|
المسافة بين الازدهار والدمار
عبد الزهرة العيفاري
الحوار المتمدن-العدد: 1645 - 2006 / 8 / 17 - 11:10
المحور:
الادارة و الاقتصاد
دراسات في الإقتصاد السياسي المسافة بين الازدهار والدمار
الدكتور عـبد الزهـرة العـيفاري موسكو 2006 1 المسافة بين الازدهار والدمار
في صيف 2003 ، وبعد سقوط نظام الطاغية المهزوم بفترة قصيرة نشرت مجلة الثقافة الجديدة العراقية ( العدد 309 ) مقالا ذا عنوان جذاب وصارخ بكل معنى الكلمة . بحيث يمكن القول انه مقال الساعة . وكان بعنوان : " سبيل الازدهار الاقتصادي بعد صدام " . بقلم د . أريـيـل كوهـيـن و د . جـيرالـد أوديـسكـول . ولعل عنوان المقال هو الذي اغرى محرر المجلة بحيث جعله يدفع المقال للنشر . واقول "اغرى " لكي ادفع عن المحرر تهمة تسريب المقال المذكور وتقديمه للقارئ العراقي بتعمد في ظرف دقيق مثل الذي اعقب انهيار نظام الصنم الضرورة . الامر وما فيه ، ان المقال يتنافى ويتعارض ويتنا قض تماما ًمع المهمات الصحفية لمجلة وطنية مثل الثقافة الجديدة باعتباره مكرسا ً ضد مصلحة العراق اولاً، ولانه يقود القارئ الى متاهات وانطباعات غير واقعية بخصوص الاقتصاد الوطني و بالتالي لا تتناسب مع الثقافة التي ينشدها المواطن ثانياً. وعموما انه كان مقالا موجها ليس لازدهار العراق بعد صدام (كما جاء في العنوان ) وانما لدمــار العراق الذي لم يسعف الوقت صدام لانجازه عندما كان في الحكم . الامر الهام هنا :ان المقال المذكور كان ينطوي ، بصورة واضحة ،على مهمة معادية لمصالح العراق كدولة . ولكن مع ذلك استطاع كاتبه ان ينشره في العراق بالذات وفي "الوقت المناسب " ، بل والاكثر نجاحا ًبالنسبة له انه سربه بواسطة مجلة ذات مهمات وطنية قطعا . وبذلك توخى تحقيق امر هام وهو ارباك الاختصاصيين الوطنيين من خلال نشره على صفحات "الثقافة الجديدة" . وامام هذه الحقيقة قد تحاول هيئة تحرير المجلة التملص من الذنب الكبير على اعــتبار ان المــقالات " تعبر عن آراء اصحــابها ". في حيـن هـذه " طلعة" غير مقبولة في هذه القضية خاصة . فنحن اذ نتحاور ضمن موضوع يمس مصلحة وطنية لا ينبغي التفتيش عن ( تخريجات ) هي في الواقع كثيرة وكثيرة جدا ًاذا ما جرى التقاطها. الحقيقة ، ان قاعدة كهذه ذات حدين . فهي وكأنها تعبر عن منطلق له مفهوم ديمقراطي يتيح للقارئ الاطلاع على اراء الآخرين وتقف حائلا في طريق اقصاء الرأي الآخــر . ا لا ان عبارة " تعبر عن آرء اصحابها " قد تفسد النوايا الطيبة وذلك عندما تتسرب اراء مضرة ومشوشة للقارئ بل وقد تكون معادية للمصلحة الوطنية كما هو الحال بالنسبة لمقال كوهين هذا . ولكن اذا كان " الهاجس " هو توفير الديقراطية فينبغي اذن اعلان موقـف صريـح ازاء مـادة المقـال من قـبل الناشر مباشرة وبذلـك يتـم ضمــان "الحق " للطرفين . على ان هناك حلا ًآخر ، باعتقادي ، كان يجب العمل به وهو: ان تنشر المجلة المقال ( في حالة رغبتها ) شريطة ان تضع هيئة التحرير يدها على اوجه الاختلاف ثم تعرضه على اصحاب الاختصاص لاستحصال وجهة النظر السليمة بخصوصه ، ثم تنشر المادتين في آن واحد ، مع تأكيد المجلة على وجهات النظر العلمية التي تقرها هي كطرف سياسي مسؤول . علما ان هذه مهمة غير سهلة من الناحية العملية ، ذلك ان الامر يتطلب من المحرر المسؤول هو نفسه ان يكون على علم بما منوط به من عمل . وهذه حالة يبدو انها مزمنة في صحافتنا التي ينبغي ان تكون متميزة . ولكي نكون على تماس مع القارئ رأينا تشريح المقال المذكورمع الدعوة للتفتيش عن المجلة وقراءة المقال نفسه .
تشــريح الـمـقـال قبل كل شيء ،ان المقال يخص موضوعا شائكا وهو جديد ( نوعا ما ) على الصحافة والقراء معا . ألا وهو موضوع الخصخصة ( أي خصخصة ممتلكات الدولة . وذلك ببيعها للقطاع الخاص اولشركات ربما ليست عراقية أساسا ً. ان الخصخصة كإجراء اقتصادي امر اصبح يحتمل الكثير من التأويل بسبب الضجة الاعلامية المفتعلة المقامة بشأنه . واضافة الى كل ما نسج حولها من اساطير توصف في الصحافة االعالمــية المشبوهة كوسيلة من وسائل الازدهار الاقتصادي . والواقع ، مما يعقد دراسة او حتى فهم سياسة الخصخصة هو هذا التعتيم الاعلامي الجائر بخصوص النتائج الفعلية لها . وبذات الوقت تعتبر الصحافة الروسية المعارضة قليلة وضعيفة وفقيرة ، ولكنها مع ذلك استطاعت ان تكشف جوانب من عملية النهب والسلب التي واجهها الاقتصاد الروسي بواسطة الخصخصة. الى درجة ان الدولة اخذت تعلن منذ خصخصة املاكها قبل عدة سنوات عن عجزها وفشلها في ايقاف التدهور في كافة مرافق الحياة ، بل وفي توفير ابسط الظروف العادية للسكان . اما التعتيم الاعلامي الذي تصر عليه الصحافة العالمية الموجهة من جانب الاحتكارات فهو في الواقع يشكل قوة قد تفوق في اغلب الاحيان القوة البوليسية والدكتاتورية المسلطة على اكثر شعوب العالم . ولعل هذه الظروف وغيرها هي التي دفعت السيد كوهين الى تقديم الخصخصة بثوب وردي والى اعتماده طريقة قلب الحقائق والايغال في محاولة ايـهـام الـقارئ بضرورة خصخصة املاك الـدولة العراقيــة ابـتداء من الثروة الـنفـطـية !َ!! وليس من مادة اخرى !!!. وخدمة للنقاش المثمر الذي سوف يحصل عند كشف الاسلوب الصحفي الذي اختاره الكاتب كوهين ، رأينا تقديم تشريح لمقاله وربما في ذلك فوائد اخرى : ـــ 1 ــ لقد اختير للمقال عنوان جذاب لا يختلف اثنان على اهميته ، لانه يدعوالى " ازدهار " العراق بعد صدام . وهذه ضربة صحفية ( معترف بلباقتها في عالم الصحافة ) . 2 ــ المقال يحتوي على " توصيات " محددة . ويبدو انها تؤلف جوهرذلك "الحماس " المنقطع النظير نحو الاقتصاد العراقي من قبل السيد كوهين ( وهو غير عراقي ) . 3 ــ المقال مطرز بعبارات طنانة مغرية للقارئ . اذ يكتب صاحبه : ـ " تدعو الحاجة الى سياسة اقتصادية سليمة لمساعدة العراقيين على اعادة بناء حياتهم وبلدهم ... ثم يذكر حقيقة ، ان نظام صدام دفع العراق الى الافلاس بدليل تلك الديون التي خلفها ... ثم يستمر الكاتب بالتلاعب بالعواطف فيكتب عبارات غاية في الاهمية حقا ً: ــ " ان مستقبل العراق لا يعتمد فقط على اسقاط النظام الارهابي بل وكذلك على مقدرة قادة العراق الجدد على معالجة الخراب بسياسات تحفز النمو الاقتصادي الفعلي " ويزيد : ــ " ثمة حاجة الى دعم دولي لتفعيل ستراتيجية مزدوجة بغية ضمان الامن ودفع الاقتصاد الى النمو " . وبعد حرق كل ذلك البخور بين يدي القارئ يمد السيد ارييل مخالبه ليرسم طريق "الخلاص " للعرا ق المسكين . فيدعو الى تبني " حزمة" من "الاصلاحات " الاقتصادية . وهي ــ برأينا ـــ عبارة عن عبوة ناسفة ملفوفة بباقة من الزهورلغرض التمويه . ويقول مباشرة ( ص 39 ) ... اسمع رجاء ..." فالحكومة الاتحادية التي تعقب نظام صدام يجب عليها استحداث نظام قانوني " يحترم " حقوق الملكية !!! ويتيح المجال للخصخصة .. ( وهنا كما يقال مربط الفرس ) .. وايغالا ً في الدعوة المشبوهة الى الالتزام بهذه الاجراءات يقدم الباحث تفصيلات من شأنها ان تمهد الطريق الى تحقيق الخصخصة . ويبدو ان اكثر شيء يقلقه هنا هو احتمال عدم قبول الشعب للعملية التي يريد تنفيذها ، لذا فهو يطلب من الحكومة : ــ الشروع بحملة عامة لنشر المعلومات من اجل تهيئة الناس لتقبل الاصلاحات البنيوية والخصخصة . ثــم .... توظيف عراقيين مغتربين ومن يحسنون العربية من سواهم (اي غير عراقيين) من الذين تعلموا في الغرب . ... وبعدها يعطي نصيحة اخرى كان قد جربها ( جماعته) في روسيا عندما "قرروا" ان تطرح هذه الدولة ارضا وتسحق حتى العظام وتبقى طول عمرها تسحب اذيال الفشل .. والنصيحة هي ان ترفع القيود عن الاسعار. اي اتخاذ سياسة اسمها في دروس علم الاقتصاد : ليبرالية الأسعار.وهي السياسة التي اتخذت في روسيا بعد اسقاط الاتحاد السوفيتي . وتحديدا عام 1992. ويجب القول بهذه المناسبة : ان هذه السياسة وحدها كانت الاداة الرئيسية التي اعتمدت من قبل (الاوساط !!!)التي تولت تهديم بناء الاقتصاد الروسي في طول البلاد وعرضها . والملفت للنظر ان هذه الاداة من الجبروت والقدرة انها ادت الى تهديم اقتصاد تلك الدولة الكبرى في العالم خلال يوم واحد فقط . اي في اليوم الاول من صدور القانون الخاص بليبرالية الأسعار ، الامر وما فيه ان التركيبة التجارية الجديدة ( على صغرها حينذاك ) المنتشرة على كافة الفروع سواء كانت انتاجية اوتجارية اوخدمية وفي كل المناطق الجغرافية من البلاد اصبحت هي سيدة الاسواق التجارية والصناعية واسواق المواد الانشائية والاراضي والبنايات والنقل وحتى مؤسسات الطب والصيدليات والتعليم ....وكل شيء في حياة البلاد. مما سبب اضطراب كافة عتلات الحياة بضربة واحدة . وبجانب كل هذا ، كانت عملية الخصخصة تجري بسرعتها (المقررة) بقصد توسيع دائرة الرأسماليين من العناصر المتنفذة في الدولة والحزب والنقابات والمافيات المستحدثة لغرض حماية ( نظام المنتفعين بالخصخصة ) و وكلاء الأمن والدبلوماسيين وتجار الجنس وغيرهم الكثير من سكنة العروش العالية . اما جوهر سياسة ليبرالية الاسعار التي يريدها لنا ارييل ( بدون ان يدعوه اي احد منا لتقديم نصيحة او اقتراح بخصوص ترتيب البيت العراقي ) ،ان تمتنع الدولة بموجبها عن التدخل في امر تنظيم الاسواق والتجارة . تاركة الامر للتركيبة التجارية وحسب ارادة اصحاب المصالح . وبالتالي ترك المواطن المستهلك وحيدا يواجه ارتفاع الأسعار والمضاربات السوقية دون ان يجد بجانبه لا ناصر ولا نصير . وقد رآى الناس بالعين المجردة ومنذ ذلك الحين كيف انقسم الشعب في روسيا ذو الاقتصا د المخطط والعيش المضمون والخدمات المتوفرة للناس البسطاء ، الى اقلية تصعد الى عروش الثروة المفرطة واكثرية ساحقــة تجري بسرعة الى مكانها تحت خط الفقر . وليس لديهم اي امل بتحسين لظروف معيشتها في المستقبل القريب او البعيد . ــ ولم يتحرج كوهـيـن من تـناول الـثروة النفطية العراقية لتكون المادة الرئيسية التي تتصــدر عملية الخصخصة !!!! . كما يوصي بخروج العراق من منظمة اوبك .!!!. والعالم كله يتذكر ان العــراق كان من مؤسسي الاوبك ، بل وان الاوبك انما اسس كان بمبادرة عراقية عام 1960 .....ويبدو ان هذا الكوهين اراد ـــ وباعتراف منــه ـــ ان تندفع السياسة النفطية العراقية في المستقبل ، كما يقول هو نفسه : " بدون عوائق"(ولم يقل بدون ضوابط ) .... لصالح العالم الذي يجني الفــائدة من زيادة العرض و"استقرار" السعر في اســواق النفط ( ص 41 ) . وهذه " النصائح " ( الفذة) في الواقع ــ كما يعرفهاالمتخصصون في موا ضيــع عولمة الاقتصاد العالمي ــ مأخوذة حرفيا من سياسة الشركات الاحتكارية متعددة الجنسية ( ت . ن . ك ) و ( ت . ن . ب ) . وتتناسق مع الأيديولوجية الصحفية المعولمة التي تدعو الى فتح الحدود امام الشركات المالكة للتكنولوجيا الحد يثة لا ستثمار الثروات الطبيعية الموجودة في البلدان النامية . اي للاستحواذ على تلك الثروات حسـب قواعد شريعة الغاب وعلى حساب الاستقلال والسيادة الوطنية للدول ذات الثروات .
دروس الماضي
ولم يكتف ارييل كوهين بما قدمه من وجهات نظر، تلك التي حسب رأية ، لا تقبل النقاش،بل و كان يصورها على شكل بلسم من شأنه ان يشفي جروح العراق كلها . اذ نجده يتمادى فيقدم الدروس للعراقيين حول الخصخصة التي عرفها العالم وسمع بنتائجها الكارثية . ولكنه يقدمها لا على حقيقتها وانما بالشكل الذي يلائم هدفه النهائي من المقال . وهنا ، في الواقع ، تبدأ اللحظات الحرجة في المناقشة معه . ووجه الحراجة ليس في عمق الموضوع الذي يطرقه او صعوبته . بل لأن السيد ارييل نفســـه سمح لنفسه بــأي ثـمن كان ان يجـعل القارئ ( او لعله تصـور ان يجعل القارئ ) في دوامة غير مألوفة من وجهة نظر النشر الاقتصادي و الاحصائي العالمي . فهو في " دروس الماضي " التي زجها في المقال المذكور استخدم الفبركة والتلاعب بالحقائق وتصوير الامور بعكس ماهي عليه . وهو بهذا قام بعمل مشين لنفسه ، ذلك ان القواعد الصحفية تشير الى انه اذا ما تم على صفحات وسائل الاعلام نوع من الفبركة المكشوفة فيكون الغرض حينذاك مفضوحاً ايضا ً . ويصبح هدفه واضحا ًوهو الايقاع بالقارئ الذي هو في واقع الامر انما يفتش عن الحقيقة ليطلع عليها واذا به يواجه فبركة وأحابيل كوهينية . ويلاحظ القارئ الكريم انني حاولت هنا تعداد كلمات كثيرة لابتعد عن لفظة معينة كانت فيها الكفاية الكافية لو قيلت في نعت الوسيلة التي لجأ اليها المرقوم عند القاء دروس الماضي التي سننقلها للقارئ ادناه . والمقصود من كلامي هذا ، انني تحاشيت ان اكتب لفظة (الكذب من جانب السيد ارييل ) في نقل الوقائع . والغريب في كوهين انه سرح في خياله ونسي ان الباحث بامكانه احيانا ان يكتب اراءه ورغباته كما يشتهي ويريد ويعلن للملأ انه يصر على آرائه تلك وينهي الامر . الا انه مع ذلك سيقترف خطأً فضيعا ومكشوفا اذا ما تجاهل علم الاحصاء اواتبع طريقة قلب الحقائق التي اخذت الناس تعرفها منذ وقت بعيد .وهذا الخطأ بالذات هو الذي وقع فيه ارييل كوهين . ففي دروسه التي احتلت ست صفحات من المجلة يدعو السلطة التي تعقب صدام الى الاستفادة " من خبرة حملات الخصخصة "والاصلاحات البنيوية في بلدان اخرى ... والدرس الاول بالنسبة له : ان الخصخصة ناجحة في كل مكان !!!.. ثم يعدد حسنات هذه العملية على اعتبار انها ادت الى ارتفاع انتاجية العمل والنمو السريع وانخفاض كلفة الخدمات المقدمة للمستهلكين !!!!. وان الخصخصة تساعد على زيادة عوائد المبيعات والاسهم والسندات ( دون ان يقول كلمة واحدة : لمصلحة من تعود تلك العوائد وارباح تلك الاسهم والسندات ) . والدرس الثاني : كما يكتب : يجب ان يرافق الخصخصة الغاء القيود على الاسعاروالتحويل الخارجي!!! ( اي اتباع سياسة ليبرالية الأسعار التي ( كما بينا انفاً) حطمت اقتصاد روسيا وغيرها من الدول التي سقطت معها ). وبجانب هذا يقرر كوهين وجوب الغاء العوائق امام دخول الاجانب الى العراق !!!! ( ص 42 ). ثم يستمر في املاء الدروس الاخرى وتشمل :مثلا ً ، الاستغناء عن القوى العاملة الزائدة ( يعني اطلاق العنان للبطالة في البلاد ) ،واقامة نظام خاص لأستقدام الشركات المختصة بادارة عملية الخصخصة !!!!ثم اشراك بعض العمال والاداريين بامتلاك بعض الاسهم " لتفادي التوترات الاجتماعية " ( اي ليكونوا في جانب ارباب العمل والشركات )... وغير ذلك ... وغير ذلك من النصائح ... وكلها منشورة على صفحات مجلتنا ـ مجلة الثقافة الجديدة !!! ثم عندما يتكلم عن خصخصة النفط والغاز وسوق الاسهم يتبجح بالنجاحات التي "احرزتها" روسيا . ودليله على ذلك ان وزارة النفط تحولت الى احتكارات اقليمية ، وان الشركات المساهمة باعت اسهمها الى الروس ( اي الى الرأسماليين الروس الجدد ) في بادئ الامر ومن ثم الى الأجانب !!!!. وفي ( ص 43 ) يجرب ارييل كوهين ان يخرج من طوره ، كما يقال ، ويكشر عن اسنانه . ولعله اعتبر ان ذلك جزء مكملا ً للمقال المكتوب . اذ يكتب ...." ...فالاقتصاديون الوطنيون يـعتبرون النفط " ارثا وطنيا ". اما الاشتراكيون والاسلاميون المتطرفون فيطلقون صفة "الامبريالية "وغيرها من المثالب على امتلاك القطاع الخاص والاجنبي لموارد بلدانهم الطبيعية . ... ( لاحظ رجاء ماذا يكتب بعد هذا ) ...وليس لهذا الخطاب سوى غرض واحد هو ابقاء قطاع ثمين ومربح في يد النخبة الحاكمة ) . ثم يطلق لنفسه العنان ليحدد هوية النخبة الحاكمة فيقول : " سواء كانت مكتبا سياسيا لحزب شيوعي ، ام دكتاتورا ( وهو يقصد بالتاكيد انظمة البلدان النامية المالكة للثروات النفطية ) ام جماعة من الملالي ( يقصد ايران بالتحديد ) . ثم اخيرا لم يستطع الا ان يكشف الاطماع للجهات التي يمثلها فيستمر قائلا : " فالواقع هو ان النفط سلعة يجب ادارتها حسب القوانين الاقتصادية وافضل خبرات ادارة الاعمال " . وهو في هذا ينطلق من مخـطـط زمـلائه الـذين نشــروا " نظرية قتح حدود البلدان ذات الثروات الطبيعية امام الشركات متعددة الجنسية ذات الخبرات التكنولوجية " و دون التقيد بمقولات الاستقلال والسيادة أوغيرهما من " التعابير التي يعتبرونها بالية " !!!! . وعندما يشرف المقال على الانتهاء يكتب كوهين هذا درسا ً آخر من النصيحة : " ان العراقيين المغتربين والعرب المتعلمين في الغرب يجب تعيينهم في وضائف رئيسية في الحكومة ." ...!!! ( ص 45 ) .
