محمد اياد بطل
الحوار المتمدن-العدد: 1648 - 2006 / 8 / 20 - 10:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أخيرا وبعد طول انتظار وضعت الحرب اللبنانية أوزارها وطوت صفحة جديدة من صفحات الصراع العربي الإسرائيلي, صفحة جديدة ملئا بالأرقام, أرقام الشهداء والجرحى والمنكوبين والجسور التي قطعت أوصال لبنان أكثر مما تقطعها النزاعات والزعامات!!
استمرت الحرب ثلاثا وثلاثين يوما أحرز فيها حزب الله انتصارات غير مسبوقة من جيوش سلاطين العرب الجرارة .
وانتصر أخيرا, انتصر لأن إسرائيل لم تستعد أسراها, وانتصر لأن إسرائيل لم تستطع أن تحقق أهدافها, وانتصر لأنه صمد ولأنه كان يدافع عن لبنان ولو كان يدافع عن غيرها لهُزم كما هزمت الجيوش العربية من قبله!!
الشارع العربي كان سعيداً بمنجزات المقاومة رغم كآبته وإحباطه ورغم معرفته أن التاريخ يجري بعكس إرادة العرب بل أن كل البدايات السعيدة ما هي إلا وهم وسينتهي نهايات مأساوية!! فانتصارات حزيران 1967 لم تكن أكثر من هزل إعلامي وكارثة, وانتصار تشرين 1973 العسكري كان هزيمة سياسية, وانتصارات الأيام الأولى من غزو العراق كانت وحلاً غرق فيه كل من شارك بالحرب ومازالت الهزائم تتكرر بكل مدني يموت ضحية الطائفية الحمقاء!! لكل تلك الهزائم كان الشعب العربي فرحا بإنجازات النصر اللبناني .
أما المثقف العربي فكان احد ثلاثة, فإما سعيد بمنجزات المقاومة التي عجزت عنها الجيوش, وإما صامت مع تحفظات كثيرة تجاه اغلب الأطراف, وإما حانق على حزب الله باعتباره (إسلامي-إرهابي) بكل ما يتبع هذا المنطق من شماتة وقراءات بائسة تحاول البحث عن أي هزيمة لحزب الله بين أنقاض الهزيمة الإسرائيلية!!
و الجديد في هذه الحرب فهو تلك الحالة من اللاجماع السياسي (الرسمي) على الحرب!! باعتبارها أول حرب تخوضها إسرائيل ضد دولة عربية والموقف الرسمي لا يتعدى الإشارة إلى ضرورة وقف النار!!
إلى حد يجعل السؤال لايكون:
لماذا لم تدعم بعض الأنظمة العربية حزب الله, إنما لماذا دعمت أنظمة عربية الحرب ضد حزب الله !؟ بل وقبلت (ضمنا) أن تكون الخسائر اللبنانية مجرد كلفة للتخلص من هذا الحزب!!
على الرغم من أن انتصار الحزب (مهما اختلفنا حوله) يمكن أن يُستفاد منه كورقة مهمة في المفاوضات العربية الإسرائيلية فمن المعروف (عند غير العرب) أن نتائج الميدان تحصدها السياسة!!
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من مناقشة ثلاثة أبعاد اثنان منهم مكشوفين ويجري البحث بهم علناً والثالث ما زال بعيدا عن ساحة الجدل السياسي إلى وقت قريب.
أولا البعد الطائفي
ليس بالخفي أن جذور هذا البعد في التعامل مع حزب الله وإيران ككل هو وليد طرح الخميني لمفهوم "تصدير الثورة" والفوبيا التي دعمتها وغذتها الحكومة الأمريكية في نفوس زعماء الخليج من خطر المد الشيعي ومطامع إيران في المنطقة إلى مرحلة وضعت فيها أمريكا حليفها السابق (صدام حسين) في صدام مباشر مع إيران في حرب كلفت كلا الطرفين خسائر كبيرة على جميع المستويات ضمن خطة ما كان يُعرف بالاحتواء المزدوج لإيران والعراق !!
كما أن نظرية وجود حزب الله كقوة شيعية في لبنان بالإضافة للقوى الشيعية في العراق سيشكل خطرا كبيرا بالمستقبل, ستكون معقولة إذا أهملنا أن حزب الله اثبت خلال فترة نشوئه وصراعه مع العدو الصهيوني انه الأقل طائفية بين أقرانه المتصارعين على الحلبة السياسية في لبنان واثبت انه حركة مقاومة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى بل ولم يدعم (ولو معنويا) أي طيف شيعي في العراق ولم يساهم في أي مشروع طائفي في المنطقة على عكس قوى لبنانية أخرى لا تخفي استعدادها للتحالف مع الشيطان في حال استطاعت ذلك وهي اخطر على لبنان من أي مخاوف أخرى!!
