أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الموت في الفلسفة الإسلامية















المزيد.....

الموت في الفلسفة الإسلامية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7028 - 2021 / 9 / 23 - 12:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٨٨ - الموت والعدم في الفكر الإسلامي


الفكر الغيبي منذ بداياته الأولى استند إلى فكرة "العدم" ليبني مشروعه الأيديولوجي عن طريق ميثولوجيا "الخلق" وحدوث العالم وظهور الكائنات في لحظة زمانية معينة أختارها الكائن المطلق، ولكنه بعد هذه اللحظة المؤسسة للوجود بأسره، لحظة بداية الخلق، يختفي "العدم" بعد ذلك نهائيا من الحياة ومن الفكر، ويصبح "الموت" ذاته مجرد إنتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة، أي إنتقال من حالة وجود أرضي مؤقت إلى حالة وجود سماوي دائمة وأبدية.
المسلمون أهتموا منذ البداية بالموت وبفكرة الموت، وعالجوه بطرق مختلفة، داخل المنظور الديني واللاعقلي وربطوه بالإرادة الإلهية وفكرة عدم الكمال وكذلك بفكرة الثواب والعقاب، أي بفكرة البعث. وكلمة "الموت" وردت في القرآن 145 مرة مثلها مثل كلمة "الحياة" التي جاءت في القرآن بِنفس عدد المرات، ولكن يجب العلم أن عدد المرات هذا يشير إلى جميع المشتقات التي تخص كلمة الموت وليس مصدر الكلمة فقط، أما كلمة الموت في صورة المصدر قد جاءت حوالي 38 مرة. إن الفكر الإسلامي بشكل عام فكر ثنائي يفرق بين الجسد والروح، يتفق على أن الموت هو تحرر النفس من سجن الجسد، وهذا التحرر هو أمر بيد الله، لذلك لم تخضع فكرة الموت عند الفلاسفة المسلمين لذاتيه في الرأي بل انطلقت أفكارهم جميعا بالاعتماد على الفقه والشرع والقرآن والسنة، وكان الفلاسفة المسلمين حريصين على تدعيم آرائهم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأحيانا بالرجوع إلى حكم العقل والتسلسل المنطقي في الأدلة والإثباتات على شرط ألا تتناقض مع النصوص المقدسة، فالكل فان والله هو الحي الذي لا يموت، ولذلك نهى الفكر الإسلامي عن حب الدنيا ودعا للتفكير بالموت والمعاد لأنه المصير المحتوم وإرادة الله التي لا تساوم. والسعادة الأبدية لا ينالها الإنسان مع الجسد الفاني، بل لابد لنفسه أن تتحرر بـ "الموت الإرادي" قبل الموت الطبيعي لكي لا تفوته آلة كسب الطاعات وهي الجسد لتكوين رصيد ورأسمال من الحسنات يكفل له شقة أو فيللا فاخرة في الجنة وربما قصر من القصور إذا ما ربح في البورصة وثيقة الشهادة.
مثلما يقول ذلك الأعرابي الحكيم نقلَا عن الأصمعيّ، الأديب وعالم اللغة الشهير، الأعرابي الذي ابتدر الناس يومًا وصعد المنبر ثم قال: "أيها الناسُ! إنما الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقرّ. فخذوا من ممرّكم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم." أو ما قاله الحسين بن علي بن أبي طالب مخاطباً أنصاره يوم عاشوراء: « صبراً بني الكرام ، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم من البؤس والضرّاء الى الجنان الواسعة، والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟ ». أما الفيلسوف الكندي فإنه يوجه خطاباً للإنسان يحتوي نفس الفكرة الغيبية واللاعقلية : " أيها الإنسان الجاهل ألا تعلم أن مقامك في هذا العالم أنما هو كلمحة ثم تصير إلى العالم الحقيقي وتبقى فيه ابد الآبدين وإنما أنت عابر سبيل في هذا الأمر بإرادة ربك ". وهو يحاول أن يجد مبررا عقليا لضرورة الموت الذي يعتبره من