|
تطبيق الشريعة الاسلامية فى بلاد الأمريكان
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7029 - 2021 / 9 / 24 - 09:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تطبيق الشريعة الإسلامية فى بلاد الأمريكان !!! ---------------------------------------------------
فى الوقت الذى تتصاعد فيه موجات الغضب والسخط فى العالم الإسلامى على الغرب ، وفى الوقت ذاته الذى أصبح ينظر فيه أغلب الناس فى الغرب إلى أى مسلم على أنه إرهابى ، ومع موجات سوء الفهم المتبادل بدءاً بإثارة مشكلة الحجاب فى فرنسا وانتهاء بمشكلة النقاب فى بريطانيا ، وبالرغم من عدم قناعتى بدعوات بعض المفكرين ورجال الدين للتبرع بالمال لإنشاء القنوات الإعلامية التى تعمل على تحسين صورة الإسلام وإزالة المغالطات التى تلتصق بالرسول والمسلمين ، إلا إن هناك منْ يثير الغبار ويشعل نار الخلاف قبل أن تهدأ العواصف. فى جريدة " المصرى اليوم " ، قرأت مؤخرا هذا الخبر ( فتوى تفجر مخاوف أمريكية من تغلغل نفوذ الإخوان المسلمين فى الولايات المتحدة ) . انها فتوى جديدة من تلك الفتاوى ، التى تنهال علينا ليل نهار ، أصدرتها جمعية " الأمريكان المسلمين "، بتحريم توصيل سائقى التاكسى المسلمين للركاب والمسافرين فى المطارات ، والذين يحملون فى حقائبهم أى نوع من أنواع الخمور. لقد جاءت هذه الفتوى ، لتتماشى مع اعتقاد سائقى الأجرة المسلمين بأن الإسلام يحرم الخمور ويحرم نقله ، والتعامل معه بأى شكل . وهذه المشكلة ليست وليدة هذه الأيام . بل كما يقول الكاتب والأكاديمى والمؤرخ ، " دانيال بابيس" ، إنها ترجع الى عقد من الزمان ، حيث بدأها بعض سائقى الأجرة المسلمين فى أمريكا ، بالامتناع عن خدمة ، أو توصيل الركاب الذين يحملون الخمور . منذ عام ، 2000 أصبح الأمر واضحا ، ويتمتع بالعلانية ، وتنطبق عليه توصيف " الظاهرة " . ، ففى إحدى المناسبات رفض 16 سائقاً الواحد تلو الآخر، نقل راكب يحمل زجاجات خمر ، مما دفع هذا الراكب إلى الشعور وكأنه ارتكب جريمة ، رغم أنه لم يفعل شيئاً مخالفاً للقانون أو الأخلاق. لقد آثار هذا الموقف ، غضب الكثيرين من أصحاب الديانات الأخرى ، وكذلك بعض المسلمين غير المتشددين على السواء . ويعلق " دانيال بابيس " ، أن هذه الواقعة تحمل فى طياتها تداعيات ونتائج كثيرة ، تتعلق بمستقبل الإسلام فى الولايات المتحدة. ونحن نتساءل لماذا هذا التضخيم وهذا الافتعال والاختلاق ، لقضايا تفجر سخط الغرب وتأجج نار الكراهية أكثر وأكثر تجاه المسلمين ؟. ما هذه الحساسية المفرطة التى قد تصل إلى مرحلة الهوس والمرض الدينى ؟ . هل بهذه السلوكيات سوف يثبت سائقو الأجرة المسلمون ، أنهم متدينون ويحافظون على دينهم ، حتى لو تعارض ذلك مع حرية الآخرين الذين لا يدينون بالإسلام ؟ . ولماذا هذا الحرص على إثبات أنهم مسلمون ؟. إن كان لديهم قناعة راسخة بقوة إسلامهم ، فما حاجتهم لإثبات ذلك فى كل مناسبة ؟ . هل هم بهذه الطريقة ، يحافظون على قوانين الدولة المدينة ويحترمونها ، تلك الدولة التى أوتهم ، وكفلت لهم العمل الذى عزً عليهم ، فى بلادهم التى تدين بالإسلام ؟. هل باختلاق وإفتعال هذه السلوكيات يحسنون صورة الإسلام ، التى يزعمون الرغبة فى حمايتها ، أم يشوهونها ؟ . إن هذه التصرفات ، ليست إلا شكلاً من أشكال العنصرية والتعصب الأعمى ، ضد الآخرين ممن ينتمون إلى الديانات الأخرى. إن موقف هؤلاء السائقين من الركاب ، فى مطار " مينيابليس – سانت بول الدولى " ، يمكن أن تفتح الباب لسلسلة من الممارسات الأخرى فى المستقبل ، وليس فقط فى المطار ، بل فى عموم الولايات المتحدة . كأن يمتنع السائقين عن توصيل النساء اللاتى تكشفن عن أذرعهن أو شعورهن ، ويشترطوا أن ترتدى المرأة الحجاب أو النقاب حسب قناعتهم لكى يقوموا بتوصيلهن . ويضيف بابيس " قد يمتنعوا أيضاً عن نقل أزواج الرجال والنساء من غير المتزوجين . وبالمنطق نفسه ، يستطيعون الامتناع عن خدمة منْ يرتدى القبعات من الرجال ، وعن خدمة أتباع الهندوسية أو الملحدين ، والعاملين فى البنوك والمصارف ، على اعتبار أن هذه المصارف " غير إسلامية ". هل تريد " جمعية الأمريكان المسلمين " ، تطبيق الشريعة الإسلامية فى أمريكا ؟. لقد تعدت هذه الممارسات الولايات المتحدة ، إلى ملبورن فى استراليا . فى جريدة الرياض ، قرأت أن سائقى التاكسى المسلمون فى ملبورن ، قد رفضوا نقل الركاب الذين يحملون الخمور، واشتكى 20 ضريراً على الأقل ، من أن السلطات لا تنفذ الشرط القضائى ، الذى يلزم سائقى التاكسى والمطاعم والفنادق والمحال التجارية ، بقبول الكلاب المرشدة لفاقدى البصر. إن أعداد السائقين المسلمين ، ليست قليلة كما قد يتصور البعض . فى ملبورن وحدها نحو 2000 سائق . أما فى " مطار مينيابليس – سانت بول الدولى " ، قد تزايد عددهم إلى أنهم يمثلون ، ثلاثة أرباع السائقين والذى يبلغ 900 سائق. لقد قدم" نيل ساتش " ، المتحدث باسم رابطة سائقى التاكسى بفكتوريا ، التماسا لرجال الدين الإسلامى بإصدار فتوى ، تسمح لسائقى التاكسى من المسلمين بحمل الكلاب المرشدة ، والركاب الذين يحملون زجاجات الخمر المغلقة. إن سلوك " نيل ساتش " ، يدل على أن بعض رجال الدين أصبح لهم سطوة وقوة لإصدار الفتاوى ، التى تبيح أمراً ما أو تحرمه . لقد أصبحوا وسطاء بين الله والإنسان. ولم لا ؟. فنحن نعيش فى عصر كرنفال الفتاوى ، فتاوى من الداخل وفتاوى من الخارج. لقد قفزت هذه البلاد قفزات كبيرة ، لتتجنب الخلط بين الدين والسياسة ، فقد أدركت مدى فداحة هذا الخلط ، واستفادت من الدروس القاسية التى حدثت فى أوروبا عندما أريقت الدماء وسالت بحور الدم بسبب الجمع بين الدين والسياسة . لقد كانت القوانين المدنية ، هى الحل الذى حرر السياسة . وكانت الثمرة تقدماً وتطوراً هائلاً ومذهلاً فى شتى مناحى الحياة. لقد أبت هذه البلاد ، ألا تعود إلى الوراء ، لكن جمعية مثل " المسلمين الأمريكان " ، مازالت تعيش فى غياهب الماضى ، وتحلم بتطبيق الإسلامية فى بلاد الأمريكان . هل تريد جمعية " المسلمين الأمريكان " ، أن تسير على درب التوسعات الإسلامية ، فتحتل أمريكا وتتابع الزحف إلى أوروبا ، ومن بعدها استراليا ، وسائر بلاد العالمين ؟ . لقد عبر أحد الشيوخ المسلمين الذين يعيشون فى الولايات المتحدة ، أن البلاد الإسلامية فى مطاراتها ، تفتقد إلى مثل هذه القوانين التى تمنح السائقين المسلمين حق الامتناع عن توصيل الركاب الذين يحملون زجاجات مغلقة من الخمور فى حقائبهم ، لأنها لا تطبق الشريعة الإسلامية . هكذا رأى الشيخ ، فما كان منه إلا السعى جاهداً لتطبيقها فى بلاد الأمريكان ، أليس ذلك مضحكاً ومبكياً ، فى آن واحد ؟؟. إن الولايات المتحدة دولة تطبق القوانين المدنية ، وأغلبها مواطنيها ليسوا من المسلمين بل تتعدد دياناتهم ، وينص الدستور الأمريكى على حرية الاعتقاد ، فلا أحد يتدخل فى دين الآخر ، ولا يفرض عليه طقوسه الدينية أو تصوراته الدنيوية ، التى تتعلق بهذا الدين. لقد فتحت الولايات المتحدة أبوابها لأى إنسان مهما كانت ديانته ، وعلى كل فرد احترام الديانات الأخرى ، أما أن يفرض أصحاب ديانة معينة أفكارهم أو سلوكياتهم المستمدة من الدين على الآخرين ، فهذا ما يتنافى مع القوانين المدينة التى فى جوهرها لا تفرق بين الناس مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية ، أو الطائفية. وعلى الرغم من