مع المجلة مرة اخرى !
بعد التشريح الموجز لمقال السيد كوهين نود التوجه الى هيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة ( وهي مجلتي التي لم اكن بعيدا عنها في السبعينات خاصة ثم لمساهمتي حينذاك في تحرير جريدتنا " طريق الشعب " ) لكي نقف معها في هذه الظروف الحالكة . ولكن بذات الوقت ، ان وقفتنا الحميمة بجانبها تقترن بالعتاب بسبب نشرها مقالاً ًتضليليا ً كهذا بدون تعقيب . في حين هو موجه مباشرة لإفساد الحياة العراقية ومستقبل الوطن العراقي . وكم نود التأكيد عليها بخصوص ضرورة اتباع اسلوب التمحيص والتدقيق قبل نشر المواد الاقتصادية او غيرها خصوصا في زمننا الذي نعيشه الان ، زمن العولمة المعاصرة والحرب الاعلامية الظالمة . الامر وما فيه ان الشركات متعددة الجنسية ومتعدية الحدود لها اجندتها ومخططاتها تجاه البلدان النامية تحديدا . ولهذه المؤسسات مفكروها وقادتها وهم من مستويات عالية في مجالات النشر الصحفي وتقديم انفسهم الى الصحافة كخبراء "لا يجوز التشكيك بنواياهم ونصائحهم "!!!....والسيد ارييل كوهين الذي قدم لنا "الدروس " بقصد " ازدهار العراق " يبدو انه واحد من اولئك " الخبراء" . الا ان الخطأ الجسيم الذي وقع فيه كوهين يكمن في كونه قدم "حزمة "من النصائح دون ان يكون مدركا للخصوصية العراقية الفريدة . وهي خصوصية لم يصادفها ( الكوهينيون ) في حياتهم في اي مكان حلوا فيه . وهي تكمن في الجذر العراقي الذي يسكن في كيان كل مواطن في بلاد بين النهرين . فما بالك في العلماء الاقتصاديين العراقيين . فلقد قدر للعالم العراقي ان يزاوج علمه بوطنيته .. نعم هذه الخصوصية التي نقصدها وهـي قلما تجد مثلها في اية بقعة من بقاع ارض الله. ومن الطبيعي جدا ان لا تكو ن مفهومة بالنسبة "للخبير " كوهين . وفي سبيل التعرف على الانطباع العام الذي تكون لدينا عن هذا المقال فيمكن ايجازه بما يلي : وهذا الكلام مـــع المجلة ... اولا ً ـ ان المقال يعتمد على قلب الحقائق الموجودة على ارض الواقع . وهذه طريقة متبعة لدى خبراء و ايديولوجيي الشركات الاحتكارية جميعا وليس لدى كوهين وحده . فالموضوع هنا يتعلق بخصخصة الثروة الوطنية التي تسعى الاحتكارات حسب اجندة اقتصاد العولمة المعاصرة الى الاستحواذ عليها باية طريقة كانت بما فيها طريقة الخصخصة . و كما رأينا من تجارب العلاقات الاقتصادية العالمية ان رأس المال الاحتكاري يستطيع ان يظفر بالثروات الوطنية لأي بلد بسهولة فقط عن طريق المضاربات والمساومات مع القطاع الخاص بدون رقابة الدولة ولذا فهو يصــر على الخصخصة !!!. بمعنى ان امامه فرصة فريدة من نوعها : الا وهي نقل ملكية الثروات الطبيعية وغيرها من ممتلكات الدولة الى ايدي الافراد . نعم ...هكذا يرى مفكرو الشركات العالمية الكبرى (من شاكلة كوهين ) ولذا يقومون بتزويق الخصخصة في عيون الناس . ولا سبيل الى ذلك سوى الاغراءات حتى اذا كانت مبنية على الاوهام . ثانياً ـ يبدو ان كاتب المقال رأى ضرورة الاسراع في استغلال الوضع الشاذ في العراق . فنظام صدام قد امات التعليم والثقا فة بما في ذلك الثقافة الاقتصادية . وربما هذه الحال هي التي شجعت الكاتب المذكور على بث افكاره المشبوهة حول الخصخصة . سيما وان الشعب ومثقفيه يواجهون يوميا اعمال الارهاب والتقتيل والخوف والذعر . اذن لا مجال لدى الاختصاصيين ( حسب وجهة نظره ) ترك مشاكل الارهاب والنزول الى مناقشة الخصخصة اوغيرها . و بناء على هذا ظن هذا السيد ان كل شيء سوف يمر كما يريد ويشتهي . ثـالثا ًـ ان التحليل النـفسي للصيـغ والعبارات وبـناء الافـكار التي احتواها المقال يــدل ــ برأينا ــ على صفة مخابراتية مكتوبة خصيصا لظروف قريبة من ظروف العراق . وهكذا ...وفي ختام التشريح لمقال كوهين اتوجه صادقا ً لهيئة تحرير "الثقافة الجديدة " طالبا ً منها التدقيق في المواد قبل نشرها . وحتى اذا رأت المجلة نشر مقال ما وترى ان عليه بعض الملاحظات الفكرية او العلمية فيجب تبيان كلمة المجلة( حسب الاسلوب التي تراه ) فيما يخص الافكار الخطرة .. وفي ذلك ايضا فوائد جمــة للقراء وللفكر عموما . وربما يترتب على هذا الامر ان صاحب المجلة ملزما ً بعدم ترك الحبل على الغارب فيما يتعلق بهيئة التحرير . .
2 خبراء يتجاهلون الارقام
من اكثر الأمور غرابة ان تجد باحثين او" خبراء !!!" في الاقتصاد لا يعيرون اهتماما ً للأرقام او الاحصاءات الرسمية .او انهم يتجاهلونها عن عمد عندما يتحدثون عن الخصخصة والتضخم والغلاء او لدى الكلام عن حالات تتعلق بالاستخراج والإنتاج والتجارة والصناعة والعمــالة والأرباح وما إلى ذلك . ويحق لنا ان نضع علامة استفهام كبيرة أمام اسم الباحث الذي ليس فقط يتجاهل الإحصاء والأرقام ، بل ويميل إلى تزوير المعلومات التي تتعلق ببحثه بغية تمرير منطلقاته الفكرية الذاتية على القراء . وعموما لا تعتبرالبحوث الاقتصادية ناجحة اذا ما تجردت من المعطيات الاحصائية الموثقة . وبنفس الوفت تعتبرتلك البحوث هزيلة اذا ما استخدمت فيها الاستنتاجات ذات الطابع الذاتي المفتعل والتي لا تأخذ بنظر الاعتبار الآراء التي تهم المجتمع . هذه ، في الوافــع ، قواعد عامة لا يختلف عليها اثنان . وتخص كافة البحوث ومهما كانت أهميتها صغيرة اوكبيرة . فكيف الامر إذن إذا كان البحث يخص دولة كبرى كالاتحاد السوفيتي الذي كان صوته داويا في الكون .ولكنه أصبح الآن قاعا ً صفصفا وتناهبت ثرواته الأيادي ثم سحب سكانه عنوة إلى منحدرات الفقر والبؤس وفقا لسياسة اقتصادية رعناء قوامها الخصخصة وليبرالية الأسعار . من غير المفهوم حقا ، ان يتخطى باحث (او خبير كما اسميناه ) كل الاصول والاعراف الصحفية ويسمح لنفسه نشر مقال حول مأساة اقتصادية ، ولكن بنفس الوقت يقدمه بثوب براق وبعيد كل البعد عن ثوبه الرث ــ ثوب (الخصخصة ) التي نفذت في (الانحاد السوفيتي ) وظهرت للعيان اثارها المؤلمة لهذه البلاد وشعبها . والغريب ان باحثا ً كالسيد كوهين يدخل الحلبة ثم يقلب الحقائق حول هذه القضية المفضوحة في مقاله الذي نشرتة له مجلة وطنية !!!. . فتحت عنوان ثانوي ( ص 43 في المجلة المذكورة ) الموسوم بما يلي / الدرس الثاني : تؤدي خصخصة النفط الى رفع الكفاءة وتفعيل سوق الاسهم . وهو اذ يقدم هذا الدرس للعراق يظهر نفسه وكأ نه ينطلق من " الرغبة " الشديدة والشديدة جداً في تطبيق ذلك في بلادنا لكي " ترتفع الكفاءة " عندنا ايضاً سوية مع تفعيل "سوق الاسهم " !!! " كما ارتفعت في روسيا " يكتب كوهين ما يلي : نتائج خصخصة النفط الروسي مدهشة . اذ حققت الشركات المخصخصة زيادة هامة في انتاجها وصادراتها وساعدت على تفعيل سوق الاسهم . .... ثم يستمر يكتب :في غضون ذلك استطاعت الشركات الروسية المخصخصة اجتذاب اجانب لشراء اسهمها !!! . وهـكـذا نلاحظ هنا ...: ـــ ــ نتائج خصخصة النفط في روسيا مدهشة !!! ــ سبب الدهشة يكمن في زيادة الانتاج والتصدير !!! ــ الشركات الروسية التي استحوذت على النفط عن طريق الخصخصة اجتذبت اجانب لشراء اسهمها !!! اذن هذه هي الكفاءة كما يفهمها كوهين !!! وهي بالذات التي ادهشته . ثم تذكر فجأة العراق وقرر تقديمها لنا كتحفة. !!! قبل كل شيء ، يجب عليه ( كخبير ) ادراك ان الكفاءة ليس دائما في زيادة الانتاج والتصدير . فهنا سؤالان تجب الاجابة عليهما : تحت اي دوافع يتم الانتاج ثم لمصلحة من يجري التصدير .واذاكانت الاسهم في ايدي الشركا ت وانها ببساطة تنتقل الى الاجانب فماذا يبقى لنا حتى يريدنا كوهين ان نندهش مثله؟!!! ان كوهين لم يكن صريحا مع القراء في هذه المرة ايضا ً. بل اتخذ دور المراوغ الشاطر .لانه يريد بأي ثمن كان اقحام العراقيين بهذا النفق المظلم . نعم... لقد ازداد انتاج النفط في روسيا بعد الخصخصة .. بل وبشكل ملحوظ جدا . وان " الجهود" جارية للمزيد من الانتاج ايضا !!!-ً. وان كوهين يعلم ان هذه الضاهرة تصب ليس في مصلحة روسيا كبلاد بل في مصلحة سادة الشركات الخاصة التي تألفت بعد الخصخصة . وهذا حصل عندما تحول جزء كبير من الثروة النفطية الى ايديهم . وهؤلاء انفسهم يسعون الى المزيد من استخراج البترول من باطن الارض وبيعه في السوق العالمية واستلام المليارات من الدولارات لتستقر في حساباتهم خارج الحدود ما دامت الفرصة سانحة حتى لو ادى ذلك الى نضوب الآبار النفطية في بلادهم !!. والاكثر من هذا ان عمليةالاستخراج من قبل القطاع الخاص تعتبر "ضرورية" للعملية اللاحقة التي هي استمرار الصفقات مع الشركات الاجنبية حيث تنتقل اليها الاسهم الروسية حسب الاصول !!! كما جاء في المقال . اما لماذا يسمي كوهين عمليات النهب هذه "رفع الكفاءة " ويضفي عليها اصطلاحا ً اقتصاديا ًايجابيا ً فخما ً فالامر متعلق ، كما نعتقد، بمهمته المهنية التي فرضت عليه التلاعب حتى بالاصطلاحات الاقتصادية الاكاديمية . . الأرقـــام تـتـكلـم
عندما ندع الارقام تتكلم نتوقع ان يستمر كوهين و صاحبه السيد جيرالد في التمتع بالدهشة . تلك الدهشة الناجمة من تحقيق الاحلام لديهما من جراء سقوط الاتحاد السوفيتي اولا ثم انسياب ثرواته تدريجيا ً الى خزائن الشركات الكبرى( ت . ن . ك ) بواسطة المالكين الجدد الذين اوجدتهم الخصخصة . الا ان هناك بالمقابل دهشة اخرى لدى الناس على ااختلاف عقائدهم ومصالحهم والمنطلقات السياسية التي يؤمنون بها ، بل وحتى لدى اقتصاديين وسياسيين حياديين في العالم . اذ كيف تسمح سلطات دولة لنفسها اجراء خصخصة لممتلكاتها الستراتيجية وثرواتها الطبيعية ثم انها تستمر فيها بالرغم من انكشاف اضرارها بالنسبة لحياة البلاد الاقتصادية والاجتماعية ؟ !!!. واذا كان السيدان كوهين و صاحبه جيرالد قــد سمحا لنفسيهما اخفاء نتائج الخصخصة في روسيا فنحن غبر معنيين بهما ولا بالمهمة الدعائية التي ارادا تسريبها من خلال مقالتهما التي نشرتها لهما المجلة . وبذات الوقت سوف نقدم بعض المعطيات عن النتائج الكارثية للخصخصة لكي لاينظر الى انتقادنا لهذه العملية مجرد مناوشة كلامية مع اناس مغرضين وجدناهم على قارعة الطريق . فالارقام في البحث الاقتصادي هي سيدة الموقف .
