أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالرزاق دحنون - حديث مع غسّان غنّوم حول الثورات والكهرباء















المزيد.....

حديث مع غسّان غنّوم حول الثورات والكهرباء


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6993 - 2021 / 8 / 19 - 14:58
المحور: سيرة ذاتية
    


قبل رحيله عن مدينة إدلب في الشمال السوري في ربيع عام 2015كان يزورني ويجلس في مكتبتي في زقاق المسيحين قرب كنيسة الروم الأرثوذكس واختلفنا اختلافاً واسعاً حول مفهوم الثورات كان مع الانتقال السلمي من مرحلة إلى مرحلة ولا يؤيد العنف الثوري بأشكاله المتعددة وقد ترجم لي نصاً عن الفرنسية للمفكر والكاتب الفرنسي ريجيس دوبريه يتعلق بهذا الأمر يقول فيه:

إن إحدى مفارقات الثورات أنها تؤدي إلى إبطاء سير الأشياء، بعد تسارع كبير في البداية، قبل أن يتحول لاحقاً إلى منظومة مكابح ثقيلة. هناك في الثورات مناسبات كثيرة للفرح والبهجة، ولكن أيضاً للحزن والعزاء، وعلى المدى الطويل تتحول البهجة إلى مرارة، وأحياناً كثيرة إلى كوابيس. الثورات التكنولوجية فقط، تشذُّ عن هذه القاعدة، لأن لا عودة فيها البتة إلى الوراء. لن نعود إلى الشمعة بعد أن اخترعنا الكهرباء، ولا إلى السفن الشراعية بعد أن ابتكرنا المحركات. الإنترنت غيّر وجه العالم. هنا تقبع محركات التاريخ الحقيقية الضامنة الوحيدة لتقدم لا رجعة فيه إلى الوراء، سواء كان جيداً أو سيئاً.

ريجيس دوبريه صاحب خبرة كبيرة في هذا الشأن وقد كان رفيق فيدل كاسترو وأرنستو تشي غيفارا، وله كتاب مشهور سماه (ثورة في الثورة) ترجمته إلى العربية دار الآداب في بيروت في ثمانينات القرن العشرين عن التجربة الكوبية. وتراني أتفق معه في الرأي لأن الثورات مثل الكهرباء تُنير لنا الوجود، فينكشف حالنا وتظهر عيوبنا كلها دفعة واحدة. عندها تذكرت حكاية قرأتها في مجلة الفيصل في العدد المزدوج 405-406 مارس/آذار 2010 بعنوان "الفاقة" من تأليف الكاتب الروسي الساخر ميخائيل زوشينكو كتبها عام 1925 وترجمها عن الروسية السوري هشام حمادي، وقد قرأتها لصاحبي المترجم غسّان غنّوم، فأعجبته جداً، وحفظها عن ظهر قلب، فله ذاكرة واسعة، فهو يُجيد الفرنسية والإنكليزية والبلغارية كأهلها، وناقشني في موضوعها وقال بأنها تعادل طناً من الأفكار، حيث تجد فيها تلك التأثيرات التي تنطبع في الذاكرة البشرية فتحرضها على التذكّر والانتباه الدائم واليقظة، إنها أبدع وأفيد ما يمكن أن تقرأه في الحياة. ووجدت بأنه قد نسخها بين أوراقه بعد أن استعار مجلة الفيصل من مكتبتي التي نشرت القصة ووجدتُ أيضاً بأنه أجرى تعديلات على الترجمة الأصلية التي قام بها المترجم هشام حمادي. وهذا ما وجدته بين أوراقه التي تركها عندي:

الفاقة
قصة قصيرة
من تأليف الكاتب الروسي الساخر ميخائيل زوشينكو

ما الكلمة الدارجة الآن أيها الرفاق؟ لا شك أن الكلمة التي تدور على كل شفة ولسان هي الكهرباء. ولا يختلف اثنان على أن كهربة البلاد أمر في منتهى الأهمية. ولكن ما زال لهذا الأمر جوانبه غير المضيئة. لستُ أقصد -يا رفاق- أن الثمن مرتفع. كلا فهو ليس بأغلى من النقود، ولكن ما أقصده شيء آخر، وإليكم بيت القصيد:

حتى الأمس القريب كنتُ أعيش -أيها الرفاق- في بناء ضخم، لا يُضاء إلا بالكيروسين. بعض الناس يستخدم القنديل القديم، وبعضهم الآخر اقتنى القنديل الحديث، بينما لا يزال آخرون يستخدمون الشموع، يا له من بؤس.

