|
أوجلان فوبيا
بولات جان
الحوار المتمدن-العدد: 1647 - 2006 / 8 / 19 - 10:24
المحور:
القضية الكردية
كم كنتُ اسخر من عقلية الطفل عندما كنا نعتقد بأن الأتراك يقصفون قوس القزح كونه يبدو بألوان الأحمر و الأخضر و الأصفر الألوان الوطنية للشعب الكردي. فهل من المعقول أن يحارب الأتراك ظاهرة طبيعية كونها ترسم العلم الشعبي للقومية الكردية؟ مرت السنون و انخرطت في صفوف الثورة الكردستانية، بعد سنين طويلة من النضال عدت و سخرت من سخريتي لعقلية الطفل التي كنتُ اعتقد بأن الأتراك يقصفون قوس قزح، كوني رأيت بأن السلطات التركية قد خرجت عن العرف السائد للكرة الأرضية في إشارات المرور في الشوارع! نعم نعم، نعرف جميعاً بأن الألوان الثلاث لإشارات المرور في جميع شوارع العالم هي الأحمر و الأصفر و الأخضر(و من سوء حظ الغلاة الترك بأن مبدع إشارات المرور لم يكن يعلم بأنه يستخدم –وقد تكون صدفة- الألوان الكردية المقدسة). و لكن السلطات التركية لم ترضى بذلك و قامت بوضع ألوان أخرى كي لا يشعر السائق الكردي آو الراكب الحنين على ألوانه الوطنية. حينما رأيت ذلك اقتنعت بأنه ليس مستبعداً أن يقصف الأتراك لقوس قزح أو أن يغيروا ألوانه حتى لا يرفع العلم الكردي على الغيوم الرقيقة. لم يتخلص الأتراك من فوبيا أسمها (الكرد) حتى ظهرت له فوبيا جديدة من فوبياهم السابقة ألا و هي فوبيا أسمها (أوجلان). الاسم و الشخص و الصورة و الفعل الذي قضى مضاجع حكام تركيا و حلت كالكابوس عليهم. باتت هذه الظاهرة الجديدة الممائلة لقوس قزح بالتعاظم و الاتساع حتى أودت بحكام تركيا للاستعانة بربيبتها أمريكا و شقيقتها إسرائيل و الدول الاستعمارية الأخرى وتمرغت تحت أقدامهم كي يساعدوها في القضاء على هذه الظاهرة القوس قزحية التي لا تظهر بعد المطر فحسب، بل في الليل و النهار و الصيف و الشتاء و في اليقظة و المنام. هذا الخوف أو الرهاب (فوبيا) حسب الطب النفسي ليس نابعاً من خوفهم من فرد أسمه أوجلان، بل أن هذا الاسم، أي أوجلان و هو أسم تركي بحت مركب من كلمتين تركيتين تعنيان (الآخذ بالثأر، بعني المنتقم) بالإضافة إلى كونه مرادف لقيام أمة كردية من الجدث و النضال لأجل الحرية... كيف هذا و الحكام الترك مع الحكام في سوريا و إيران و العراق مستعدين للعيش تحت الانتداب الأمريكي أو الإسرائيلي أو حتى الياباني على قيام كيان أو قيام قائمة لأسم كردستان. فهم ليسوا مخطأين حين يصرحون بأنهم لن يقبلوا بشيء أسمه كردستان حتى ولو كان في أقصى أقاصي القارة الافريقية. لكننا بتنا نلاحظ بأنهم مستعدين حتى الرضوخ لقيام شبه كيان بأسم كردستان و لكن يبقى فوبياهم الأكبر حالياً هو أوجلان! أوجلان الذي تكالبت عليه عظمى دول العالم لإعتقاله و القذف به إلى الغلاة الاتراك القوميين كي يقطعوه أرباً ارباً و يشفوا غليلهم المرضي و يطفؤا النار المأجج في أحشائهم صارخين فيه: " من أنت حتى تقود أتراك الجبال الهمجيين للمطالبة بالحرية؟". و رغم كل نداءات أوجلان لأجل السلام و الوحدة الحرة و الديمقراطية و نبذ الانفصال و نضاله الحثيث لجعل الحركة التي يقودها تقوم بتغيرات استراتيجية وفق ما تتطلبه الاتحاد الحر و بناء الجمهورية الديمقراطية التركية و رغم كل