أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - نضال نعيسة - لِم لا تجعل الفضائيات العربية بثها كله بلغة الصم والبكم؟















المزيد.....

لِم لا تجعل الفضائيات العربية بثها كله بلغة الصم والبكم؟


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:35
المحور: الصحافة والاعلام
    


لا أتفق، البتة، مع قائل عبارة أن العرب مجرد ظاهرة صوتية، طالما أن الأصوات تخرج أيضاً، من أمكنة آخرى غير الحبال الصوتية تحديداً، وحيث أن ردود أفعالهم حيال الأحداث عامة هو الصمت التام. هذا، وإذا أخذنا في الاعتبار، العدد الهائل لتلك الأغلبية الصامتة. ومن هنا، أيضاً، لا يصح أن نطلق عليهم هذا اللقب بالنظر إلى قلة قليلة من المجعجعين والزاعقين، ويمكن القول بأنهم ظاهرة "صمتية"، وليس صوتية لذا اقتضى التنويه، والإيضاح.

ولذا، تراني أشفق كثيراً، على أولئك، الذين يجهدون أنفسهم في الخطابات، والإذاعات، ويرفعون من عقيرتهم، وطبقة صوتهم التي لا تصل، في النهاية، لأحد على الإطلاق. ويقابلها الجميع بفتور ملحوظ، وبرود، ولا مبالاة، وكأن الحديث يجري بلغة أخرى غير لغة الضاد، مجسدين المثل الدارج "سمعان مو هون". ويخيّل إليّ، وأنا أتابع بعض القنوات، والمذيع الذي يصرخ ويجهد نفسه، ويحمّر وجهه، وتجحظ عيناه، ويستشيط غضباً، ويفور ويغلي، ليس بسبب فداحة الأحداث، واهتمامه بالموضوع والخبر الذي أمامه، ولكن ليقينه الأكيد بأنه يجب أن يبذل مزيداً من الجهد ليفهمه المتلقون، وأن هناك حلقة ما، مفقودة بينه وبين المشاهدين، وبأن صوته لن يصل لأحد، وأن من يخاطبهم هم مجموعة من النيام، الذين لا يمكن إيقاظهم على الإطلاق، وجحافل من الصم، والبكم، الذين يستحيل معه، إفهامهم فحوى أي خطاب. فيما يستمر المذيع الآخر، الذي يؤدي نشرته الإخبارية للصم والبكم، بعمله على أحسن ما يرام، ويلاقي التجاوب، والتواصل، والتفاهم من مشاهديه الصم، والبكم، أكثر مما يلاقيه المذيع الآخر من متابعيه الناطقين الأصحاء. والدليل على ذلك، تلك المظاهرة التي قام بها جمع غفير من الصم والبكم في السودان، وتناقلت الخبر متلفزاً معظم الفضائيات. ومن هنا، تم اكتشاف سر إخفاق الإعلام العربي، في التواصل مع الناس، وفي تعامله مع الأحداث.

ويبدو أن الفضائيات العربية، قد بدأت تدرك مدى تجاوب الصم والبكم، مع نشراتها الأخبارية اليومية، ومتابعتهم لها، وأن رسائلها الإعلامية تصل إليهم، أكثر بكثير مما تصل لأولئك المتفوهين، من أصحاب الألسنة الطويلة، التي تستعمل، في الغالب، لغايات أخرى كثيرة غير الاحتجاج، والكلام، والتعبير عن الذات. ولذا تراها أصبحت تكثر من أولئك المذيعين والملقنين، الذين يعملون بلغة الإشارات. وقد تتنامى هذه الظاهرة، بحيث سيأتي، ولا بد، اليوم الذي سيتبادل فيه المذيعان الأدوار، والأماكن، ويمكن أن يكون هذا هو المعبّر الحقيقي، والأصح، عن واقع الحال، ليحتل المذيع الرئيسي الذي "يجعجع" عادة، أو المسؤول الهائج، أو المتحدث الجهبذي، الإطار الصغير على جانب الصورة، بينما يتربع مذيع الصم والبكم في صدارة الشاشة، ويأخذ الواجهة بالكامل، ويطلق العنان ليديه لتعمل بالإشارات، ناقلاً الخبر والمعلومة، الصحيحة لجمهور "الصم والبكم" الكبير والعريض الذي يحتل الساحات، وأعتقد أنها ستؤدي رسالتها الإعلامية على ما يرام. وهذا بالتالي، يقتضي إجراء عملية تغيير شاملة لمجمل المنظومة التعليمية القائمة، وتعدل الدساتير، والتشريعات، لكي تصبح لغة الإشارات signs language، ولغة بريل هي اللغات الرسمية السائدة، والمتداولة، ويتم تدريسها في المناهج الرسمية والتعليمية، بدل اللغة الحالية التي لم يعد لها أي ضرورة على الإطلاق، وصارت في حالة موات.

