أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - الفلسفة والإلحاد: 3 - لودفيغ فويرباخ















المزيد.....

الفلسفة والإلحاد: 3 - لودفيغ فويرباخ


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 7008 - 2021 / 9 / 3 - 16:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"سيتبلورُ توجهٌ جديدٌ للإلحاد ابتداء من فلسفة الفيلسوف الألماني لودفيغ فويرباخ (1804 – 1872) Ludwig Feuerbach. وسيعرف هذا التوجه الإلحاديُ انتشارا كبيرا في القرن العشرين في أوساط الفلاسفة كما سيكون له تأثيرٌ كبير. ويقتضي هذا الإلحادُ الذي أسسه فويرباخ عدم التطرق لقضايا الأنطولوجية الأساسية التي يثيرها الإلحاد، في حالة ما إذا أخذنا الطبيعة بالحسبان.
ومنذ التمهيد الذي خص به فويرباخ الطبعة الأولى من كتابه "ماهية المسيحية"، أوضح أنه سوف يعالج اللاهوت (الثيولوجيا) باعتباره علم أمراض نفسية"(1).
يمكن وصف نقد فويرباخ للدين (أي نقده للمسيحية تحديدا) على أنه نقد سيكولوجي وسوسيولوجي. فمنذ الفلاسفة اليونانيين القدماء (في القرن الخامس قبل الميلاد) حتى دي هولباخ D Holbach، بذل الإلحاد جهدا كبيرا ليتخذ نفسَه موضوعا للتفكير ككوسمولوجيا ملحدة أو كفلسفة للطبيعة.
لكن ابتداء من فويرباخ وإلى اليوم (مع بعض الاستثناءات)، لم يبذل الإلحاد مثل ذلك الجهد المشار إليه، وسوف يفترض أن الإشكال المتعلق بأساس العالم (والذي لازال موضوعا للتفكير) قد وجدَ حلا له. لذلك سوف ينقل المعركة إلى جبهة علم النفس والسياسة (...).
انطلاقا من وِليم الأوكامي (Guillaume d Occam أو Guillaume d Ockham أو بالإنجليزية William of Ockham) في القرن الرابع عشر، ومارتن لوثر (Martin Luther) في القرن السادس عشر، وخاصة انطلاقا من كانط (Emmanuel Kant) في القرن الثامن عشر، انتشرت في أوساط الفلاسفة قناعة مفادها أنه لا يمكن إثبات وجود الله بالعقل، لأن وجود الله مسألة تخص "الإيمان" و"الاعتقاد" و"الرأي" (...).
يعتقد فويرباخ أن "لغز اللاهوت هو الأنثروبولوجيا"(2)، فبما أن علم اللاهوت المسيحي يرى أن الله هو الإنسان، وأن الإنسان هو الله، فإن فويرباخ لم يقم إلا بإفشاء سر الدين بالقول "إن الإلحاد هو سر الدين نفسه، وأن الدين نفسه، في عمقه، لا يؤمن بشيء آخر ما عدا ألوهية الكائن الإنساني"(3) (...).
يقول فويرباخ "إن المعنى الحقيقي للاهوت هو الأنثروبولوجيا"، وأنه "لا وجود لأي فرق بين محمولات الكائن الإلهي ومحمولات الكائن الإنساني"(4)، ويضيف أن "ألغاز اللاهوت هي ألغاز الطبيعة الإنسانية"(5)، وأن "الدين هو حلم العقل الإنساني"(6).
في نهاية التمهيد الذي خص به فويرباخ الطبعة الثانية لمؤلفه (ماهية المسيحية، 1843) كتب ما يلي: "لقد اختفت المسيحية من العقل ومن الحياة الإنسانية منذ زمن بعيد"(7).
وبعد قيام فويرباخ بتحليل سيكولوجي للدين انتقل إلى عالم الطبيعة. وفي هذه الحالة تم الاعتماد على ما قاله الملحدون قبل كانط: بما أن الفرضية تقول إنه لا وجود لإله، فالنتيجة هي أن الوجود المطلق هو الطبيعة.
يلخص فويرباخ موقفه كما يلي: "يتلخص رأيي الخاص في كلمتين هما: الطبيعة والإنسان. الوجود الذي أضعه قبل الإنسان، الوجود الذي هو أصل وسبب وجود الإنسان، الوجود المسؤول عن ميلاد ووجود الإنسان ليس هو الله (والله كلمة غامضة ومُلغزة وغير محددة) ولكنه الطبيعة (والطبيعة كلمة واضحة حسية وغير مُبهمة). إن الكائن الذي تُصبح الطبيعة من خلاله كائنا إنسانيا واعيا عاقلا هو الإنسان. إن كائن الطبيعة اللاواعي هو بالنسبة لي الكائن الخالد الأبدي، غير المخلوق، الكائن الأول، ولكنه يعتبرُ –في العلاقة بالزمن وليس بالدم- الكائن الأول ماديا وليس أخلاقيا. أما الكائن الإنساني الواعي هو بالنسبة لي المخلوق الثاني في العلاقة بالزمن، ولكنه الأول في العلاقة بالدم"(8).
