|
الأسرى الاداريون، قلقون كأن الريح تحتهم
جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 6994 - 2021 / 8 / 20 - 03:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأسرى الإداريون ، قلقون كأن الريح تحتهم بدعوة من جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" عقدت في مدينة البيرة، يوم الاربعاء الفائت، ورشة عمل تحت عنوان "نحو استراتيجية ورؤية واضحة لكسر سياسة الاعتقال الاداري"، شارك فيها ممثلون عن عدد من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية التي تعنى بشؤون الاسرى، ونخبة من الاسرى المحررين الذين واجهوا في الماضي تجربة الاعتقال الاداري المتكرر، وكانوا قد قاوموها من خلال تنفيذهم لاضرابات عن الطعام أوصلت بعضهم إلى حافة الاستشهاد. كما وشارك في الندوة مجموعة من عائلات الاسرى المضربين عن الطعام حاليًا والذين يبلغ عددهم عشرة أسرى من أصل خمسمائة اسير أداري محتجزين في سجون الاحتلال الاسرائيلي. كان هدف الداعين الى هذه الورشة تسليط الضوء على تجربة الاضرابات الفردية عن الطعام كوسيلة مقاومة شرعية يلجأ اليها الأسرى في مواجهة سياسة الاعتقالات الادارية. وقد حاول المجتمعون، من خلال تقييم التجربة بشفافية وبمهنية، التوافق على خلاصات قد تضمن الارتقاء بها وتسخيرها كأداة ناجعة في مواجهة سياسة الاعتقالات الادارية الاسرائيلية. وكي لا تنزلق مداخلات المشاركين في عموميات "كفاحية" لا طائل تحتها، أو كي لا تراوح على تخوم الشعارات "الثورية"، أوضحت ديباجة الدعوة أن قضية الاضرابات الفردية ضد سياسة الاعتقال الاداري شكّلت احدى ابرز سمات المواجهة الراهنة في سجون الاحتلال الاسرائيلي، تبعها محاولات لتحقيق أهداف أخرى مثل رفض سياسات العزل والحرمان من زيارات الاهل، وتوفير العلاج للاسرى المرضى؛ فمنذ أواخر عام 2011 وبداية عام 2012 ، أي مع شروع الشيخ خضر عدنان في اضرابه، تصاعدت هذه المواجهة؛ ومنذ ذلك الوقت بقيت جملة من القضايا المتعلقة بهذا الاسلوب الكفاحي تفرض عددًا من التساؤلات والنقاشات لا على مستوى المؤسسات الحقوقية فحسب، وانما على مستوى واقع الحركة الاسيرة وما تواجهه من تحديات وتحولات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، لا سيما مع تراجع النضالات الجماعية وشيوع حالة الترهل القائمة. لقد ذاق آلاف الفلسطينيين مرارة ممارسة الاحتلال سياسة الاعتقال الاداري وعبثيّته. فالاعتقال يتم بدون توجيه تهم عينية للأسير ؛ والتقاضي حوله يجري أمام محاكم عسكرية ومدنية اسرائيلية لا تتقيّد بأبسط اصول المحاكمات النزيهة وأعراف المواثيق الدولية التي تؤمّن للاسير الحق بمعرفة تهمه وتزويده بملف البيّنات التي تعتمدها النيابة العسكرية ضده. فالأسير/ الضحية يواجه حالة من العدمية الموجعة والعجز القاهر؛ فهو لا يُمنح فرصةً حقيقية للدفاع عن نفسه، بل يُترك كي يواجه أشباحًا، أو ما يسمى ملفًا سريًا يقدم لعناية القضاة فقط، وليقاتل الاسير بعدها "طواحين الهواء". يعيش الاسير الاداري، منذ لحظة اعتقاله الأولى، حالة من القلق المنهك؛ فذلك "القائد العسكري" الذي يوقع على أمر اعتقاله، يملك، عمليًا، صلاحية مطلقة لتجديد تلك الأوامر من دون تحديد عددها مسبقًا، أو كشف مسبباتها؛ فيبقى الفلسطيني اسير حالة من الأرق النفسي غير الانساني ومن الترقب المهلك ! لقد طالت أوامر الاعتقال الاداري جميع فئات الشعب الفلسطيني ولم تستثن فصيلًا أو حزبًا أو قطاعًا ولا حتى القاصرين أو النساء أو القادة السياسيين أو نوّابًا في المجلس التشريعي كانوا قد انتخبوا في حينه من قبل أبناء شعبهم. ولقد دفع جميعهم ثمن هذه السياسة الاحتلالية الخبيثة، وخبروا أن المصيبة لا تتوقف عند قوات أمن الاحتلال الاسرائيلي، بل يتبعها دور الجهاز القضائي بفرعيه: المحاكم العسكرية و"محكمةالعدل العليا"، التي كانت وظيفتها، منذ بداية الاحتلال، تسويغ سياساته ضد الفلسطينيين، و"تبييض" جميع تجاوزاته وقمعه؛ حتى اصبحت جميع هذه المحاكم، عمليًا، شريكة كاملة في اقتراف الجناية الكبرى، وهي ترسيخ الاحتلال واضطهاد الشعب الفلسطيني. لا أعرف إلامَ ستفضي مجريات هذه الورشة رغم انها كانت مميزةً من حيث تنوع انتماءات الحاضرين السياسية وشيوع أجواء المكاشفة الحرة والمسؤولة بينهم وروح العمل