لماذا الخصخصة ؟ قبل كل شيء يجب اعطاءجواب كامل عن السؤال المهم : لماذا الخصخصة؟ ان اغلب البحوث والمقالات والتصريحات التي تؤيد او تطالب بالخصخصة لم تذكر الاهداف الرئيسية لهذه العملية صراحة كما ذكرها كوهين . كل ما في الامر ان ما يجري الايحاء به من خلال النشر الصحفي هو التنويه المبتسر وكأن الهدف هو تعديل في مسار الملكية عن طريق جعلها بيد القطاع الخاص وبالتالي استخدام الخصخصة لغرض ازدهار اقتصا د البلاد !!!!. ويبدو لسبب ما ، ان اندفع الباحث ( المخابراتي ) د . كوهين فاشار الى انتظار الشركات العالمية صفقات الاسهم التي سيتم شراؤها او تقاسمها مع ( زملائهم الجدد ) من الروس . كما ان التحليل الاجتماعي ـــ السياسي يبين ان الامر له ابعاد اخرى اكثر التصاقا ً بمصائر البلدان وبالسياسة العالمية التي يطرحها قادة العولمة اليوم . والدليل على ذلك هو الاصرار الشديد على الخصخصة من جانب المؤسسات التسليفية العالمية ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وذلك في حالة تقديم القروض للبلدان ذات الحاجة لها . اضافة الى فرض الشروط السياسية خلال المفاوضات غير المتكافئة بين الدول . ثم أن الصحافة لا تخلو من مواد تدعو مباشرة الى تنفيذ كافة اجندة العولمة بكل تناقضاتها حتى وان كانت تتعارض و المصلحة الوطنية. فيقول احد المفكرين العرب المـعـولـمـين ( على سبيل المثال ) في ندوة علمية : " أن التمسك بالسلطات والسيادة المطلقة من جانب الدول بدأت تخف شيئا فشيئا وسيأتي اليوم الذي تشعر فيه الدول شعور اليقين بأن عالم اليوم يجب ان تختفي فيه الحدود لتتعايش فيه الشعوب (!) …ومن ملامح هذا التوجه العام ذوبان القومية الوطنية في أشكال من الشراكة والتكتلات وسقوط ما يسمى بالحواجز القائمة على التميز العرقي أو الديني" ( المصدر " معلومات دولية . دمشق ص 64 مفالة الادريسي العلوي ) . وفي سبيل تحديد ما تتطلبه العولمة من عوامل الهيمنة على الموقف العالمي عقد باحثون يمثلون عشرات الدول كونفرنسا في ريودي جانيرو – البرازيل برعاية هيئة الأمم المتحدة في (عام 1992 ) وافصحوا عن أرائهم بالنسبة للسياسة الاقتصادية العالمية وتحديد وجهتها في الظروف الراهنة . وكما كان متوقعا فان اتجاهاتهم الفكرية وتوصياتهم العامـــة اشتملت صراحة على دعوة ما تسمى بالبلدان الضعيفة التطور والغنية بمواردها الى التساهل و فتح حدودها للاستثمارات. وفسح المجال للدول التي تمتلك التكنولوجيا المتطورة للاستفادة من تلك الموارد و ترك التمسك بمبدأ السيادة والاستقلال و اعتبارهما مفردات لغوية ( لمفاهيم عتيقة) !!!. وينبغي ملاحظة أن توصيات كونفرنس ريودي جارنيرو كانت تنسجم بصورة واضحة مع التوجهات المعاصرة لاستراتيجية الاحتكارات بشأن خصخصة ممتلكات الدولة ، اي تحويلها الى القطاع الخاص . وتمشيا مع هذا النهج واستنتاجا من وثائق ريودي جانيرو اصبح من المألوف أن تشترط الجهات المالية الدولية على البلدان النامية عند طلب القروض ا والإعانات في الوقت الحاضر القيام بالخصخصة. ويظهر جليا من بعض الشروط التأكيد على بيع ممتلكات الدولة جميعها بما فيها قطاعها الإنتاجي ذي الصفة الاستراتيجية وذلك على الراغبين في الشراء ومن ضمنهم الموظفين الكبار في الدولة تماما كما نقلها كوهين . ثم يصفون الخصخصة هذه وكأنها أداة الديمقراطية والحرية و الرفاه العام التي ينشدها المجتمع. انهــم يكثرون الكلام عن المن والسلوى في حين أن الحقيقة تشير صراحة الى غير ذلك. فالخصخصة في واقعها كما اظهرت الحياة جليا تفضي الى ظهور طبقة من أصحاب الثروات والقدرة المالية العملاقة التي سوف تفرض مناهجها على الدولة.. باتجاه تشديد التمايز الطبقي وحتى نشر الديكتاتوريات والسياسات القمعية في الدولة وذلك لضمان استمرار امتيازات الاليغارشيا وسلاطين المال. ويبدو ان هذا يؤلف جانبا من الاهداف القريبة للخصخصة التي يراد تنفيذها في الدول ذات الانظمة البعيدة عن شعوبها . على ان العولمة سعت و تسعى الى ابقاء الدولة الصغيرة وذات الثروات الطبيعية الغنية بواسطة الخصخصة ضعيفة امام دولة المتربوبل . اضافة الى هذا أن الخصخصة ، كما لوحظت في تجارب كثير من الدول ،لم تجلب النجاح ــ كما يكتب كوهين ــ بل ادت الى اضطرار السلطات على التخلي كليا او جزئيا عن واجباتها امام شعوبها . والخصخصة بالنسبة لرأس المال الاجنبي ( وصنائعه في البلدان النامية ) يعني تكوين فئة اجتماعية ترتبط مصالحها بالشركات العالمية الكبرى ثم تعهد اليها مهمة القيام بدعم الاجراءات الكفيلة بما يؤمن السياسة الاقتصادية المرسومة لبلادها من قبل الشركات المعولمة .
معطيات الاحصاء
لقد تكلم كوهين الكثير .. والكثير جدا ً عن نجاحات الخصخصة !!! . وهي بدون شك نجاحات وهمية . اذ يذكر في مقاله تأكيد ا ًعلى انه "نجم عن الخصخصة ارتفاع انتاجية العمل ، ونمو اسرع ، وتوسع في النشاط وانخفاض في كلفة الخدمات المقدمة للمستهلكين ....الخ ."... ( ص 42 من المجلة )والطريف انه يذكر كذلك ان 41 شركة قد عرضت للبيع ..... ثم يقوم بقفزة رياضية في الهواء وبعدها يقول ..." فاظهرت الدراسة ان الخصخصة تساعدعلى زيادةعوائد المبيعات " !!!و لكنه لم يقل كيف تم رفع انتاجية العمل ؟ ...ولم يقل كذلك ما هي المؤشرات ؟!!!التي تثبت ادعائه . مما يدل على انه يسعى الى دفع القارئ دفعا ً الى التأثر فقط بما يمليه هو من افكار عـــارية من الصحة وتتجافى مع العلم . الا اننا نحسب ان كاتب المقال ، بحكم قربه من البنك الدولي ( وهذا واضح من طريقة تناوله للمشكلة المبحوثة ) يعلم في سريرته ان الخصخصة ولدت آثارا ًثقيلة على البلدان التي حصلت فيها . وبما انه تولى وصف " نجاح " الخصخصة في روسيا فلابد لنا من عرض النتائج الروسية بالذات وهي كافية لدحض كل ماجاء على لسانه . على ان هذه العملية لم تقتصر فقط على المؤشرات الانتاجية . بل بدأت من نهب الممتلكات الحكومية والشعبية من قبل الافراد المتنفذين في الدولة والحزب والمنظمات المهنية . بحيث اصبحوا بين ليلة وضحاها من اصحاب الملايين والمليارات وقد ركلوا المواطنين البسطاء بأرجلهم وتركوهم ينحدرون الى حضيض الفقر والمذلة . بينما هم الذين صعدوا بالامس على اكتاف نفس المواطنين ليحتلوا المناصب الحكومية والدبلوماسية وكانوا يتكلمون باسمهم في المـنـتـديات والمحافل . ولمعرفة حجم النهب الذي مارسه المتنفذون في السلطة من المؤسسات الصناعية والتجارية والزراعية والبنايات والبنوك . .. وغيرها .. وغيرها يجب في البداية تصور حجم المؤسسات والممتلكات الحكومية زمن الاشتراكية . انها مؤسسات ضخمة وذات مقاييس عالمية . وقد جرى بناؤها على مدى عشرات وعشرات السنين من فبل الاجيال التي توالت على تنفيذ ذلك البناء . ولكن السلطات قامت بمناظر مسرحية مفضوحة غايتها اعطاء انطباع وكأن الخصخصة جرت (بالمزاد العلني ) وهي عبارة عن شراء " قانوني " لتلك المؤسسات!!! . الا ان الاثمان التي بيعت بها المصانع والبنايات كانت زهيدة الى درجة غير معقولة واحيانا لا تصدق . وبهذا الخصوص يقدم لنا ليسيشكين في كتابه الموسوم " روسيا تحت سلطة بيروقراطية الغش "الصادر في موسكو في 2003 ادلة ملموسة على عمليات البيع الصورية : فمثلا ً : مصنع اورال ماش ـــ كان يعمل به ( 34 ) الف عامل جرى بيعه بمبلغ (72،3 ) مليون $ .دولارا مجمع التعدين ــ شليابنسكي ، يعمل به (35 ) الف عامل جرى بيعه بمبلغ ( 73،3 ) مليون $ مصنع الاسلحة ( التابع للداخلية ) يعمل به ( اكثر من 10 الف عامل ) بمبلغ ( 7،2 ) مليون $ مصنع التراكتورات في شليابنسكي ( اكثر من 54 الف عامل ) بمبلغ (2 ، 2 ) مليون $ هذه في الواقع امثال بسيطة لعملية البيع . وبعــد ذلك تاتي مسرحية تسديد المبالغ الرمزية تلك !!!.وبالمناسبة للمقارنة نقول : ان تكاليف مخبزعادي يكلف احيانا مليونين دولارا او اكثر !!!. وبما ان السيد كوهين امتدح على الورق الخصخصة في روسيا على اعتبار انها ناجحة في كل مكان ، اذن نزف اليه الارقام الحقيقية لما يتعلق بحالة النمو الذي تكلم عنها كثيرا باعتبارها من نعم الخصخصة : فالارقم القياسية للمنتوجات الصناعية ( مثلا ً ) كانت كما يلي : في حالة اعتبار المنتوجات هذه في عام (1990)كانت تساوي 100% ففي عام (1991) اانخفضت الى 92% وفي ( 1992)الى 75% وفي ( 1994) الى 3 ,51 % وفي (1996 ) الى 7 ، 47 % . اما اذا اخذنا سنة 1996 بالقيس الى 1986 ( اي زمن السلطة السوفيتية ) فان الارقام تعطي صورة اكثر دهشة وربما هي الصورة التي يعتبرها كوهين " اكثر نجاحا " : فلقد انخفض حجم الانتاج الصناعي خلال الفترة المذكورة بمقدار ( 5،5 ) مرة ، الزراعة ( 4) مرات ، انتاج المواد الغذائية انخفض اكثر من ( 5،5 )مرة . وتذكر الاحصائيات الرسمية ان الدخل الوطني في العام 1996 انخفض بالقياس الى عام 1986 ( اي بعد عشر سنوات ) بمقدار ثلاث مرات وبانتيجة فان مستوى المعيشة للسكان تراجع ( بالمتوسط ) بمقدار 200 % (المصدر ــ السابق ص ــ 108 ) على ان الارقام حول حصة الفرد من الدخل الوطني وبالتالي مستوى المعيشة للسكان تخضع دائما لمجموعة من العوامل ومنها : التفاوت الطبقي بين فئات المجتمع ، مستوى رعاية الدولة للفئات الفقيرة ، الحصة الكبيرة من الدخل الوطني التي تفتطعها الطغمة المالية ( الاليغارشيا ) عند بيع النفط والذهب والماس والمعادن الثمينة . هذا عدا مشكلة البطالة المنتشرة في كافة المدن والقرى . فالعائلات التي فيها بطالون وبنفس الوقت اطفال كثيرون لابد وانها تعا ني اكثر من غيرها من المستوى المتدني للمعيشة ....الخ . وقد افرزت الخصخصة حالة جديدة بالنسبة للانتاج عموما . فالدولة بعد الخصخصة اصبحت صفر اليدين تقريبا بحيث لم تعد لها قدرة مالية تدعم بها فروعا اقتصادية مهمة هي في حاجة الى دعم دائم كالزراعة مثلا ً . بل ان الزراعة نفسها اهملت من جانب اصحاب الملايين الذين اتجهوا الى استيراد المواد الغذائية و الاستهلاكية المربحة والتي لا تكلفهم عناء الانتاج والمخاطرة المناخية التي ترافق الزراعة دائما . ونتيجة لذلك انخفضت تجهيزات الزراعة بالتراكتورات خلال اعوام ( 1990 ــ1996)اكثر من 37 مرة وبالسيارات اكثر من 25 مرة وبالاسمدة الكيمياوية 7 مرات وبالحاصدات 14 مرة . ويستطيع القارئ تصور مقدار انخفاض الانتاج الزراعي في البلاد منذ الخصخصة حتى الآن مما جعل حجم الصناعات الغذائية ينخفض الى 44 % عما كانت عليه عام 1990 . (كما جاء في الاحصائيات العامة وجريدة " البرق" وفي كتاب " زوسيا تحت سلطة بيروقراطية الغش " ) . اما انخفاض انتاجية العمل التي تؤلف العامل الاساس للنمو الاقتصادي عموما فمن الصعوبة بمكان الوقوف عليها . ذلك لاضطراب الحياة الاقتصادية وانهدام البناء الصناعي والزراعي ونفشي البــطالة وغياب التقارير عن الانتاج وعدد العاملين في البلاد ... وعوامل اخرى كثيرة .
ليبرالية الأسعار
لـيـبرالـية الأسعار او كـما يسمـيها كوهـيـن " رفع القيود عن الاسعار " ولا فرق بين هذه وتلك . اذ ان الفكرة الاساسية تكمن في عدم تدخل الدولة في وضع الاسواق التجارية بأي شكل كان . مما يعني ترك المستهلكين ، اي ابناء الشعب ، يواجهون وحد هم سلطان التركيبة التجارية وارادتها . ولم ينس المرقوم ان يؤكد ( في ص 45 من المجلة ) رفع القيود بالذات وقبل كل شيء عن اسعار الخدمات والطاقة . وعندما يصل الى هذه النقطة يشعر بخطورة الرأي على اقتصاد البلاد و ان القارئ سوف يطالبه بالشرح والتبرير المنطقي اذا كان هناك تبرير منطقي لديه ! . ثم يتولى هو نفسه "التـبـرير" قبل ورود سؤال !! فيقول : "سيكون التحرير السريع للاسعار مفتاحا لضمان الـعــرض الكافي من السلع للمستهلكين " . ومن هذا يتضح انه اوقع نفسه في فــخ صنعه هو بيديه ولكن من نظرية السوق في هذه المرة . اذ اعترف علانية ان رفع القيود عن الاسعار يؤدي الى تفعيل العـرض فقط ويهمل الطلب ( المرتبط بالقوة الشرائية ) الذي هو المعادل الاخر الذي يجعل آلية السوق مستقرة . و بعبارة اخرى وحسب اللغة الاقتصادية ان كوهين يريد دفع العراق الى شئ يخلق منذ اللحظة الاولى الاضطراب في الاسواق بواسطة التضخم والغلاء الذي لايعرف الحدود . ونقول ( لايعرف الحدود ) ذلك لأن السياسة السعرية اذا ما اريد لها ان تكون مرفوعة القيود فان المنتج المحلي و المستورد سيقوما ن باغراق الاسواق بالسلع مع فرض الاسعار الاحتكارية وانعدام المنافسة عند البيع . اي انهما يقومان " بضمان العرض الكافي " ـــ كما اكــد المقال موضوع البحث . والسبب هو الركض وراء الاربا ح العالية التي تـبـتـزها التركيبة التجارية عن طريق ليبرالية الاســعار التي يريد كوهين توريط السوق العراقية بها . ولو كان ناصحا ً حقيقيا لقال بالنظرية العلمية التي تراعي موازنة العرض والطلب ثم قيام الدولة بالتأثير الايجابي على السياسة السعرية وتنظيم المنافسة لمنع اضطراب الاسواق و درء الانزلاق في امور التلاعب بقوت المواطنين بواسطة الاحتكار تارة والسوق السوداء تارة اخرى . انه ــ كما يبدو ــ اراد دفع بلادنا نحو المنحدر الذي اوقعوا به روسيا . او بعبارة اخرى اراد ان يفرض علينا "برنامج تخريب روسيا " الذي جرى تحت شعار " العــلاج بالصــدمــة " . !!! اما لماذا طالب " برفع القيودعن اسعار الخدمات والطاقة " ؟؟ اولاً وقبل كل شيء ، لأنه يعرف حق المعرفة ان رفع فيد الاسعارفي هذين القطاعين كاف ان يعرقل اية جهود لتطويراي فرع من الفروع الانتاجية ويجعل الفروع الخد مية في البلاد بعيدة المنال الا لمن يملك المال . وكما رأينا ان رفع القيود عن اسعار الخدمات والطاقة يعني ارتفاع تكاليف الانتاج لكل السلع والخدمات في المجتمع . و من ثم ارتفاع اسعارها في الاسواق المحلية وبدء مشكلة التضخم القاتل لأي مقدار من الرفاه اذا كان موجودا ً . بالضبط كما جرى في روسيا بعد اسقاط الاتحاد السوفيتي . وفيما يتعلق باصطلاح " ليبرالية الاسعار " وارتباطه " بمفهوم " العلاج بالصدمة " الذي اذاعته السلطة الروسية كفاتحة " للاصلاح " !!! و " الديمقراطية " !!! فهو مأخوذ من طريقة علاج الامراض النفسية للانسان وتتألف من مرحلتين : ـ الاولى ـــ اثارة قوية وقصيرة المدى في اعصاب الانسان . والثانية ــ رد الفعل الضعيف وتعطيل مجموعة من وضائف الجسم . ثم يعقب ذلك عودة تدريجية وبطيئة من الصدمة ....وهي طريقة تستخدم في علاج ذوي العاهات كما انها مستعملة ايضا مع الارانب والجرذان عند اجراء بعض انواع التجارب عليها . وحسب لغة الليبراليين اولئك ان الصدمة كانت القسم الاساسي الضروري للانتقال من الاقتصاد المخطط الى اقتصاد السوق . علما ان هذه الوصفة ( كما يذكر كتاب " روسيا تحت سلطة بيروقراطية الغش " ص 80 ) كانت قد قدمت من الاستخبارات الامريكية ونفذها البروفيسور ساكسا من جامعة هارفرد في روسيا واصدرها رئيس الوزراء حينذاك غيدار بقانون في 2 يناير 1992. ومما يـــذكر ان الـفـترة الاولى من تـنفيذ هذه السياسة ( 1992 ـــ 1994 ) دخل ( 1500 ) مستشار اجنبي في ملاك الوزارات في رو سيا للاستشارة والادارة المباشرة . وقد اختير غيدار نفسه لتنفيذها ولذا اقترنت العملية باسمه . و لمعرفة ابعاد اخرى للصورة يجب ان نذكر ان غيدار هذا لم يتجاوزفي ذلك الحين الثلاث والثلاثين من العمر. و بالمناســبة انه كان المحرر الاقتصادي لمجلة " الشيوعي " التابعة للحزب في زمن السلطة السوفياتية !!! و كان من المتحمسين لتلك السلطة والداعين لتشديدها ريثما كانت تؤمن له الكرسي الوفير والامتيازات الفريدة . ولكنه انقلب عليها طالما يؤمن الانقلاب له ايضا ً كرســيا ً وعـرشا ً واموالا ً طـائلة لا تـعد ولا تحصى . ( وقد ذكرنا آنفا سفرة غيدارفي عام 2004 ) الى العراق مع مشاريعه المشبوهة ثم عودته الى بلاده بعد ايام خاسراً امام رفض العراقيين له .