في الفصل الثاني عشر من كتابه "ماهية المسيحية"، انتقد فويرباخ فكرة الخلق اليهودية. ولاحظ أن مصدر هذه الفكرة هو الدين اليهودي. وأن فكرة الخلق تشكل العقيدة الأساسية والمميزة للدين اليهودي، كما يرى أن المبدأ الذي صدرت منه عقيدة الخلق هو "الأنانية"(9). "يُفترض أن نندهش من طرح هذا السؤال: من أين تأتي الطبيعة (أو العالم)؟ ولماذا توجد؟ لكن هذه الدهشة وهذا السؤال لا ينتجان إلا حيث تم انفصال الإنسان عن الطبيعة من أجل اختزالها في مجرد موضوع تتحكم فيه الإرادة"(10). لم يكن الوثني منفصلا عن الطبيعة (خلافا لليهودي الذي انفصل عنها). "تبدو الطبيعة هدفا لذاتها بالنسبة لمن تبدو له كائنا جميلا. بالنسبة للوثني، تملك الطبيعة أساس وجودها في ذاتها، كما أن السؤال: لماذا توجد الطبيعة؟ لا يُطرحُ بالنسبة له أصلا لأن مفهوم الطبيعة ومفهوم الألوهية لا ينفصلان في وعيه وفي فهمه للعالم. إن الطبيعة، كما نراها بأعيننا، تظهر فجأة، تُتولّد، لكنها ليست مخلوقة بالمعنى الديني لكلمة الخلق، ليست الطبيعة نتاجا للإرادة. وانطلاقا من ظهور الطبيعة المفاجئ بهذه الكيفية، فإنها لا تعبر عن أي شيء سلبي. فالظهور المفاجئ للطبيعة بالنسبة للوثني ليس به أي دنس ولا أي شيء "لا-إلهي". يعتقد الوثني أن آلهته تظهر فجأة أيضا. والقوة المولّدة بالنسبة له هي القوة الأولى، إنه يضع قوة طبيعية كأساس للطبيعة، بهذه الكيفية يفكر الإنسان لما يتصرف تّجاه العالم بطريقة إستطيقية أو نظرية"(11).
وعلى عكس الوثني الخيّر الذي لم يكن منفصلا عن الطبيعة الخيّرة، والذي بإمكانه أن يرى العالم كجمال وألوهية(12)، فإن اليهودي لا يرى العالم إلا "من منطلق عملي، إنه يختزل الطبيعة إلى مرتبة الخادمة الأكثر خضوعا لمصالحه، ولأنانيته العملية. كما أن التعبير النظري عن هذا التصور الأناني والعملي (والذي تعتبر الطبيعة بالنسبة له مجرد عدم) يُصاغ على الشكل التالي: الطبيعة (أي العالم)، صُنعت، خُلقت، إنها نتاج أمر (إلهي). قال الله: ليكن العالم، فكان العالم"(13). "إن المبدأ الأسمى لليهودية هو المنفعة، هو الربح"(14). "كان اليونانيون يتأملون الطبيعة بحواسهم النظرية. لكن الإسرائيليين لا يفتحون للطبيعة، على عكس الوثنيين، إلا حواسَهم المَعِديّة. ولا يتذوقون الطبيعة إلا داخل قصورهم فقط"(15). "لقد حافظ اليهود على خصوصيتهم إلى اليوم. ومبدأهم، وإلهُهم هو المبدأ الأكثر عملية في العالم: إنه الأنانية، الأنانية في ثوب ديني"(16). "إن الأنانية هي توحيدية في ما هيتها"(17). "كان اليونانيون ينظرون إلى العالم الفسيح من أجل أن يوسعوا حقل رؤيتهم، أما اليهود، وحتى يومنا هذا، فيصلون ووجوهُهم متجهة نحو القدس. وباختصار: الأنانية التوحيدية سَرقت من الإسرائيليين الحرية..."(18). "لم تكن الطبيعة بالنسبة لليهود إلا وسيلة لتحقيق غاياتهم، مجرد موضوع تتحكم فيه الإرادة"(19). "إن معنى الخلود بالنسبة للفلاسفة الوثنيين هو كون الطبيعة تشكل بالنسبة لهم حقيقة نظرية"(20). "وعلى العكس من ذلك، انتقل العبرانيون من الوثنية إلى عبادة الله، من المخلوق إلى تأمل الخالق، أي أنهم انتقلوا من التأمل النظري في الطبيعة (الذي كان يسحر الوثنيين) إلى التأمل العملي الخالص، الذي لا يقوم إلا بإخضاع الطبيعة لأهداف الأنانيين"(21). "لم تجد فكرة (الخلق من لا شيء) أصلَها إلا في قوة الأنانية العبرانية وعمقها الذي لا يُسبرُ غورُه"(22). "ولهذا السبب، لم تكن (فكرة الخلق من لا شيء) موضوعا للفلسفة"(23).
إن العودة لتصور وثني عن الطبيعة المؤلّهَة لا ينفصلُ، عند فويرباخ، عن نقد حاد لليهودية (...) صار نقد اليهودية تقليدا في الفكر الألماني(24)، ونجد ذلك في فلسفة كانط وفيخته وهيجل(25) وماركس...". (ترجمة: محمد الهلالي).