الوحدوي؛ فجميع المشاركين يتمتعون بخبرة واضحة ويعرفون الحقائق وتاريخ هذه المأساة بتفاصيلها؛ وقد استحضروا تجاربهم الشخصية وناقشوها كعتبات من أجل الانتقال الى ما يتوجب فعله كي تبدأ المواجهة الحقيقية لسياسة الاعتقالات الادارية. وهنا تكمن العقدة الكأداء التي سيبقى حلّها مرهونًا، أولًا وقبل كل شيء، بما ستفعله عناصر الحركة الأسيرة نفسها، خاصة بعد أن وافق جميع المشاركين في الورشة، على أن التعويل على المسارات القانونية واستمرار التعاطي مع أجهزة المحاكم هو رهان خاسر، وخيار لا يمكن التمسك به في ظل المعطيات القائمة. وبمعنى آخر، اذا لم تتغير شروط اللعبة داخل السجون، لن تنجح اي خطة مواجهة جماعية؛ فالسجان الاسرائيلي يراهن على عدم وجود قوة جماعية جامعة حقيقية وراء القضبان؛ ويعرف أيضًا، في هذا الواقع، أن سيتعذر على الحركة الاسيرة انتاج طاقة نضالية مؤثرة بشكل استراتيجي. لقد راهن بعض المتحدثين في الورشة على دور "الشارع" الفلسطيني في مواجهة سياسة الاعتقال الاداري؛ وانتقدوا سبات الجماهير وغيابهم عن المشهد؛ وطالب آخرون بدور فعال لوسائل الاعلام، الرسمية أو الفصائلية، واتهموها بالتقصير في نشر اخبار الاسرى المضربين عن الطعام. قد يكون كلامهم صادقًا وانتقاداتهم صائبًة؛ لكنني أجزم أن التغيير على تلك الجبهات لن يحدث الا اذا تخطت الحركة الاسيرة حالة انشطاراتها الداخلية؛ واجمع قادتها على ضرورة مواجهة الاعتقال الاداري وفق رؤية نضالية موحدة؛ والتزم الجميع بها. عندها، وعندها فقط، سيتدفق السيل الفلسطيني الى الميادين وستهتف الحناجر باسم اسرى فلسطين، وسيتحرك احرار العالم من أجلهم، وسيجد الاحتلال نفسه في مأزق قد يضطره لاعادة حساباته في ملف الاعتقال الاداري. يجب على الأسرى إجراء جرد لحساباتهم من جديد، واعادة تموقعاتهم، وعدم البقاء في محطاتهم الحالية؛ فقطار "الإدراي" مندفع بقوة وهم يتناكفون على أرصفة فصائيلة هشة بعد أن نزحوا عن قلعتهم الحامية ، قلعة الحركة الاسيرة، التي على أبراجها ارتفعت، خلال العقود الماضية، رايات الصمود والعزة والحرية والكرامة. لقد عبّرت جهات دولية عديدة عن معارضتها الواضحة لسياسة اسرائيل ولممارساتها في موضوع الاعتقال الاداري؛ وكان لتدخل بعض تلك المؤسسات والشخصيات في الماضي أثر كبير، أدّى، في حينه، الى انحسار أعداد الأسرى الاداريين بشكل بارز؛ فيجب، اذا تحققت حالة الوحدة المرتقبة، التواصل مع هذه الجهات وتجنيدها مجددًا. وأخيرًا، أثار اللقاء بالاسرى، الذين أشعلوا باضراباتهم نار الحرية والكرامة، مشاعر العزة الجميلة، وشوقاً لاغفاءة على جناح الغيم؛ فبحضرتهم تذكرت كيف كان طارق والثائر أعند من الموج.. وكيف غمز خضر العدنان خصر التنين.. وكيف أنطق ماهر الاخرس قوس قزح، وكيف لوينا مع الغضنفر ابو عطوان عنق الندم. فلكل واحد من هؤلاء الاسرى دمعة وفاء وخفقة في الصدر؛ وتبقى الغصة لأم مجاهد التي أوصتني بأن ازور ابنها مجاهد حماد المضرب عن الطعام كي أوصيه ألا يوقف اضرابه مهما كان الثمن؛ فهي تحبه حتى الدنف وتريده الى جانبها حرًا ، كسنبلة القمح، وبكرامته كالفجر، "فهذا ما تبقى لنا، نحن الفلسطينيين - قالت وهي تبلع شوقها - في هذا الزمن الرخيص، زمن العبيد والمهزومين".
#جواد_بولس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-سيف- نفتالي بينيت وعرب ال 48
-
محمود درويش الحاضر بين صفورية وسيدني
-
القاضي جورج قرّا ضد المحكمة العليا الاسرائيلية
-
سهى جرار..رحيل مفجع، في زمن - الشر العادي-
-
كم نحن بحاجة الى لم الشمل
-
الغضنفر
-
حكومة بينيت-عباس،ابنة الانتهازية والالتباس
-
ما العمل؟ كان سؤالنا الأكبر ولم يزل
-
-يدًا بيد- وحكومة إسرائيل القادمة
-
في - الشيخ جراح- يبكون فيصل الحسيني
-
رسالة الى رئيس وقادة جهاز المخابرات العامة، - الشاباك-
-
ماذا بعد ان استردت الهوية روحها؟
-
مواطنة بين زغرودة وصاروخ
-
الهوية بين اغواءات المصالح وتعدد الولاءات
-
ماذا لو رُشّح مواطن عربي لرئاسة اسرائيل؟
-
من أجل اقامة جبهة:مواطنون ضد الفاشية
-
ويبقى السؤال أمامنا ، ما العمل؟
-
الحركات الإسلامية بين نداءات المقاطعة والدعوة للاندماج
-
نصر يعادل هزيمة
-
كيف ومتى أصبح نتنياهو ناصر العرب؟
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|