|
معراج محمد وخرافات زرادشت - مقتطفات من المصادر الأصلية للقرآن
عبدالجواد سيد
كاتب مصرى
(Abdelgawad Sayed)
الحوار المتمدن-العدد: 7006 - 2021 / 9 / 1 - 03:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفصل الخامس - المؤثرات الزرادشتية - كلير ديستال - ترجمة عبدالجواد سيد كان التأثير الذى مارسه الفرس على بعض أجزاء من الجزيرة العربية والمناطق المجاورة ، قبل وأثناء زمن محمد ، عظيماً جداً ، كما عرفنا من الكتاب العرب والإغريق على السواء ، ويخبرنا أبو الفدا على سبيل المثال ، بأنه مبكراً فى القرن السابع الميلادى وخلال الحقبة المسيحية، قام كوسران ، الغازى الفارسى الكبير ، أو كسرى أنو شروان ، كما يسميه العرب ، بغزو مملكة الحيرة الواقعة على ضفتى الفرات، وخلع الملك حيرا وولى مكانه تابع له يسمى المنذر بن ماء السماء، وبعد ذلك بوقت ليس طويل أرسل أنو شروان جيشاً إلى اليمن بقيادة الجنرال بهراز لطرد الأحباش الذين إستولوا على البلاد وإعادة الأمير اليمنى سيف بن ذى يزن إلى عرش أجداده ، لكن القوة الفارسية بقيت فى البلاد وتولى قائدها فى النهاية عرش اليمن وأسس ملكية فى ذريته. ويخبرنا أبو الفدا أن أمراء بيت المنذر الذين خلفوه فى الحيرة وحكموا العراق العربى أيضاً ، كانوا مجرد ولاة تحت حكم ملوك فارس ، وفيما يخص اليمن فإن أربعة حكام أحباش ، وثمانية أمراء فرس حكموا هناك قبل أن تعترف اليمن بسلطة محمد ، ولكن حتى قبل زمن محمد فقد كان هناك كثير من التفاعل بين الشمال الغربى وغرب الجزيرة العربية وبين مناطق نفوذ الفرس. وقد عرفنا بأن نوفل والمطلب، إخوى جد محمد العظيم - هاشم، كانوا قادة قريش الرئيسيين، الذين وقعوا معاهدة مع الفرس سمح بمقتضاها لتجار مكة بالتجارة مع العراق وفارس حوالى سنة 606 م، وأن وفد بقيادة أبو سفيان وصل إلى العاصمة الفارسية وإستقبل فى حضرة الملك. عندما أعلن محمد النبوة سنة 612م كان الفرس قد إكتسحوا مناطق سوريا وفلسطين وآسيا الصغرى وملكوها لبعض الوقت ، وفى سنة الهجرة ، حوالى 622 م، كان الإمبراطور هرقل قد بدأ حملاته لإسترداد أراضى الإمبراطورية البيزنطة(الرومانية الشرقية) من الفرس ، وفى حدود زمن قصير ،و بعد أن إضطر الفرس إلى طلب السلام نتيجة لتلك الحملات ، إضطر بادذان حاكم اليمن الفارسى، وبعد أن يأس من طلب النجدة من الوطن الأم ، إلى الخضوع لمحمد ووافق على دفع الجزية سنة 628م. وفى خلال سنوات قليلة من وفاة النبى ، إكتسحت جيوش الإسلام فارس ، وحولت معظم أهلها إلى الإسلام بالسيف. من الطبيعى ، أنه عندما تتفاعل أمتان عن قرب ، فإن الأمة المتقدمة فى الحضارة تؤثر فى تلك المتأخرة تأثيراً كبيراً ، كل التاريخ يعلمنا ذلك الدرس ، وفى زمن محمد ، كان العرب فى حالة من الجهل الشديد لدرجة أن كتابهم أنفسهم يصفون العصر السابق على الإسلام بعصر الجاهلية ، بينما كان الفرس، ومن جهة أخرى ، كما نعرف من الأفيستا ، والنقوش المسمارية لداريوس وإكسرسيس ، ومن أطلال برسيبوليس، القائمة حتى اليوم ، ومن كتابات الإغريق، وقبل زمن طويل ، على درجة عالية من التحضر ، ولذلك فقد كان من الطبيعى أن التفاعل بين الأمتين، سوف يترك تأثيره على العرب ، وليس العكس. فمن المؤرخين العرب ومن آيات القرآن ومفسريه يبدو واضحاً أن الأساطير الرومانسية