أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - الاخلاق عند دوستويفسكي3/ 3














المزيد.....

الاخلاق عند دوستويفسكي3/ 3


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7016 - 2021 / 9 / 11 - 21:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في هذه روايته القصيرة "قلب ضعيف"، (90 صفحة من القطع المتوسط) يطرح دوستويفسكي، قضية اخلاقية أخرى؛ وهي في صميم ما نحن بصدده ألا وهي: علاقة الصديق بصديقه، وكيف تنمو وتترعرع هذه الصداقة، ومن ثم تكبر وتسير بالاتجاه الصحيح. ونتناولها هنا على اعتبارها قضية اخلاقية، يريد الكاتب أن يعممها على الجميع، لأهميتها اجتماعًا.
فيروم الروائي الكبير أن يقول لنا: بأن علاقات الصداقة - الصداقة الصحيحة المبنية على الاخلاص والتفاني والمودة، هي مبدأ هام من مبادئ الفلسفة الاخلاقية، والتي تعمّق فيها اعظم فيلسوفين في العصر الحديث، هما: اسبينوزا و ايمانويل كانت.
الكاتب يحكي لنا قصة صديقين شابين يعملان في دائرة واحدة، هما: أركادي و فاسيا، الاول يكبر الثاني سنا حوالي ثلاث سنوات، ويعده اكثر من اخ وصديق له، حيث يعطف عليه، ودائمًا ما ينصحه ولا يثن له عزم أو لا يخالف له أمر، خصوصًا اذا كان ما يطلبه هذا الصديق مطلب مشروع وامر يصب في مصلحة صديقه، وهام جدًا، بحيث وصل الامر بالصديقين أن لا يفترقا يومًا واحدًا، بل حتى سويعات قصيرة، الامر الذي سار سلبًا؛ إذ أن (فاسيا) شعر أن هذه السعادة التي تغمر قلبه، والتي مسببها الاول والاخير هو صديقه اركادي، فشعر أن هذا كثير عليه، فأصيب، أخيرًا، بالجنون، لأن قلبه الضعيف الحنون لم يتحمل مثل كذا أمر.
لكن المأساة تكمن في النهاية التي رسمتها ريشة الكاتب الكبير دوستويفسكي. ذلك كون فاسيا قد احب فتاة واراد أن يتزوج منها، لكن القدر حال بينه وبين ما يريد.
يقول دوستويفسكي: "رب خاطر هو أقرب الى الخواطر منها الى الجنون، وادناها الى الاستحالة، يبلغ من قوة رسوخه في الفكر أن المرء يخاله ممكن التحقيق، حتى اذا كان هذا الخاطر مرتبطا برغبة قوية ملتهبة جامحة اعتقد المرء اخيرا أنه امر حتمي، ضروري، فرضه القدر منذ الازل، امر لا يمكن الا أن يكون، ولا يمكن الا أن يحدث! وربما كان ههنا شيء اكثر من ذلك: ربما كان ههنا مزيج من نبوءات يسنها المرء، من جهد خارق تبذله الارادة، ومن خيال صمم المرء به نفسه بنفسه، ومن اشياء أخرى". (المقامر: ص 159)
وبهذا النص كأنّ دوستويفسكي يؤكد على ما قاله هناك في (القلب الضعيف) اعاد نتاجه هنا للأهمية المبتغاة من ذلك.
الاخلاق التي يؤكدها هذا الروائي الكبير، هي اخلاق المجتمع الصالح الذي يسعى الى اسعاد الناس، في سبيل التغلب على منغصات الحياة وهمومها، وهي كثيرة وواسعة، وهذه الاخلاق التي يرومها دوستويفسكي، هي ليست الاخلاق التي ارادها نيتشة والتي اطلق عليها اخلاق العبيد. ففي جُل اعماله نجد دوستويفسكي لا ينفك عن المبادئ الاخلاقية، حيث دائمًا ما نجده يعالج الامر ببساطة وسلاسة معًا، من خلال السرد القصصي أو من خلال الحوارات التي تجري بين شخوصه وابطاله.
