أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الهادي خليفي - التغيير في تونس بين الانقلاب والمشروعية















المزيد.....

التغيير في تونس بين الانقلاب والمشروعية


الهادي خليفي

الحوار المتمدن-العدد: 6995 - 2021 / 8 / 21 - 02:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تغيير السلطة في تونس بين الانقلاب والمشروعية
لا يقوم عادة اهل الفكر ممن قادتهم خطاهم الى دنيا السياسة بالانقلابات ،الانقلابات هي عملية اصطياد من لا يؤمنون بالديمقراطية لفرص الانقضاض على السلطة حال توافرها او توافر الظروف الملائمة لها .وجرت العادة ان يتم الانقلاب بالاعتماد على القوات العسكرية ولذلك لا تتم مباشرة الفعل الانقلابي الا بعد تقدير امكانيات هذه القوات وعديدها ومدى قدرتها على فرض النظام بعد اعلان البيان الاول كما جرت العادة ايضا ان لا تتم حركة الانقلاب الا بعد جس الانقلابيين لنبض الفاعلين الاقليميين والدوليين في ساحة البلد المستهدف بالانقلاب وينظًرُ اخيرا من يزمعون الانقلاب الى ردة فعل الشعب وهذا ليس بالامر الحاسم في الاقدام على عملية الانقضاض على السلطة من عدمها اذ ان الشعب واجبه الخضوع حسب الانقلابيين ان طوعا او كرها ..
سجل التاريخ نجاح اعداد كبيرة من الانقلابات في جميع القارات وان كنا نحن العرب متصدرين في هذا المضمار (موريتانيا وسوريا على راس قائمة الدول الاكثر انقلابات ) اذ لم يخل من هذه الظاهرة الا بلدان قليلة تعد على الاصابع - ربما واقع ما تعيشه شعوبها اسوء مما يجود به الانقلابيون العسكر من الحريات على شعوبهم – ويعود هذا النجاح والسهولة في اتمام الانقلابات الى ان العرب ونحن جزء منهم يحكمهم تراث ثقافي قائم على تاريخ طويل من الحكم الفردي ولاننا في صراع مع الحداثة والفلسفة والفكر العلمي والتفكير النقدي ولان اعلامنا ومالنا ليسا وطنيين ولاننا نفتقر لمجتمع مدني قوي هذا فضلا عن اننا نعاني من الامية والفقر والقهر السياسي لعقود طويلة ما يجعلنا اقرب الى جموع افراد من كوننا مواطنين ..
ولكن التاريخ ايضا سجل فشل انقلابات كثيرة ايضا اذ بعد اذاعة بياناتها وبعد ما يشاع عن نجاحها تواجه واقع رفضها الشعبي اوالدولي فيشعر قادتها بانهم اعجز عن المواجهة فيسلمون ليسلموا ومن اشهر الانقلابات الفاشلة ما حدث بالاتحاد السوفياتي في اوت 1991 حيث بعدما تم الاعلان عن الانقلاب واقصاء غورباتشوف عن السلطة تبادر الى الاذهان ان الامر انتهى الى حكم لجنة الدولة لحالة الطوارىء وان الامن استتب الا ان ظهرت ثغرة في السيناريو حيث ادى عدم القاء القبض على حاكم روسيا الفيدرالية انذاك بوريس يلتسين الى تزعمه حركة الفعل المضاد مسنودا بدعم شعبي داخلي وتاييد دولي خارجي واصفا ما جرى بالانقلاب على سياسة الانفتاح والسير الى الديمقراطية ما اسقط في ايدي الانقلابيين وانتهى بهم الامر في السجون او الانتحار ..
ما حدث في تونس مهما اجتهد في شرعنته ليس الا انقلابا اذا كان المرجع هو الدستور ولكن لا يمكن الاحتكام الى الدستور في المطلق وتقديسه وعبادته اذ مشروعية الدستور تستمد من ثبات المجتمع واذا اتضح ان التغيير الاجتماعي وحراكه لم يعد من الممكن حكمهما ومواكبتهما باحكام هذا الدستور فان المشروعية تهتز وتعود الكلمة الفصل الى صاحب السلطة وهو الشعب .المشكلة الفعلية والحقيقية الان هي في ما الذي يمكن اعتباره خيارا شعبيا وبالتالي تعبيرا عن السلطة المخولة للشعب وما الذي لا يمكن اعتباره كذلك ؟ففي السنوات الاخيرة ساد الاشتباه بين ما هو شعبي وما هو شعبوي ، واصبح سهلا الاعتماد على وسائط التواصل الافتراضي لحشد جماهير للمطالبة بمطالب معينة لفئة معينة ووصفها بالشعبية فيم لا يمكن وصف من رفعوا هذه المطالب بانهم هم الشعب وهم عادة لا يساوون الا مئات او الاف من شعب يعد بالملايين !!!