النوايا الكردية الحسنة و تقربهم الصميمي من هذا المشروع وقفهم للكفاح المسلح مدة ستة سنوات إلا أن المرض العضال للحكام الترك أعماهم عن رؤية كل ذلك كونهم لا يفقهون و قد أصموا عن سماع صوت الحق و تشربوا بالعدائية للشعب الكردي و قادته و مناضليه و خاصة أوجلان. أوجلان الذي درس على مقاعد هذه الدولة و تخرج من جامعاتها و قام بأكبر ثورة كردية ف يالتاريخ الحديث ضد اكبر دول العالم عسكرياً، لذا فإن أوجلان بات فوبيا ابدية للحكام الترك و لن يتخلصوا من مرضهم هذا في هذا العقد على الأقل. تركيا مستعدة لبيع نفسها لأية دولة مقابل كتم أي صوت خجول مساند أو متعاطف مع أوجلان و حركته، فهي مستعدة للتخلي عن حلمها في الانضمام إلى الاتحاد الأوربي و أن تتخلى أن الإصلاحات المنوط بها و أن تصادر كل الحريات و القوانين الشبه ديمقراطية و أن تعلن حالة طوارئ قاتمة على كل شعب تركيا وأن تغيّر دستورها و كل قوانينها حتى لا تسنح لأوجلان بالتنفس. و ما حدث قبل ايام في العاصمة العراقية بغداد كان تكراراً لنفس السيناريو القديم إنطلاقاً من مقولة الحكام الترك الاسطورية : " لن نسمح به حتى ولو كان في أفريقيا. بل حتى ولو كان في القمر أو في المريخ أو حتى في مجرة أخرى" فأنا متأكد أنه لو كان هناك شيء بأسم كرد، كردستان و بالأخص أوجلان في القمر لشنت تركيا حرب نجوم بالمكوكات و الصحون الطائرة. و الموضوع الذي اسطر لأجله هذا المقال هو قيام حكومة نوري المالكي و برعاية المام جلال و مباركة الكاك مسعود بإغلاق مؤسسة ثقافية عراقية و الأمر بأعتقال كل أعضائها- و الحمد لله أنه كانوا في عطلتهم الصيفية- و قد أُرسل لهذه العملية العسكرية الخطيرة أكثر من مائة فرد من الأمن المدججين بالألسلحة و السيارات المصفحة. و كأن هنالك من سيقاوم حتى الرمق الأخير داخل تلك المؤسسة الثقافية، و كم كانت خيبة ضباط الأمن حينما رءوا بأن أعضاء المؤسسة في عطلتهم الصيفية يستمتعون بأجواء السليمانية الباردة. لأول مرة ينبذ فيها كل الطوائف و التكتلات السياسية في العراق لأختلافاتها السياسية و الطائفية و الانتمائية و العشائرية و اللهجوية، فلم يعد هنالك خلافات بين أكراد الكاك مسعود والمام جلال و ساسة الطائفة الشيعية بكل تياراتها و كذلك الأمر بالنسبة على السنة الحالمين بأسترجاع ايام كان العز للرز. الكل يتفقون و لأول مرة الأمتثال لطلب أحبائهم الحكام الاتراك في إغلاق مؤسسة عراقية ثقافية فقط و فقط كون القائمين عليها و من فرحتهم بتحرير العراق و انتشار الديمقراطية بين ليلة و ضحاها في أرجاء العراق و تقبر الديكتاتورية و ظنً منهم أن زمن كتم الافواه و مصادرة الحريات قد ولى من غير رجعة و القئمون على هذ المؤسسة كانوا قد تعرضوا لكل انواع التنكيل في زمن الديكتاتورية الصدامية لذا فقد أطلق هؤلاء أسم المناضل أوجلان على مؤسستمهم. أ يمؤسسة أوجلان للثقافة و البحث العلمي. القئمون على هذ هالمؤسسة ليسوا عراقيين فحسب بل هم من القومية العربية بالتحديد و لا يربطهم بأوجلان سوى الأسم و كان من الممكن أن يسموا مؤسستهم بأسم مانديلا أو لينين أو ماو أو أي أسم آخر و لكنهم على ما يبدو فضلوا هذا الأسم لشرقيته و تعاطف غالبية الشعب العراقي معه. وكما