|
اختلاف الفقهاء ليس رحمة ولكن تخبط
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7019 - 2021 / 9 / 14 - 08:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اختلاف الفقهاء ليس رحمة لكنه تخبط ---------------------------------------------- من المقولات الشائعة ، التى يرددها الناس دون تفكير نقدى متأمل ، مقولة " اختلاف الفقهاء رحمة " . وإننى أسأل المروجين لهذه المقولة كيف يكون اختلاف الفقهاء رحمة ، وهذا بالتحديد الذى يجعلنا ننادى ، بأن الدين لله والوطن للجميع ، أو الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة ، وهذا أيضا ، بالتحديد ما أدى بالمسلمين ، إلى هذه الحالة الفكرية المتردية ، التى لا تخلو من التعصب والجمود ، والتخبط ؟؟؟؟. إن اختلاف الفقهاء ، هو السبب الرئيسى ، فى إحداث الفوضى ، والبلبلة والفتن الدينية والطائفية و المذهبية . كل فقيه يفسر الدين ، وفقاً لثقافته ، ومصالحه ، وحسب ما يمليه مزاجه ، ومدى اقترابه ، أو ابتعاده عن المؤسسات الدينية الرسمية. كل فقيه يزعم بحكم دراسته للفقه ، وغيرته على الدين ، أن تفسيراته وفتاواه هى الوجه الصحيح للدين ، وهى صوت الإسلام السليم الحقيقى ، دون شوائب ، ودون مصالح سياسية دنيوية. كل فقيه يطمح إلى أن يتبع الناس ، وجهة نظره فى " ما ينبغى أن يكون عليه الدين أو الإسلام ". ويسعى من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، إلى الترويج لرؤيته ، وتفسيراته الخاصة . إذن بالمنطق البسيط ، اختلاف الفقهاء ، لا يعنى فى الواقع العملى إلا وجود العديد من التفسيرات الخاصة بكل فقيه ، وكل واحد يزعم ، أن ما فهمه من الدين ، هو الذى قصده الله ، وأن تفسيراته الخاصة هى التى تتوافق مع السيرة النبوية ، وأحاديث الرسول ، وستنشر الإسلام وتحميه ، من " تفسيرات " أخرى مغالطة . ويتمادى الفقهاء ويصفون تفسيراتهم الخاصة ، على أنها من " الثوابت " التى يحرم مناقشتها أو تغييرها. ، كيف إذن يكون اختلاف الفقهاء رحمة ، ونحن نجد أنفسنا فى مواجهة مئات التفسيرات ، وآلاف الفتاوى فى القضية الواحدة ؟ . كيف يكون اختلاف الفقهاء رحمة ، وعلى أرض الواقع ، تتصارع وتتضارب وتتناقض تفسيرات هؤلاء الفقهاء ، بشأن الموضوع الواحد ؟. لدينا بالفعل أنواع لا نهائية من تفسيرات الإسلام ، عدد الفقهاء أنفسهم فى البلد الواحد ، أو الفقهاء بين الدول الإسلامية بعضها البعض . ولدينا أمثلة شهيرة مازالت حتى الآن موضع اختلاف وتناقض ، لا يقودنا إلى شىء واضح يسهل الأمور على الناس . على سبيل المثال ، التفسيرات المتضاربة حول ولاية المرأة ، وقوامة الرجل ، وتعدد الزوجات ، وزواج القاصرات ، والحجاب ، وعمل النساء خارج البيوت ، وغيرها الكثير ، وكل تفسير يقول أنه الصحيح. وما زلنا نذكر ، ما حدث فى نيويورك ، حينما قامت احدى أستاذات الدراسات الفلسفية والدينية ، بجامعة كومنولث – فرجينيا ، بإمامة صلاة الجمعة ، للرجال والنساء ، واتخاذها دور الخطيب ، وسط إجراءات أمنية مشددة ، ووسط هجوم واستياء جمعيات إسلامية كثيرة فى أمريكا الشمالية ، ووسط مظاهرات حاشدة غاضبة تتهمها بإتكار ثوابت الدين ، وإحداث فتنة فى الدين ، وتدمير الإسلام باسم الابتكار العصرى ، وشذوذها الفكرى . مقابل تأييد جمعيات إسلامية أخرى ، مثل جمعية " صحوة المسلم " ، وجمعية " المسلمين المتقدمين " . أليس هذا أكبر دليل ، على أن اختلاف الفقهاء ، ليس فقط تخبطاً . ولكنه أداة من أدوات الجمود الفكرى ، ورفض التجديد ومحاربة الاجتهاد ، وفقاً لمستلزمات الحياة المتغيرة ؟؟؟. والأكثر من هذا ، أن اختلاف الفقهاء ، هو أداة إرهابية ، حيث أن المسلمين الغاضبين فى أمريكا ، قالوا أن الأستاذة المسلمة التى قامت بامامة صلاة الجمعة للرجال والنساء ، ارتدت عن الاسلام ، وعقوبتها الموت . بعض الفقهاء قالوا : " إمامة المرأة للرجال فى الصلاة ليس له سند فقهى أو تاريخى " . وردت عليهم الأستاذة : " إننى متخصصة فى التفسير ، والفقه والاجتهاد ، ودرست تاريخ الفقه الأسلامى كله ، لم أجد شيئاً فى القرآن أو السنة يُحرم إمامة المرأة ". ان شيخ أئمة المسلمين ، الشيخ محمد عبده ( 1849 – 1905 م ) والذى كان مفتى الديار المصرية ، فقد اجتهد فى تفسير القوامة للرجل بشكل ينصف النساء ، ولا يرادف التحكم والسيطرة ، وكذلك رأيه فى تعدد الزوجات ، والذى رآه محرماً ، ولابد أن يقيد ن حتى ولو بقرار من حاكم البلد .