سـيـاسـة ونـتائـج
لم تكن سياسة " ليبرالية الاسعار" ، التي شهدتها روسيا مألوفة في الاسواق العالمية او المحلية . بل ويحتمل ان سياسة كهذه لايمكن لها ان تمــر في بلد غير روسيا !!!. ففي كتابي الذي يحتوي على بعض محاضراتي على طلاب السنة الثالثة في كلية الاقتصاد في الجامعة الروسية ذكرت انه " احدى نتائج هكذا سياسة خاطئة ( المقصود سياسة ليبرالية الاسعار ) ارتفعت اسعار بعض السلع في الفترة ( 1991 ـــ 2002 ) بمقدار 40 الى 60 الف مرة . اي من اربعة الى ستة ملايين بالما ئة !!!!. ولعل القارئ سيزداد استغرابا وعجبا ًاذا اطلع اليوم على حقيقة اخرى ونحن في اواسط سنة 2006 ان متوسط ارتفـاع الاسعار للسلع ذات الاستهلاك الواسع بالمقارنة مع اسعا ر ما قبل رفع القيود عن الاسعار ( اي زمن الاتحاد السوفياتي ) بلغ ارتفاع الاسعار لبعض السلع 20 مليون بالمائة . مع العلم ان هناك فروعا اقتصادية ضرورية للسكان يوميا قد ارتفعت اسعارها بشكل اكثر جنونية . فالمواصلات بالبا ص او المترو مثلا ارتفع سعر التذكرة لمرة واحدة بحدود 26الى 30مليون المائة . !!!!. هذا فضلا ً عن الاضطراب في تناسب اسعار السلع المختلفة في البلاد . فمثلا كانت التعاونية الزراعية ، تبيع اقل من عشرة اطنان من القمح لتشتري تراكتور مع ملحقاته . بينما اليوم تلك التعا ونية تمتنع بتاتا عن المجازفة بشراء تراكتور او باذرة مثلا ً . لأن ذلك يكلفها مبلغا ًلا يســدده بيع اكثر من ( 200) طنا من الحبوب . الامر الذي حرم الزراعة من المكائن والالات الزراعية كما لاحظنا من المعطيات الاحصائية قبل قليل . ان السادة " الذين سموا انـفـسهم ديـمـقـراطيين " وسكنوا الآن عروش السلطة واخذوا يتصرفون كما يشتهون بمصائر الاقتصاد تجاهلوا بصورة متعمدة ان العلاقا ت الرأسمالية ـــ السوقية الصحيحة تؤسس على آلية من التنظيم الذاتي بقوة توازن العرض والطلب وتخطيط الحياة الاقتصادية و بضمنها السياسة السعرية بهـدف تحاشي اضطراب الاسواق . على ان هذا لا يتنافى بل ويتطلب بالضرورة تدخل معين من جانب الدولة ، ولكن استنادا قبل كل شيء على قوة قــوانـين السوق المتعلقة بالعرض والطلب نفسه كجزء من الاجراءات الرامية الى رعاية المجتمع . وعلى ذكر غلاء الاسعــار الجنوني الذي يـبرك ثقيلا على صدر روسيا من الحق ان يسأل القارئ عن زيادات الاجور والمداخيل لدى السكان ؟ نعم هي الاخرى قداصابتها زيادة معينة . ولكن في كل الاحوال لم تكن الزيادة فيها تبلغ الزيادة في اسعا رسلع الاستهلاكية والسكن والخدمات . وبالنتيجة انخفض مستوى المعيشة بالمتوسط مرتين او ثلاث مرات . علما ان هناك حالات يزيد فيها انخفاض المستوى الى اكثر من ذلك . وكما يشير الاحصاء العالمي والوطني ان (40 % ) من السكان اليوم في روسيا يعيشون تحت خط الفقر .
ولا ينكر ان فئة من الشباب المتعلمين اخذتهم المؤسسات المالية برواتب كبيرة ( تدفع لهم بالدولار) وهذه سياسة مدروسة . حيث ان الكتل التجارية والمافيات اخذت تؤسس لنفسها فئة اجتماعية من شأنها ان تضاعف به قوتها وتوطد موا قعها في المجتمع الجديد . ومن خصائص هذه الفـئـة الشابة انها اخذت ترى الرفاه والاجور العالية مرتبط باستمرارالعروش الجديدة و هذا النظام الاقتصادي الســائد الذي يوطد مواقع التركيبة التجارة المحلية . وهكذا ان الخصخصة ورفع القيود عن الاسعار التي يلح عليها كوهين في مقاله هي سياسة مجربة بالتخريب . حيث انهــا الغت كافة التقاليد التجارية السابقة بخصوص تعدد الفروع الانتاجية والتي كانت تنطلق ، بشكل او بآخر ، حسب متطلبات المجتمع . وانما تركت الرأسمليين الجدد يتجهون نحو الفروع التي جعلها اضطراب الاقتصاد الوطني تدر اكثر الارباح واسرعها . وهكذا اتجه التجار الى استيراد اكثرالسلع الاستهلاكية والغذائية الى البلاد من الاسواق الخارجية . حيث ان الاستيراد يعفيهم من التفكير بشؤون الا نتاج وتنظيمه وتحمل مخاطره اضافة الى ان الاستيراد يؤمن للتاجر الارباح المضمونه والسريعة و يجعلها سهلة المنال . هذا عدا التوجه الى بناء العمارات الســكنية الفخمة والى الخدمات السياحية الراقية والى فتح الفروع الاستهلاكية المختلفة شريطة ان تكون مربحة بامتياز . علما ان الدولة حسب هذه السياسة الليبرالية ليس لها دخل في كل مايجري . بل وتساعد على الاستمرار بها . وتبعا ً لكل ما تقدم يصبح واضحا ً لماذا هذه السعة غير المعقولة في حجم البطالة في المدن والارياف ولماذا اخذ ت العقول تهاجــر من البلاد طلبا للعيش . لقد اغلقت اكثر المصانع ابوابها وتركت المزارع مخربة وانكفأت القرى على وجهها واصبح الطب والتعليم مشكلة المشاكل والبطالة في ازدياد وكثر الاطفال المشردون في الشوارع بدون مأوى وازدادت الجريمة . والعجب العجاب ، ان العناصر التي كانت بالامس القريب تتكلم بالسنتها الطويلة عن الاشتراكية باسم الشعب تجدها اليوم تثير الغبار الايديولوجي و تزور التاريخ لكي لايحن السكان الى العهد الاشتراكي !!!! . كما ان الدولة لم تتخذ اجراءات عملية لأيقاف الانخفاض المستمر في عدد السكان . حيث تذكر الاحـصائـيـات ان عدد السكان في روسيا اخذ يتناقص من ســنة الى اخرى بمقدار ( 800 ) الف نسمة كل سنة . وتفسير ذلك يكمن في غلاء الادوية وقلة الخدمات الطبية و سوء التغذية وصعوبات العيش . ان السكان اخذوا الان يـتذكـرون حـياتهم زمن الاتحاد السوفياتي عندما كانت الدولة بخزينتها الغنية تؤمن لهم الخدمات والرعاية الاجتماعية . سياستنا عراقية نعم...ان سياستنا يجب ان تكون عراقية . وبعيدة عن كوهين والكوهينيين . واذا كان هناك دور ايجابي لاستلهام الدروس واستقبال النصائح من الخبراء المتخصصين ، فمن الضروري التأكد من سلامة تلك الدروس والنصائح وملاءمتها لبلاد نا. أما بالنسبة لما جــاء في مقال الباحث المذكور فقد أ ثار لدينا مجموعة من الهواجس وأكد صحة القناعات التي نحملها ونعتقد بها . ولعل اهمها يجد تعبيره فيما يلي : ـــ ــــ ان العراق الغني سيبقى يغري الشركات الأجنبية الكبرى ذات الأطماع بثرواته الطبيعية . ــــ ستستمر المحاولات من قبل ايديولوجيي العولمة المعاصرة لتزيين استلاب ممتلكات الدولة تحت اســم " الخصخصة "وتحويلها الى التركيبة التجارية ليتم بعد ذلك دخول الشركات لاجنبية في اللعبة . ــــ سنشاهد في البلدان النامية في المستقبل ايضا ً استمرار الترويج لافكار " رفع القيود عن الاسعار " ونشر الليبرالية في حركة الاسواق والدعوة الى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وذلك لصالح رأس المال المعولم والوصول الى اضعاف الحكومات ليسهل اخضاعها وتسييرها . ــــ يترتب على الاحزاب والكيانات السياسية العراقية معاضدة الحكومة بقوة في امر هيمنتها على ثرواتها الاستراتيجية وفي مقدمة تلك الثروات النفط والغاز . هذا مع اطلاق يد القطاع الخاص في الفروع الخدمية للثروة النفطية وغير النفطية . ــــ الحذر كل الحذر من الدعوات المغرضة الموجهة ضد منظمة الاوبك . وعلى العــراق التمسك بعضويته بهذه المنظمة الذي ساهم بنشاط في انشائها . وقد رأينا كوهين كيف يلح على الخروج من اوبك مما يظهر بشكل واضح سعة المخططا ت المبيتة للعراق . ــــ واخيرا ً، على الكيانات السياسية وعلماء العراق و مثقفيه ومنظمات المجتمع المدني وضع برامج متكاملة للبناء والاعمار في كافة مرافق الحياة العراقية . فالعراقيون هم القادرون على العمل في سبيل ازدهار اقتصاد العراق .
3 علم الاقتصاد السياسي والخصخصة الخصخصة ـ إجراء اقتصادي استخدمته طائفة من الدول الأوربية في حالات معينة. وذلك عندما قررت نقل بعض ممتلكاتها إلى أيدي القطاع الخاص. كما أممت مؤسسات خاصة أيضا. وقد اقترنت تلك الإجراءات بمبررات أملتها ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية . ولا تزال تحتفظ تلك الدول بقطاع عام في مجالات الطاقة الكهربائية والمواصلات والأراضي و ما في باطنهـا….الخ
التجربـــة المهلكة !!!!
آلا آن اصطلاح الخصخصة وجد انتشارا سريعا و واسعا في " العالم الاشتراكي" السابق وذلك على اثر سقوط الاتحاد السوفيتي (على يد قادته) . فقد جرت عملية الخصخصة فيه ضمن سياسة "البيريسترويكا" سيئة الصيت بقيادة غورباتشوف ومجموعته. وقد اشتد نهب ممتلكات الدولة والتعاونيات تحت هذا الاسم في الزمن الذي اعقبه . يوم سيطر المتطرفون في معادات الاشتراكية والنظام السوفيتي عموما .. على ان الخصخصة عمليا كانت تعني ـــ كما رأينا في روسـيا ـــ تحويل ممتلكات الدولة الاشتراكية من المصانع والمزارع والبنايات الحكومية وكذلك جزء كبير من الثروات الطبيعية ومؤسسات المواصلات الاستراتيجية كالطيران ونسبة كبير من السكك الحديدية وغيرها إلي ما يسمى بالقطاع الخاص وهو القطاع الذي ظهر فجأة لحساب الشخصيات المتنفذة في الحزب والدوائر الحكومية وقادة النقابات وعناصر أخرى انتظمت في عداد المافيات والاحتكارات المحلية وذلك على حساب خزينة الدولة والمجتمع . إن مجريات الامور في الاتحاد السوفيتي السابق أظهرت أن الخصخصة عبارة عن عملية ذات مهمة خاصة ومستعجلة شأنها شأن البيريسترويكا . ولكن اذا كانت البيريسترويكا استهدفت اسقاط السلطة السوفياتية وحزبها ( القائد ) فإن الخصخصة كانت موجهة لحرمان الدولة من القدرة المالية والاقتصادية وخلق طغمة مالية ( اليغارشيا ) تتولى السلطة المالية وهي ذاتها اذن ستتولى ، كـتحصيل حاصل ،مهام السلطة السياسية وستقرر شكل ارتباطات البلد برأس المال العالمي . وهي مهمة مكملة لمهمة البيريسترويكا . اما ماذا يعني كل هذا باللغة الدبلوماسية ؟هذا يعني الغاء نظام سياسي معين (بواسطة البيريسترويكا ) ثم تحطيمـــه كبلد و كدولة (عن طريق الخصخصة ) . ذلك ان هذه "المهمة" الاخيرة يمكن لها ان تكون عاملا ًاساسيا ًفي امر تحجيم النشاط الإداري والأمني للنظام و لكي يكون أداة مطواعة للإدارة الأجنبية وركيزة للشركات العملاقة . وأخيرا دمج الطبقة الاجتماعية الجديدة في روسيا بالاحتكارات الكبرى واستخدامها كجزء من الجندرمة العالمية تشترك في منع أي نشاط تقدمي ليس في بلادها وحسب بل وفي اســقاع اخرى ، ناهيك عن استخدام خبرا ت رموزها في تكريس معاداة الاشتراكية في بلادهم وفي العالم . ومن الطبيعي بعد هذا العرض يصبح واضحا : ان الخصخصة المطلوب تنفيذها في البلدان النامية لا تبتعد كثيرا ، من حيث الجوهر ،عن هذا المخطط !!! ثم يتضح لماذا تلح بعض الأوساط المالية الأجنبية على ذلك !!. في الواقع ، أن "إسقاط " دولة ما مهما كانت شديدة البأس والقوة يتطلب شروطا وظروفا مساعدة كثيرة . وكما تتحد ث التجارب إن من بين الشروط الرئيسة : سحب القوة الاقتصادية الضاربة من أيدي تلك الدولة وجعلها صفر اليد ين بحيث لا تقوى على الإدارة الفعالة لمعالجة شؤون البلاد. ولهذا الغرض أيضا جعل الدولة مضطرة إلى إعلان عجزها عن توفير التخصيصات السنوية لأغراض خطة التنمية والتطوير ( مثلا ) أو رفع مستوى رواتب الموظفين والجيش والشرطة أو دفع خدمة الديون الخارجية. وهذا العجز إنما يتحقق بطرق شتى ولكن تأتي خصخصة القطاعات الاستراتيجية بالدرجة الاولى . وبما أن الخصخصة تنقل الثروة والخيرات الطبيعية العائدة تقليديا للقطاع الحكومي وتضعـها في أيدي الطغمة المالية والتركيبة التجارية يعني انها تسحب الكلمة الحاسمة من الدولة فيما يتعلق بالادارة . وبهذا إذن تصبح امور الإنتاج والتبادل والتوزيع رهن المضاربات والتلاعب و ستجد الدولة نفسها محرومة ليس فقط من إمكانيات التخطيط والبرمجة والرقابة الاقتصادية بل وتعجز عن عمل أي شيء يذكر في صالح الطبقات الوسطى والجمهرة الفقيرة ومن الناس المعوزين. وكتحصيل حاصل سوف يسود الاستغلال ويستفحل الغلاء وتنتشر البطالة مع ما تفرزه هذه الأشياء من مشاكل اجتماعية وأخلاقية وجرائم منظمة. كما تجب الإشارة إلى أن للخصخصة أخطاراَ مباشرة على العلاقات الخارجية للدولة أيضا. ذلك لأن الدولة ذات الخزينة الخاوية سوف يكون موقعها ضعيفا بين الدول. وأخيرا في أغلب الأحيان تتبع هكذا دولة سياسة ديكتاتورية تجاه شعبها لقمع الحركة الوطنية إذا ما أعربت هذه الأخيرة عن عدم الرضا إزاء سياسة حكومتها. على اننا امام هذا الموقف الشديد و الواضح تجاه خصخصة ممتلكات الدولة ذات الطابع الاستراتيجي ينبغي الاقرار بأن خطة التنمية الاقتصادية تفترض التعامل مع المؤسسات الانتاجية الرأسمالية الخاصة بصورة متفتحة . وبالمناسبة ان القطاع الخاص يتمسك دائما بمبدأ حسابات الجدوى الاقتصادية عند تأسيس وادارة مؤسساته التجارية . فاذا كانت هناك مؤسسات صناعية او زراعية اواية مؤسسة في فروع اخرى لا تتصف بالربحية او انها في تعثر دائم لأي سبب كان فالقطاع الخاص سرعان ما يقدم على معالجة الامر اما بتغيير الخط الانتاجي او تحديث التكنولوجيا او بالتحول الى فتح مصلحة اخرى قد تختلف جذريا عن المهنة السابقة لصاحبه . وفي هذه الخاصية يكمن جانب مهم من فوائد القطاع الخاص . انه قطاع عملي . يفتش عن النمو والاستزادة من المنافع والارباح . الا ان اطلاق هذه الخاصية بدون رقابة معينة من الدولة لابد وان تخلق تكريسا لفروع اقتصادية على حساب فروع اخرى . ممــا يجلب الاضرار للتوازن السلعي في الاسواق . وقد تترك فروع اقتصادية مهمة للبلد بسبب قلة الربح الناجم منها . بل فد يصار الى الاتجاه المفرط لانتاج سلع فيها ضرر بليغ للمجتمع ( انتاج الكحول مثلا ً) ا والى فتح مصالح رأسمالية وذات صفة استهلاكية قد تتنافى مع الاخلاق او حاجات المجتمع العادية . ولفترة سابقة لم تكن بعيدة شهدت البلدان النامية موجة سياسية اتجهت حكوماتها بموجبها الى نشر ما سمي بالقطاع العام . وهي عملية معاكسة للخصخصة . حيث قامت الحكومات بامتلاك مؤسسات صناعية وببناء اسواق تجارية كبرى لها و اقدمت على تأميم البنوك والسيطرة على التجارة الخارجية وبسط احتكارها على المواد الانشائية الاساسية كالحديد والسمنت ...الخ ...الخ . ومن الطبيعي ان يستلم ادارة تلك المؤسسات والمصالح مدراء بيروقراطيون بعـيدون كل البعد عن فهم الاسواق وحاجة المستهلكين واذواقهم ثم يبدأ التلاعب بمصائر الاقتصاد الوطني وانتشار السوق السوداء واستشراء الفساد الاداري والمالي . ومما يذكر بهذا الخصوص ان انتشرت نظريات وتنظيرات مفتعلة في وقتها حول التوجه الاشتراكي ، و طريق التطور اللارأسمالي وما الى ذلك . والملاحظ ان عددا لا يستها ن به من قادة الدول اعتنقوا هذه السياسة بالرغم من بعدهم الشاسع عن اية افكار او مطامح اشتراكية . بل وان حكاما يعتبرون من اشد السياسيين مناوأة للاشتراكية رأوا في ذلك التوجه مصلحة طبقية فريدة . الامر وما فيه ان دخول الدولة في الاسواق المحلية كمنافس تجاري واحتواءها للحلقات المركزية لاقتصاد البلاد وحرمان القطاع الخاص من ممارستها كان يعني هيمنة الحكومة على حركة الاسواق وعلى نمط معيشة الناس وبالتالي التصرف بارزاقهم وبمقدراتهم الشخصية . ومن هنــا يصبح من السهل تسخيرهم لصالح تشديد قبضة السلطة الغاشمة على البلاد . وبالتالي زجهم في اغراض سياسية عنوة بهدف تثبيت مواقع حزب السلطة ( مثلاً) او اغراض سياسية اخرى . وهكذا نجد ان المصلحة الاقتصادية تقتضي اعادة الحق الى نصابه . والحق ــ برأينا ــ هو خلق الوضع الطبيعي في الاسواق واعطاء القطاع الخاص الفرصة للمساهمة في اعادة العافية الى الاقتصاد عموما و اتباع الاتجاه المبرمج علميا للتنمية وترشيد سياسة اقتصادية من شأنها الغاء البطالة من حياة البلاد والاتجاه بها نحــوالتوازن الانتاجي والخدمي . ومن هنا فالخصخصة اذن تكون جائزة بل وضرورية اذا ما ادت الى ان القطاع الخاص يأخذ مجاله في الاسواق دون المساس بالموارد الطبيعية والاستراتيجية العائدة للدولة .
