أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسر العدل - صيف بلا ذنوب














المزيد.....

صيف بلا ذنوب


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 08:06
المحور: حقوق الانسان
    


حين ينتهى أولادنا من امتحاناتهم، وتهاجمنا حرارة الصيف وترهقنا رطوبة البيوت، ويقعدنا فى البيت ضعف مرتباتنا، يصبح من المعتاد أن أجلس مع زوجتى فى صالة شقتنا المتواضعة، نقتل عرقنا تحت هواء ساخن تحركه مروحة كهربائية، ننش ذبابنا الكسول ونطارد زهقنا اللاصق، نتبادل حكايات قوم محظوظين يحبون الحياة، يفكون أنفسهم ويصيفون على شواطئ البحر، يهفهف النسيم على أجسادهم، يأكلون السمك المشوى والبطيخ وفطائر الزبيب ومحشى ورق العنب، ويقزقزون اللب الأبيض وأم الخلول، ويلحسون الجيلاتى ويشربون عصير القصب والخروب، يهربون من الشمس إلى ماء البحر وظلال الشماسى، يشربون الشاى، يثرثرون بالأغانى والنكات ويلعبون الكرة والمساكة، يناكفون الزوجات والأزواج والأولاد، ويداعبون الشباب والأطفال والمسنين، وفى نهاية أيام المصيف يعودون للأصحاب بأحلام الشواطئ وجنيات البحر وأقراص من حلوى المشبك.
منذ أسابيع قليلة، نجح أولادى فى امتحاناتهم وقرروا أن يقضوا صيفهم بطريقتهم، وحين نجحت فى استلام راتبى الجديد غير منقوص وفى تأجيل سداد بعض الديون، نجحت مع زوجتى فى استعاده تفاصيل حلمنا بالتصييف، عندها قررت أن أحب الحياة من جديد واذهب مع زوجتى إلى مصيف بلطيم على شاطئ البحر المتوسط، وحين وصلنا إلى بلطيم أدرت بعض المفاوضات مع سماسرة الشقق ونجحت فى الحصول على شقة صغيرة على سطح عمارة مقابل عشرين جنيها يوميا، وبدأنا أيامنا فى بلطيم نطالع الناس والبحر والتصييف0
غالبية المصطافين مصريون يثير حبهم للحياة كثيرا من الشجن، الأسطى عنتر بعد شهور من العمل المضنى طوال السنة، أغلق ورشته ثلاث أيام وحضر للمصيف، والحاج سيد أصابه الملل من رغى أصدقائه لحكاياتهم القديمة فقرر أن يصنع حكاياته الجديدة بالتصييف مع أولاده، والأستاذ أشرف جمع غلته من ساقية الدروس الخصوصية وراح يفك نفسه بقضاء يومين على شاطئ البحر، والست هدى موظفة بسيطة دخلت أكثر من جمعية مالية ولمت القرشين لزوم التصييف، أمثال هؤلاء وغيرهم أناس بسطاء، يعرفون الحب ويجيدون الابتسام والصخب وصنع النكات ويعيشون عيشه أهلهم0
قليل من المصطافين يمثلون ظاهرة تحتاج الدراسة، يتاجرون بالدين ويروجون لثقافة فاسدة المنطق قليلة الذوق ساذجة التناول، كانوا فى الأصل فقراء علما وثقافة يسألون الناس إحسانهم وعقود العمل فى الخارج، سافر بعضهم إلى بلاد الغربة والحرور يعملون عبيدا، يمسحون عقولهم لتتكاثر نقودهم، وعند أول فرصة مالية أتيحت لهم قرروا أن يصبحوا أحرارا على طريقتهم، رجالهم تطول لحاهم وتقصر جلابيبهم، يتمتمون بأحاديث فرقة واعتزال، يقسمون أطفالهم إلى بنين مدللين وبنات محجبات، تختبئ نساؤهم خلف خيام لا تبين منهن غير العيون، يتمخطرن على الشواطئ تصلصل أياديهن بأكوام من الذهب، يجهدون أنفسهم بضجيج أغانى وأحاديث يرون أنها دينية، ويستحمون فى ماء البحر بكامل ملابسهم، هكذا يشرعون لأنفسهم لباس عزلة واعتزال0
الأصل أن الجماعة من الناس لها حرية الاعتقاد وحرية الفعل، لكن أى جماعة ليست حرة فى أن تشد أنف الآخرين وتصدر لبقية الناس ذلك القدر الهائل من الوصاية على أسباب الحياة، وذلك القدر الشنيع من الجمود والتمسك بالقشور، هكذا بعض أهل التصييف فى بلادنا لا يجيدون غير سلوك أهل بادية متخلفون، يستهلكون عشب الأرض والكلأ ولا ينتجون، يملكون قدرا كبيرا من توقيف العقل على قشور النصوص ولا يجادلون.
أننا قوم نتدرب كل يوم على كراهية الحياة، محاصرين بحملات دعائية يديرها قوم مهووسون يناصرهم إداريون ساذجون، يشوهون الجدران والأعمدة والعقول والقلوب فى مواقع العمل والتصييف والسكن، ينشرون لوحات إعلانية تضم أدعية وشعارات ساذجة، بعضها يرى أن مشاكل السفر لا يرفعها غير دعاء مخصوص، وبعضها يرى أن الصيف ملئ بالذنوب ولا يرفعها غير شعار صيف بلا ذنوب، وبعضها يرى أن عيون الناس مليئة بالانحراف ولا يرفعه غير شعار اغضض بصرك.
فى بلطيم رأيت المصطافين يعانون من مشاكل مياه الشرب، وتلوث الشواطئ، وانتشار القمامة فى الشوارع، وقلة المطاعم وارتفاع ثمن أم الخلول والسمك المشوى واللب الأبيض، فقررت العودة إلى مدينتى بعد ثلاثة أيام دون أن ارتكب ذنب التصييف أو أحمل أية أقراص من حلوى المشبك، مؤمنا بأن تحمل الهواء الساخن للمروحة الكهربائية فى شقتنا المتواضعة، أفضل كثيرا من التعامل مع هذا الجو الخانق.



