|
المقاومة والمعارضة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1647 - 2006 / 8 / 19 - 08:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ما كان غريباً أن يرتبط إسمُ الإسلام السياسي ، ومنذ مستهل إطلالته على ساحة الأحداث في أربعينات القرن المنصرم ، بمسمّى " المقاومة " . هكذا كانت التسمية ، حرفياً ، بالنسبة للكتائب المسلحة التي أسسها حزب الأخوان المسلمين في مصر آنئذٍ ، والموجهة ضد الإحتلال الإنكليزي . قبل ذلك بقليل ، كان الشيخ عزالدين القسام ، السوري ، قد شكل جيشه الخاص ، المقاوم ، لمقارعة العصابات اليهودية ، المتنامية القوة والساعية إلى تحقيق حلم " هرتزل " ، الصهيوني ، على أرض فلسطين . هنا وهناك ، إستند المقاومون الإسلاميون على فكرة " الجهاد " ، بما هيَ عليه كفريضة بالنسبة للمؤمن ، بحسب تفسيرهم للآيات الربانية والأحاديث النبوية . كانت حركة القسام ، المسلحة ، عفوية بحق ؛ فلم تصوّر مرة ً على أنها الرحم الذي خرج منه ، بعد أكثر من نصف قرن ، مولودُ المقاومة الإسلامية ، الفلسطيني . إلا أنّ ذلك الأمر كان مختلفاً بالنسبة للأخوان المسلمين ، بفرعهم المصري تحديداً ، والذي شرعَ مع عشية حرب العام 1948 بتنظيم خلايا مقاتلة ضد القوات اليهودية ، وبالتالي أسهم في مدّ جذوره الفكرية والتنظيمية داخل التربة الفلسطينية .
جدير هنا بالتنويه ، أنه ما قدّر للإخوان المسلمين في البلاد الشامية ، لعبَ نفس الدور ، الموصوف آنفا ، الذي أخذه على عاتقه التنظيمُ الشقيق ، المصري . ففي بلدٍ كسورية ، متعدد الأديان والمذاهب والأثنيات ، كان من الطبيعي أن تكون فكرة مقاومة المستعمرين الفرنسيين مرتبطة بنزعة وطنية شاملة ، وليس دينية ضيقة . فلا غروَ أن تكون الطلقة الأولى ضد القوات المحتلة ، قد إنطلقت من بندقية الوجيه السنيّ الحلبيّ ، الكرديّ ، إبراهيم هنانو ، المتحالف وقتئذٍ مع الثوار العلويين في الساحل السوري ، بقيادة الشيخ صالح العلي . كذلك كان مما له مغزاه ، حقا ، أن يذيع الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش ، من معقله الجبلي المنيع في جنوب دمشق ، بيان إنطلاق الثورة السورية الكبرى ؛ هذه الثورة ، التي كان من بين أركانها وجيه مسيحيّ بارز ـ من أصل لبنانيّ ـ هوَ فارس الخوري ، من تسلم فيما بعد منصب رئيس وزراء سورية . التنوع ذاته ، الموسوم ، إنسحبَ تأثيره أيضاً على لبنان والعراق ، فيما يتعلق بالكفاح الوطني ضد المحتلين الأجانب .