الخصخصة في ظل العولمة
واليوم حيث يسير العالم تحت ضغط عولمة الاقتصاد العالمي وما يتصل بها من سطوة للشركات متعددة الجنسية ـــ التجارية منها والمصرفية ـــ ( ت . ن . ك ) و ( ت . ن . ب ) ، فان الخصخصة ستكون أداة إضافية لنهب منظم للثروات الطبيعية للبلدان النامية. إما آلية هذا النهب فإنها تتم بواسطة الجسور الواصلة بين الشركات المذكورة ورأس المال المحلي في ظروف الضعف الاقتصادي للدولة. و بذلك يتحول رأس المال الوطني من قوة وطنية إلى قناة تجري عبرها ثروات البلاد بالتدريج إلى الخارج . وحسب اللغة الاقتصاديـةان الثروات تلك لا تستعمل لنشر الرفاه العام في بلادها بل تستخدم لاغناء وزيادة جبروت تلك الشركات الخارجية وإملاء خزائنها ( وخزائن دولها ) مع ترك قدر ضئيل من الفتات لـلفئات التجارية المحلية. ولهذا بالذات نجد أن المؤسسات المالية والتجارية العالمية تحاول أن تفرض الخصخصة على البلدان النامية وخاصة ذات الثروات الطبيعية الكثيرة بالذات لهذه الاغراض . نعم هذه واحد فقط من "بركات" الخصخصة . أما إذا توسعنا في تعداد سلبياتها فسوف نشاهد أنها ستمتد إلى مخاطر أخري ومن بينها نشر الإعلام المعولم الذي يستهدف قبل كل شيء الانقضاض على عقول الشباب والأطفال قبل غيرهم وذلك ليتم عزلهم منذ نعومة أظفارهم عن أجواء وطنهم ومجتمعهم وعن بيئتهم العائلية لغرض "الاعتماد" عليهم مستقبلا. عدا أن الخراب الفكري الذي يسهل كثيرا امرار الخراب الاقتصادي وبدون حصول اية مقاومة تذكر. وفي هذا السياق نجد أن المحاولات جارية لتنفيذ لعبة الخصخصة إضافة إلى" ليبرالية الأسعار" آو"العلاج بالصدمة" كما جرى في روسيا عندما تقرر تدمير اقتصادها . ومما يهم العراق بهذا الصدد أن "بعض الأوساط" الاجنبية كلفت الاقتصادي الروسي غيدار أحد العناصر الحزبية الكبيرةالسا بقـــة . وهو أيضا أحد أبطال "الديمقراطية"!!! الجديدة ومبتدع "العلاج بالصدمة" و "ليبرالية الأسعار"أي السياسة التي حطمت الاقتصاد الروسي حتى الأساس ، وذلك لنقل "تجربة" تخريب روسيا إلى بلاد الرافدين لنفس الغرض . وقد زار بغداد فعلا ليقدم وصفة "التقدم" و"الازدهار" في ظل التبعية للشركات الأجنبية!!!!(وفي ذلك تناغم مفضوح مع المقال الكوهيني المنشور في مجلة "الثقافة الجديدة ".). ا لا ان ذلك الغيدار قفل راجعا بخفي حنين وبسرعة لم تتوقعها الاوساط التي انتظرت منه (بعد ان ساهم بخلق الظروف لنهب نفط بلاده وثرواتها الاخرى ) ان يعبد لها الطريق للنفوذ الى ارض السواد و ارض النفط لعلها تظفر بحصة منه بعد خصخصته . الامر وما فيه ان تلك الاوساط المتربصة لم تفهم العراق والعراقيين . كما لم تكن تفهمنا من قبل . ان العراق ( والحمد لله ) يملك علماء اقتصاديين وسياسيين ، بغض النظر عن اختلافاتهم حول بعض الاتجاهات السياسية ، الا انهم مستعدون دائما للمضي يدا ً بيد للدفاع عن مصالح بلاد هم. وإكمالا للأفكار الواردة بخصوص الخصخصة تنبغي الاشـارةالى أن الاقتصاديين من ذوي الاختصاص بالتخطيط والإدارة خاصة قد يؤيدون الخصخصـة لبعض المشاريع والمؤسسات . ولكن ذلك التأ ييد يجب ان يكون مقرونا بشروط على جانب كبير من الأهمية . والشرط الأساسي لهذه العملية ( عملية الخصخصة )هو أن لا تمس قدرات الدولة الاقتصادية بل وان يكون لها أيضا تأثيرا إيجابيا على مجمل الاقتصاد الوطني . ثم يجب أن تكون الخصخصـة ، كما يرى التقدميون المتخصصون بعلم التخطيط الاقتصادي ، قابلة للتراجع . ونعني بذلك حق الدولة في إرجاع المشاريع التي يتم بيعها لأفراد من القطاع الخاص في حالة عجزهم عن تحقيق تطويرالمشروع موضوع البحث لأي سبب كان . وأخيرا إذا ما تمت خصخصة مشا ريع ما على طريقة الأسهم ثم حصل بعد ذلك رغبــة لدى بعض المساهمين في شراء اسهم من بعضهم البعض لأغراض تكثير أسهمهم في المشروع فيجب أن تكون الأموال المدفوعة للشراء من مجمل الأرباح الناجمة من تشغيل تلك المشاريع وذلك لضمان اهتمام المساهمين في ارتفاع إنتاجيتها وزيادة الأرباح فيهــا . وأمام هذه المهام الحرجة نجد – نحن العراقيين- في أنفسنا الأمل في أننا سنجتاز هذا الامتحان الصعب وسوف نحافظ على ترواتنا الطبيعية التي هي رمز مصالح وطننا ومجتمعنا و رأسمالنا الوطني ، وذلك بفضل حكومتنا الوطنيــة وعلمائنا الاقتصاديين والحقوقيين ورجالات العراق من السياسيين بأحزابهم ومنظماتهم النقابية وحتى رجال الأعمال عندنا فانهم جميعا قادرون على رسم السياسة السليمة للبلاد بعيدا عن تلك "النصائح" الاجنبية المشبوهة التي لا تنتج سوى الخراب والتفتت.
القطاع ا لحكومي وقطاع رأس المال الوطني
تفترض قوانين الاقتصاد العلمية اتباع سياسة التوازن بين القطاعات والفروع الإنتاجية في البلاد . وكذلك اتخاذ العقلانية في توزيع المهام التنموية بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص الذي يعتمد على الرأسمال الوطني. على أن القطاع الخاص ينبغي أن يتلقى العون والمساعدة من جانب الدولة بصورة دائمة وفعالة ، وذلك عن طريق حمايته من ابتزاز و مزاحمة رأس المال الاحتكاري الأجنبي. ولكن ماهي الفروع الاقتصادية التي ينبغي أن يزاولها القطاع الحكومي أو كما يسمى أحيانا القطاع العام ؟ لقد مر العراق خلال السبعينات من القرن الماضي في ظل الطغيان البعثي ــ العفلقي والدكتاتور المخلوع صدام بعمليات تخريب ليس فقط في مجال المجتمع والعنصر البشري بل في ميادين الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات وغيرها…. وغيرها. ومن الاعمال التخريبية تلك ، إن النظام جعل القطاع العام في الصدارة وكأنه في نزاع مع القطاع الخاص . بحيث استحوذ على التجارة الخارجية وعلى جزء كبير من التجارة الداخلية والهيمنة على حركة السوق المحلية . كما دمر الزارعة وفرض الخاوات على التجار والكسبة واشاع الاعدامات في أوساط التجار واصحاب رأس المال الوطني التقليدي . وهنا يجب أن نذكر شيئا مهما بهذا الشأن وهو أن ذلك النظام الغاشم كان يتوخى من إجراءاته تلك تقوية مركزه وتسلطه عن طـريق جـعـل القـطاع الخاص وارزاق السكان عموما ( كما اشرنا توا ً ) خاضعين له و لأهواء الطاغية وازلامه. بينما المصلحة الاقتصادية كانت تقتضي بالزام الحكومة بمساعدة ومساندة القطاع الخاص وضمان مصالح التجار الصغار والكسبة ورفع قدراتهم في العملية الإنتاجية . أما القطاع الحكومي فله ميادين محددة يستطيع بل ويجب عليه أن يشغلها . وهي ميادين الثروات الاستراتيجية والتكرير النفطي والموانئ والمواصلات الجوية والسكك وما شابه. وكذلك الفروع التي يعجز القطاع الخاص عن إدارتها أو تمويلها . على أن خدمات الهياكل الارتكازية ومقاولات التعمير والنقل والتصريف و بعض الاعمال ذات العلاقة بالثروات الطبيعية الحكومية فهي الأخرى يجب أن تترك للقطاع الخاص لتتحرر الدولة من أعبائها أولا ثم أن الموظفين الحكوميين أنفسهم لا يصلحون لمثل هذه الأعمال كما لا يصلحون لتولي أعمال التجارة والأسواق اساسا ً ، واخيرا لكي يأخذ القطاع الخاص دوره كاملا في ترتيب البيت الوطني . وعلى ذكر الأخطاء الفكرية التي سادت في السبعينات حول توسيع القطاع العام على حساب رأس المال الوطني فيجب أن لا تعود مرة أخرى .. كما لا يصح اتخاذ الخصخصة لإلغاء القطاع العام . اما التوازن بين القطاعات الاقتصادية وتوزيع الخيرات حسب قاعدة لكل ذي حق حقه فهذه مهمات يمكن حلها فقط بواسطة التخطيط العلمي وعلى يـد الأخصائـيـين البعيدين عن الأهواء والمنافع الذاتية .
الإنفاق الحكومي والخصخصة
قبل كل شيء ينبغي الاعتراف – في ضوء ما تقدم – بان الخصخصة العشوائية والمتحيزة لاصحاب المصالح تجعل الدولة بعيدة عن مهامها المناطة بها. ومن أولى المؤشرات السلبية لهذا النوع من الخصخصة انه ينفي امكانية الإنفاق الحكومي الهادف (كليا آو جزئيا) وذلك لخسران الدولة لمداخيلها الناجمة من مواردها الطبيعية . وإذا قيل أن الضرائب فيها تعويض كاف فهذا كلام غير مقبول وغير معقول أيضا وفيه تعسف للمواطنين . بينما بقاء ملكية الدولة على مشاريعها الاستراتيجية مع الرفع المستمر للإنتاجية فيها يعني ضمان الرفد المستمر للخزينة وبالتالي يصبح بإمكان الدولة الاستمرار بالأنفاق على مشاريع البناء والتعمير وتطوير المدينة والريف على حد سواء. وقد ترى الدولة في فترة زمنية معينة امكانية دعم اسعار بعض السلع الضرورية جدا ً وذلك خدمة لفـئـات واسعة من المــواطنــين ( اصحاب الدخل المحدود مثلا ً ) . وسوف لن تكون مضطرة على ان تـثـقـل كاهل الشعب بالضرائب بل وربما ترى الدولة تخفيف عبء الضرائب عن المواطنين . واكثر من هذا أن الإنفاق الحكومي الذي يتم عادة في ضوء التخصيصات السنوية لخدمة المشاريع الاعمارية والزراعية أو المتعلقة بالري والمواصلات والمدارس والمستشفيات والحدائق العامة والبنايات الحكومية وغيرها من الهياكل الارتكازية التي تعتمد كلها عادة على خزينة الدولة ، تعتبر بدورها أداة مكينة لتحريك الأسواق الداخلية مما يصب في نهاية المطاف في مصلحة الفئات الاجتماعية كافة . ويتجلى في الآ لية التي يراها كل من لديه إلمام بالمعارف الاقتصادية والسوقية. الأمر وما فيه أن تنفيذ التخصيصات وفق أبوابها المخططة بما فيها دفع الرواتب والأجور للجيش والشرطة والمعلمين والموظفين الآخرين سوف يؤثر إيجابيا ومباشرا على الطلب الفعال في الأسواق مما يدفع بدوره أصحاب المصالح ورؤوس الأموال الوطنية في الصناعة والزراعة والتجارة والمواصلات إلىالانتاج الاكثر لتكثيف عرض السلع و الخدمات مما يخلق التوازن وبالتالي الاستقرار في الاسواق ويلغي عوامل الغلاء فيها . وبناء على هذه الآلية سوف تزدهر كافة الفروع الإنتاجية وتنحسر البطالة ويختفي الركود وترتفع الأرباح والمداخيل لدى الناس مما يساعد مرة أخرى على تحريك الاسواق اكثر فاكثر… وسيتحقق إشباع حاجات الناس من السلع الاستهلاكية والمواد المنزلية وسيأخذ الرفاه العام في ربوع البلاد يتصاعد بدون انقطاع. ومن هنا أيضا نستطيع أن نتصور أهمية وجود القطاع العام في المشاريع الاستراتيجية. على أن الدولة في هذه الحال ستندمج مصالحها أكثر فأكثر بمصالح رأس المال الوطني مما يشكل مصدرا إضافيا لتوطيد مواقع الدولة سياسيا في الخارج ايضا ً واحلال الاستقرار والأمن في داخل البلاد. ومقابل هذا يمكن تصور المأساة الاقتصادية والاجتماعية التي سوف تحيق بالبلاد لو جرى عكس ذلك وتمت الخصخصة الشاملة لممتلكات الدولة . ولدينا ما يكفينا من امثلة في الدول الاشتراكية السابقة . ولكن نعود ونقول : لنا كامل الثقة بان الاختصاصيين العراقيين والأحزاب الوطنية حيث سوف يضعون الأمر في نصابه امام الحكومة الوطنيــة آخذين الحـذر من مغبة سلبيات الخصخصة التي أدت إلى خراب بلدان كانت قوية بالأمس القريب .