♦ هوامش:

1) LUDWIG FEUERBACH, Das Wesen des Christentums, Akademie-Verlag, Berlin, 1956, préface à
la première édition de 1841, p. 5.
2) FEUERBACH, Das Wesen des Christentums, p. 6.
3) Ibid., p. 18-19.
4) Ibid., p. 19.
5) Ibid., p. 21. 6. Ibid., p. 22.
6) Ibid., p. 22.
7) Ibid., p. 30.
8) FEUERBACH, l Essence de la religion, trad. H. Arron, Ludwig Feuerbach..., p. 149.
9) Das Wesen des Christentums, p. 187.
10) Ibid., p. 187.
11) Das Wesen des Christentums, p. 187.
12) Ibid., p. 188.
13) Ibid., p. 188.
14) Ibid., p. 189.
15) Ibid., p. 189.
16) Ibid., p. 190.
17) Ibid., p. 190.
18) Ibid., p. 191.
19) Ibid., p. 191.
20) Ibid., p. 192.
21) Das Wesen des Cbristentums, p. 193.
22) Ibid., p. 194.
23) Ibid., p. 194.
24) Cf. Martin LUTHER, Gegen die Juden und ihre Lügen, 1542. Pour l analyse de ces textes, cf.
Léon POLIAKOV, Histoire de l antisémitisme, I, « Du Christ aux Juifs de Cour », Paris, 1955, p.
235 s.
25) Textes et références dans L. POLIAKOV, Histoire de l antisémitisme, III, « De Voltaire à Wagner», Paris, 1968.

♦ المرجع:
- Claude Tresmontant, Les problèmes de l’athéisme, éditions Seuil, 1972.



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة والإلحاد: 2- نيتشه
- الفلسفة والإلحاد: 1- جون بول سارتر
- سمير أمين: النهضة العربية الإسلامية، عن التحديث، التراث، الق ...
- حزبُ سبينوزا: علاقة اللاهوت بالفلسَفة (كانتْ هذه التجربَة مُ ...
- كارل ماركس: مفهومُ الوَعْي الطبَقي (تَجدُ الفلسفة في العُمال ...
- جاك إيلول: الأحزاب السياسية هي مجرد آلات ضخمة تمكن من الوصول ...
- الفيلسوف كانط: نقد العقل العملي (الأفكار الأساسية للكتاب)
- جاك دريدا: هل للفلاسفة حياة خاصة؟ (لا أقول أنه ينبغي إنجاز ش ...
- نيتشه: أخْلاقُ الأسياد حَسَبَ نِيتْشه (إنَّ دمقرطة أوروبا تُ ...
- إلياس صنبر Elias Sambar: الصداقة، الأصدقاء، الإخوة والرفاق ( ...
- جورج سيمل: فلسفة المال (لم يَعُد المالُ وسيلةً وإنما صارَ غا ...
- الفيلسوف ألان باديو: مفهوم الشعب (24 ملاحظة حول الاستعمالات ...
- فرنسيس فوكوياما: نهاية التاريخ ومَقدمُ الإنسان الأخير (تفوقُ ...
- الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل: ما هو الدين من الناحية السوسيو ...
- الفيلسوف نيتشه: العبيد وأخلاق العبيد (كيف ظهرت أخلاق العبيد ...
- الفيلسوف ألان باديو (Alain Badiou) : لا أحب إيمانويل كانط، ل ...
- الفيلسوف كيركجارد: القلقُ يكشفُ عن عظمة الإنْسانِ
- كانط: نقد العقل الخالص (الأفكار الأساسية للكتاب)
- الفيلسوف نيتشه: ما هي الجينيالوجيا؟ (لا توجد ظواهر أخلاقية ع ...
- ديكارت: الشك الديكارتي (الشك الديكارتي أساس العقلانية الحديث ...


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - الفلسفة والإلحاد: 3 - لودفيغ فويرباخ