حينما نستعيدُ الآن تلك التواريخ والأحداث ، محاولة ً منا لتوصيف مفهوم " المقاومة الإسلامية " ، فإنه يسترعينا هذا اللبْسُ الحاصلُ للمفهوم نفسه ؛ والمتجسد بقطيعته كفكر وممارسة ، مع التقاليد الكفاحية لشعوبنا في المشرق ، وخصوصاً في العراق وفلسطين ولبنان وسورية. هذه الأخيرة ، بنظامها البعثيّ ، المستبد ، تبدو الأكثر نفخاً اليوم ، عبْرَ مسؤوليها وإعلامها ، في قربة " المقاومة الإسلامية " ، حتى لتكاد أن تنفجرَ وتفجرهم معها ! سنضربُ هنا صفحاً ، ولوْ تجاوزاً ، عن إنكار هذا النظام على شعبه لأي شكل من أشكال مقاومة العدوان الإسرائيلي ، وآثاره المتحددة بإحتلال للجولان ، مقيم منذ ما ينوف الأربعين عاماً : إلا أنّ السؤال المحيّر ، للبعض طبعاً ، فيما تكونه مصلحة ذلك النظام ـ وهوَ العلمانيّ ، بحسب زعمه على الأقل ـ في تأييد ودعم وإسناد أحزاب سياسية ، إسلامية ، في الدول المجاورة ؛ سواءً بسواء أكانت سنيّة الهوى أم شيعيّة ؟ فكلنا يذكرُ ما كان يطلقه المسؤولون السوريون ، المرة تلو الاخرى ، من أنّ بلادهم كانت عرضة لـ " لإرهاب " ، في مستهل ثمانينات القرن المنصرم ، على يد الجماعات الإسلامية المسلحة . تصريحاتٌ متوافقة ، بخبث جدير بصاحبه ، مع ما كان يوجه لأولئك المسؤولين أنفسهم من تهم دعم الإرهاب في عراق ما بعد صدام ، بشكل خاص . فرفاقهم من البعث المنافس سابقا ، كانوا قد توصلوا ، بدورهم ، إلى مفهوم " المقاومة الإسلامية " ، في محاولة يائسة لإستعادة سلطتهم البائدة . وعلى هذا ، كان من قيادات البعث العراقي أن أطالوا اللحى ، مقتدين بالقائد الضرورة ، وتدروشوا وتنسكوا وما عاد كتاب الله يفارق أياديهم الملطخة بدماء الملايين من ضحايا طغيانهم .
إنّ ممالأة بعض معارضينا السوريين ، الصريحة أو المبطنة ، لما يُسمى " المقاومة الإسلامية " في فلسطين ولبنان والعراق ، يُشبه إستعادة البعثيين المتسلطين لتاريخهم التليد ، المزعوم أيضاً ، في التقاليد الديمقراطية والعلمانية . فكل من الحالتيْن الموسومتيْن ، لأهل السلطة ومعارضيهم ، أشبه بضفتيْ نهر النفاق ؛ النهر الذي تنهل من مياهه الآسنة جماهيرٌ عربية ، طائشة ، بأميتها وغوغائيتها وسلبيتها . لقد عزّ صوتٌ عال ، واحدٌ ، من أطياف تلك المعارضة العتيدة ، يوصّف بجرأة وجسارة ومسؤولية ، إشكالَ الحرب اللبنانية الأخيرة ؛ بما هيَ عليه كمخرج وحيدٍ ، مفترض ، من ورطةٍ إقليمية ، سافرة ، لنظامَيْ الإستبداد في دمشق وطهران . إنه صمتٌ مخز ، مريبٌ ، لا يقلّ فداحة ً عن سفح الدم اللبنانيّ وإباحته ، ولا عمّا دهمَ موطنُ الأرز من دمار وخراب ونزوح ومعاناة . لقد فهمَ معظمُ اللبنانيين ، جيداً ، كنه الإبتسامات العريضة لشدق " معلم " الخارجية السورية ، خلال مؤتمر بيروت وفي غمرة الحرب ، وما تبعها من قهقهات سيّده ، في خطابه الأخير " المدشن " إنتهاء تلك الحرب ؛ والتي لم تقل شماتة وغلاً ولؤماً : فهل جاز هذا ، أيضاً ، لفهم بعض معارضينا ، السوريين ؟؟
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكوميديا السورية
-
إنتصار الظلامية والإستبداد ؟
-
ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
-
لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
-
صلاح الدين عصرنا
-
قصف إعلامي ، عشوائي
-
محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
-
من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
-
الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
-
الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح
-
المثقفُ مستبداً
-
الدين والفن
-
بين إيكو وبركات 3 / 3
-
فلتسلُ أبداً أوغاريت
-
بين إيكو وبركات 2 / 3
-
بين إيكو وبركات 1 / 3
-
منتخبات شعرية
-
الماضي والحاضر
-
الوحدة والتعدد في اللوحة الدمشقية
-
مأثورات دمشقية في مآثر كردية
المزيد.....
-
مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات
...
-
من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة
...
-
ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق
...
-
سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو
...
-
تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم
...
-
تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في
...
-
مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
-
أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط
...
-
شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|