|
المجتمع المدنى وحرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7024 - 2021 / 9 / 19 - 01:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
---------------------------------------------------------------------------------- كان الاعلان الرسمى للرئيس السيسى منذ أيام ، أن 2022 ، هو عام المجتمع المدنى ، بعد مبادرته بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان ، احدى الضربات الأخرى القاتلة ، الموجهة ، ضد أعداء المجتمع المدنى ، والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ، فى مصر . وهم كثر . ونجد أن حديث الرئيس السيسى ، مؤخرا ، عن " حرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد " ، أمر متسق ، مع اقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة . و كان حريصا على أن يختم به قائلا : " كل واحد حر .. يؤمن بالعقيدة أو لا يؤمن ". أليس هذا اصابة فى مقتل ، للوصايا الدينية ، المفروضة علينا ، منذ زمن طويل ؟؟. أليس هذا هو معنى " المواطنة " ؟؟. أليس هذا هو ، الترجمة الواقعية لمبدأ وشعار ثورة 1919 ، " الدين لله والوطن للجميع "؟. وأنا أعتقد أن رفع الوصايا الدينية ، ورفع الوصايا العقائدية ، عن أديان موروثة، لم تعطنا فرصة للاختيار ، هو النافذة المغلقة التى لابد أن نفتحها ، لكى نتخلص من التعصب ، والارهاب الدينى من جذورهما . ماذا يعنينى أنا ، كمواطنة مصرية ، اذا كان عم ابراهيم ، صاحب السوبر ماركت ، الذى أشترى منه ، الشاى ، والبسطرمة ،و الجبن الأبيض ، والزيتون الأسود المخلى ، والبن المحوج الفاتح المخصوص ، مسلما ، أو مسيحيا ، أو يهوديا ، أو لا يتبع ديانة أرضية مثل البوذية أو الهندوسية ؟؟. كل حقوقى ، على عم ابراهيم ، هى أن يبيع لى ، الشاى ، والبسطرمة ، والجبن الأبيض طازجا ، والزيتون الأسود المخلى ، من برميل نظيف ، والبن المحوج خاليا من الشوائب ، بالأسعار المعتمدة فى السوق . وهى حقوق ، ليس لها علاقة ، على بالديانة ، التى ورثها ، أو اختار التحول لها ، أو بعدم الانتماء لديانة معينة . والمواطنة المصرية ، التى تعمل بالطب ، مثلا ، عليها أن تلتزم بقسم أبقراط ، الذى يلزمها بتقديم الطب ، كرسالة سامية ، وليس كمهنة للتجارة ، والربح ، على جثث المرضى . وهذا واجب وطنى انسانى ، لا ينقصه أو يزيده ،أن تكون الطبيبة ، مسلمة شيعية ، أو مسلمة سنية ، أو لا دين لها . وماذا يفيدنى أنا ، لو كانت جارتى ، ملحدة ، أو يهودية . كل ما يهمنى ، ألا تنتهك أخلاقيات الجيرة ، فلا تلقى بالقمامة والنفايات أمام شقتى ، ولا تزعجنى بالأصوات العالية ، ولا تتطفل على خصوصية بيتى بالبحلقة ،والنميمة ، ولا تكون عقبة أمام التعاون ، لصالح العمارة ، اذا لزم الأمر . اذن فى المجتمع المدنى ، وبين جميع المواطنات ، والمواطنين ، نحن لا نحتاج ، فى كل المجالات ، الا لمعايير " الكفاءة " ، و " الالتزام بالقانون " ، و" حقوق الانسان " ، و " النزاهة " ، و" الأمانة " ، و " الذوق " ، و" الأدب " ، و" حسن المعاملة " . منذ أيام ، سألت احدى معارفى ، عن طبيب أسنان " كويس " . قالت : " كان فيه واحد شكرولى فيه شاطر هايل ممتاز نابغة عصره .. مش جشع زى الدكاترة التانيين ... مواعيده مضبوطة بالثانية ... وعيادته فى منتهى النضافة ، والترتيب .. بس مصيبته انه ملحد ملوش