خصائص الإنسان وقوانين الوجود التي فرضها الله بإرادته، ولذلك ليس على الإنسان العالم والواعي بذلك أن يحزن على موت الآخرين أو موته لأنه في نهاية الأمر " لولا الموت لما وجد الإنسان أصلاً ولتزاحم الخلق ولما وسعهم المكان بل لتدافعوا وتخاصموا على الحياة والسلطان وساد في الأرض العبث واللاتوازن وعمت الفوضى ولضاق العيش في المعمورة " ويستنتج بأن على الإنسان ان يقنع بمدة عيشه المحدودة وبذلك ليكون سعيداً، فان حزنه على فراق الدنيا لا يطيل عمرهِ بل يجعله منغص العيش، وليس في ذلك فائدة لهُ، بل عليه أن يستغل فترة حياته بان يعيش مسروراً ولا يحزن على ما فاته من المطلوبات والمحبوبات. أما الفارابي فإنه يشير إلى أن الكمال والدوام للموجود الأول - الله - أما النقص والموت فهو لسائر الكائنات، الموجود الأول هو السبب الأول لوجود سائر الموجودات وهو بريء من جميع نواحي ودلائل النقص التي تظهر فيما سواه. والموجود الأول لا يمكن أن يشوب وجودهِ وجوهرهِ أي عدم، والعدم لا يكون إلا فيما دون فلك القمر،ويشير إلى أن الوجود الحقيقي للإنسان لا يكون في هذه الدنيا، ذلك " إن وجود الإنسان الذي لهُ الآن ليس هو وجودهُ الطبيعي بل وجودهُ الطبيعي وجود آخر غير هذا " ويطرح فكرة تختلف نوعا ما عمن سبقه من الفلاسفة المسلمين، فيرى أن مفارقة النفس للبدن، ليست بالضرورة مفارقة بالمكان أو تلف البدن أو تلف النفس، بل معنى مفارقة النفس هو ألا تحتاج في قوامها إلى البدن المادي أو تحتاج في أفعالها إلى آلة الجسم، فالنفس إذا صارت هكذا صارت مفارقة للبدن سواء كان البدن حي ويحس أم لا. فالإنسان حسب نظرية الفارابي في مدينته الفاضلة، يستطيع أن يعيش الحياة الأبدية بالانعتاق من الحياة الزمنية بالفضيلة. ويتسير للمجتمع الحياة الفاضلة بقيام الإنسان الكامل حاكم عليها، ذلك أن المدينة الجاهلة التي يحكمها الإنسان الناقص مدينة يسودها التغلب والتنافس وترى السعادة في تحصيل البقاء في الحياة الدنيا باستغلال حياة الغير، لذا النفوس المتسافلة الدنيوية لا تحصل البقاء بعد الموت بينما الأرواح الخيرة المتعالية يأبى الله إلا أن تسبح في عالم الملكوت في خلود لا موت بعده. أما ابن سينا فيرى ان الموت هو قصور الطبيعة البدنية عن إلزام المادة صورتها وحفظها عليها بإدخال ما يتحلل، فالموت هو نظام متوجه إلى غاية هو فعل الطبيعة. ويرى ابن سينا انه لا يمكن أن يكون للجسم قوة غير متناهية، لان كل جسم قابل للتجزيء وكل قواه متناهية، أما النفس وتصوراتها العقلية فهي غير متناهية وهي مفارقة للمادة بالذات لأنها لا تكون في وضع ومقدار محدد وكل ما لا مادة لهُ فهو غير قابل للعدم. اذا النفس لا تشيخ مع البدن أو تموت كما أنها تستطيع تحمل ما لا يستطيع البدن تحمله، البدن قد يضعف إذا تعرض للمعقولات الشاقة، فالعين قد تعمى بالنور الساطع والسمع قد يصم بالصوت المرتفع، بينما النفس تستطيع التكيف مع الأنوار الإلهية. ويرى ابن سينا أن الأشياء المركبة ( جسم / نفس ) يجتمع فيها فعل البقاء وقوة الفساد في نفس الوقت، أما الأشياء البسيطة المفارقة فلا يجتمع فيها هذان الأمران، وهذا هو جوهر النفس التي ليس فيها قوة إلى الفساد. والنفس عند ابن سينا لا يتحقق كمالها إلا بالموت، والموت هنا يعني مفارقة النفس للانشغال بالبدن وذلك شأن المتصوفة والعارفين ويرى أن الأجساد لا تبعث مع الروح. الحياة إذا لدى أغلب الفلاسفة المسلمين ما هي إلا قنطرة وجسر ومعبر لعالم آخر، والموت هو البوابة في نهاية الجسر التي تقود إلى