|
عالم يحكمه الجشع
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 7023 - 2021 / 9 / 18 - 14:44
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
نهاد أبو غوش كشفت جائحة كورونا عن هشاشة النظام الصحي المنبثق من النظام الاقتصادي الاجتماعي العالمي القائم على حرية راس المال في البحث عن الارباح، وحرية المراكز الرأسمالية الاستعمارية في نهب خيرات دول المحيط، ومن بينها الدول العربية والشرق أوسطية كافة، واستنزافها وإبقائها ترسف في قيود الجهل والتخلف والتبعية، وحرمانها من كل ثمار التقدم العلمي والتكنولوجي، مع الاستغلال المفرط لثرواتها الباطنية واتنزاف ما حبتها به الطبيعة وحرمان الاجيال القادمة من كل هذه الثروات وخاصة البترول، ثم استباحة اسواق هذه البلدان تحت العنوان الخادع ""حرية التجارة". أدت سياسات النهب الرأسمالي إلى تدمير بيئة كوكب الأرض وتهديد مستقبل الحياة البشرية فيه، كما أدت إلى اتساع الفوارق المادية والعلمية والاقتصادية بين دول الجنوب والمستعمرات السابقة من جهة ودول الشمال الرأسمالي، وهو ما بدا بشكل فادح وفاضح عند انتشار جائحة كورونا حيث تبدو دول الجنوب عاجزة تماما عن توفير اللقاحات لسكانها. صحيح أن الجائحة لا تفرق بين غني وفقير على مستوى الأفراد، وأنها اصابت دول الغرب الرأسمالي قبل غيرها، لكن انتشار الجائحة بات قابلا للسيطرة والاحتواء في الدول الرأسمالية الرئيسية، ويهدد بانفلات لا سابق له في دول الجنوب وخاصة في افريقيا. يلخص مدير عام منظمة الصحة العالمية، الاثيوبي تيدروس ادهانوم جيبريسوس هذه المعضلة بالقول أن نحو 15 في المائة من دول العالم يحوزون أكثر من نصف اللقاحات المنتجة، بينما نصق سكان العالم يحصلون على 17 في المائة من اللقاحات، وما لم يقله جيبريسوس ونعرفه جميعنا أن دولة مارقة مثل اسرائيل حصلت على أكثر من حاجتها من اللقاحات من مختلف الاصناف والشركات، ثم عمدت إلى تقديم "عينات" وكميات رمزية من اللقاحات لأصدقائها من الطغم الحاكمة في العالم الثالث كإحدى أدوات السياسة الناعمة مقابل مواقف سياسية داعمة لسياسات الاحتلال. من نافل القول أن غياب الديمقراطية والشفافية وحرية الإعلام فضلا عن غياب أجهزة الدولة الفعالية، غيّب حقيقة الإصابات الحقيقية وأعداد الوفيات نتيجة جائحة كورونا في العالم الثالث بما فيها معظم دول العالم العربي، وبالتالي فإن الأرقام المنشورة لا تعكس إلا مقدارا ضئيلا من الحقيقة. حتى مبادرة كوفاكس التي اطقتها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا، لإتاحة اللقاحات باسعار رمزية او مجانا للدول الفقيرة، سرعان ما جرى التراجع عنها وتم تقليص حصة افريقيا بنحو 25 في المائة من الكميات المفترضة وهو ما يعني مزيدا من الوفيات في صفوف الفقراء والأشخاص الذين تعجز دولهم وحكوماتهم عن توفير اللقاحات. المعضلة الرئيسية في الأنظمة الصحية السائدة في العالم تكمن في أن الطب والعلاج مثلها مثل سائر ميادين الحياة البشرية، كالرياضة والثقافة والسياحة والفن وحتى الدين والعبادات، باتت ميادين للاستثمار التجاري والربح، فالعلاج والطب متاحان لمن هو قادر على الدفع وليس لمن يحتاجهما، وهكذا تسخر كل إبداعات البشرية وإنجازاتها العلمية لخدمة الأغنياء ويحرم منها الفقراء ومحدودي الدخل. تنطبق الحقيقة السالفة الذكر على مجالات استثمار وتطور قطاع الصحة، فالاستثمارات الرئيسية تأتي في تقنيات ومهارات العلاج والدواء والمستحضرات الطبية، وبناء المستشفيات مع خدمات الخمس نجوم الفندقية، بينما لا يتم استثمار الأموال والموارد الكافية على الطب الوقائي والحد من انتشار الأوبئة والأمراض، أو في تحسين البنى التحتية وإيصال مياه الشرب النظيفة وشبكات الصرف الصحي، وكأن المرض بحد ذاته هو نعمة من نعم المجتمع الرأسمالي يتيح للمستثمرين في هذا القطاع التربح منه. كما أن الإستنزاف المفرط للبيئة والإخلال بتوازنها القائم منذ ملايين السنين، بالإضافة إلى الأساليب المصطنعة لزيادة الانتاج وتعظيم الربح بما في ذلك استخدام الهرمونات والمنشطات في الزراعة والانتاج الحيواني وتصنيع الأغذية، كل ذلك ادى إلى نشوء طفرات جديدة من الفيروسات التي لم يعرفها العالم من قبل. ما زالت بعض الدول التي ترفض التقسيم الدولي الحالي القبيح للعمل والموارد والاسواق، ترفض صيغة الجشع والنهب الاستعماري السائدة في مجال الصحةن وقد اطلقت مؤخرا دول مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) نداء نيودلهي لتوفير لقاحات رخيصة للدول الفقيرة، اي للمستحقين وليس للقادرين على الدفعن ترافق ذلك مع قيام الصين بافتتاح مصنع لانتاج اللقاحات في صربيا لتغطية حاجة دول البلقان وهو ما يمكن ان يتكرر في دول عربية وشرق اوسطية فينقذ حياةمئات الملايين من البشر.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضغوط إسرائيلية خشنة وناعمة لتهبيط سقف المقاومة
-
الاستهداف الدائم لغزة ومقاومتها
-
عن سبل إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها
-
تحرر أسرى جلبوع يعزز خيار المقاومة (3)
-
الأسرى في عيون إسرائيل: اتفاق أوسلو أهملهم (2)
-
الأسرى الفلسطينيون في عيون إسرائيل: قتلة مخربون أم طلاب حرية
...
-
التذبذب الحاد في مزاج الناس: من النقيض إلى النقيض
-
أعظم من خلاص فردي (2)
-
أكبر من هروب .. أعظم من خلاص فردي
-
يليق بنا الفرح كما تليق بنا الحرية
-
في بطولة الهروب الكبير للحرية
-
مسيحيو الشرق والتنوير: حالة فلسطين (1)
-
الأولوية لترتيب صفوفنا وأوضاعنا الداخلية
-
المرأة الفلسطينية والاضطهاد الثلاثي المركب
-
الانتهاكات المضاعفة للحريات
-
المصالحة الفلسطينية والاستفادة من التجارب الدولية
-
المركزية غير الديمقراطية
-
جبل البابا
-
خيري منصور: ثورة فن المقالة الصحفية
-
تراجع الفصائل الفلسطينية وحضور لافت للحراكات
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|