ذلك ، يطلع علينا بعض المسلمين المتشددين فى الولايات المتحدة وأوروبا واستراليا ، من حين لآخر ، ب " فتاوى الكراهية " . هؤلاء الذين يعيشون بأجسادهم داخل هذا العصر ، أما عقولهم فتهيم فى عصر آخر مضى ، نتمسك بأحكامه منتهية الصلاحية ، والتى تتعارض مع مصالح الناس ومنافعهم. إن القوانين المدنية فى الولايات المتحدة الأمريكية ، لا تفرق بين إنسان وآخر ، وهذا باعتراف كثير من المسلمين الذين يعيشون فيها لسنوات طويلة ، وهذه القوانين هى أكثر عدلاً وإنصافاً ، من تلك التى تحكم بها مجتمعاتنا الإسلامية. هناك وهم كبير يروج له ، أغلب المفكرين الإسلاميين ، وكذلك أغلب الناس من العامة فى العالم الإسلامى ، وهو أن هناك مؤامرة من الغرب للقضاء على الإسلام . وإذا كنا هنا نتحدث عن منطق المؤامرة ، فنحن – بهذه الممارسات العقيمة وبفتاوانا التى تشعل نار الكراهية وتنفى الآخر – نتأمر على أنفسنا وليس الغرب . إننا نتأمر على أنفسنا ، لأن كل ما نفعله فى حياتنا ، هو رد فعل أهوج وصدى باهت ، لما يحدث فى عالمنا . إننا نتأمر على أنفسنا ، لأننا قد أدمنا الدخول فى معارك شكلية ، لن تشبع جائعاً ، و تمنح عملاً لعاطل ، أو تنقذ مريضاً ، لا يمتلك ثمن العلاج. إننا نتأمر على أنفسنا ، لأن هذه هى النماذج الصارخة لمشكلاتنا التى تؤرقنا نحن المسلمون فى العالم الإسلامى ، كيف تتغطى النساء ، بالحجاب أم النقاب ؟ . كيف تصلى النساء ، بجوار الرجل أم أمامه ، أم وراء الأولاد فى الصفوف الخلفية ؟. التماثيل هل هى حلال أم حرام ؟ . كيف يجوز تقلد المرأة لرئاسة الجمهورية لأنها تحيض ؟. هل يجوز لسائق سيارة أجرة ، أن يحمل راكباً فى حقيبته زجاجة من الخمر ، وهل يجوز أن يحمل فى سيارته إنساناً ضريراً يلازمه كلبه ، الذى يستعين به ليرشده إلى الطريق ؟. هذه هى نماذج لقضايانا التى نمضى العمر كله ، نحارب من أجلها !. سنظل فى مؤخرة الأمم ، إذا كانت هذه هى مشاكلنا وقضايانا ، التى تؤرقنا ليل نهار، فنتراشق بالسب والقذف وأبشع الاتهامات ، كى يثبت كل طرف للآخر أنه على حق ، وأنه الوحيد الذى يفهم الإسلام الصحيح. إن تضخيم الأمور الصغيرة والتعصب لقضايا شكلية ، يدل على فقدان الثقة بالنفس والذات ، فالواثقون فى أنفسهم وفى عقيدتهم ، يتعالون فوق الصغائر ، ويحكمون العقل ويسيرون فى طريقهم ، دون النظر إلى الوراء . هل حان وقت اليقظة ، أم أننا نصر بهذه العقلية المتحجرة ، على الهرولة سريعاً تجاه الانتحار ؟؟. من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية ؟ " 2007 ----------------------------------------------------------------
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشرط الأوسط .. الشرع الأوسط .. الشرخ الأوسط الجديد ؟؟!!
-
النقاب أهو معركتنا الجديدة ؟؟؟؟.
-
اختلاف الفقهاء ليس رحمة ولكن تخبط
-
تنويعات على لحن الصمت العربى
-
الفكر الوهًابى الارهابى يجتاح مدارسنا
-
- أمى - وأنا فى مجتمع ذكورى
-
لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون
-
الكبت الجنسى وفشل مؤسسة الزواج
-
الزى الاسلامى وخطر السرطان
-
الزواج السياحى ....... نساء للبيع
-
ارهاب التيارات الاسلامية يخدر العقول
-
كيف تصنع ارهابيا ناجحا ؟
-
اطعام فقراء مصر من فضلات القمامة
-
افتراءات رجل ذكورى يدمن الجمود والتعصب
-
أقراص فياجرا أم صواريخ كاتيوشا !
-
غيبوبة لكل مواطن
-
أمركة العالم .. أسلمة العالم .. منْ الضحية ؟
-
مجمع الفقه الإسلامى و - زواج الفريند -
-
عقول ذكورية فى أثواب نسائية
-
- مختل - عقليا .. - محتل عقليا - نقطة واحدة فرق لكنها بحجم
...
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|