مِلة ولا دين .. يا خسارة الحلو ميكملش ". قلت لها : " أريد عنوانه "؟. قالت : " ده ساب البلد وهاجر ". يؤسفنى القول ، بأن الارهاب ليس فقط ، الذى يحمل أسلحة ، ويسفك الدماء ، ويذبح وهو يردد : " الله اكبر ". . لكن هناك ارهابا ، مغروزا فى الوجدان ، وفى النفوس ، وهو فعلا الأكثر خطورة . واذا كانت احدى معارفى ، " القاهرية " ، قد واصلت التعليم ، حتى درجة الدكتوراة ، وكل سنة تسافر الى الخارج ، وتقول : " مصيبته انه ملحد ملوش دين "، فما هو حال الألآف ، بل الملايين ، غير المتعلمين ، فى القرى ، وفى الأقاليم ، والمدن ، المنغلقة ، والذين يتابعون الفتاوى الدينية المتعصبة المتطرفة السلفية الاخوانية ، التى تريد تمهيد الأرض لمجتمع دينى ، ودولة مدنية ؟؟. ما معنى " مصيبته انه ملحد ملوش دين ؟ " . لقد أعطت هذه المرأة نفسها الحق فى محاكمة الطبيب ، " النابغة " ، " غير الجشع " ، " النزيه " ، " الهايل "، فى مهنته . وبعد محاكمته ، تقول : " مصيبته أنه ملحد ملوش دين ". وهى تناقض نفسها ، لأنها تقول : " مصيبته " . اذن الحاده ، أو لا دينيته ، " مصيبته " هو وليست مصيبتها هى ، أو مصيبتنا نحن المرضى الذين نذهب للعلاج عنده ، للاستفادة من نبوغه ، ومهارته ، ونزاهته ، وحسن معاملته . وهو حر تماما فى الأفكار، والفلسفة ، والعقائد ، التى يريد الانتماء لها . طالما أنه لا يؤذينى ، ولا يضرنى ، ولا يستغلنى ، ولا يتعدى على أفكار ، وفلسفة ، وعقائد الآخرين . كل انسان حر تماما ، فى أى " مصيبة " ، يؤمن بها ، طالما أنها " محبوسة " داخله ، لا يسمح لها بالتدخل فى حياة الناس ، وافساد حرياتهم ، ومحاكمتهم أخلاقيا ، ونبذهم اجتماعيا ، وثقافيا ، واعلاميا . الأمر الآخر ، أن هذه المرأة ، جاهلة تماما ، ولا تميز الفوارق بين الأشياء ، مثل الكثيرين ، حتى الذين يعملون فى مجال الثقافة ، والاعلام ، ويعتقدون أنهم جهابزة الفكر ، ورواد التنوير . ان " الالحاد ، أو " اللادينية " ، ليست تهمة دينية ، وليست ادانة ثقافية ، وليست جرما جنائيا ، وليست اضطرابا نفسيا كما قالت احدى الباحثات ، وليست اعوجاجا فى الفكر كما قالت احدى الاعلاميات ، وليست وصمة عار تستحق الاهانة أو السخرية . " اللادينية " ، أو " الالحاد " ، موقف فكرى ، وسياق فلسفى ، وطريقة مختلفة ، لفهم الوجود ، وتفسير الظواهر الكونية ، واعادة صياغة التساؤلات ، وعلاقة الانسان بالحياة ، وبنفسه ، وبالعالم المحيط به ، ومرجعية الفضائل والأخلاق ، و الحرية الانسانية . و كم أندهش ممنْ يعملون فى المجال الاعلامى ، الذين يجهرون بمفاهيمهم المغلوطة ، عن " الالحاد ، أو " اللادينية . بل ويعطون أنفسهم دون مبرر ، الحق العلنى لسب ، واهانة ، والسخرية من غير المؤمنين مثلهم ، وينظرون اليهم كأنهم كائنات فضائية غريبة شاذة ، نزلت الأرض لاشاعة الفساد ، والضلال ، و الفتنة ، والبلبلة ، وازدراء الأديان ، والاساءة الى الايمان . ويتمادون أكثر ، فيطالبون المجتمع ، بالتخلص منهم بأى شكل ، ومحاكمتهم ، وابادتهم ، وتصفيتهم ، قبل أن يبثوا سمومهم ، وينجح مخططهم الشيطانى . ليس هناك أسوأ ممنْ يتصور أنه " على حق " ، وأنه بالديانة الموروثة ، أفضل ، وأصلح ، من ناس لهم أديانهم الخاصة المختلفة ، أو آخرين اختاروا الفكر اللادينى ، بل ويحاكمهم دينيا ، وأخلاقيا ، ومجتمعيا . أحلم أن يأتى عام 