم شمل كنيسة المشرق.
ملاحظة أخيرة: ما مضى من كلام أعلاه ما هو إلا رأي أنسان بسيط من عامة الشعب لا يجيد فن الكتابة والتعبير ولا يعتبر نفسه كاتب وليس ملم بتأريخ الكنيسة والدين كالفقهاء والمتخصصين لكنه يشارككم أفكاره علها تلقي بنقطة ضوء بجانب أنواركم الكريمة بهذا الشأن, يهمه أمر الكنيسة التي ينتمي اليها ويفتخر كونه من أبنائها ويتمنى لها أن تستعيد أمجادها مع أنه حلم أشبه بالمستحيل! بدليل قول السيد المسيح (ولكِنْ، أيَجِدُ اَبنُ الإنسانِ إيمانًا على الأرضِ يومَ يَجيءُ؟(لوقا 18-8 ))!! البعض منا يحتاج أن يصلي قائلاً: أرحمنا يارب لأننا أخترنا الباب الواسع وليس الضيق الذي أوصيتنا أن ندخل منه فربحنا العالم الفاني وخسرنا أنفسنا وخسرناك, أعنا على نفوسنا لنصحوا من غفلتنا قبل أن يُغلق الباب.
تقبلوا تحياتي وفائق أحترامي.
#ظافر_شانو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