قرئنا بين الحين و الآخر أخبار هذه المؤسسة في وسائل الإعلام فأنها كانت تقوم بنشاطات كتكريم الشعراء و الصحفيين و المفكرين العراقيين و تقيم الندوات حول الديمقراطية و الثقافة العلمية و أحياناً أخرى يتطوع معلمون كرد لتدريس الراغبين من المثقفين العرب لتعلم اللغة الكردية. بالإضافة إلى أن معظم القائمين على هذه المؤسسة معروفين لدى الشارع الثقافي و الفكري العراقي، بالإضافة إلى أن مؤسستهم رسمية و مرخصة من قِبل الوزارات المتتالية التي تم تخويلها للترخيص لمؤسسات المجتمع المدني. لكن يبدو بأن التوازنات السياسية و المصالح الاقتصادية و الحسابات الطائفية النتنة لم تلق بالاً لكل هذه الأمور. فكل شيء إلا التحدث عن القانون و الدستور و النظام في العراق الطائفي المتنازع عليه من قِبل تيارات و طوائف مستعدة للقيام بكل شيء لأجل مصالحها الطائفية الضيقة متناسية بين ليلة و ضحاها بأنها كانت بالأمس لاجئة في الخارج هاربة من النظام الديكتاتوري و ها هي الآن تمارس ديكتاتورية أبشع منها الآن و بقدر بشاعتها فهي طائفية و بسيطة إلى أبعد حدود. فما الذي سيستفيد منه المالكي بإغلاق أحدى مؤسسات ابناء عمومته؟ و نفس الشيء بالنسبة على المام طالباني و الكاك بارزاني... فما هو الضرر الذي يتسببه لهم وجود مؤسسة تعلم اللغة الكردية و تنشر الثقافة و لكنها تحمل أسم أخاهم أوجلان؟ نحن نتفهم موقف تركيا و رهابها الابدي من أوجلان، و لكن ما بال المالكي؟ فهل له أية اسباب قانونية او خروقات قامت بها هذه المؤسسة حتى يرسل جيش مدجج للقضاء على هذه المؤسسة الثقافية المرخصة لها من قِبل ثلاث وزارات و الحاصل على العديد من الشهادات التقديرية من الجامعات و مؤسسات المجتمع المدني؟ الأمر ليس بريئاً إلى هذا الحد، فهنالك صفقة قذرة بين الحكومة العراقية و الدولة التركية، فقد سلم السفير التركي مذكرة أو بالاحرى أمراً لا نقاش فيه إلى حكومة المالكي و بعد الاتفاق على الصفقة تم الإيعاز إلى الجلادين للتضحية بالديمقراطية و حق التعبير و القانون و الدستور و الأعراف الأخلاقية و التقاليد العربية الأصلية على مذبح المصالح الطائفية. اسم أوجلان مقابل النفط! أنه أمر مقرف جداً ان يتناسى الحكام و الساسة في بغداد بأنهم كانوا بالأمس لاجئين لدى دول أخرى و هم يستجدون العطف و الرأفة و يشكون تصرفات صدام و جبروته، و كيف كانوا يسعون إلى ايصال صوتهم و قضيتهم إلى الشعوب الاخرى. يبدو بأنهم تناسوا كل شيء و باتوا يفعلون كل ما كان صدام يفعله و اكثر. و الموضوع مختلف جداً هنا. فليس هنالك لاجئ من جماعة أوجلان إلى بغداد و لم يطلب من الحكومة العراقية العطف و الدعم، كون مناضلي أوجلان لهم جبالهم و قلاعهم و شعبهم الشريف، و الحكومة تعرف قبل الجميع بأن اصحاب المؤسسة و القئمين عليها و مرتاديها هم من أبناء العراق و بالاخص بغداد الاقحاح. على الرغم من إستحالة هذا الفرضية إلا أنني أقول لنفترض بأن جماعة من مناضلي اوجلان التجؤوا إلى العراق كما كان معظم الساة في بغداد الآن لاجئين لدى دول اقليمية أو اوروبية فهل من القيم الانسانية ان تقوم الحكومة بخرق أعراف الضيافة المعروفة عند العراقيين؟ فماذا كان موقف المالكي او الجعفري او هذا وذاك السياسي أن قامت الدولة التي كانوا محتمين بها طوال السنين المنصرمة بالتضييق عليهم و تسليمهم إلى صدام أو إغلاق مكاتبهم؟ ماذا كنت ستفعل يا استاذ مالكي؟ أم انك نسيت بأنك كنت ضيفاً لسنين طويلة عند الغير فكيف تمارس ما كنت تهرب منه؟ و لكن الامر هنا مختلف كثيراً كما قلت، فلا لاجئ و لا مؤسسة تابعة لساسة من الخارج و لا مكتب لجماعة أوجلان أي حزب العمال الكردستاني كما يحلو للمالكي و الزيباري و الطالباني تسميتها؟ هنا اجد نفسي مضطرأً إلى طرح أسئلة أخرى على هؤلاء الساسة:
- هل المؤسسات التي تسمونها بمكاتب حزب العمال رسمية أم لا؟ - هل القائمون عليها مواطنون عراقيون أم لا؟ - هل تمارس هذه المؤسسات أي عمل يخل بنظام الهش أصلاً؟ - هل لكم أي دليل مادي على سوء استخدام هذه المؤسسات؟ - هل هنالك ضرر من تعليم العرب للغة الكردية و تكريم الشعراء العراقيين و إقامة الندوات لهم؟ - هل انتم دولة مستقلة أم تابعين لتركيا التي تحفر لكم القبر؟ - إلى متى ستبقون تتاجرون بالديمقراطية و حقوق الرأي و القانون و الشعب لأجل مصالحكم الضيقة؟ لن أنتظر منكم جواباً لأنني اعرفه دون أن تنطقوه و لن تنحرجوا منها كون ماء وجوهكم قد جفت منذ زمان و لتعلموا جميعاً بأن إغلاق مؤسسة ثقافية عراقية تحمل فقط أسم أوجلان لا يعتبر انتصاراً للحكام الترك بل يمثل خيبة كبيرة ووسمة عار على جبين الحكام العراقيين الكرد و الشيعة و السنة أجمعين؟
#بولات_جان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهلاً حبيبتي شيلان
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة العاشرة
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة التاسعة
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة الثامن
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة السابعة
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة السادسة
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة الخامسة
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة الرابعة
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة الثالثة
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة الثانية
-
العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة الأولى
-
زرع الحياة
-
آه ياصغيرتي*
-
رسالة ملاك إلى...
-
ستأتين
المزيد.....
-
مصدر أمني: ضبط أجهزة تجسس بين خيام النازحين في غزة
-
شاهد.. لماذا يعرقل نتنياهو صفقة تبادل الأسرى مع حماس؟
-
من يكون محمّد كنجو الحسن مسؤول عمليات الإعدام في سجن صيدنايا
...
-
المرصد: إيقاف المسؤول عن عمليات الإعدام في سجن صيدنايا السور
...
-
واشنطن: سعي هونغ كونغ لاعتقال معارضين يهدد السيادة الأميركية
...
-
بزشكيان: دعاة حقوق الانسان يبررون الجرائم التي يرتكبونها
-
الأمم المتحدة: النازحون السوريون يواجهون ظروف شتاء قاسية
-
الأمم المتحدة: الضربات الإسرائيلية في اليمن تثير المزيد من ا
...
-
-قيصر الحدود- الأمريكي يتحدث عما سيفعله ترامب مع عائلات المه
...
-
عاجل | أسوشيتد برس: منظمة عالمية سحبت تقريرا يحذر من المجاعة
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|