|
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السادسة
خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب
(Khalid Goshan)
الحوار المتمدن-العدد: 6992 - 2021 / 8 / 18 - 05:14
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لا تخشى الجملة الطويلة خذ القارى فى رحلة عبر اللغة والمعانى الجميع يخشى الجملة الطويلة ، المحررون يخشونها ، والقراء يخشونها ، وقبل هؤلاء وهؤلاء ، يخشاها الكتاب ، حتى انا اخشاها، انظر . هاك جملة قصيرة واقصر ، شذرات نتف حروفا فقط ، مجرد حروف ف ف ف ، هل استطيع كتابة جملة من دون كلمات ؟
بعلامات الترقيم فقط ؟
اكتب ما يخيفك ، لن يكون الكاتب كاتبا الا اذا سعى لكى يبرع فى كتابة الجملة الطويلة ، لانه ، وان كان الطول يزيد من سوء جملة سيئة اصلا ، غير انه قادر على ان يجعل الجملة الجيدة افضل .
مقالة توم ولف المفضلة عندى " كالحب يوم الاحد " التى تعود الى اوائل ايام حركة " الصحافة الجديدة " حملت اسم الاغنيه الشعبية الرومانسية لتلك الفترة ، لقد جرت احداثها فى صباح يوم خميس فى محطة مترو بنيويورك ، وليس فى صباح احد .
يشهد وولف لحظة غرام فتى فى محطة المترو فيلتقطها ليعيد تعريف الرومانسية مدينية الطابع .
" الحب إ روح عطر الشهوة فى الهواء إ انها التاسعة الا ربع من صباح الخميس فى محطة مترو " أى أر تى" عند تقاطع شارعى الخمسين وبرودواى ، وثمة صبى وصبية يتعانقان وقد تشابكت ايديهما وارجلهما كنسيج مموج ، مما يثبت بما لايدع مجالا للانكار ان الحب فى نيويورك ليس محصورا بيوم الاحد " .
تلك بداية جيدة ، شذرات شهوانية وعلامات تعجب ، وتحدب وتقعر، اتصال المحبين الذى عبرت عنه كلمة " نسيج مموج " والانتقال السريع من جملة قصيرة الى جملة طويلة ، فيما الكاتب والقارى يقفزان من اعلى سلم التجريد ، من الحب والشهوة ، وصولا الى صبى وصبية يتغازلان ، صعودا مرة ثانية الى تنويعات الحب فى المدينة .
خلال ساعة الزروة ، يتعلم المسافرون فى محطات المترو معنى الطول : طول رصيف المحطة ، وطول فترة الانتظار ، وطول القطار ، وطول المصاعد المتحركة ، والسلالم المفضية الى الطابق الارضى ، وطول صفوف المسافرين المستعجلين الضجرين نافذى الصبر . لاحظ كيف يستخدم وولف طول جمله ليعكس تلك الحقيقة : " تبقى الاحتمالات إ كل الوجوه تنبثق فجأة فى حشود تتدفق خارجة من محطة الجادة السابعة ، مرورا بماكينة الايس كريم الضخمة ، بينما تروح الابواب الدوارة تصفق بعنف ، كما لو كان العالم يتكسر فوق الشعاب البحرية .
بعد اجتياز الابواب الدوارة بخطوات اربع ، يتدافع الجميع متزاحمين لتسلق السلالم الى السطح كأنهم انبوب كبير من اللحم والصوف واللباد والكاوتشوك والبورسلان المشبع بالبخار ، فيما يتدفق الدم بصعوبة عبر شرايينهم العجوز المتصلبة فى دفقات متسارعة بسبب الافراط فى القهوة والجهد المبذول للخروج من محطة الكترو ساعة الذروة .
مع ذلك ، كان هناك على الرصيف ، صبى وصبية فى الثامنة عشرة تقريبا ، فى واحدة من تلك العناقات الكاملة ، المستغرقة فى ذاتها ، كعطر " ماى سن " ( خطيئتى ).
