ما الذي جاء به كولن باول لدفع عملية السلام المتعثرة وانتشالها من الهاوية؟
لقد وقعت عملية السلام المذكورة في هاوية عميقة منذ أن قام شارون"قبل أن يصبح رئيس للوزراء" باختراق المسجد الأقصى واستفزاز المصلين الفلسطينيين هناك،مما أشعل نار الانتفاضة التي بدورها استمرت وحافظت على ديمومتها حتى يومنا هذا. بصراحة لم يأتِ الوزير الأمريكي سوى ببعض الأمل للحكومة الفلسطينية الجديدة هذا بالإضافة لبعض المطالب التي طلب من الفلسطينيين سرعة تنفيذها حتى يرضى شارون بدوره عن الأداء الحكومي الفلسطيني الجديد فيقوم وبعد عودته من لقاء يجمعه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في واشنطن في العشرين من أيار مايو الحالي بإطلاق سراح مجموعة صغيرة وجديدة من المعتقلين الإداريين وبتفكيك نقطة استيطانية غير ذات منفعة لإسرائيل،فيقوم العالم كله من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب بالترحيب بالخطوة الإسرائيلية الكبيرة.مع أنها وكما نقول في الشارعين الفلسطيني والعربي " ضحك على الذقون"،لكن ماذا نفعل إذا كان معظم حكامنا بلا ذقون و شنب أو أنهم تخلوا عن ذقونهم وشنبهم بسبب نقص المناعة.
لقد جاءت زيارة الوزير باول بعد طول انتظار وترقب،وبعد أن صار لدى الفلسطينيين حكومة قامت بعد مشاكل عسيرة وخلافات كادت تعصف برفاق المسيرة،هذا أن لم تكن فعلا قد عصفت بعلاقتهم المديدة والطويلة. فقد نال السيد محمود عباس ما يريده وشكل الحكومة التي يريدها والتي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية وترضى عنها إسرائيل على الرغم من رفض الرئيس عرفات لأسماء في تلك التشكيلة وبالذات أسم العقيد "الوزير" محمد دحلان.ويعرف الناس كيف تمت تسوية تلك القضية بواسطة مصرية أقل ما يقال فيها أنها حملت تهديدات جدية لعرفات جعلته يقبل بتسوية تحفظ ماء الوجه. لكن دحلان ومعه أبو مازن خرجا منتصران في معركتهما مع الختيار الذي لم يخسر أي من معاركه الداخلية طوال فترة حكمه وقيادته الممتدة من الفاتح من يناير 1965 وحتى حضور مدير المخابرات المصرية لرام الله وحسمه الخلاف وتحقيقه لهدنة بين ياسر عرفات ومحمود عباس،كانت عمليا بمثابة خسارة موقعة أو معركة للرئيس عرفات لكنها ليست نهاية المطاف. المهم أن حكومة أبو مازن تشكلت ونالت الثقة في المجلس التشريعي الفلسطيني وأطلقت عدة تصريحات لا تبشر بالخير من ناحية التعامل مع المقاومة والانتفاضة والفصائل التي تحمل السلاح، فالحكومة تقول أن السلاح غير شرعي ولا سلاح سوى سلاح السلطة الفلسطينية لأنه سلاح القانون والنظام وهو موجود لأجل ذلك فقط. إذا كان هذا السلاح موجود من أجل ذلك فقط، فمن سيدافع عن البيت الفلسطيني ومن سيرد شارون وجيشه ويمنعهم من قتل الفلسطينيين،وهل سيأتي باول أو يقوم رئيس بلاده بوش بالدفاع عن الفلسطينيين ومنع شارون من مواصلة سياسته الإجرامية بحقهم،خاصة أن الأخير كان أعد استقبالا دمويا ووحشيا للحكومة الجديدة في حي الشجاعية بغزة بالذات،أم أن الأمن الذي سيديره ويقوده وزير الداخلية الجديد هو الذي سيرد العدوان ويصد الغزاة؟؟ أن التجربة الفلسطينية مع أجهزة الأمن الفلسطينية وسلاح الشرعية والقانون كانت مريرة وأثبت أنه لا أمكانية ولا مجال للاعتماد على تلك الأجهزة في حماية الشعب لأنها أجهزة وجدت لقمع الناس والمقاومة وحماية أمن إسرائيل بالمقام الأول.والآن بعد تحديثها وإعادة تجهيزها إسرائيليا وأمريكيا،ستكون معاملتها للمقاومة والانتفاضة معاملة غير مقبولة وغير محمودة.