العالم الحقيقي حيث يتحرر الإنسان من قيوده البدنية والمادية كالشرور والآثام. وهذا التراجع الفكري عن تقبل فكرة العدم والخواء وتبخيس الحياة وإستبدالها بحلم الحياة الأبدية بعد الموت، راجع بطبيعة الحال إلى صعوبة إحتمال هذه الفكرة وكونها باعثة على القلق والألم واليأس والخوف من الفناء وهو ما يؤكده إبن مسكويه في" رسالة في الخوف من الموت" حين يقول «لما كان أعظم ما يلحق الإنسان من الخوف هو الخوف من الموت. وكان هذا الخوف عاماً، وهو مع عمومه أشد وأبلغ من جميع المخاوف، وجب أن أقول : إن الخوف من الموت ليس يعرض إلا لمن لا يدري الموت على الحقيقة، أو لا يعلم أين تصير نفسه أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحلّ وبطل تركيبه، فقد انحلّت ذاته، وبطلت نفسه بطلان عدمٍ ودثور، وأن العالم سيبقى موجودًا بعده وهو ليس بموجود فيه، كما يظنه من يجعل بقاء النفس وكيفية المعاد، أو لأنه يظن أن للموت ألمًا عظيمًا غير ألم الأمراض التي ربما تقدّمته وأدّت إليه وكانت سبب حلوله، أو لأنه يعتقد عقوبة تحل به بعد الموت، أو لأنه متحير لا يدري على أي شيء يقدُم بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلفه من المال والمقتنيات، وهذه كلها ظنون باطلة لا حقيقة لها" ويستمر الفيلسوف أحمد بن يعقوب الملقب بمسكويه في مناقشة مسألة "هاجس الموت" بصورة عقلانية في هذه الرسالة القصيرة، التي تبدأ بعرض تساؤلات الخائفين من عالم الموت وتنتهي بالإجابة التي رآها أكثر منطقية في سبيل ذلك. يرى مسكويه أن "الجهل" هو المشكل الأكبر، بل لعله أكثر إشكالا من الموت نفسه أمام جمهور من الخائفين، يقول: "أما من يخاف من الموت لأنه لا يعلم إلى أين تصير نفسه أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحلّ وبطل تركيبه فقد انحلّت ذاته وبطلت نفسه، وجهل بقاء النفس وكيفية المعاد، فليس يخاف الموت على الحقيقة، وإنما يجعل ما ينبغي أن يعلمه، فالجهل إذًا هو المخوّف إذ هو سبب الخوف .. " ليستنتج أن جهل "خلود" النفس هو سبب الخوف، وهذا الخوف هو الذي حمل الحكماء على طلب العلم أينما كان ويقول: «فلما تيقن العلماء ذلك واستبصروا به وهجموا على حقيقته وصلوا إلى الروح والراحة، هانت عليهم أمور الدنيا كلها، واستحقروا جميع ما يستعظمه الجمهور من المال والثروة واللذات الخسيسة ». وهذه التفرقة بين الروح والنفس والجسد هي الفكرة الأساسية المبنى عليها كل الصرح المعماري الغيبي، حيث الموت ليس شيئاً أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها المادية أي بدنها، والنفس - حسب المنظور الغيبي - جوهر غير جسماني، وبالضرورة فإنها أزلية وغير قابلة للفساد، وحين تغادر النفس جسدها، فإنها تصبح نقية وشفافة وسعيدة، ولا سبيل إلى فنائها، لأن الجوهر لا يفنى، حيث لا ضد له، وما لا ضد له لا يفسد حسب ما يقول مسكويه في رسالته.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة إلى فكرة الموت
- دوستوييفسكي والعبث
- القطيعة بين الفن والفلسفة
- عن العبث والحرية
- العلاقة بين العبث واللامبالاة
- نسبية العبث النظري
- براءة القاتل
- محاكمة القاتل
- نفس المواطن السيء الحظ
- الجريمة والعبث
- رواية الغريب
- كامو الغريب المنتمي
- شكوى مواطن سيء الحظ
- سعادة سيزيف
- ألبير كامو
- حبوب منع الملل
- كيفية الحياة في عالم يحتضر
- الحياة، حادثة مميتة
- الشاهد
- مسقط الرأس


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الموت في الفلسفة الإسلامية