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخجل من العربية
- أبناؤنا فى الثانوى
- ناس فى سهل الطينة
- عَّّينُوه ....إشربوه
- مواسم اللحوم والامتحانات
- البحث عن حل
- ربنا00 لا تدخلنا فى تجربة
- ربنا... لا تدخلنا فى تجربة
- يا سيادة الوزير00 أين تقف؟
- دعوة للرحلات 00 والكسب ايضا
- دعوة للرحلات00 والكسب ايضا
- أبو الأولاد
- مشروع للثقافة المصرية
- خدش الحياء العام
- أزمة ثقة - قصة قصيرة
- حالات من الكسوف
- قوافل الثقافة
- شلاتين 00 أرض البكارة
- الأثنين المرصود
- أستاذ الجامعة ... والفراغ الثقافى


المزيد.....




- سكان غزة تحت القصف والبرد وغرق الخيام.. والأونروا: فرص البقا ...
- جوبالاند تصدر مذكرة اعتقال بحق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ...
- اصابات بقصف استهدف مركزا لتوزيع الطعام على النازحين بمخيم ال ...
- المحامي الفرنسي جيل دوفير مهندس مذكرات اعتقال نتنياهو وغالان ...
- مباشر: عودة آلاف النازحين في لبنان إلى ديارهم بعد وقف إطلاق ...
- الاونروا: ظروف البقاء على قيد الحياة تتضاءل لنحو 75 ألف شخص ...
- دول التعاون الإسلامي توقع اتفاقية لمكافحة الفساد
- هيئة الأسرى: إدارة سجن الدامون تعامل الأسيرات بطريقة وحشية
- الأمم المتحدة: نتواصل مع جميع الأطراف بشأن وقف إطلاق النار ف ...
- شؤون اللاجئين الفلسطينية تسلّم مساهمات مالية لأصحاب المنازل ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسر العدل - صيف بلا ذنوب