، وبالطبع تعرض لهجوم شديد ، وتم وصفه أيضاً بالإساءة للدين ، وإنكار " الثوابت "، والشذوذ الفكرى ، وهو الذى كان من التلاميذ النابغين ، للمفكر المستنير ، جمال الدين الأفغانى( 1838 – 1897 م ). وهناك فقهاء ، لا يعترفون الا بمقولة " استفتى قلبك ". تصورا ما الذى يحدث لإنسان عادى ، لا هو إمام ، ولا شيخ إسلام ، وحاول الاجتهاد ، وتجديد الخطاب الدينى ، أو حتى يستفتى قلبه بعيدا عن فقه الفقهاء ؟؟. إن تجديد الخطاب الدينى ، الذى يطالب به البعض ، سواء الفقهاء أو غير الفقهاء ، غير ممكن الحدوث عملياً ، وسط الخضم الهائل المتناقض من آراء الفقهاء. التجديد معناه ، ابتكار سلوكيات تتناسب مع العصور المتغيرة ، طالما أنها لا تؤذى خلق الله ، حتى لو لم تكن تمارس فى عهد الإسلام الأول . إن هذا هو بالتحديد معنى التجديد ، أن نمارس ما لم يتم ممارسته ، بحكم تغير الأزمنة والناس ، والعقول والتحديات. لا أتصور ، كيف يكون اختلاف الفقهاء رحمة ، وهو على مدى العصور المتعاقبة ، كان الباب الذى فتح ملفات التفرقة ، على أساس الدين ، أو التفرقة المذهبية داخل الدين الواحد ، والصراعات وزرع الإرهاب ؟؟. لا أتصور ، أن تأتى الرحمة مع آلاف التفسيرات الدينية ، وكلها تدعى أنها "الدين" ، أو " الإسلام الصحيح "، وكلها مؤسسة على شخصية الفقيه ، وخصوصية مصالحه ، وتركيبته العقلية والنفسية ؟؟؟. ما الذى نأخذه من الآراء والتفسيرات والفتاوى التى هى بالمئات ؟؟. وما المعيار الذى يجب أن نطبقه ، طالما أن الجميع " فقهاء ودارسون للفقه " ، وطالما أن الجميع " يزعمون " أن تفسيراتهم هى " الحقيقة " ، وطالما أن الجميع يضفون على تفسيراتهم كلمة " الثوابت " ، و " الصراط المستقيم المقدس " ؟؟. وعملياً ، نجد أن كل إنسان يتبع الفقيه ، أو الفقهاء ، الذين تتفق تفسيراتهم الدينية ، مع مصالحه وثقافته وتكوينه النفسي . إن فصل الدين عن الدولة ، معبراً عنه فى مقولة " الدين لله والوطن للجميع " ، دعوة تطمح بالتحديد ، إلى التخلص من الحيرة والتخبط والبلبلة وأنواع الفتن ، التى تشعل التعصب ، والكراهية والتطرف بين الناس. إن الرحمة ليست فى اختلاف الفقهاء ، ولكن الرحمة فى أن نطبق دعوة " الدين لله والوطن للجميع " ، وفصل الدين عن الدولة ، بحيث تكون علاقة الإنسان بربه علاقة شخصية ، خاصة جداً ، يحددها كل إنسان بعقله ، القادر على التمييز ، طالما لا يضر بالآخرين . لا توجد رحمة فى اختلاف الفقهاء . ولكن الرحمة ، أن نظل نكافح حتى تتحقق العلاقة الشخصية الخاصة بيننا وبين الله ، دون وسطاء ، أى فقهاء. إن الإيمان بالله ، ليس فى حاجة إلى طبقة عازلة " الفقهاء " ، تروج لأكبر وهم عرفه التاريخ ، إننا قاصرون بدونهم على معرفة الله والإيمان به ، وإننا دائماً فى احتياج إليهم ، لنعرف مصلحتنا ومصلحة الآخرين. " الله هو العدل عرفوه بالعقل " ... هذه هى الرحمة الكبرى الحقيقية ، نستقيها من أكبر حكمة تتردد على ألستنا ، ولا نعمل بها . " الله هو العدل عرفوه بالعقل " .. هذا هو القول الفصل ، فى أى منظومة دينية ، تزيل الوسطاء ، وتجعل " العدل " هو أعلى وأصل مكارم الأخلاق ، ونصل اليه بعقولنا الحرة دون أوصياء . من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002 ---------------------------------------------------------------------
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنويعات على لحن الصمت العربى
-
الفكر الوهًابى الارهابى يجتاح مدارسنا
-
- أمى - وأنا فى مجتمع ذكورى
-
لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون
-
الكبت الجنسى وفشل مؤسسة الزواج
-
الزى الاسلامى وخطر السرطان
-
الزواج السياحى ....... نساء للبيع
-
ارهاب التيارات الاسلامية يخدر العقول
-
كيف تصنع ارهابيا ناجحا ؟
-
اطعام فقراء مصر من فضلات القمامة
-
افتراءات رجل ذكورى يدمن الجمود والتعصب
-
أقراص فياجرا أم صواريخ كاتيوشا !
-
غيبوبة لكل مواطن
-
أمركة العالم .. أسلمة العالم .. منْ الضحية ؟
-
مجمع الفقه الإسلامى و - زواج الفريند -
-
عقول ذكورية فى أثواب نسائية
-
- مختل - عقليا .. - محتل عقليا - نقطة واحدة فرق لكنها بحجم
...
-
تحطيم الفاصل التعسفي المضلل بين -الخاص- و -العام-
المزيد.....
-
تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقمار الصناعية بجودة
...
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|