إن كل ما حدث، ويحدث من حولنا، من جلبة، وضجيج، وضوضاء، ودمار لم يحرك في القوم أية ردة فعل، وحياة. وكل ذاك "العك والتعب" والإعياء الإعلامي قد كان عبثاً، وبلا طائل، وذهب أدراج الرياح، وكأنك أمام مجموعة من الصم والبكم، والخرسان. ومما زاد في الطنبور نغماً، أن هناك بعضاً من المثقفين، والذين يفكّون الخط، والحمد لله، ومن وعاظ السلاطين والعلماء، الذين أتوا لـ"يكحلوها فأعموها"، اعتقدوا، ونتيجة للحلقة المفقودة إياها، أن المعتدي في الحرب الأخيرة، والذي يحتل أرض فلسطين هم الروافض الشيعة، ولذا صدرت بحقهم بيانات التكفير والشجب والإدانة، ودبجت ضدهم المقالات. وأن من يقصف المدنيين هي طائرات أف 16 التي يقودها طيارو حزب الله. وأن الذي يحتجز آلاف السجناء العرب هو كيان حزب الله المغتصب للجنوب اللبناني. وأن كوندوليزا رايس أتت آخر مرة، إلى بيروت، وليس إلى تل أبيب، ونفشت ريشها واستقوت بحزب الله، وليس بجيش الاحتلال، وصافحت بابتسامة خبيثة، حسن نصرالله وليس إيهود أولمرت، ومن هنا انهالوا بسهامهم على حزب الله. ورؤوا البندقية التي أهداها نصر الله لأحد ضباط الجيش السوري، ولم يروا الجسر الجوي الذي كانت محطته لندن، وكان ينقل العتاد والسلاح إلى إسرائيل. وسمعوا خطابات نصرالله التي تشيد بسورية وإيران، ولم يعلقوا على الاستفزازات العنصرية التي صدرت عن لسان جورج بوش. وأن قانا صارت في الخضيرة. وأن إيران هي أمريكا التي تزود إسرائيل بالسلاح، وأن سورية هي بريطانيا التي تصمت على، وتؤازر العدوان، وترفض الدعوة لوقف إطلاق النار. وأن دموع السنيورة المهدورة، وا أسفاه، كانت من فيلم دمي ودموعي وابتسامتي، المعروض في إحدى قنوات طويلي العمر حكام المشيخات، وتحف الزمان. وأن العلمانية، والعولمة، والحداثة، والديمقراطية، واليسار تعني التجرد من الإنسانية، والصمت على الجريمة ومؤازرة القتلة، والسفلة البرابرة المعتدين الغزاة. كما التزمت أحزاب، وهيئات، وجمعيات، ومنظمات، وأفراد ودول تجعجع على الطالعة، والنازلة وتتشدق بحقوق الإنسان، الصمت المطبق حيال ما يحدث في لبنان، وكانت تقيم الدنيا، ولا تقعدها وهي تتباكى، وتندب سوء الطالع، حين يتم استدعاء أحد، من المشبوهين، من فرسان المارينز الثقافي، هنا وهناك..

وحين كنت أتابع المسيرات، التي خرجت من برلين، ولندن، وباريس، وكان أولئك المحتجون يرطنون فيها باللغة الإنكليزية، والفرنسية، والألمانية، كنت أتأكد أن عملية نقل تلك المشاهد والأخبار، وترجمتها فورياً على الهواء "simultaneous interpretation" غير مجدية على الإطلاق، ومن عدة نواح، وأن كل تلك الفضائيات والتلفزيونات لم تستطع أن تفهم الكثيرين، حقيقة ما يجري على أرض الواقع، أو أنها لم تفلح في معرفة إلى من تتوجه بأخبارها، بحيث أن التجاوب مع تلك المسيرات كان التطنيش، والصمت التام، وكانت ردود الأفعال صامتة، والشارع خاوياً تصفر فيه الرياح. ومن هنا كان حرياً بالفضائيات أن تضع أيضاً على يمين الصورة، أيضاً، مذيعاً آخراً، يفسر ما يجري بلغة الإشارات، بدل المترجم الفوري، الذي يتهيأ لي، بأنه كان يقوم بعمله بلا جدوى.

لقد صار من الأولى، أن تتحول الفضائيات، جميعها، إلى لغة الصم، والبكم، والإشارات، كحل أخير علّه يفلح في نهاية المطاف، للتعامل الواقعي مع حالة السكون والصمت التام هذه، وتماشياً مع هذا الوضع الفاقع من سوء الفهم، وتكلس الأدمغة، والحالة المزرية، والميئوس منها من عدم التواصل، والإبهام.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وسوى الروم خلف ظهرك روم: الغادري أنموذجاً
- أثرياء العرب، وآيات طهران
- أنقذوا إسرائيل
- إسرائيل تصنع الرأي العام العربي
- حاخامات بغترة وعقال
- العَرَبُ الحَاقَِدة: آخِرُ سُلالاتِ العُرْبان
- حرب لبنان: سقوط الذرائع الواهية
- لَحْنُ الغَرام
- طبخة الشيف رايس
- من يضمن أمن إسرائيل؟
- إنّ حِزبَ الله هُم الغَالِبون
- حُبّاً بِعليّ، ونِكايَة بمُعاوية
- اللّهُمّ اخْذلْ مَنْ خَذَلَهْ
- اغزوهم قبل أن يغزوكم
- متى سَتُرَفْرِفْ هذه الأَعْلام؟
- الدّمُ الحَرَام
- مُنتخب فرنسا:عندما يَصْنعُ المُهاجِرون الأمْجادَ
- عبيرالعراق:اغتصاب الأموات
- نساء العرب وخيبة الآمال
- نهاية التاريخ العربي


المزيد.....




- فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني ...
- إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش ...
- تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن ...
- الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل ...
- تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
- بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
- تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال ...
- -التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين ...
- مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب ...
- كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - نضال نعيسة - لِم لا تجعل الفضائيات العربية بثها كله بلغة الصم والبكم؟