أما شيعة العراق فأمامهم الكثير قبل أن يصبحوا قوة ذات تأثير خارج العراق بالنظر إلى الصراعات الداخلية بالعراق وباعتبار أن الطائفتين السنية والكردية لن تقبلا بوجود هذه القوة, أو ستخدث معها توازن يخفف اثرها خارجيا أو يعدمه, هذا بغض النظر عن اختلاف الشيعة أنفسهم إلى أكثر من تيار داخل العراق!!
والأهم في فكرة المد الشيعي أو تصدير الثورة وما يجعلها مجرد أحلام أطلقها الخميني ووهم عاشه الخليج العربي هو أن الزعماء العرب يعرفون تماما انه وفي الوقت الذي كانت تحذر فيه أمريكا من المد الشيعي والمطامع الإيرانية في المنطقة كانت تزرع المنطقة كلها بالبوارج والقواعد الأمريكية!!
ومهما كانت مطامع إيران في المنطقة لن تكون بحجم المطامع الأمريكية التي لا تنتهي!!! ولم يصح حتى الآن أي مؤشر عن وجود مثل هذه الأطماع وإذا كنا سنقول بأنهم ينتظرون الفرصة المناسبة لينقضوا فلا داعي للقلق لأنهم في المستقبل لن يحظوا ولا بفتات حتى من الكعكة العربية التي أكلتها المصالح الأمريكية وشبعت!!! وإدراك هذه الحقيقية يجعل البعد الطائفي الأقل تأثيرا في حسابات النظم العربية.
ثانيا: المقاومة
يجري أيضا في هذا السياق الحديث عن المقاومة كمفهوم يتعارض مع التوجه العربي الرسمي, فالمقاومة تشكل إحراجا لهذه الأنظمة أمام شعوبها وتشكل عائقا أمام أي اتفاق أو سلام ممكن تحقيقه مع إسرائيل وبالتالي فالقضاء على هذه المقاومة سيكفي الأنظمة العربية حرجها أمام شعوبها وأمام إسرائيل نفسها التي تتهم هذه الأنظمة بعدم قدرتها على القضاء على المقاومة (رغم كل ما قدمه الأردن مثلا والسلطة الفلسطينية في هذا المجال).
وهذا البعد مهم ويحتل مرتبة متقدمة في حسابات الأنظمة العربية ولكنه من الممكن أن يجعل هذه الأنظمة تناضل في الخفاء وبشكل غير معلن للقضاء على المقاومة, ولا تسفر عن وجهها القبيح بالسكوت عن العدوان الإسرائيلي طوال الفترة الماضية دون أي ردة فعل ولو كانت شكلية, وخصوصا أن حزب الله غير محسوب على أي من هذه الأنظمة (باستثناء سوريا) ليشكل وجوده إحراجا لها وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة للقضاء عليه إلى هذه الدرجة!!
ثالثا: شرق اوسط جديد
قد يبدو الحديث دائما عن مستقبل المنطقة, وما تتناقله الصحف بين هنا وهناك من تسريبات عن خرائط للشرق الأوسط الجديد الذي صدعت رؤوسنا بميلاده ومخاضه الولايات المتحدة الأمريكية, لا يخص إلا شعوب المنطقة ولن يجلب الدمار والبؤس إلا عليها متناسين تماما أن الأنظمة أيضا معنية بهذا المستقبل, وان مستقبل وجودها وديمومتها في مشروع الشرق الأوسط الجديد هو الذي يحتل المرتبة الأولى في تفكيرها و تعاملها مع كل القضايا والملفات, فمثال صدام حسين ليس بالبعيد وصور محاكمته تؤرق نوم الكثير من حكامنا بل أنهم اليوم أمام مرحلة جديدة كليا في التعامل مع السياسة الأمريكية, فسياسات تبادل المصالح لم يبق أي مكان لها لأن المنطق الوحيد هو المصالح الأمريكية في المنطقة والعلاقة بين هذه المصالح وإسرائيل علاقة عضوية, والأنظمة الموجودة إما أن تنصاع لهذه المصالح دون نقاش أو أن القضاء عليها هو اقل ما تفكر به أمريكا خصوصا وأنها أنظمة استبدادية بالية قضت مهمتها في الفترة الماضية وأصبحت الحاجة ملحة لتغييرها من وجهة النظر الأمريكية وهذا هدف يتلاقى مع إرادة الجماهير وبالتالي فأنظمتنا أمام طريق واحد, وهو البقاء اكبر قدر ممكن أو حتى إقناع الإدارة الأمريكية بصلاحيتهم للمرحلة الجديدة!!
لكل ما سبق فان دعم الحرب ضد حزب الله لم يكن خياراً لدى هذه الأنظمة بل كان الطريق الوحيد وكل ما نشهده –وسنشهده – في المرحلة القادمة سيكون أسوأ على مستوى ردات فعل الأنظمة وإذا كان حزب الله قد انتصر فقد هزمتنا أنظمتنا وانتقلنا من مرحلة السكوت العربي إلى مرحلة التآمر العربي!! فرحم الله أيام العز, أيام الشجب والتنديد!!
#محمد_اياد_بطل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