4
في سبيل الازدهار الاقتصادي
الازدهار الاقتصادي في عــراق ما بعد صدام يشكل مطمحا ً عراقيا ً ينتظره ويسعى اليه كل مواطن في بلادنا . ونشك ان السيد كوهين يسعى هو الآخر الى مــا نســعى اليه نحن بالرغم من انه " كلف نفسه" وكتب مقاله بعنوان " سبيل الازدهار الاقتصادي بعد صدام " ) ذلك المقال المشبوه بسبب مجانبته للواقع والحقيقة المعاشة على الارض ولانه ايضا ً يتعارض على خط مستقيم مع المصلحة العراقية . . مما لا ينكر ان ازدهار الاقتصاد الوطني بالنسبة لنا يتميز بالتعقيد قطعا. ذلك لأن بلادنا تواجه مشكلات سياسية واقتصادية مزمـنة وفي مقـدمتها هــذه المخلفات الثقيلة التي تركها وراءه النظام الديكتاتوري اللعين . فلم تعد المشكلات خافية على احد . وفي مقدمتها الارهاب البعثي ــ التكفيري والفساد المالي والاداري والانهيار الاقتصادي ..وهذه الحرب الاعلامية الشرسة الموجهة ضد العراق والضغينة الكريهة من قبل بعض دول الجوار ...وغير ذلك. ونحن اذا ما اردنا تحقيق البناء والاعمار و التنمية عموما فلابد ان نصطدم بمشكلة التدمير الذي اصاب البنى التحتية وضيق الفروع الخدمية، ناهيك عن التخلف التكنولوجي، و اضطراب الاسواق نتيجة الاختلال الدائم في الانتاج من جهة وضعف القوة الشرائية من جهة اخرى وبالتالي اختلال آلية الطلب والعرض في الاسواق التجارية . اما انتشار البطالة بكافة انواعها المعروفة في القاموس الاقتصادي و ضعف اشتراك المـــرأة في بناء الاقتصاد اضافة الى تدني المهارات العصرية لدى العاملين في الفروع الانتاجية فهي من المشاكل التي اصبحت مزمنة في البلاد ايضا ً. والحصيلة النهائية هي انخفاض حصة الفرد من الدخل الوطني وقلة المداخيل عموما . و بجانب كل هذه المشكلات يجب ان نأخذ بنظر الاعتبار اننا اذا اردنا ان نرسم المسار نحو الازدهار الحقيقي للعراق فاننا سنواجه سياسات النظام العالمي الجديد وسلطة الشركات الاحتكارية متعددة الجنسية ومتعدية الحدود : ( ت . ن . ك ) و ( ت . ن . ب ) أو باختصار القوى الاقتصادية الأساسية للعولمة، التي سوف تعرب هي الاخرى عن وجودها وقــد لا تتورع ان تزرع العقبــات الكأداء في الطريق . فالقانون الاقتصادي الذي تعمل به العولمة بواسطة شركاتها هو السيطرة الكاملة على الموقف الاقتصادي خلال التعامل مع البلدان النامية عن طريق التبادل الاقتصادي غير المتكافيء وذلك في سبيل ان تبقيها تابعة دائما للمتروبول اقتصاديا وسياسيا ً. والعراق غير معفي عن التهديد بهذه القاعدة . وان مقال كوهين كان مربوطا ً بهذا المخطط قطعا ً. ولكن ، لنا أن نقول ان الاستسلام أمام الضغوط الخارجية امر غير وارد بالنسبة للعراقيين . فـيفترض بنا اذن المضي قــدما في اعـتماد الدراسات الفنية الميدانية المستفيضة بغيــة ازالة تلك المعوقات الجسيمة القائمة في طريق العمل التنموي . على ان إنعاش القطاعات الاقتصادية كمقدمة للتنمية تتوقف قبل كل شيء على تركز وتمركز رأس المال وتنظيم الإنتاج في القطاعات الاستراتيجية خاصة والتوسع في انشاء الهياكل الارتكازية بما فيها الهياكل التابعة للقطاع الخاص ورأس المال الوطني. ثـم ان هذه الإجراءات الكبرى تتطلب شروطا ليست بسيطة وفي مقدمتها الأموال الطائلة المتوفرة في ظروف الاستقرار السياسي والاجتماعي . فتحريك دولاب الإنتاج وحده يؤلف بحد ذاته معضلة لا تحلها الا الأموال والمواد الأولية واستخدام وسائل الانتاج المتقدمة والمهارات والخبرة .... فكيف الحال بالنسبة للجوانب الأخرى من الحياة الاجتماعية ؟. اما اذا اردنا العودة الى كوهين فانه اختار موضوعة " الازدهار " قصــدا ً. ذلك ـــ كما يظهــر ـــ للنفوذ منها لعلها تقوم مقام المخدر عندما اطلق " دروسه" البائسة لتعليمنا . وربما تصور فعلا ً اننا سنصدقه في كون تحويل ملكية الثروات الوطنية الطبيعية العائدة للدولة الى ايدي شركات وتجار القطاع الخاص ومن ثم الى الشركات الاجنبية او باشراكها ، هي الطريق "المثلى " للازدهار . بينما لم يعد خافيا ً على احــد كون الخصخصة بالشكل الذي طرحه علينا ما هي الا الطريق المؤدية الى الدمــار وليس الى الازدهار بدون شــك . ومما يفرقنا مع السيد كوهين ان مقا له مكتوب بارادة مخابراتية لصالح الجهة التي يمثلها . في حين اننا نعتبر الموقف من القطاع الخاص موقـفا سياسيا كما هو موقف اقتصادي. ذلك لانه يتناول من جهة مصير جمهرة غفيرة من المواطنين وحقهم في الحرية وتحقيق مطامحهم الشخصية . كما انه ذو علاقة مباشرة بتطوير وزيادة انتاج الخيرات المادية في البلاد لصالح كافة طبقات وفئات المجتمع . وارتباطا ًبهذه المنطلقات المبدئية ان العلوم الاقتصادية التي ولدت في الظروف الجديدة للعولمة المعاصرة تؤكد مرة اخرى ان البلدان النامية ( ومنها العراق ) ذات اقتصادات متميزة وحساسة . بحيث أي تصرف خاطئ بصددها يسبب لها مباشرة خسائر جسيمة ليس فقط في مجال الاقتصاد بل وفي الحياة السياسية والاجتماعية ، قد يصعب في بعض الاحيان تعويضها او اصلاحها. فتحويل المصارف كلها الى بنوك حكومية في العراق (مثلا) كان سببا في حرمان الاسواق التجارية الداخلية من المرونة المصرفية وخلق مصاعب امام الرساميل الوطنية واصحابها على اختلاف ميادين نشاطهم وخاصة في مجال سعر الصرف او التسهيلات المصرفية او غير ذلك . هذا عدا المشاكل السياسية الناجمة من القرارات المتطرفة وبالاخص تلك التي تتعلق بتسلط الحزب الحاكم واطلاق يد الموظفين البيروقراطيين على التجارة الداخلية والخارجية وعلى الاستيرادات والتصدير . وكما يشير علم الاقتصاد المعاصر بثقة الى ان القطاع الخاص يستطيع ان يقوم بالاشتراك النشيط بالاستثمارات الداخلية بافضل ما يمكن دون المسا س بملكية النفط الحكومية . فأمامه الصناعة والزراعة والتجارة و البناء وكافة الفروع الخدميـــة ... عدا الاسواق والبنوك وبناء البنى التحتية للمشاريع الانتاجية والخدمية في طول البلاد وعرضها بما فيها الفروع الانتاجية القائمة على النفط نفسه ، مما يتيح امكانيات حضارية هائلة و الغاء ضاهرة البطالة بكل شرورها من حياة السكان . ان التجارب الدولية اثبتت بما لا يقبل الشك أن توسيع القطاع الخاص ودعمه المادي والمعنوي من قبل الدولة وتهيأة الفرص له للاستخدام الواسع للتكنولوجيا الحديثة وتحقيق مساهمته النشيطة في التكامل الانتاجي بين المناطق الجغــرافية في البلاد يعتبر عاملا من عوامل توطيد الموقف الاقتصادي للبلاد ذاتها وذلك بواسطة توسيع القدرة التجارية الخارجية وبالتالي رفــع المكانة العالمية للدولة ، كما اشرنا آنفا . اما القطاع العام السوقي اذا ما بدت حاجة ماسة لتأسيسه فلا ينكر انه يعتبر اضافة اقتصادية ايجابية لمكانته الاقتصادية و يؤلف مؤشرا حضاريا ويعكس مسؤولية كبيرة بالنسبة لانضباط العمل ضمن النشاط الاقتصادي . امــا السعي لتحقيق "ازدهار الاقتصاد " حسب النظرة العراقية ـــ برأينا ـــ لابد ان يبـــدأ بالادراك السليم للمشكلات الاساسية التي تواجه البلاد في زمن العولمة . والخلاصــة ان التنمية الاقتصادية يجب ان نفهمها بانها تتطلب التاكيد على ضرورة تنشيط كافة الفروع الاقتصادية واستحداث فروع جديدة لها علاقة مباشرة بارضاء المتطلبات المادية للمواطن . ثم التخطيط لتطوير كل مرافق الحياة مع اهتمام خاص بالزراعة وانتاج المواد الغذائية المتنوعة، اضافة الى التصرف المسؤول بواردات خزينة الدولة مع توجيه عناية قصوى الى انشاء ميادين جديدة بهدف توفير المزيد من فرص العمل لمكافحة البطالة بجميع انواعها انطلاقا من المبدأ القائل ان التنمية الاقتصادية والاجتماعيةهي الطريق الوحيدة المؤدية الى مكافحة البطالة. كما انه من اولويات التنمية الاقتصادية اليوم كما يشير الى ذلك علم الاقتصاد السياسي يعتبر ترشيدالصرف الحكومي وزيادة رأس المال الثابت لدى مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات الاستراتيجية الحكومية على حد سواء. اضافة الى تشديد قوانين حماية المنتوجات الوطنية … وان يتجه العراق ، شأنه شأن البلدان المتطورة ، اكثر من أي وقت مضى الى اتباع التكامل الاقتصادي . ( هذه الاسطر مأخوذة من كتابنا الموسوم " العولمة والبلدان النامية ــ 2006) ومن الامور التي لا تهم الكوهينيين طبعا ً ، الاخذ بالحسبان ان قسما من الثروة النفطية يعود للاجيال العراقية القادمة. اضافة الى ذلك أن الموارد البترولية بالاضافة الى كل ما تقدم يجب أن تســـاهم بنشاط كذلك في أمر بناء مراكز البحث العلمي والمؤسسات الصحية والثقافية و الفنية اضافة الى تجهيز الجامعات والمعاهد بالتكنولوجيا الحديثة والمختبرات والكومبيوترات التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من متطلبات الحياة المتحضرة. ثــم إن المادة البترولية والغاز الطبيعي يؤلفان في الواقع مواد اساسية لصناعـات كثير مـن السلع الضرورية وذلك ليس فقط لسد الحاجات الاستهلاكية في داخل البـــــــلاد ، بل ولزيادة فرص العمل للمواطنين ثم لأغراض التصديـــــر لتكون مصدرا إضافيا لزيادة الدخل الوطني وحصة الفرد منه . واخيرا انها موارد يجب ان يسخر لرفع مكانة البلاد الى مصاف الدول المتطورة حضارة ومدنية. ونقول اخيرا ، بما ان كوهين غير معني بمصلحة العراق ، فانه "ينصح" ان يذهب نفط العراق على شكل اســهم لمصلحة الشركات عن طريق الخصخصة .ويبقى السؤال : كيف تسرب المقال الى مجلتناـــ الثقافة الجديدة ؟!!!. امــا بخصوص الارهاب الذي اخذ يرافق " مطلب " الخصخصة منذ سقوط الدكتاتورية فان الامر واضح لكل من له عينان تبصران . فالارهابيون ليس لهم دين ولاقومية ولا شعور وطني حتى يفكرون بمصير البلاد فيمـا اذا كان محتلا ام لا . وما الزعيق الذي يتعالى من ازلام النظام المقبور وجلاوزته ضد قوات التحالف والامريكان والانجليز خصوصا ًالا لان هذه القوات دكت معاقل الطاغية و خلعته الى غير رجعة . ثــم ان هذه الجيوش الاجنبية المتواجدة مؤقتا ًعندنا اخذت على عاتقها تكوين القوات المسلحة الوطنية التي سوف تستلم المهمات الامنية في المحافظات. وهي مؤلفــة من ابناء الفئات التي ذاقت اصناف القمع من النظام المقبور . فهي اذن مضمونة الولاء للعراق بخلاف " الجيش " العقائدي في عهد الصنم . وهذا يغيض البعثيين .
. 5
دعــاة الخصخصة والإرهاب في العــراق
موضوع الخصخصة والإرهاب أمـــر ذو شجون في العراق . وستظهر مع مـرور الأيام أسئلة كثيرة وكثيرة جدا ً بخصوصه . وكل الأسئلة تلك تتطلب أجوبة صـــريحة وكاملة ! . وما سوف يتفضل القارئ فيطلع عليه في هذا الجزء من المقالة انما هو ( برأينا ) بانوراما او منظر عام لما يتصل بالخصخصة من ظروف وملابسات و بالمخاطر التي تسببها لبلادنا . الأمر وما فيه ،إن المجريات السياسية تدل على وجـــود مخطط ، يتمحور ــ حسب وجهة نظرنا ــ على سلب نفط الشرق الأوسط بواســطة الخصخصة . نعم بواسطة الخصخصة وليس عن طريق العنف العسكري . فكما يبدو ، ان المنطلق الاساس في هذا الظرف العالمي الراهن وبوجود الوضع السياسي القائم في الشرق الاةسط بالذات ليس العنف هو الاجراء المفضل بالنسبة للشركات البترولية العالمية الكبرى . بل من الافضل لها اعطاء الخصخصة غطاء سياسيا ًثم تسريبه الى البلدان النفطية . على ان الكثير من الاقتصاديين سيما من لهم اطلاع كامل بالتشابك الاقتصادي العالمي لا يختلفون على وجود هكذا مخطط بعيد المدى لدى النظام العالمي الجديد . ونضيف انه ، ربما تنتظر ذلك ايضا أطراف سياسية ومالية وحتى حزبية لها تواجد في منطقتنا وربما خارج المنطقة العربية ايضا ً . وبما ان السياسة في تقلب دائم . وان الخطط تبعا ً لذلك لابد ان تكون في تغير مستمر . فيجب التحقق دائما اذن من ماهية التغيرات تلك وعمقها واشتمالاتها . وبما اننا ازاء الامرالعراقي فمن الطبيعي ان تتحدد اسئلتنا في هذا النطاق بالدرجة الرئيسية . والسؤال الكبير : هل ان نسخة من هذا المخطط ، هي التي اريدت للعراق ؟ ثــم جــاء ت على لسان كوهين في مقاله "سبيل الازدهار الاقتصادي بعد صدام "؟ ( التي نشرته خطأ ً مع الاسف الشديد مجلتنا الوطنية "الثقافة الجديدة " في بغداد ) والذي كان محتواها : يدعو الى خصخصة النفط ورفــع القيود عن اسعار الخدمــات والطــاقة . وهل كان هدف كاتب المقال : اخضاع العراق للشركات النفطـية والبــنوك الاحتكارية العالمــية عن هذا الطريق ؟ . ام ان نسـخة من المعادلة الروسية المتكونة من طرفين هي التي كانت مرسومــة لتحقيق وضع جديد في الشرق الاوسط بواسطة الركوب على ظهر الدكـتــاتــور الطاغية وباستخدام سياسته الداخلية والاقليمية الهوجاء ؟؟؟!!! . علمـــا ان طرفي المعادلة بالنسبة للعراق ــ برأينا و كما نستنتج من المقال المذكور ــ كانتا حسب المنطق السياسي ـــ على النحو التالي : (الغـاء الكـيـان المـتـهرئ لـدولة الدكـتـا تور الواحد + الخصخصة التي سـتـجعـل نـفـط الـبـلاد تدريجيا بأيدي الشركات الأجنبية ) أي كما كان الأمر تقريبا في روسيا . ولــو جــرى الأمر على هــذا النحـو لانـتـهى العراق كـبـلد ، ولحكــم على شــعبــه بالـفـقـر مدى الحيــاة (؟؟؟؟ !!!) . مع العلم أن الطاغية كان قد هدد في إحدى خطاباته انه لن يترك العراق إلا حجرا على حجر !. وفي مرة أخرى قال : إلا ترابا ً بدون بشـــر .!!! . واذ نقوم نحن بهذه المحاورة المبنية أصلا على تقديرنا لما جرى ويجري من أحداث سياسية كبرى في البلاد بعد سقوط النظام الدموي ، ذلك لكي نقترب من الصورة ونقربها إلينا ثــم نتصور الاحتمالات التي قد تنجم فيما لو تم تنفيذ المخطط الظلامي المذكور. اي لو تحولت بلادنا إلى ما اريد لها أن تكون !. الا اننا يجب ان نلاحظ شيئا ً جوهريا ً وهو ان العراق اليوم يقف على قدميه بالرغم من انه مثخن بالجراح . بل وان الخصم اخذ يبدي العجـــز احيانا ً في حلبة الصراع خلافا ً لما كان عليه في البداية ً. نود ان يكون هذا دليل على قرب الانتصار على الارهاب . ولعل قليلا من الناس ، من يعلم ان لشعب العراق ميزة خاصة عبر كل تاريخه . انه شعب يتوق دوما الى الحرية و الديمقراطية ولا يتنازل عن حقه وكرامته . وانه يملك ثروة تفوق في قوتها وجبروتها كل القوى الاخرى . انها ممثلة بالطاقات العلمية المتميزة في ابنائه . وبناءً على هذا بالذات اعود الى المعادلة لأقول : ان العراق بالرغم من الجراح العميقة في جسده ومن الدماء التي تسيل انهارا بدون انقطاع منه وجد القوة والبأس لكي يفوت الفرصة على المتربصين به والساعين الى النيل من سيادته الوطنية واستقلاله و على الطامعين في نــفــطــه وثرواته . وهكذا ذهبت "دروس" كوهين الى الجحيـم . وبقي الدرس العراقي قائمــا . بحيث نستطيع ان نقول : لم تمـــر هذه المعركـــة دون ان نلاحظ من خلالها نتيجتين جوهريتين غـايــة في الاهمية : 1 ـــ من الناحية العملية ان العراق بدأ يعيد كيان دولته . وهو الآن في طريقه لاعادة مكانته في المحافل الدولية وسمعته العالمية . و يغمرنا الرضا ان رجالات الـبـلاد بعشـــائرهم وبـاحـزابهم ومنظماتهم الوطنية ، برجالهم ونسائهم ،استطاعوا وسط صعوبات لا تصدق الســير بعـد سقوط الدكتاتورية البعثية ــ الصدامية سيرا ً مرضيا ًً . وبالرغم من الارهاب والدماء والرعب المنقطع النظير والاعلام العربي والعالمي المعادي لبلادنا .... وبالرغم من كل الاخطاء والضلالات ( لبعض السياسيين ) خاض الشعب بقيادة كياناته السياسية ثلاثة انتخابات ناجحــة . وهو اليوم يتمتع بوجود برلمان وحكومة منتخبة تشترك بها كافة الاطراف السياسية و بدستور يحكم البلاد . نعم ...يجب ان نعتــبر هذا ، قبل كل شيء ، مأثـــرةً عراقية . اذ من الصعوبة بمكان ان تجد شعبا ً مــن خلق الله يمخر عباب الارهاب ذي الامواج المتلاطمة ثــم يفــوز بالوجود ويطارد الارهاب البعثي ــ الصدامي . و فوق ذلك يحافظ على الوحدة الوطنية ويأبى ان ينزلق بحرب اهلية او طائفية كما انتظر ذلك اعداء العراق . ولا ينكر ان هذه العملية الكبرى جرت في جو من الصخب و الاتها مات العادلة وغير العادلة ، ومناوشات متجنية واخرى متطرفة ، وحملات كلامية جارحة واخرى فيها من العتاب اجمله ـ وبين هذه وتلك التقت طموحات ممثلي الاحزاب العلمانية با فكار اخوانهم في الوطن من الجهات الدينية على بركة الله . ثم تقدمــت المرأة بقــوة وجــلال مع اخــيها الرجـل. كما اختلط الصوت العربي بالصوت الكردي والتركماني ، وصوت الشيعي بالصوت السني والمسيحي والصابئي .. وجلجل صوت المرأ ة من خلال اصوا ت الرجال مما انتج الثمرة المشتركة المتمثلة اليوم بالدولة العراقية المعاصرة وبالنتيجة ارتفع الصوت العراقي على كل الاصوات . وهو الذي انتصر في نهاية المطاف . مما يخلق الامل فينا ان سيبلغ وطننا بواسطة الوحدة الوطنية النصر المؤزر النهائي قريبا بعزة الله . و الخلاصة .. ربما لا نخطأ اذا ما اعتبرنا ان اكثر الكيانات السياسية التي لها حضور على الساحة العراقية خلال الفترة الزمنية العصيبة التي اعقبت انهيار الدكتاتورية وذلك بالرغم من تشاجرها وتعاكس خطاباتها وحتى اخطائها ...كانت لها مساهماتها الايجابية المشتركة في اعادة كيان الدولة العراقية الاتحادية السائرة في طريفها نحو اليمقراطية اليوم .