انه اسلوب وولف التقليدى ، عالم تستخدم فيه كلمة " متصلب " ( سكليروتيك ) كضد ل " شهوانى ( ايروتك ) , وحيث تنبت علامات التعجب بسرعة مثل الازهار البرية ، وحيث تعرف الخبرات والحالات من خلال اسماء العلامات التجارية ( ماى سن ) كان عطرا رائجا فى تلك الايام – المترجم . لكن, مهلا إ هناك المزيد إ فبينما يتبادل الثنائى العناق والقبل ، يمر بالقرب منهما حشد من الركاب :
حولهما عشرة ، بل عشرات ، بل يبدو كأن هناك مئات الوجوه والاجساد المتعرقة ، تندفع وتتزاحم على السلالم ، وعلى سيماها علامات الضيق ، مرورا بخزانة زجاجية تعرض فيها بضائع حديثة ، مثل العاب الخدع والمقالب الطريفة ( جوى بازرز ) و( سكويرتنج نيكلز ) و ( فينجر راتس ) و ( سكيرى تارانتولاس ) والملاعق المزينة بما يبدوا كانه ذباب ميت ، متجاوزين صالون حلاقة " فرد " الذى يقع بحاذاة الرصيف ، ويعرض صورا براقة لشبان بقصات شعر من طرتز العصر الباروكى الذى يمكن ان تحصل عليه فى الصالون ، فصعودا نحو شارع الخمسين ، ومنه الى جنون زحمة السير والمتاجر ، التى تعرض فى الواجهات ثيابا داخلية غريبة الشكل ، ومستحضرات صبغة الشعر ، ولافتات اعلانات عن قراءة الطالع فى فنجان شاى مجانا ، ومبارة فى لعب البليلردو بين نادلات نادى بلابيوى ، وفتيات عروض داونى ، ثم يتجه الجميع نحو مبانى " تايم – لايف " او " بريل " او" ان بى سى ".
هل سبق لأى قارى ان اختبر جملة طويلة بهذا الجلال ، او وصفا لمحطات مترو نيويورك اظرف من هذا ، او فقرة من 128 كلمة ، من اول حرف الى اخر نقطة ، اروع من هذه ؟ ان وجدت واحدة ، احب ان اقرأها .
ان القراءة المتمعنة لكتابات وولف تقترح بعض الاستراتيجيات التى يمكن اتباعها ، لاتقان كتابة الجملة الطويلة :
- من العوامل المساعدة ان يأتى الفعل والفاعل للجملة الرئيسية فى بدايتها .
- استخدم الجملة الطويلة لوصف امر يستغرق وقتا ، دع شكل الجملة يلحق وظيفتها .
- من العوامل المساعدة ان تكتب الجملة الطويلة بالترتيب الزمنى .
- استخدم الجملة الطويلة بالتناوب مع جمل قصيرة ومتوسطة الطول .
- استخدم الجملة الطويلة مثلما تستخدم لائحة او فهرسا للمنتجات والاسماء والصور.
- تحتاج الجمل الطويلة الى جهد فى التحرير اكبر منه فى الجمل القصيرة ، اجعل كل كلمة مهمة ، حتى فى جملة طويلة جدا .