يحضى ما قام به الرئيس قيس سعيد من اجراءات ليلة 25 جويلية 2021 بشعبية نسبيا مرتفعة ويبدو ان الامن مستتب في الايام الاولى من تاريخ اتخاذ هذه الاجراءات وان القرارات تترجم على ارض الواقع في انسيابية وييسر ورغم ان الاحزاب ممن كانوا يرفضون النزول الى الشارع يوم عيد الجمهورية قد اجمعوا على اصدار بيانات مزدوجة المضامين حملوا فيها اولا النهضة وحلفائها الازمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بتونس وهم بذلك يصبغون شرعية على ما اتاه الرئيس و اتفقوا فيها ثانيا على ابراز تمسكهم بالمسار الديمقراطي وتخوفهم من الانزياح نحو الديكتاتورية وهم بذلك يفرضون على الرئيس الالتزام ذات القواعد التي ادت الى انغلاق الافق السياسي ..رغم كل ما سبق فان استشراف مستقبل الوضع السياسي في تونس وما قام به الرئيس ينبئ بان هذه الاجراءات مكتوب لها ان لا تحقق شيئا وان تنتهي الى ما يشبه فشل الانقلابات وان بطريقة متباينة مع جميع ما سبقها يمكن وصفها بالفشل على الطريقة التونسية
سيتم امتصاص الصدمة من الجميع في زمن قياسي "واطير السكرة وتحضر المداينية" فكيف سيتصرف كل لاعب من اللاعبين في الميدان وكيف سيؤثر او يتاثر بما جرى ؟
سيتم الحديث عن اطراف ثلاثة هم اللاعبون في الميدان السياسي الحالي وهم على التوالي المتحوز على السلطة ، وفاقدي السلطة ،وباقي اللاعبين ممن هم خارج من سبق ذكرهما اي انهم ليسوا مالكي سلطة ولا هم ممن فقدوها وهم اساسا مكونات المجتمع المدني .
الحاكم الان هو رئيس الجمهورية ،هو يرفض وصف ماقام به بالانقلاب وهو يؤكد اعتماده فصول الدستور في اقدامه على ما انجزه ،لم يعلن عن شيء مما كرره مرارا عن الاعداء المهددين لكيان الوطن ولا قدم برنامج عمل او حتى لتصور للفترة المقبلة ولا اي تحديد زمني لها..ان الرئيس وقف موقفا وسطا بين الانقلاب وبين الرضوخ التام لقواعد الدستور وهو لذلك يرتجل القرارات وفي ظل ضغوط فرضها الوضع السياسي المتعفن والمشحون وفاقمتها الكارثة الصحية مضافا اليها ضغط انصاره الذين ينتظرون عمليات اجرائية واضحة وسريعة تستهدف اللوبيات والمافيا والفاسدين وتقف قيود الدستور وضرورة ضمان الحريات التي نادت الاحزاب بالحفاظ عليها حاجزا له وحائلا دون سهولة تحقيقها .لقد بدات اولى دلائل الفشل للرئيس في عجزه عن تراس النيابة العمومية كما وعد في اول ليلة من ظهوره المعلن فيها عن "تصحيحه للمسار" ان هذه الخطوة ستتلوها خطوات اخرى الى الوراء فالقيود المانعة لتحقيق الاحلام الرومنطيقية في خوض الحروب على رؤوس الفساد والمتنفذين ..ستجعل حروب السيد الرئيس اشبه بحروب بطل سيرفانتس العظيم ضد طواحين الهواء..
اما عمن فقدو السلطة وساخص منهم بالحديث حركة النهضة وائتلاف الكرامة لارتباطهما الايديولوجي والسياسي فوضعهم اهون بكثير مما عليه وضع رئيس الجمهورية فهم الان رغم ما سجلوه من خسارة للسلطة ورغم ما سيخسروه في المستقبل من خسائر عرضية متحررون من ضغط الزمن فمهما حدد الرئيس الفترة التي سيظل فيها البرلمان مجمدا قصيرة ام طويلة ففي نهايتها ستتم العودة الى حياة سياسية طبيعية وسيعود اليهم نفوذهم وحتى لو انتهى الامر الى حوار او خارطة طريق فانهم سيخرجون منه بشرعية جديدة قائمة على بكائية الاستهداف الممنهج والاضطهاد من الدولة العميقة ..