إذن، فالأخلاق هي معيان نزن به الانسان السويّ الذي يتصف بمعنى الانسانية، فلو فقد هذا المعيار فسيصبح حاله حال أي حيوان آخر، لا فرق، بل لعل الحيوان، هنا هو افضل منه، لأن الحيوان يتصرّف بحسب حيوانيته، فكأن هذا الحيوان كالأسد مثلا، فيتصرف بقوة وشراسة تنسجم مع بنيته التكوينية، لغرض مأكله ومشربه. اما اذا كان هذا الحيوان كالحمل مثلاً فتصرفه مختلف جدًا عن الاسد، فهو مطيع ووديع ومسالم في نفس الوقت، والانسان هنا (الانسان الفاقد الاخلاق) يتصرّف كما يتصرف الاسد في موقفه هذا، لا يتصرّف كما يفعل الحمل، معتقدًا، من باب الغرور والجهل، أنه افضل مخلوق على وجه الارض، بل يعتقد أنه سيد المخلوقات كافة، ولو كان الانسان يدرك حقيقته كما هي لأصبح اكثر خلقاً، والافضل تصرّفاً، ولتعامل مع اقرانه تعاملا حسنا، بأفعاله واقواله - ليقال له فيما بعد - لتصرفه هذا: انه انسان صاحب خلق، ولا يقال له انسان صاحب دين، الا اذا اقترن دينه مع تدينه. فهنا تزداد قوته السيكولوجية ثباتا واطمئناناً، فلا يصنع الا الخير.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي الرسالة التي أراد ايصالها دوستويفسكي في (المقامر)
- الاخلاق عند دوستويفسكي2/ 3
- تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة1 /2
- تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة2 /2
- (دعِ النّارَ) نص الشاعر أمير الحلاج.. والنتيجة الابيقورية
- الاخلاق عند دوستويفسكي1/ 3
- اسبغ وضوء القصيدة
- (ليلة اغتيال محسن المجنون) للقاص أحمد السلمان.. وميشيل فوكو
- (أحوال الزهرة) نصوص طالب حسن.. وفلسفة الجمال الكانتية
- قصة (الحصاوي) للقاص سعدي عوض الزيدي خطوب بطعم الالم
- (كم مضى من الوقت؟) لوليد حسين وفلسفة التاريخ
- قصيدة (غذّ سيّرك) للشاعر سرحان الربيعي ومبدأ الشك الديكارتي ...
- في (وصايا العائد) عمر السراي ماذا قال للطلقة التي قتلت حُلمن ...
- في قصيدته - قرب حانة (المرايا)- عبد الحُرّ يؤرخ للجنون وللذك ...
- الشعور النفسي اللامجدي في (ليل وشباك) للشاعر كاظم الميزري
- القلق الوجودي في (أيُّها الترابيُّ) للشاعر جبار الكواز
- في (أصنام أم نعوش) قاسم وداي الربيعي يتمرّد على الواقع المري ...
- مأساة شعب في (للمفتاح وجوه عدّة) للروائي مهدي علي ازبيّن
- (البهلوان) لأحمد خلف سردية تغتال السأم
- (أنين الضفدعة) ل عبد الامير المجر نهاية بطعم الرحيل


المزيد.....




- لقوا حتفهم بشكل مأساوي.. مقتل قس و6 من أحفاده بحريق التهم من ...
- ميقاتي: التوترات الحالية في جنوب لبنان -صدى للمآسي- في قطاع ...
- أعمال عنف واشتباكات بين سوريين وأتراك... ما القصة؟
- قصف -محدد الأهداف- في رفح وعملية طعن شمال إسرائيل
- بوتين: العلاقات بين روسيا وباكستان تتطور بطريقة ودية وعملية ...
- مراسلتنا: اغتيال قيادي بحزب الله في غارة إسرائيلية على سيارة ...
- روسيا تدعم الجيش بسفينة جديدة حاملة للصواريخ المجنحة
- السفن الحربية الروسية تصل إلى ميناء فنزويلا
- الحرارة في موسكو اليوم تتجه إلى تسجيل رقم قياسي جديد
- الملك سلمان وولي عهده يهنئان لوكاشينكو بعيد استقلال بيلاروس ...


المزيد.....

- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - الاخلاق عند دوستويفسكي3/ 3