وأشعار الفرس كان لها درجة كبيرة من الإنتشار بين العرب فى زمن محمد. وقد كان بعض من هذه الحكايات معروفاً بين القرشيين بشكل كبير ، لدرجة أن محمداً قد إتهم من قبل أعدائه بنقلها أو تقليدها فى القرآن ، فعلى سبيل المثا ل، يقول إبن هشام ، أنه فى أحد الأيام ، عندما دعى محمد لإجتماع دعى فيه الناس إلى الإيمان بالله العلى القدير، وقرأ عليهم القرآن محذراً إياهم من مصير الأمم التى ستظل بعيدة عن الإيمان بالله ، وقف النضر بن الحارث ، الذى تبع محمد إلى ذلك الإجتماع ، وأخبر الجمهور عن رستم العظيم ، وعن إسفنديار وملوك فارس ، ثم قال ، يا ألله ، محمد ليس راوى قصص بأفضل منى ، وخطابه ليس سوى أساطير الأولين ، ولقد صنفهم تماماً كما صنفتهم . وبناء على تلك الحادثة أنزل الله آيات سورة الفرقان (وقالوا أساطير الأولين ، إكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلاً ، قل أنزله الله الذى يعلم السر فى السماوات والأرض، إنه كان غفوراً رحيماً) وكذلك آية سورة القلم والمطففين( إذ تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين)و كذلك آية سورة الجاثية (ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراُ كأنه لم يسمعها فبشره بعذاب أليم). لم يكن جواب محمد عن تهمة النضر مقنعاً تماماً للجمهور، ولا كان كافياً لنا حتى نتوقف عن البحث فيما إذا كانت بعض آيات القرآن هى فعلاً من أساطير الأولين. وبلاشك فقد كانت قصص رستم وإسفنديار وملوك فارس التى أشار إليها النضر، بين تلك القصص التى صنفها الفردوسى ، أشهر شعراء الملاحم فى تاريخ فارس ، بعد أجيال من ذلك التاريخ ، من مختارات جمعها أحد الفلاحين الفرس ، كما أخبرنا فى ملحمة الشاهنامة الشعرية . ولاشك أن كل تلك الحكايات الشعرية كانت قديمة للغاية فى شكل أو فى آخر، ولكن لايمكننا الإعتماد عليها لإنها صنفت بعد زمن محمد، ومن حسن الحظ أن لدينا معلومات فى الأفستا وفى كتب فارسية وزرادشتية قديمة أخرى، يمكننا أن نعتمد عليها فى بحثنا هذا. ربما يمكننا أن نخلص بشكل آمن إلى أنه طالما كانت قصص ملوك فارس محببة لدى العرب وأنهم قد سمعوا عن رستم وإسفنديار، فمن غير المحتمل أن يكونوا جهلاء تماماً بقصة جمشيد ، ولا أنه من الممكن أن تكون الأساطير الفارسية عن صعود أرتا فيراف ، وزرادشت قبله ، إلى السماء، ووصفهم للجنة ، وجسر شينفات ، وشجرة الورد هافابا وأسطورة خروج أهرمان من الظلمة البدائية ، وحكايات رائعة أخرى مثل تلك الحكايات، قد ظلت غير معروفة تماماً للعرب. فإذا كانت معروفة فقد كان من الطبيعى أن يستخدمها محمد كما إستفاد من الأساطير اليهودية والمسيحية ، ولذلك لابد أن نستفسر إذا ماكانت مثل تلك الخرافات قد تركت أى أثر على القرآن والأحاديث الشائعة بين المسلمين ، وسوف نرى أن الحالة لم تكن فقط هكذا، ولكن سنجد أن فى بعض الأمثلة فإن هذه الحكايات الفارسية كانت بوضوح من أصل آرى وليس من أصل سامى، وأنها قد وجدت فى أشكال معدلة بدرجة بسيطة فى الهند ايضاً ، والواقع ان بعضها كان جزءً من العقائد والميراث الثقافى للأمتين الفارسية والهندية ، وعندما إفترق الفرس والهندوس عن بعضهم البعض ، تاركين أوطانهم المشتركة القديمة، فى (الأريانيمفيجو) بالقرب من حيرات ، فقد هاجروا إلى فارس والهند على التوالى ، وحملوا