اما الطرف الثاني من المعادلة وهو النفط فهو ما زال مضمونا ً والحمد لله بفضل حرص حكومتنا على تطوير الاقتصاد الوطني والفهم العميق لدى ابناء الوطن لمكانة ملكية الدولة للبترول وضرورة إحكام قبضتها على الثروات البترولية وغيرها من الفروع الاستراتيجية التي دخلت تقليديا ً في ملكية الدولة وهي مستمرة بالدفاع عنها انطلاقا ً من مبدأ الحفاط على سلامة اقتصادنا من الانهيار .
2 ـــ الكفاح ضــد الحملة الارهابية.. وهذه حقيقة اخرى تجري حتى الآن امام انظار المجتـمـعات الدولية . وما وقوف رجالات العراق بعشائره وابناء مدنه مع السلطة الوطنية في هذا الوقت العصيب من تاريخنا فهو يدل على استبسال العراقيين وسعيهم الى التوحيد مهما اختلفوا بالفكر والسياسة خاصــة اذا ما تعلق الأمر بمصير وطنهم وشعبهم . وهذا فخــر لنا امام العالم . ومما يشرف العراقيين ايضا انهم خيبوا امل القيادات الارهابية ومؤيديهــا من دول الجوار عندما لم ينجروا الى الحرب الاهلية الطائفية التي خطط لها الاعداء وبذلوا الاموال من اجل احداثها . وقد تـحـول العــراقيون الوطنيون الى طائفة عراقية واحدة تكافح بايمان وشجاعة في سبيل دحر الارهاب بالذات وتفويت الفرصة على المتآمرين . في الواقع ، ان الحملة الارهابية التي تتعرض لها بلادنا غير عادية وغريبة من حيث الأصناف المشتركة بها . اذ كيف نفسر تكالب كل الفئات الارهابية والتكفيرية في كل انحاء العالم على العراق ؟ . حملة تجري وسط صمت الدوائر الرسمية العربية والاسلامية وعدم استنكارها لقتل ابناء العراق المسالمين في المدن والاسواق والمدارس والمساجد ؟ و ما تفسير الصمت المطبق لتلك الجهات حتى عن تفجير العتبات المقدسة و حرق المساجد وقتل المصلين فيها .؟ !!!. بل والاغرب من كل ذلك هو تأكيد اوساط عربــية و" اسلامية " ، سواء كانت رسمية او اعلامية وحتى دينية وقانونية . على ان الذي يجري في العراق من قتل المواطنين وتدمير البنايات والشوارع والبيوت على ايدي الارهابيين والتكفيريين والقتلة المحترفين وتفجير السيارات والعبوات الناسفة بين الناس في الاسواق والمطاعم اوقتل الاطفال في المدارس او في الشوارع حين يلعبون هو "مقاومة " للاحتلال!!! . هذا عدا التشويش النشيط وبكل صــلافـة للاعلام العربي المناصر للارهاب علناً والذي اصبح الواسطة لنشر الاكاذيب لصالح القوى الارهابية السوداء طالما هي ضد العراق . كما يلفت النظر بخاصة ارسال ارهابيين من دول بعيدة عن حدود بلادنا بحجة مقاومة " المحتل الكافر " ولكنهم في واقع الامر يقـتـلون المواطنين الامنين ويستهــدفون رجال القوات المسلحة العراقية فقط لأنها قوات مهمتها المحافظة على الامن . ناهيك عن قتــل العلماء واصحاب الاختصاصات النادرة . .... الخ ...والخ .
والأسئلة هنا كثيرة : اولا ً ـــ من هو المنظم الاعلى لهذه الحملة الشعواء ؟ . علما ً يبدو انها جهة ذات سيطرة وسطوة لها صفة قيادية بالنسبة للارهابيين . وربما ذات سطوة ماليــة بالنسبة لهم ايضا. ً ثانـيا ًـــ ان خلع الطاغية صدام مسألة عراقية داخلية . كما هي الحال بالنسبة لتواجد قوات التحالف باعتباره موضوع داخلي ايضا .. واذا كان الاحتلال السبب في "اثارة " الارهابيين فلماذا البدء بالعراق ؟ علما ان ذلك خارج التقاليد الدوليةاساسا ً. ولم يذكر التاريخ مثلا يؤكد حدوث شيء من هذا القبيل في بلدان عربية او اسلامية اخرى ؟؟؟!! . خاصــة هناك اراض عربية محتلة مثل الجولان ( السورية ) وفلسطين واراض لبنانية اضافة الى تواجد قوات وبوارج حربية او افواج من المخابرات الاجنبية في اكثر البلدان العربية اذا لم نقل كلها .ولكن لم يذكرها احد بشيء . ولم يذهب (او يرســل )الى هناك انتحاريون . ثالثا ً ـــ ان الارهابيين ( المحليين من فلول البعث والمتسللين عبر الحدود السورية وغيرها ) يقتلون المسلمين حتى اثناء الصلاة في المساجد ودور العبادة الاخرى في العراق ( بحجة الاحتلال ) وهم يعلمون تمام العلم ان القتل يعتبر من الكبائر وتحرمها كافة الاديان السماوية .فما بالك بقتل شعب مسالم في بيته ؟ . وما هي اذن "التعاليم" التي يتلقاها الارهابيون من شيوخهم ؟ ثم لماذا لم تصدر فتاوى من مؤ سسات اسلامية رئيسية مثل الازهر وغيره تحرم بموجبها هذه الجرائم في العراق وهي من صلب واجباتها الدينية ؟ . هل هناك جهــة عليا ( لها قوة تفوق قوة كتاب الله ) تقرر كل ذلك ولا مــرد لقرارها ؟؟ . رابعا ً ـــ ماهي الجهة التي تربط الفضائيات العربية وتجعلها تضخ بصورة مكثفـــة اعلاما مبرمجا ً معاديا للعراق والطوائف المتآخية فيه ؟ علما ً ان تلك البرامج على نسق متـشابه اومتقارب الغرض منــه اثارة الفتن الطائفية والعرقية والسياسية ؟ ثم ما هي الجهة التي تدفع التكاليف؟ !!! . خامسا ـــ لماذا يقوم النظام السوري البعثي خصوصا ً بدور نشيط في صالح الهجمــة الارهابية ؟ ً ًو ماهي القوة التي تجبره على تدريب الارهابيين القادمين من بلدان اخرى ثم تسريبهم عبر حدوده الى بلادنا ؟ ثم يحتفظ بازلام البعث العراقي المقبور وهم من عتاة الارهابيين في الشرق الاوسط ومن المتمرسين في الجريمة ؟ . في حين ان النظام البعثي السوري نفسه الأن في مهب الريح ؟. وان موضوع ازالته اصبح مطلبا ً شعبياً ودوليا وذلك نظرا ً لجرائمه واحتضانه للارهاب الاقليمي والدولي !!!. ً (وبالمناسبة الا ينبغي النظر بتعمق في امــر هذا الحزب . فربما تدلنا الدراسة العميقة على علاقتـة المباشرة ( منذ تأسيسه ) بالنشاطات الارهابية الاقليمية وبعث الفرقة والتشويش الفكري و السياسي بالنسبة للشارع العربي عموما وليس فقط بالنسبة لمآسي العراق وحده .؟!!!!) سادسا ً ـــ ما هذه القوة الشديدة البأس التي تجبر الحكام العرب ان يتجاهلوا ويصمتوا وينسوا صولات وضحايا الجيش العراقي والمضاهرات الجماهيرية التي شهدها التاريخ الحديث خلال المعارك والا زمات انتصارا ً للبلدان العربية قاطبة حتى يشيحوا بعيونهم وكأنهم لايرون هذه الهجمة التــدميرية ضد ابناء شعبنا ؟؟ ليس هذا فحسب وانما يطلقون العنان كاملا ً لاعلامهم الرسمي لمعادات الشعب العــراقي ؟ . سـابعا ً ـــ اين الجامعة العربية ؟ انها تتظاهر بالحماس للعراق ولكن بمظهر خجول . انها تبدو دائما بين الاضطرار وعدم الرغبة في الظهور . وموقفها يبدو في اغلب الاحيان هزيلا ً. ان الجامعة العربية في كل تاريخها تقف متخاذلة عندما تتعرض دولة عربية لمحنة ما . وهي بالنسبة للعراق اليوم كذلك . كما كانت بالامس !!! . مع ان العراق كان من مؤسسيها وانه اصبــح الآن يواجه اعتا حملة ارهابية في تاريخ العالم (وليس فقط في تاريخ العرب ) . وان بلدانا عربية ( معينة !!) لها مساهمة مباشرة في الجريمة . فماذا عملت الجامعة لاصلاح الامــر ؟ ربما هناك اوامر تأمرها بالصمت ؟ من اين ؟ . ثـامنا ــ نلاحظ ، نحن وغيرنا ، ان الاعلام العربي خاصة يقيم الدنيا ولا يقعدها عند استشهاد طفل اوشاب في هذا البلد العربي او ذاك ولكنه لم يكترث باستشهاد عشرات الضحايا يوميا في العراق . علما ان الضحايا دائما من الرجال والنساء والاطفال الأبرياء وهم في الاسواق او في بيوتهم اوحتى في امكنة العبادة !!! . بل ونسمع منهم عبارات التشفي فيما يحدث لنا !!. والامثال كثيرة على ذلك تقدمها فضائيات الجزيرة والعربية والسورية وفضائيات عربية اخرى مأجورة للبعث لا يبعد مراسلوها سوى بضعة امتار من اماكن الجريمة !!! الا يحق لنا بعد هذا ان نعتبره اعــلاما ً تكفيريا ًيسير جنباً الى جنب مــع الارهابيين التكفيريين اصحــاب السيارات المفخخة والعبوات الناسفة ؟ . في الواقع لدينا اسئلة اخرى كثيرة من شأنها ربط الاقتصاد بالسياسة . ولكن دعونا ننظر الى هذه الحملة الارهابية العالمية والاقليمية من خلال مشروع اسقاط الدولة والدعوة مباشرة الى الخصخصة !!! التي تزامنت مع ايذان نظام الطاغية بالغروب . ان مجريا ت الامور وفقا لتحليلنا تؤيد ان هناك مخططا ً كان وما زال ضد امــن العراق منذ حكم البعث وطاغيته . و بما انه بلـد ذو ثروة نفطية هائلة ، فالدعوة الى الخصخصة فيه بالذات تعتبر امرا ليس غريبا بل مكملا ًلما قبله .ً النفط ــ كما هو معروف ــ يؤلف قوة اقتصادية ضاربة . وهذه القوة تقاس تناسبيا مع الكميات الاحتياطية الوطنية المخزونة منه في باطن الارض . اذن يمكن تصور مقدار تلك القوة اذا ما عرفنا أن بلادنا تعد الثانية في العالم . وربما يأتي يوم يؤكد فيه العلماء والاختصاصيون حيازة العراق على الموقع الاول من حيث الاحتياطي من النفط في العالم . و نحسب ان ان اختيار مشروع الخصخصة في هذا الظرف بالذات ، كـان يستهـدف سحب هذه القوة من ايدي العراق وتـركه بلدا ً ضعيفا ً، تابعا ً ، ومطيعا . و لكي لا يشكل خطرا ً على احد !! في المنطقة . سيما وهو البلد المعروف تاريخيا ً بقابلياته العسكرية والقتالية الفريدة ( في فلسطين وغيرها ) . ً هذا فضلا ً عن انتقال تلك الثـروة الطائلة اوبعضها الى الشركات والبيوتات المالية العملاقة وراء الحدود امر ليس قليل الشأن . وربما فكرت الاطراف الطامعة بالسلطة والثروة بترك بعض الفتات للعناصر التجارية والسلطوية الداخلية وخاصة تلك القوى المتمرسة في اجهزة السلطة الدكتاتورية البائدة وذات الدور " البارز " في ارهاب الشعب لسنين طوال ابان حكمهم وبالتالي اخضاعه لشروط الشركات . على انها ستكتفي هي بالفتات لقاء بيعها الوطن ببساطة. وبعبارات اوضح ان الجهات التي سعت الى العودة الى عروش السلطة والمواقع السلطوية مرة اخرى ( من جهات اجنبية ومحلية ) وتلك التي حلمت بالاستحواذ على الثروات النفطية او على جزء منها (في يوم مــا ) ـــ برأينا ــ هي نفسها التي تـتـزعم تنفيذ جريمة استمرار العـمـليات الارهابـيـة وتمويلها في بلادنا . كما هي بالذات ما تزال تستخدم علاقاتها وجسورها القديمة مع القوى الاخرى. و يبدو انها ما تزال ناجحة في دفع المرتزقة الى الجريمة على ارضنا مما يسمح لها الاستمرار في سـكب الزيت على النار املاً بتحقيق ما تريده ولعلها تستطيع من تنفيذ ذلك المخطط الوارد في المقــال الذي نـشــره كــوهــين سيء الذكر ! . و من المفارقات في السياسة : ان بعض "اخواننا " من العرب لم يحدث لهم ان اتفقوا على شيء الا اليوم . و اتفاقهم هذا مكرس لقتل العراق بالذات والـفـتـك بابـنـائـه !!!! فهل هناك مغريات بالقدر الذي يعمي الابصار ؟ . فلم يحدث ان اتفق الوهابيون وساديـو القاعدة ذوو الشهادة العالمية بالارهاب ، و الاسلاميون ( المزيفون ) والقوميون من بعثيين وغيرهم ، مع حكومات واحزاب وشخصيات اقليمية واجنبية انخرطت بكل ثقلها الاعلامي والامني ( والحزبي في سوريا مثلا ) و السير سوية في درب مشــبوه واحد الا عندما سقط عرش الطاغية الذي كان يمدهم برشــاوى اما من البترول مباشرة او بشيكات من مبيعات الذهب الاسود أو عبر مصالح سياسية !!! . ولا ينبغي اسقاط سبب جوهري اخــر ، وهو الخوف ً من " العدوى " الناجمة من فوز البلد الذي اسمه العراق بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة بعد انهيار حكم الطغيان الصدامي ثم التوجه صوب الديمقراطية والتنمية . على ان المفارقة المؤثرة الكبرى يمكن مشاهدتها من خلال الموقف المخزي لبعض العرب ، دولا واحزابا ً وصحفا . ً انهم ينتصرون لذلك النظام المهزوم بالرغم من انه كان يكرر اهاناتــه لهم في كل مناسبة وغير مناسبة . وقد سبى اهل الكويت والغى دولتهم العربية وهدد سوريا اكثر من مرة واطلق صواريخه على مناطق سعودية ..هذا .بالاضافة الى سلسلة من الجرائم الاخرى تجاه العرب وغير العرب . وتبقى الاسئلة كثيرة : كيف اجتمع كل هؤلاء مع اختلاف اصوافهم ؟ ومن هو الذي جمع قطعانهم كلها في مرتع واحد ؟؟ من هو الممول للمرتزقة الارهابيين في العراق ؟ الم تكن الاموال التي تصرف على التخريب والتقتيل هي تلك الاموال المسروقة من العراق والموجودة بيد العناصر البعثية الهاربة من الشعب العراقي وهم متواجدون في سوريا وبلدان عربية اخرى ؟ اليس هي مليارات النفط العراقي التي حولها صدام ونظامه الى البنوك الاجنبية لحسابات الحزب والحزبيين البعثين وافراد عائلته في الخارج لاستخدامها لصالح اعادة سلطتهم و تثبيت مواقع حزبهم في حالة السقوط والهزيمة . اذن العـلة في جرثومة البعث العفلقـي ( ذات الارتبــاط بمخابرات "اقليمية " واجـنـبـية. علما ً ان الجرثومة داخل الجسم تسبب عـادة هجوم طفيليات اخرى من المحيط الخارجي .... وبما ان الامر كذلك ، الا يقودنا المنطق الى الاشارة بالاصبع الى التعاون : ( البعثي العراقي ــ السوري ـــ الاسرائيلي ) في هذه الهجمة الواسعــة على بلادنــا . ومنها هذا الصمت العربي والعداء الاعلامي المطبق ؟ ان اسرائيل لاتنسى بطولة وجبروت القوات العسكرية العراقية في ميادين الحرب معها من اجل فلسطين . والبعث ادرك ان غايــة العراق ـــ الظفر بالديقراطية والحرية بدون تسلط احــد . وان الحركة الوطنية بكل اطرافها لا تقبل مشاريع البعث ولا تدخل في مؤامراته . اضافة الى ان اغلب اجهزة الاعلام العربي والعالمي قد حرموا من الرشاوى الصدامية ومن " هدايا " المربد وغيرها . وربما هم الآن " ينعمون " بالتمويل المفرط ايضا ًمن جانب فلول البعث الصدامي المنهزم في بلدان مجاورة . وهكذا اصبحت هذه الاطراف كلها تتبارى في عداوتها للعراق . وقد سبق لها وان تكالبت و على مرآى ومسمع كل العالم عندما قتلت ثورة ( 14 ) تمــوزالوطنية واغــرقــت بلادنا بالدماء عام 1963 . ثم هي تتعاون اليوم اكثر من اي وقت مضى لتنفيذ مشروع الطاغية المهزوم الذي توعد العراق به بخصوص تخريبه وقتل ابنائه في حالة سقوط نظامه الفاشي . وهذه القوى ( الثلاث ) ذاتها تقوم بلا هوادة ببعث الفرقة والتبعثر بين العرب ، بـلـدانا ً وشعوبا ً، وهذه حالة ، برأينا ، واحدة من المصائب الرئيسية في الشرق العربي وليس في العراق وحده . ان الواجب والحالة هـذه يقع على البلدان العربية ، شعوبا ً وحكومات ، ان تقف بجانب العراق و تساعده في مكافحة الفتنة الداخلية التي يديرها بعض قادة البعث العراقي من اوكارهم في سوريا بالذات . بـيـنـما البعث السوري هو هذا الذي نراه في المأساة اللبنانية . ان البعثيين عبثوا بلبنان الجريح قدر ما استطاعوا . واخيرا ً تركوه وحيدا ً . مدنه مهدمة وشعبه مشرد . ثم اذا كان لبنان يهدم بأيادي اسرائيلية ، فان ابناء العراق يقتلون على ايدي فلول البعث العراقي والارهابـيـيـن من دول الجوارالمد ربيـن في ثكنات البعث السوري . فهل هناك من ينكر الربط بين البعث واسرائيل ؟ انهما ينفذان عملية اجرامية واحدة موجهة ضد العروبة التي يزعم القوميون البعثيون انهم منهــا . وهكذا برأينا ، ان انقاذ لبنان ومساندة العراق من قبل الشعوب والحكومات العربية اليوم يعني الوقوف وقفة شرف ( كما تتطلبه الاخوة العربية ) وكذلك استقرار للمنطقة كلها . و ليرى العرب الموقف المشرف للعراق اليوم وهو مثخن بالجراح . ولكنه يقف بجانب لبنان ومؤيدا لفلسطين كعادته . انــه العراق العظيم بعربه واكراده وبمختلف طوائفه الدينية المتآخية ابدا ً . وهذه خلاصة سياسية نعتبرها واحدة من الدروس العراقية التي يجب الانتباه اليها وليس " الدروس " التي املاها كـوهيـن ، ممثل الأيديولوجية الأجنبية !!في مقالته الكسيحة . كمـا علينا ايضا ً التوجه الى حكومتنا وكياناتنا السياسية المخلصة للوطن ثــم الى عشـائرنا ورجالات السياسة والقانون و الى شعبنا عموما لاستيعاب الكارثة المحدقة ببلادنا والتصرف بشأنها بإرادة رجل واحد و هدف واحد هو : اقامة العـــراق القــوي الأمـــين . ولا سبيل الى ذلك سوى اخذ العبرة من هذه القطيعة الظالمة من جانب الكثير من " أشقائنا " العرب !!! بدولهم واعلامهم المتحيز للإرهاب . واخيرا ًليس لنا سوى تعاون رجالاتنا على إيجاد الجوامع المشتركة بينهم واعتبار الأساس في السياسة العراقية هو سلامة كيان الدولة وتوطيد مكانتها في المجالات العالمية والحفاظ عل ثرواته . فلقد كتب على العراق والحالة هذه ان يتحمل العبء وينهض بالمسؤولية لوحده رغم كل الصعاب وتخاذل " الأقرباء " وان يبرهن ان لا احد بمقدوره اخضاعه والتســلط على ثرواته النفطية او غيرها . فهذا وحده من شأنه ان يؤدى الى اقامة عراق جديد ينعم بمبدأ السيادة الوطنية ويخلق الاساس المادي للمضي قدما ً في حل مشاكل الشعب الحياتية . وفي هذا وحده مأثرة عظمى سيسجلها التاريخ للعراق والعراقيين . وفي نهاية هــذا العرض ، نرى ضرورة القاء بعض الضوء على مشكلات باعتقــادنا لها مساس مباشربمـا يقـلـقـنا في اطار المسألة موضوع البحث . لا بل سيبقى فراغ واضح اذا مــا ترك الامــر بدون تنويه . وباعتقادنا ان هناك اربع ملاحظات لابد وان يكون لها حساب في نظرتنا الى المسألة الوطنية العراقية القائمة اليوم . أولا ً ـــ كثيرا ً مانسمع من اغلب المحللين السياسيين تأكيدات : ان هدف الأمريكان الأول والأخير في الـعــراق هو النفط وليس غير النفط شيء !!! . وانطلاقا ً من هذه المقولة يذهبون إلى التأكيد أيضا ً بأن الأمريكان إذن وراء الإرهاب !! . وانهم لا يريدون الاستقرار للعراق !! . من جانبنا نرى ان هؤلاء المحللين ، بالرغم من ان أكثرهم أما من الوطنيين العراقيين المعروفين او من غيرهم ممن يضمرون للعراق خيرا ً، لم يتصوروا بعد ان هذه التصريحات يعوزها شيء من الدقة لأنها ذات بـعـد سياسي واحد . ولكي لا ندع مجالا للاتهام باننا نغني خارج السرب نود ان نؤكد ان الولايات المتحدة تملك كبريات الشركات الاحتكارية النفطية وغير النفطية ذات الارتباط الوثيق ـــ وربما ارتباط قيادي ـــ بالشركات متعددة الجنسية ومتعدية الحدود ( ت . ن . ك ) و ( ت . ن . ب ) ولذا فهي ليست بعيدة عن مطلب خصخصة النفط سواء في العراق او في غيره من البلدان المنتجة لهذ المادة التي تعتبر رمــز الثروة الـدولـيـة بدون منازع . الا ان النظرة الى التواجد الامـيـركي في العراق بهذا الشكل لا يجب ان يفســرفقط من خلال البترول الموجود في هذه البقعة من العالم . بل ان الامــر اشمل من ذلك وينبغي ان يناقش في ضوء مجموعة من العوامل الحساسة وذات المغزى العالمي . ولو كان الهاجس الاميريكي يتعلق بالنفط وحده لأ جرت الادارة الامريكية صفقة مساومات مع الطاغية ، تعـطيه بموجبها الثمن الباهض بالنسبة له وهو ابقاؤه على كرسيه بضمانة امريكية لقاء النفط وربما غير النفط ايضا ً . و المعروف عن الدكتاتور انــه سريع الموافقــه على مقايضة من هذا النوع : ( نفط العراق لقاء الكرسي لصدام ) .!!! وبما ان الولايات المتحدة الامريكية لم تقدم على هذه الخطوة السهلة ، اذن المشكلة اكبر من هذا الامر وان امريكا نفسها معنية بحلها . وباعتقادنا ان النظام الصدامي الكـريـه وضع للازالة كأي متاع رث عندما قـادتـه عـنجهـيـته الى تخطي الخطوط الحمراء المرسومة له او لغيره من الدكتاتوريين في المنطقة . فليس بعيدا ان يكون من بعض العوامل التي دفعت امريكا وضع صــدام في قائمة الازالة لانه مد مخالبه الى الخليج !!! وحلم بالاستحواذ على ثروة العالم ( من وجهة نظر النظام العالمي الجديد )المطروحة في هذه المنطقة !!! . ولعله فـكـر فعلا ً على طريقة الشــقاوات وابناء الازقــة ان يصبح ( الوحش ) الذي يهدد سـادة النظام المذكور ويزاحمهم على موائــدهـم . ثانيا ًـــ ثم ما يشغل امريـكا وبريـطانـيا ، بل ودول اوروبا في السـنوات الاخيرة هو هذا الارهاب المستشري في كل مكان . بحيث طال اميريكا وبريطانيا واسبانيا وفرنسا ...وغيرها من دول العالم . و من الممكن جدا ان المعـلومـات التي تجمعت في دوائــر ( المخـــابرات !!!) اشارت الى الســعة الاخطبوطية و غير المعقولة للجسور التي مدها طاغية العراق مع شخصيات وادارات وشركات عالمية بواسطة المليارات النفطية التي تحت تصرفه ممــا جعل الناقوس الغربي ينذر بالخطر . وربما كان التقدير ان رأس النظام العراقي سيستطيع في وقت ما ان يقوم باية مفاجآت كارثية للغرب ولأمـريكا بالذات سواء كان ذلك بواسطة تنظيم القاعدة اوبفعل اوكار عصابات البعث المنتشرة في البلدان العربية واكثر الدول الاسلامية . وبتقديرنا ان المساومات اعتبرت مع هذا ( الابن العاق ) لا تجدي نفعا ً . ولذا تصرفت امريكا على الطريقة الناجعة في الحالات المرضية المستعصية القائلة : (آخر العلاج الكي) .فنفذت ازالة ادران النظام بالطريقة التي شاهدها العالم . ثالثــا ً ـــ السياسة الدولية في تغير دائم . ومن كان معك اليوم قد يعاديك غدا ً . وصديق الامس قد يستمر معك اليوم ايضا ً برابطة سياسية انت في اشد الحاجة اليها ولكنه قد يتركك في منتصف الطريق او حتى يعاديك في ظروف اخرى . ومن المـعــلوم ان الارهاب العالمي والاقليمي المفروض على العراق لا تستطيع البلاد ان تقضي عليه بمفردها . ومن حسنات القدر في هذه القضية ان القوة الدولية الكبرى التي ازالت نظام الطاغية الذي لم نزله نحن على مدى عشرات السنين وما كان بامكاننا ازالته بأية صورة من الصور ، هي نفسها تحارب جنبا الى جنب معنا في الجبهة المعادية للارهاب ولفلول البعث الغاشم التي وضعت امامها هدف تدمير العراق كما اراد سيدهم الطاغية المهــزوم عندما كان سيدا ً . رابعا ً ــ ثــم ليس بدون سبب هذا الزعيق الذي يتعالى من ازلام النظام المقبور وجلاوزته والمرتزقة المشتغلين في وسائل الاعلام الذين عاشوا على موائده والفوا الرساميل من شيكاته البترولية . واكثر الزعيق موجــه ضد قوات التحالف من الامريكان والانجليز خصوصا ً. اي الجيوش التي اخذت على عاتقها ليس فقط دك اوكار البعث اينما كانت ، بل و تعهدت بتكوين القوات المسلحة الوطنية التي سوف تستلم المهمات الامنية في المحافظات. وهي مؤلفــة من ابناء الفئات التي ذاقت اصناف القمع من النظام المهــزوم . فهي اذن ـــ كما قلنا آنفا ً ـــ مضمونة الولاء للعراق بخلاف عصابات " الجيش " العقائدي في عهد الصنم . وهكذا .. فان الكثير من المحللين الوطنيين العراقيين على حق عندما يقفون امام مشكلة الارهاب و ينظرون اليها من خلال مايحيط بها من ملابسات وافرازات و توقعات . على ان الامر يبقى مشوبا ً بالمخاطر ايضا ً ما لم يجري التعامل مع الاحداث والمضاهر انطلاقا ً من المصلحة الوطنية ، المصلحة العراقية بالذات وليس غيرها . ولا يجوز الانسياق وراء التصريحات والشعارات اللاهبة التي قد تكون ذات معنى فقط " في ظروف الرخــاء" في حين وطننا يحتاج الى سياسة وعلاقات دولية توقف "حمام الدماء " . واخـيـرا ً... من السرور العـمـيم ان الحكومة اخذت تتفاعل مع الاحداث عموما بحكمة ودراية . فبما ان الارهاب له هذه الصفة العالمية والاقليمية . وان العراق مستهدف شعبا وثروة ً. وبما ان الارهابيين خليط من المتسللين الاجانب و من العصابات التابعة لأوكار البعث الغاشم وان بعض الفئات التي انخرطت بصفوف الارهابيين بدعوى انهم " يقاومون الاحتلال " و ما هم الا من عصابات السلب والسراق وامثالهم من سقط المجتمع ، قامت الحكومة ومجلس النواب كما جاء على لسان رئيس الوزراء السيد نوري المالكي باعداد وثيقة المصالحة الوطنية لاستقطاب العناصر " النظيفة " التي لم تقترف جرائم دموية ضد ابـنـاء الشعـب . والفكرة الاساسية التي نفهمها من هذه المصالحة ان ابناء الشعب العراقي ملزمون بالتـكـاتـف وان يصـبحوا ابناءً لوطنهم ويذودوا عن حـيـاضه . امــا اولئك ( الضباط او غيرهم ) من جيش صدام عليهم ان يأنفوا ان يكونوا ادوات طيعة بأيدي مجرمين اجانب او يأتمرون باوامر ارباب السوابق ليقـتلوا ابناء جلدتهم حقدا وانتقاما او لفاء ثمن هو اصلا ً مسروق من البلاد . لقد فتحت الحكومة ذراعيها للعناصر " المناهضة " لكي يدخلوا في العملية السياسية ويتركوا هذا التخريب في وطنهم . و اذ تقوم الدولة بذلك فانها لا تأ لو جهدا ان تشدد من اجــراءاتها لدحرالارهاب و افشال المخطط العام للقوى التي بعثته ونشرته في العراق . ولكن مــع كل هذا لاينكران هناك قوى دينية وقومية واعــلامية ما تزال لها ارتباطات بشكل او بآخر بالنشاطات التخريبية الجارية في البلاد بدليل انها لم تقم باستنكار الارهاب والجرائم التي تقع على المواطنين . وحتى لم تقل كلمة واحدة ضد التفجيرات وتفخيخ السيارات او ذبح الضحايا ورميهم في الانهار !!!!. بل ومنها من يستنكر ولكنه يأتي بمثلها. و الحكومة هي الاخرى لم تستفد من الروابط العشائرية كما يجب واثارة النخوة العراقية المعروفة و من ثم توجيهها بشكل منظم ضد الارهاب . كما لم تتجه للضباط والعسكريين الذين يساهمون بالجرائم ضد الوطن بحيث تثير بهم الحمية العراقية وتذكرهم بالشرف العسكري ليلتحقوا بالشعب . اللغة الاعلامية لها دورها في الصراع . وهذه اللغة التي نقصدها غير متوفرة في اللغة الاعلامية الرسمية لدينا للاسف الشديد . هذا فضلا عن وجود تيارات مشبوهة من حيث نشاطاتها داخل المجتمع . اذ تحاول تسويق " وطنيتها " الزائفة من خلال الزعيق ضد قوات التحالف في ظروفنا الامنية الهزيلة التي لا نزال نعيشها او عن طريق استخدام الشعوذة والفتاوى التي ليس فيها الا تفرقة ابناء الشعب وتسليط البعض منهم على البعض الاخر . وحتى يذكر عنها انها تضم عناصر من جلاوزة النظام المقبورومن ارباب السوابق المتمرسين في القتل والسرقة . ونعتقد ان " قادة "هذه التيارلت حان لها ان تدرك ان الدين الحنيف قوة مقدسة مؤثرة تنتظر منهم ان يكونوا مع شعبهم ووطنهم وان يدخلوا العملية السياسية افرادا ًبعد عزل المشبوهين في تياراتهم ومن ثــم الانضواء تحت مظلة الحكومة المنتخبة ومجلس النواب والاشتراك في المصالحة الوطنية وفق ميثاق الشرف الذي يجري الكلام عنه يوميا ً . ففي ذلك ضمانة لكسر شوكة الارهاب و انجاح جهود البناء والاعمار وازالة خطر الخصخصة تماما عن الثروة النفطية العراقية وكل ما يضمره الكوهينيون لبلادنا . موســـكو ــ تمــوز 2006
#عبد_الزهرة_العيفاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسودة مشروع
-
دراسات في الإقتصاد السياسي حول خصخصة ممتلكات الدولة
-
مكافحة البطالة والتنمية في عراقنا الجديد
-
مسودة مشروع برنامج اقتصادي لعراقنا الجديد
-
lمشروع برنامج اقنصادي
المزيد.....
-
السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت
...
-
وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا
...
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|