وفجأة بدأ تمديد الكهرباء إلى البيوت. كان المفوَّض أول من مدَّد الكهرباء إلى شقته، ولكنه لم يكد ينير بيته بالكهرباء حتى طرأ تغير كبير على سلوكه، فلسبب ما أصبح مهموماً كثير التأمل والشرود، ومع ذلك لم ينبس ببنت شفة، ولم يشك أو يتذمّر. لم تلبث عدوى الكهرباء أن أصابت بليزافيتا بيتروفيتا صاحبة الشقة التي أسكن فيها. وفي ذات مرة قالت لي: الجميع يُمدد الكهرباء، ألم تر أن المفوّض نفسه قد مدَّد الكهرباء إلى بيته، فما رأيك؟ وافقت طبعاً.

مددنا الكهرباء، وغمر نورها المكان، ولكن يا إلهي، أيّ شيء هذا!؟ فالبؤس والفاقة يضربان أطنابهما في كل مكان. وأنّى نظرت لا تر إلا ما يُثير القرف والاشمئزاز. فحتى الماضي القريب كنت تذهب إلى العمل صباحاً، ولا تعود إلا مع حلول الظلام. وبعد تناول الشاي تأوي إلى فراشك من دون أن تميز شيئاً في ضوء القنديل الخافت أو الشمعة الهزيل. أما الآن، وبعد أن غمر النور المكان، فترى الحذاء المهترئ، وترى ورق الجدران الملوث والممزق، وترى البق ينساب أفواجاً، هرباً من الضوء الباهر، وترى خشب النوافذ المسوس، وترى أعقاب السجائر المبعثرة في كل مكان، يا إلهي، ما هذا البؤس الذي يحيط بنا؟

أية مصيبة هذه، فحيثما نظرت ترى ما يزعج البصر، وما لا يسر الخاطر: فالكنبة التي كانت حتى الماضي القريب كنبة لا بأس بها، لا بل جيدة، وغالباً ما كنتُ أجلس عليها في الأماسيّ، وآخذ قسطاً من الراحة. أما الآن فلم أكد أشعل الضوء حتى وقفتُ قبالتها فاغر الفم، جاحظ العينين. أية كنبة هذه؟ إنها ممزقة وملوثة ببراز القطط، مبقورة البطن، منهوشة الصدر، تتدلى من أحشائها حزم القش التي تغص بأنواع الهوام. من المستحيل أن تكون هذه كنبة. إن التفكير المستقيم والروح الحيَّة تأنف من ذلك وتثور عليه. يا إلهي، ما هذه الحياة البائسة التي أحيا؟

ولم تكن حياة بليزافيتا بيتروفيتا -صاحبة الشقة- بأفضل من حياتي، فتراها مثقلة بالهموم والأحزان، وهي لا تكفُّ عن العمل في المطبخ الصغير، وأسألها مستفسراً: ما الذي يشغل بالك يا سيدتي؟ تنفض كفيها من ماء جلي الأوان، ثمَّ تُشوبر بهما وتقول بأسى: لم أكن أعرف-أيها الشاب- أنني أعيش في مثل هذا الفقر المُدقع.

عندما ألقيتُ نظرة على مطبخ بليزافيتا بيتروفيتا، فلم أر إلا البؤس وسقط المتاع من مواعين علاها السخام والصدأ، وكراكيب "مطبخية" لا حاجة لها في أغلب الأحيان. كل هذا يغمره النور الباهر، فيبرزه ظاهراً للعيان يعرض نفسه دون خجل أو حياء. منذ ذلك الحين أمسيت أعود إلى البيت متذمراً مهموماً. ولا أكاد أصل البيت وأشعل الضوء، حتى أرى بؤسي حاضراً، فآوي إلى فراشي وأنا نهب للأفكار والخواطر السوداء.