معهم تلك الأفكار، وربما نشأ البعض منها فى فارس فى زمن لاحق ، وإنتشرت منها إلى الهند على مر الزمن. وسوف نرى أنها قد وصلت إلى مسامع محمد بالتأكيد ، وانها لم تكن بدون تأثير على القرآن والأحاديث ، التى يدعى تابعيه المخلصين أنهم سمعوها تروى من شفتيه نفسه. 1-الرحلة الليلية - الإسراء والمعراج إن أول مسألة سنعالجها هنا هى الرواية المشهورة عن رحلة محمد الليلية المعروفة بإسم الإسراء( الإسراء والمعراج) ، والتى سبق أن أشرنا إليها فى سورة الإسراء والمعروفة أيضاً بسورة بنو إسرائيل(سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير). إنه من المعروف جيداً أن مفسرى القرآن لم يتفقوا بأى شكل على معنى هذه الآية ، حيث إعتقد البعض أن محمداً قد حلم فقط بأنه قد قام بتلك الرحلة، بينما فسرها البعض تفسيراً حرفياً، وأضافوا إليها تفاصيل من الأحاديث، كما شرحها البعض بشكل غامض أو مجازياً ، فعلى سبيل المثال ، يخبرنا إبن إسحاق ذاكراً مرجعية حديثه إلى عائشة ، زوجة محمد المفضلة أنها قالت (مافُقد جسد رسول الله ولكن ألله أسرى بروحه) ويسجل حديث آخر أن محمداً نفسه قال ( نامت عينى وقلبى يقظان) ، وقد قبل المفسر الصوفى المشهور محيى الدين بن عربى ، كل الرواية بمعناها المجازى فقط ، ومع ذلك وحيث أننا لسنا معنيين بمناقشة مسألة حدوث هذه الرحلة الليلية بالفعل أم لا، فلسنا فى حاجة لمعالجة مزيد من هذه التفسيرات. إنه من المؤكد أن الغالبية العظمى من مفسرى القرآن والحديث الممحمدين يعتقدون أن محمداً قد سافر بالفعل من مكة إلى أورشليم القدس ومن هناك صعد إلى السماء ، ويقدمون للمسلمين روايات طويلة وعميقة عما فعل وعما رأى هناك. وهذا هو الحديث الذى يجب أن نعالجه ، والذى يمكن أن نتتبع أثر ملامحه الرئيسية فى الأساطير المبكرة وخاصة فى المصادر الزرادشتية. إن هذا حقيقى ، سواء إعتقدنا كما تعتقد الغالبية العظمى من المحمديين ، أن محمداً نفسه هو الذى روى رواية إسرائه ومعراجه ، التى سنترجمها هنا ، أو إستنتجنا إن كل الأسطورة هى من نتاج زمن لاحق بعد زمن محمد ، ودعونا نستشهد برواية إبن إسحاق أولاً ، لإنها أولى الروايات التى وصلتنا ، والتى لخصها إبن هشام ، صاحب السيرة بعده ، حيث قال أن محمداً قد أكد أن جبريل جاءه وأيقظه مرتين للإسراء معه ليلاً ، لكنه كان يسقط نائماً فى كل مرة ، ثم إستطرد: ( ثم جاءنى الثالثة فهمزنى بقدمه ، فجلست فأخذ يعضدنى ، فقمت معه، فخرج إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض بين البغل والحمار، فى فخذيه جناحان يحفز بها رجلين ، يضع يده فى منتهى طرفه ، فحملنى عليه ، ثم خرج معى لايفوتنى ولا أفوته ، وقال أيضاً ، حدثت أن رسول الله قال ، لما دنوت لأركبه شمس، فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال ألا تستحى يابراق مما تصنع؟ فوالله يابراق ماركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه ، فأستحيا - البراق - حتى أرفض عرقاً، ثم قر حتى ركبتيه، فمضى رسول الله ومضى جبريل معه حتى إنتهى به إالى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيس فى نفر من الأنبياء ، فألهم رسول الله فصلى بهم ثم أتى بإناءين فى احدهما خمر وفى الآخر لبن ، فأخذ رسول الله إناء اللبن فشرب منه وترك الخمر فقال له جبريل، هديت الفطرة وهديت أمتك يامحمد وحرمت عليك الخمر، ثم إنصرف رسول الله إلى مكة فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر فقال أكثر الناس هذا والله الأمر البين ، إن العير لتطرد شهر من مكة إلى الشام مدبرة وشهر مقبلة ، أفيذهب ذلك المحمد فى ليلة واحدة ويرجع إلى مكة؟). وبناء على هذه الرواية ، فقد سافر محمد فقط من مكة إلى أورشليم القدس وعاد فى ليلة واحدة، لكن الأحاديث اللاحقة وسعت الرحلة بشكل كبير ، مدعية أيضاً أنها نقلت عن محمد نفسه ، وتأتى القصة فى مشكاة المصابيح على النحو التالى ، موثقة بنفس طريقة إسناد الأسماء التى نقلت عنها : (وبينما أنا فى الحطيم مضطجعاً ، أن أتانى آت ، فشق مابين هذه وهذه (من نحره إلى بطنه) فإستخرج قلبى ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيماناً فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد ، وفى رواية أخرى غسل البطن بماء زمزم ثم ملىئ إيماناً وحكمة ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار، أبيض يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملت عليه فإنطلق بى جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فإستفتح قيل من هذا؟ قال جبريل قيل ومن معك قال محمد، قيل وقد أرسل إليه ، قال نعم قيل مرحباً به فنعم المجىء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحباً بالأبن الصالح والنبى الصالح ، وتمضى القصة بتكرار ممل لما يشبه نفس الرواية، مخبرة كيف أخذ جبريل محمد من سماء إلى سماء، مستقبلاً نفس السؤال على كل باب، تماماً بنفس الإجابة، ففى السماء الثانية قُدم محمد ليوحنا المعمدان ويسوع ، وفى الثالثة إلى يوسف وفى الرابعة إلى إدريس ، وفى الخامسة إلى هارون وفى السادسة إلى موسى ، الذى بكى ، وعندما سؤل لماذا تبكى أجاب بأنه يبكى لمعرفته بأن كثيراً من أتباع محمد سوف يدخلون الجنة بأكثر مما سيدخل أتباعه ، وفى السماء السابعة إالتقى محمد بإبراهام ، وجرت نفس الترحيبات المعتادة ، ويستطرد محمد ، وبعد ذلك حُملت وحدى إلى سدرة المنتهى ، وياللهول ، فقد كان نبقها مثل قلال هجر، وأوراقها مثل آذان الفيلة ، وبها أربعة أنهار ، إثنان باطنان وإثنان ظاهران، سألت عنهم جبريل فقال ، فأما الباطنان فنهران فى الجنة ، وأم الظاهران فالنيل والفرات). وتمضى الفقرة لتذكر كثير من التفاصيل الأخرى للرحلة ، ومن بينها قصة بكاء آدم ، التى سبق لنا ذكرها ، ولاداعى لذكرها هنا مرة أخرى. فى الأعمال المشهورة التى يستقى منها معظم المسلمين المحدثين معرفتهم عن حياة نبيهم ، تمتلىء قصة المعراج بمزيد من الأعاجيب ، فعندما وصل محمد إلى سدرة المنتهى، حيث لم يجرؤ جبريل على التقدم معه لأبعد من ذلك ، تكلف الملاك إسرافيل بمسئولية محمد ، وقاده خلال منطقته ، حيث إقترب النبى من عرش الله مباشرة، والذى أمره بصوته أن لايخلع نعليه ، حيث ان ملمسهم سوف يشرف حتى بلاط الإله نفسه ، وبعد قليل من التفاصيل الأخرى، والتى تبدو للعقل العادى سخيفة تجديفية ، نعرف أن محمداً دخل خلف الحجاب ، وأن الله قال له ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أيها النبى ، ففى هذه الروايات المتأخرة للمعراج نجد الأسطورة غير مقيدة بأى إعتبار للعقل أو للحقيقة. والآن ، لابد لنا