أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهاد حيدر - فلسفة الرائحة














المزيد.....

فلسفة الرائحة


مهاد حيدر

الحوار المتمدن-العدد: 6986 - 2021 / 8 / 12 - 13:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لعلّ الحديث عن فلسفة الرائحة من أندر المواضيع التي قد يفكر البعض بالتطرق إليها، وقد كانت الفكرة قيد الاختمار في رأسي قبل أن أقرأ مقال عن كتاب صدر حديثا تحت عنوان “ Smellosophy:What the Nose Tells the Mind ”
"فلسفة الرائحة: ما يقوله للأنف للدماغ" تأليف آن صوفي بارويتش، تتحدث فيه عن سبب اهتمام البشر بالإدراك البصري والسمعي بشكل أكبر من الاهتمام بالإدراك الشمّي مفصّلة في دراستها الحديث عن هذه الحاسّة. لم أقرأ الكتاب بعد لتوفره باللغة الانكليزية فقط وجهلي بهذه الأخيرة، ولكن جراء الملاحظة سابقا كنت اكتشفت الغياب الفعلي لحاستي الشم واللمس سأتحدث عنها لاحقا بشكل مفصّل، أو كما اعتبر فرويد العلاقة الطرديّة بين تراجع حاسة الشم ونمو الحضارة، بمعنى كيف أن الإنسان بانتصابه عاموديّا بدأ بالتخلص من تبعيته لحاسة الشّم، ليتميّز عن مملكة الحيوان. لذا فنحن الآن ندفع ثمن الحضارة بإقصاء أنوفنا وجلودنا، بإقصاء للدالات الأموميّة اذا ما صح التعبير، مقابل الدالات الصوريّة التي سعت المجتمعات البطريركيّة على إبراز هيمنتها. هذا فإن عمليّة بتر الأنف حوّلت المجال الطبيعي للتواصل عن طريق الشّم إلى وضع سنن للروائح الانسانيّة اعتمادا على المعرفة الاجتماعية وليس المعرفة المعيشية للشّم، وذلك من خلال مراقبة الروائح باسم الأيديولوجيا المانويّة manichéene للجيّد والرديء، منذ الأفلاطونيّة القديمة الى الديانات اليهوديّة والمسيحيّة، وذلك عبر تصنيف الجيد بالاصل النباتي ( الخشب، الورود...) والرديء ذو الأصل الحيواني أو الجسدي، من هنا رفض الروائح الأصلية للإنسان باسم التصنيف الثقافي للها، برفض الروائح الافرازية، كالعرق وغيره أي طرد للطبيعة البشرية الإنسانية، أو كما اعتبرت المنظّرة النسويّة الفرنسية جوليا كريستيفا في كتابها Abjection: Powers of Horror، أن المقزّز يلفت النظر إلى عدم ثبات الهوية، وتذكّر الذات بانّها لا يمكن أن تفلت من الدوافع البيولوجية الأساسيّة التي لا سلطان عليها. لذا تمّ اللجوء لحجبها بواسطة قناع ثقافي شمّي أي من خلال العطور الجميلة. والتعاطي مع الأنف كعضو شمّي أخذ منحى العناصر العضويّة المحظورة، فالأمخطة على سبيل المثال منفرة أكثر من الافرازات البرازيّة على اعتبار أنّه ليس لدينا مراحيض مخصصة لها، فيتم التعامل مع الأنف على أنه بديل قضيبي بالرغم من الأيديولوجيا المعاصرة للتحرر الجنسي، لذا فإن التواصل الشمي| الأنفي مخصيّ، حتى في الأمثلة الشعبية التي تكون على نسق احتقار الأنف واعتباره أداة للحشريّة أو التدخّل فيما لا يعنينا. ولا يفوتنا الحديث عن إزالة الشعر عن الجسد، في مختلف المناطق سواء الحساسة وغيرها الذي يكثر الحديث عن دلالته الجماليّة لدى المرأة، في حين هو تمييع لحقيقة جسدها الجنساني أوّلًا وأخذه نحو المنحى اللاجنساني بالقضاء على المثيرات الشميّة التي يفرزها الجسد في حالة الرغبة، أو نوع من إعادتها للمرحلة الطفوليّة التي يعرف الجسد فيها بالحالة الحياديّة أو عدم الفعاليّة الجنسية. هذا وإن الرائحة لا تشكّل فقط هوية الفرد بل تمتد لخارج الذات لتصبح مسار ارتباط بالآخر، أو بتعبير مختلف كل فرد منغلق داخل فقاعته الشميّة التي لا يحسّ هو نفسه بها، بل الآخرين فهم الذين يشمونها، وعملية محوها تعني الصمت الشمي أو الكبت التي تؤثر على علاقتنا بالآخر. ولعلّ رواية العطر من أكثر الروايات التي أظهرت مدى ارتباط هوية الطفل برائحة أمّه أوّلا، وبالمجتمع الذي نشأ فيه، فمن لا أم له لا رائحة ولا هويّة له، وكأن رائحة الأم حتى التي تخلفها على جسد الطفل تحلّ رمزيّا محلّ حضورها أيضا. أما بالنسبة للأطفال فالوضع مختلف فليس ثمة روائح كريهة بل مجرد روائح، يتحول لانكارها تحت ضغط التربية ونظام القيم السائد، بل ربما يستخدم المصطلحات التي تعبر عن بعضها كالضراط بدائل لنسف المحظور سرعان ما يلتف حولها ويستبطنها. والحديث في هذا المجال يطول، لا أذكر سوى حديث سريع أجريته مع صديق لي أظهر امتعاضه من رائحة الأفراد المتواجدين ببعض الأماكن الشعبية، لأخبره أنني أملك أنف كلب أرى من خلاله الأشياء بجماليتها، سواء كانت مقززة أو لا، فرائحة العرق كمثال الفائحة من ثوب بائع الخضار لا تعني شيئا سوى أنّه وقف طويلًا في الشمس والرطوبة، وفي بعض الحالات ضعف إمكانية الاستحمام لعدم توفر الماء دائما لدى الطبقات الفقيرة وهي جميلة نوعًا ما مقابل رائحة البرجوازي المزيّفة. وأختم أنّه أحيانا من الناحية الجنسيّة إذا أردت إدراك مدى ارتباطك بشريكك الجنسي ليس عليك سوى استنشاق جلده لتبني على أساسه العلاقة وذلك ليس لأبعادها الغرائزية فقط بل النفسيّة أيضا.