بعد أن فكَّرتُ في الأمر ملياً، وبعد أن قبضت راتبي، اشتريتُ كمية من الكلس، وانكببتُ على العمل بهمة ونشاط. نزعتُ الورق الممزق القذر عن الجدران ونظَّفتها من جحافل البق وبيوت العناكب. وكلَّستُ السقف والجدران، فأصبح كل شيء أبيضاًـ زاهياً، نظيفاً، يشرح الصدر، ويثير البهجة في النفس. للأسف، لم تدم بهجتي طويلاً، فقد قررت بليزافيتا بيتروفيتا فجأة التخلي عن الكهرباء. ما السبب؟ قالتْ: إن الحياة تبدو في غاية البؤس في الضوء، فما الداعي لتسليط الضوء على حياة مزرية كهذه؟

كم توسلتُ إليها، وحاولتُ اقناعها، وسقتُ لها كثيراً من الحجج والأمثلة حول فوائد الكهرباء، لكن كل جهودي ذهبتْ أدراج الرياح. أخيراً نفد صبرها من إلحاحي، وقالتْ: بوسعك أن تُغادر هذه الشقة وتنتقل إلى أخرى "مكهربة" أما أنا فسأعود إلى ضوء القنديل العزيز.

لكن هل الانتقال إلى شقة أخرى بالأمر السهل يا رفاق، خصوصاً أنني أنفقت نصف راتبي على إصلاح هذه الشقة. وهكذا خضعت للأمر الواقع وبقيتُ. إن الضوء شيء جيد يا رفاق، لكن للضوء مساويه أيضاً.

كتاب: القصة القصيرة الروسية الساخرة - مجموعة من المؤلفين:
https://www.8gharb.com/tag/%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7/



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعيون
- وجهة نظر روزا لوكسمبورغ في الثورة البلشفية
- ماذا سيحدث بعد رحيل الرئيس الصيني شي جين بينغ؟
- وطن الغجر - حوارية مسرحية
- عن رفيقي محمد دكروب
- أنا لا أحب عبد الفتاح السيسي
- فاطمة ناعوت في مديح عبد الفتاح السيسي
- كيف تصبح كردياً في خمسة أيام؟
- حول شيوعيون في المساجد وشيوعيون في النشاط الاجتماعي
- ثلاث سنوات في الحوار المتمدن
- تعال اقترح عنواناً لهذا المقال يا عمّار
- مرحباً، بكم الدولار اليوم؟
- اللَّحْظَّةُ الماركسيَّة
- الشيوعية بديلاً عن الرأسمالية
- عن رفيقي فؤاد النمري وفرضيَّة فائض القيمة
- أناشيد سائق القطار في الأول من أيار
- فرضيّات حول فائض القيمة
- الثورة السودانية في كتاب البروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك
- الجاحظ في مرآة تشارلز داروين
- نوال السعداوي امرأة متوحشة وخطيرة لأن الحقيقة متوحشة وخطيرة


المزيد.....




- بـ10 نقاط.. خلاصة مناظرة بايدن وترامب على CNN
- رغم إلغاء مشروع القانون المثير للجدل.. الكينيون يطلبون العدا ...
- ما هي المدينة الأكثر ملاءمة للعيش لعام 2024؟
- لا بايدن ولا ترامب.. ماسك يكشف عن -الرابح الأكبر- في المناظر ...
- 19 طالبا من جامعة ملبورن يواجهون التهديد بالفصل بعد مشاركته ...
- مقتل أربعة أشخاص بسبب اصطدام قطار بحافلة في سلوفاكيا
- شاهد: باندا تايوان الوحيدة تحتفل بعيد ميلادها الرابع: حلوة و ...
- أبرز لحظات المناظرة الرئاسية بين ترامب وبايدن
- 110 سنوات على مقتل ولي عهد النمسا، أو أشهر اغتيال في التاريخ ...
- الانتخابات الأمريكية والشرق الأوسط: تاريخ من الاستثناءات


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالرزاق دحنون - حديث مع غسّان غنّوم حول الثورات والكهرباء