الآن أن نستفسر عن المصدر الذى أخذ منه محمد فكرة هذه الرحلة الليلية، والواقع أنه من المحتمل جداً أن الأسطورة ، كما رواها محمد فى البداية كانت مجرد حلم، كما يبدو أنها لم تحتوى على أى ذكر للصعود إلى السماء، إذا ماإعتبرنا الآيات الواردة فى سورة النجم من تاريخ لاحق( ولقد رآه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى ، عندها جنة المأوى ، إذ يغشى السدرة مايغشى ، مازاغ البصر وماطغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى). ولكن يجب أن نعالج الرواية المذكورة فى الأحاديث ، وهذه تذكر بالتفصيل قصة الصعود للسماء ، أو المعراج، وسوف نرى أن هناك سبب وجيه للإعتقاد بأن الأسطورة فى ذلك الشكل هى أسطورة مخترعة لكى تظهر تميز محمد عن باقى ألأنبياء ، وربما إحتوت على عناصر من أنحاء عديدة ، ولكنها تبدو وقدإعتمدت بشكل أساسى على رواية صعود أرتا فيراف المذكورة فى الكتاب الفارسى المسمى بكتاب أرتا فيراف، والذى تم تصنيفه فى أيام أردشير بن بابك ، ملك فارس، حوالى أربعمائة سنة قبل هجرة محمد ، وذلك إذا ماصدقنا الروايات الزرادشتية. يخبرنا ذلك العمل ، كتاب أرتافيراف - أرتافيراف نامة ، أن الكهنة المجوس عندما وجدوا أن العقيدة الزرادشتية فقدت سيطرتها بشكل كبير على عقول الناس فى الإمبراطورية الفارسية، فقد قرروا أن يساندوا حماس الملك أردشير لإسترداد العقيد بأدلة جديدة ، ومن ثم فقد إختاروا كاهناً شاباً تقياً وجهزوه بالعديد من طقوس التطهر الإحتفالية من أجل الصعود إلى السماوات ، كى يرى ماذا هناك ويعود بشهادته إذا ماكان ذلك موافقاً للمذكور فى كتبهم الدينية أم لا ، وتقول القصة المذكورة أنه عندما كان هذا الشاب أرتافيراف فى حالة من الغفوة ، صعدت روحه إالى السماء بقيادة ملاك كبير يسمى ساروش ، ومرت من دور إلى دور من أدوار السماوات ، فى صعود تدريجى حتى وصلت إلى حضرة أهورا مزدا نفسه. وبعدما رأى أرتافيراف كل شىء فى السماوات ورأى سعادة سكانه ، أمره أهورا مزدا بالعودة إلى الأرض كرسول له وإخبار الزرادشتيين عما رأى ، وقد ذكرت كل رؤاه بالتفصيل فى الكتاب المذكور الذى يحمل إسمه ، وليس من الضرورى أن نذكرها هنا بإسهاب ، حيث أن بعض إستشهادات قليلة منها فقط ، سوف تظهر لنا بوضوح كيف أنها تمثل النموذج لمعراج محمد. يقول أرتافيراف فى كتابه( وخطوت الخطوة الأولى نحو دور النجوم فى هيمات، ورأيت أرواح المقدسين، والتى ينبعث منها نور مثل نور النجوم المشرقة، وكان هناك عرش، ومقعد ، مشرق مرتفع بهى ، ثم إستفسرت من المقدس ساروش، ومن الملاك أدهار، ماهذا المكان؟ ومن هؤلاء الأشخاص؟. ولكى نشرح تلك الفقرة يجب ان نذكر أن دور النجوم أو طابق النجوم هو القاعة الأولى من الجنة الزرادشتية وأن أدهار هو الملاك الذى يرأس النار ، وساروش هو ملاك الطاعة وأحد المقدسين الخالدين، وكبير الملائكة فى العقيدة الزرادشتية، وقد قاد أرتافيراف خلال السماوات المختلفة ، تماماً كما فعل جبريل مع محمد. وتمضى القصة لتروى كيف وصل أرتافيراف لطابق القمر ، أو الطابق الثانى ، ثم إلى طابق الشمس، الذى يعتبر الطابق الثالث فى البناء السماوى الزرادشتى ، وبنفس الطريقة تم أخذه من سماء إلى سماء حتى دخل إلى حضرة أهورا مازدا، وخضع للمقابلة التى تم تلخيصها فى الكلمات التالية( وأخيراً