لقد حرص الوزير الأمريكي باول على تأكيد رفضه لقاء عرفات أو الاجتماع به،مع محاولته إلغاء دور الرئيس الفلسطيني ومكانته السياسية وذلك عبر حديثه عن اللقاء مع أبي مازن. وبدلا من أن يتم اللقاء بينهما في رام الله كما كان متفقا تم في أريحا بناء على طلب أمريكي صريح بهذا الخصوص. لماذا أريحا بالذات؟
هل لأن كل ما تريده إسرائيل ومعها أمريكا يبدأ بأريحا أولا؟
فدخول السلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو جاء من أريحا أولا، وسجن المناضلين الفلسطينيين بحراسة أمريكية بريطانية كذلك كان ولازال في أريحا. هذا كله يجعلنا نعتقد بأنهم يريدون لأريحا أن تبدل رائحتها الفلسطينية برائحة أخرى غير رائحة المدن الفلسطينية. على كل حال فقد قال باول كلاما كثيرا ومنوعا، أهمه التأكيد على أننا نحن الفلسطينيين أصبحنا نملك شرعية ديمقراطية مقبولة في أمريكا و تستطيع التحدث باسمنا وكذلك على إننا سوف نسمع كلامه بعدما تبنينا رؤية بوش لحل المشكلة الفلسطينية ونقوم بمكافحة وتفكيك بنية "الإرهاب" ونزع سلاح المنظمات "الإرهابية" الفلسطينية في أراضي السلطة المحتلة من أريحا حتى رفح.هذه هي الشعارات الرسمية لشارون وبوش وبشروط لحكومة أبو مازن.
ولم ينس باول بعد اجتماعه بشارون التذكير بأنه يجب استبدال الكراهية بالأمل، إذن ما عليكم أيها الفلسطينيون سوى أن تعيشوا على أمل وأي أمل ؟ أمل الحياة تحت رحمة الميركافاه والأباتشي أو أمل التدخل الأمريكي لحل الصراع وفق رؤية بوش التي هي بالأصل رؤية صهيونية لحل المشكلة ولقبر القضية الفلسطينية. ولم ينس الوزير الأمريكي القادم من وراء المحيطات التأكيد لشارون بأنه سيبذل كل جهده كي يستطيع الطرف الفلسطيني بقيادة أبو مازن تحقيق وعوده. وأشار الوزير باول بخجل إلى أنه على إسرائيل اتخاذ خطوات لمساعدة حكومة أبو مازن والإصلاحات الفلسطينية.ولم يذهب عن بال باول الثناء والإشادة بالخطوات والتسهيلات التي أعلن عنها شارون مثل إطلاق سراح عدد من المعتقلين الإداريين الذين قضوا في المعتقلات بدون تهم وبدون محاكمة لأنه لا يوجد أي دليل ضدهم يدينهم. لقد أراد شارون أظهار نفسه مظهر الحريص على نجاح مساعي باول.
هذا وكان الوزير الزائر تحدث مع الوزير الأول الإسرائيلي حول ما أسماه "المستوطنات غير القانونية"،وكأنه يوجد مستوطنات قانونية وأخرى غير قانونية في الأراضي المحتلة بالقوة وحيث أنه لا يجوز للاحتلال مصادرة الأراضي والاستيطان فيها رغما عن أنف أصحابها وتجاوز القرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.أما شارون الذي لغاية الآن لم يعلن موافقته على خطة الطرق وخارطتها الملونة، بالرغم من أن الجانب الفلسطيني وافق عليها كما جاءته وبلا تحفظات لأنه سحب التحفظات حفاظا على سلامة الخطة من الفيتو الإسرائيلي. ويعتقد الجانب الفلسطيني أنه بهذه الموافقة غير المشروطة سوف يحشر شارون وأمريكا في الزاوية. هذا يحدث عندما يكون المحشور الطرف الفلسطيني والرافض كذلك الطرف الفلسطيني أما فيما يخص شارون وغيره من قادة إسرائيل وطرفهم الإسرائيلي فأن كل ما يتعلق بالمساءل المصيرية والنهائية والأمنية مقدس ولا يمكن الموافقة عليه بسهولة وبدون العودة للشعب وإسرائيل تقول لا ولا أحد يجب