يبقى الطرف الثالث ويضم كل من لم يكن في السلطة وليس ممن اصطفوا وراء خيار رئيس الجمهورية في ما اقدم عليه يوم 25 جويلية وهؤلاء خسائرهم متباينة فالحزب الحر الدستوري سيتضاءل وسيكون اكبر الخاسرين اذ هو استمد شعبيته من محاولة ايجاد استقطاب ثنائي يلغي جميع من في اليسار والوسط ويفرض على مناصريهم تركهم و الدخول في بيت الحر الدستوري لانه الضامن الوحيد للتصدي "لخطر الاخوان والاسلام السياسي" ..
في نهاية الحديث عن الانقلاب على الطريقة التونسية ومحاولة استشراف افقها المنظور اخلص الى ان السيناريو الاقرب لانقاذ الجميع وهم جميعا لا يؤمنون باستقلال القرار التونسي وبامكان وضع سياسات اقتصادية وطنية ذهابهم الى "لمة تونسية" تحت مسمى مؤتمر،حوار،ندوة،الخ...تنتهي ببقاء الجميع في مواقعهم مع تحسن طفيف في ظروف التواصل والانحناء التقديري ل "لسيد الرئيس "
كما استنتج ان "السيد الرئيس "وفاقدي السلطة اظهروا مدى انسجام افعالهم مع المبادىء التي يؤمنون بها اكثر مما هم منسجمون مع بياناتهم وخطاباتهم التقليدية التي بنوا عليها شرعيتهم وانهم جميعا مضافا اليهم المجتمع المدني لم يغادروا المربع الذي حشرت تونس نفسها فيه غداة ثورة 17-12-2010 وهو مربع الحقوق والحريات السياسية والمدنية متفقين جميعا على اغفال الابعاد الاجتماعية والخيارات التي تضمن التحرر الاقتصادي وتعد بامكانيات القطع مع التبعية للمؤسسات المالية الدولية وهذه السياسات التحررية لا تتم الا بمنوال اقتصادي تنموي ثوري وهذا المنوال لا يمكن لاي طرف سياسي تونسي منفردا ان يؤمنه ولا يمكن لتونس ان تنجو وتنقذ دون تحقيق هذا المنوال والقطع مع السياسات الليبرالية المتوحشة ..ولكم ان تتصوروا بعد ذلك عمر ازمة تونسنا .....
من الجمهورية التونسية



#الهادي_خليفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزعامة :وطأة زيف .. متى تنتهي ؟
- المعارضة.. بثقافة الردة
- جمهورية تونسية ام دولة حزب
- المستبد ومظلة الوعي القطيعي
- الاستبداد وخيار المقاومة الشعبية
- الاستبداد:بين عنف السلطة وسلطة الثقافة
- تونس: الانفراج السياسي وعلاقة السلطة بالمعارضة -الحزب الديمق ...
- فوبيا الثقافويين
- تونس:الامكانيات الوافرة والغبن الدائم
- دروس من حرب غزة ..في اسباب التخاذل
- ظاهرة المناشدة في البلدان العربية
- من المسؤول عن ضعف المجتمع المدني في تونس


المزيد.....




- إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
- مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية ...
- بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما ...
- سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا ...
- مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك ...
- خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض ...
- -إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا ...
- بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ ...
- وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
- إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الهادي خليفي - التغيير في تونس بين الانقلاب والمشروعية