المراجع:
- جامبل، سارة، المعجم النقدي للنسوية وما بعدها، ت: أحمد الشامي، المشروع القومي للترجمة.
- لو بروتون، دافيد، أنثروبولوجيا الجسد والحداثة، ت: محمد صاصيلا، المؤسسة الجامعية، بيروت.
- توسان، برنار، ما هي السيميولوجيا، ت: محمد نظيف، أفريقيا الشرق.



#مهاد_حيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الرائحة


المزيد.....




- سكان مجدل شمس يوبخون بتسلئيل سموتريتش بموقع هجوم الجولان: -ا ...
- تحليل.. الحرب التي لا يريدها أحد بين إسرائيل وحزب الله قد تن ...
- إسرائيل وحزب الله : هل تندلع حرب شاملة بعد هجوم مجدل شمس؟
- حركة ما بعد الإنسانية التي تؤمن بأن الخلود قد يصبح ممكنا في ...
- بعد أنباء عن ضربة إسرائيلية محتملة.. طيران الشرق الأوسط يكشف ...
- منجمة تنبأت بموعد انسحاب بايدن من السباق تكشف هوية الرئيس ال ...
- -سترانا-: اندلاع حريق ضخم في منطقة نيكولاييف الأوكرانية (فيد ...
- جنبلاط يرد على الادعاء الإسرائيلي بأن حزب الله أطلق الصاروخ ...
- موسكو: احتمال إلغاء وقف نشر صواريخنا يأتي ردا على خطط واشنطن ...
- عبد الله بوحبيب: حزب الله مستعد للانسحاب إلى ما وراء الليطان ...


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهاد حيدر - فلسفة الرائحة