نهض من عرش مطعم بالذهب، كبير الملائكة بهمان، وأخذ بيدى، وأحضرنى إلى همات وهوكوت وهورسات، بين أهورا مزدا وكبار الملائكة وباقى المقدسين ، وخلاصة زرادشت ، العقل المحض، وباقى المؤمنين ورؤساء العقيدة، والذين لم أرى أبهى منهم أبداً، ثم قال بهمان ، هذا أهورا مزدا، فقدمت التحية أمامه، فقال لى التحية لك ياأرتافيراف ، مرحباً بك ، لقد أتيت من ذلك العالم الزائل لهذا المكان المطهر المشرق، وأمر المقدس ساروش والملاك أدهار إحملوا أرتافيراف وأرونه العرش وجائزة المقدسين وأيضاً عقاب الأشرار، فأخذ المقدس ساروش والملاك أدهار يدى وحملونى من مكان لمكان، فرأيت كبار الملائكة هؤلاء ، ورأيت الملائكة الآخرين). وبعد ذلك نعرف بشكل مسهب كيف زار أرتافيراف الجنة والجحيم ، وماذا رأى فى كل منها ، حيث تقول القصة بعد زيارته للجحيم : (وفى النهاية أخذ المقدس ساروش و الملاك أدهار بيدى وأخرجانى من ذلك المكان المظلم البشع المرعب، وحملانى إلى ذلك المكان ذو الإشراق حيث إجتماع أهورا مزدا والملائكة، فقدمت التحية أمام أهورا مزدا، الذى كان طيباً وتقبلها قائلاً ، آه أيها العبد المؤمن المقدس أرتافيراف ، مبعوث عباد أهورمزدا، إذهب إلى العالم المادى وتكلم مع كائناته ، عما رأيت وعرفت هنا ذلك أننى أنا أهورامزدا أعرف بكل من يتكلم بالعدل والحقيقة ، أسمع وأعرف ، تكلم إلى الأبناء الحكماء. وعندما تكلم أهورا مزدا بهذه الطريقة ، ظللت مشدوهاً ، حيث رأيت نوراً ولم أرى جسداً، وعرفت أن هذا هو أهورا مزدا وبالطبع فليس من الضرورى أن نشير إلى مدى التشابه الكبير بين كل هذا وبين أسطورة المعراج المحمدية. وفى كتاب زرادشت نامة ، الذى صنف فى حوالى القرن الثالث عشر من الحقبة المسيحية ، ذكرت أسطورة تقول أن زرادشت نفسه ، بعدة قرون قبل أرتافيراف ، كان قد صعد إلى السماء ، ثم حصل على تصريح بعد ذلك لزيارة الجحيم أيضاً ، وقد عرفنا منها أنه قد رأى أهرمان ، الذى يشبه إبليس القرآن تماماً.
#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)
Abdelgawad_Sayed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الترجمة الكاملة لمقال مجلة النيوزويك عن توسط محمد دحلان فى إ
...
-
هل تخلى عنا الغرب وإختار جمهورية المماليك الجديدة نموذج؟
-
ملامح تاريخ إثيوبيا وصراع الدين والقومية - الدراسة الكاملة
-
4-ملامح تاريخ إثيوبيا وصراع الدين والقومية
-
3-ملامح تاريخ إثيوبيا وصراع الدين والقومية
-
2-ملامح تاريخ إثيوبيا وصراع الدين والقومية
-
ملامح تاريخ إثيوبيا وصراع الدين والقومية
-
إقتراح بحزمة من الحوافز الدولية لدفع عملية السلام الإسرائيلى
...
-
الثورة المصرية والبحث عن الحزب المفقود
-
رسائل العام الجديد 2021- إلى الأجيال الجديدة - تحرروا من تار
...
-
كوفيد وإبراهيم والطواغيت، والشرق الأوسط الجديد
-
ماذا فعل لنا ترامب؟
-
نهاية عصر الكفيل ، وتآكل موروث العبودية
-
مصر السيسى ورياح الإقليم
-
رؤية نقدية للقرآن
-
قصة أهل الكهف والوحى الغشاش
-
الخلط بين مريام أخت موسى وهارون، ومريم أم المسيح أفدح أخطاء
...
-
تطبيع الإمارات بين السلام والعدوان
-
التحالف الفرنسى المصرى وأمن المتوسط الكبير
-
مصر بين تركيا وأثيوبيا والمستقبل
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|