2022 ، وقد تخلصت مصر ، من المرض العضال المزمن ، وهو الوصايا الدينية ، والتربص العقائدى ، والمطاردة الاسلامية ، والتلصص على تفاصيل حياة الناس باسم الدين ، و الشرائع السماوية ، وتقديس " القهر " منذ الميلاد وحتى الموت ، باسم ثوابت الاسلام . أتمنى أن تتحول حرية العقيدة ، الى أفعال مثل ازالة خانة الديانة ، واقرار قانون أحوال شخصية مدنى للجميع ، زواج وطلاق ومواريث ، وأن نمحو كل الممارسات غير العادلة ، ذات الجذور الدينية مثل " شهادة المرأة نصف شهادة الرجل " ، وأن نتنفس هواء الدولة المدنية ذات المواطنة الشاملة . ولا يجوز مع هذه الدولة ، الابقاء على قوانين للعقوبات تميز بين الرجل والمرأة ، لصالح الرجل ، مثل عقوبة فعل الزنا ، وعقوبة فعل الدعارة . لنبدأ فعلا فى هجر الحلول الترقيعية ، وامساك العصا من المنتصف ، واتخاذ قرارات مرتعشة جزئية ، لا تؤدى الا الى اعادة انتاج أفكار الدولة الدينية ، بأشكال ترتدى أزياء عصرية ، لكنها هى صلب وجوهر المنظومات الدينية . ولهذا السبب أنا أفضل أن نستبدل تعبير " المجتمع المدنى " ، بتعبير " الدولة المدنية ". فالدولة هى المحيط الأكبر ، والعنوان الرئيسى ، للوطن ، والتى يجب أن يتوافر فيها الثبات والاستقرار ، على " أساسيات " الحركة والتوجه . لكن المجتمع يمكن التحول ، والتغير من فترة لأخرى . فيمكن أن يحدث المجتمع الدينى ، أو مجتمع نصف الدينى نصف المدنى ، ويمكن أن تطرأ تغيرات اجتماعية وثقافية ، من فترة الى أخرى ، حسب الظروف السياسية والاقتصادية ، ووفقا للمناخ الثقافى العام ، وتوازنات القوى المختلفة . ولهذا فان " المدنية الديمقراطية الحديثة " ، و" المواطنة الكاملة " ، و " تحقق حقوق الانسان والانسانة المدنية " ، و" ممارسة حريات البشر الشخصية " ، كلها أمور ، نريد لها الثبات والاستقرار للدولة المصرية على مدى عصورها ، وألا تمس بأى حال من الأحوال ، و ألا تصبح " ريشة فى مهب الريح " ، تحت أى حكم سياسى ، أو ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية معينة . -------------------------------------
-
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- رَجُلْ - أهم وأجمل وأرقى من الحب قصة قصيرة
-
راحلة فى - الخريف - الى حضارة - البحر - و زمن - الماء -
-
الانسان أهم من رأس المال
-
السيد درويش البحر .. اسرار وعنفوان وطزاجة وخلود - البحر-
-
الفقر والمحتل الأجنبى وسُلطات الذكور
-
السنبلة الممتلئة بالقمح
-
القٌبلة اختصار
-
هيا يا مصر افعليها ولا تخافى خفافيش الليل وخفافيش النهار
-
عقليات وأخلاق بعض أصحاب التعليقات على الكُتاب والكاتبات
-
أربع قصائد
-
كلمات الرئيس السيسى عن اعادة التفكير فى المعتقد الدينى
-
قصة حب ترقص على ايقاعات المستحيل
-
أسلمة أوروبا وخدعة فصل الدين عن الدولة
-
قصيدة ما أحتاج اليه
-
تدوس على الخطوط الحمراء ولا تشرب من كوكتيلات الترقيع
-
السيطرة على - ألم البشر والسيطرة على - حرية - البشر
-
قصيدة نختبئ تحت الغطاء
-
ثلاث قصائد
-
- أسلمة - الموجة الحارة بضاعة فاسدة قاربت على الافلاس
-
أديب يكتب لنا من تحت التراب
المزيد.....
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
-
الضربات الجوية الأمريكية في بونتلاند الصومالية قضت على -قادة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|