ان كتابة جملة طويلة تعنى ان تمضى عكس التيار ، ولكن ، اليس ذلك ما يفعله افضل الكتاب ؟
فى روايته " حلقات زحل "يستخدم و. ج. سيبالد ، جملة طويلة ليفسر ويعكس اسلوب النثر التراثى لكاتب المقالات الانجليزى السير توماس براون :
" على غرار كتاب انجليز اخرين من القرن السابع عشر ، كتب براونى انطلاقا من سعة اطلاعه ، ناشرا فهرسا واسعا من الاقتباسات وأسماء المرجعيات السابقة ، مبتكرا أستعارات وتشابيه معقدة ، ومشيدا جملا كالمتاهات ، تمتد احيانا على صفحة او صفحتين ، جملا تشبه المواكب او الجنازات فى بذخ احتفالى خالص ، صحيح انه ، وبتأثير من الوزن الهائل للعوائق التى يحملها على كاهله ، قد تثقل كتابة براون بفعل الجاذبية ، لكن حين ينجح فى التحليق اعلى ثم اعلى ، من خلال دوائر نثره المتصاعد ، محمولا مثل طائرة شراعية على تيارات هوائية دافئة ، فان القارىء يغمره الى يومنا هذا ، باحساس التحليق .
فى أربعينات القرن الماضى ، وصف رودلف فلاش العوامل التى تجعل قراءة جملة ما " سهلة " او " صعبة .
وفقا ل " فلاش " ، فقد القت دراسة اجريت فى العام 1893 الضوء على الجملة الانجليزية الاخذة فى التقلص : " تمتد الجملة المكتوبة فى العصر الاليزابيثى على نحو 45 كلمة فى المتوسط ، وعلى 29 كلمة فى العصر الفيكتورى ، أما الجملة فى عصرنا هذا فلا تتجاوز 20 كلمة ، لقد استخدم فلاش طول الجملة وعدد مقاطعها كمعايير فى دراساته عن القراءة ، وهى طريقة حسابية استهزأ بها أى بى وايت فى مقالته " الالة الحاسبة " ، قائلا : ان الكتابة هى فعل ايمان وليست حيله نحوية ".
على الكاتب الجيد أن يؤمن بأن الجملة الجيدة ، طويلة كانت او قصيرة ، ليست خسارة فى القارىء ، وعلى الرغم من ان فلاش ، كان يقدم الوعظ عن قيمة الجملة الجيدة المكونة من ثمانى عشرة كلمة ، فانه اثنى ايضا على الجملة الطويلة ، التى كتبها قديرون من امثال جوزيف كونراد ، لذلك ، حتى بالنسبة الى العجوز " رودلف " فان جملة طويلة حسنة الصياغة ، لا تشكل خطيئة ضد جملة فلاش .
والى الاداة السابعة فى المقال القادم
#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)
Khalid_Goshan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الخامسة
-
صبى الصفارة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الرابعة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الاداة الثالثة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الاداة الثانية
-
ثورة يوليو - 1952 - الحلم والمأساة
-
ايامك التى تمر ليست مجرد بروفة- انا كويندلن
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الاولى
-
من دفتر الذاكرة (2)
-
من دفتر الذاكرة (1)
-
صحتك فى رجليك
-
مصر وسد النهضة الاثيوبى
-
غادة البنك
-
من الذاكرة الشخصية
-
اللص الخائف
-
القاضى الباكى
-
التحليل السياسى الحديث- روبرت دال - الفصل الثانى -3
-
حكاية شمس الدين
-
حلم وواقع
-
التحليل السياسى الحديث- روبرت دال -2
المزيد.....
-
مصطفى شعبان بمسلسل -حكيم باشا- في رمضان
-
شاهد: أصدقاء وأقارب الأسيرة الإسرائيلية آغام بيرغر يحتفلون ب
...
-
حركة حماس تعترف بمقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف
-
القاهرة: لا لتهجير الفلسطينيين من أرضهم
-
عمّان.. رفض قاطع لتهجير الفلسطينيين
-
حماس تنعى عددا من كبار قادتها العسكريين وفي مقدمتهم القائد ا
...
-
سـوريـا: مـا هـي طـبـيـعـة الـمـرحـلـة الـجـديـدة؟
-
الدولي المغربي حكيم زياش ينضم إلى نادي الدحيل متصدر الدوري ا
...
-
العراق ومصر يجددان رفضهما لتهجير الفلسطينيين
-
الجيش الفرنسي يسلّم آخر قاعدة له في تشاد
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|