أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني عبد الفتاح - التصوف: حفريات في النفس.














المزيد.....

التصوف: حفريات في النفس.


هاني عبد الفتاح

الحوار المتمدن-العدد: 6981 - 2021 / 8 / 7 - 20:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تحتل "النفس" في مبحث التصوف مكانة عريضة على مستوى التجربة أو التنظير، حتى بات الكلام عن التصوف يرادف الكلام عن النفس وأحوالها. لذا كثرت التسميات الصوفية حول النفس؛ مفهومها، وأنواعها، وأدوائها وأدويتها وطرق علاجها. وذلك لأن النفس نقطة جوهرية في الوعي الصوفي، وهي واحدة من قطبي الاتصال الصوفي: الله والإنسان، فالأول مركزه علوي (الله)، والثاني مركزه أرضي (النفس).

وتعد النفس هي الدائرة المركزية في الوعي الصوفي، تتجاذب بقية مفردات التجربة الصوفية، ويتجلى ذلك بوضوح في أنها بمثابة نقطة الانطلاق المعرفي في الذات الصوفية، وعليها تتأسس المعرفة، "فمن عرف نفسه عرف ربه"، ومن عرف ربه عرف نفسه، ومن عرف نفسه وربه فقد عرف مكانه ومكانته في جغرافيا الوجود. أو كما يقول الرفاعي الكبير "من عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء، ومن عرف نفسه بالجفاء عرف ربه بالوفاء، ومن عرف نفسه بالافتقار قام لله على قدم الاضطرار" (حالة أهل الحقيقة).

والنفس في الذات الصوفية؛ مرآة الكون، ومهبط المعارف والحقائق، شريطة أن تكون هذه المرآة صافية، وعلى قدر من الاستعداد، ومجلوة لاستقبال إشراق النور الإلهي. ولا فرق بين النفس والقلب عند بعضهم إلا من حيثيات اعتبارية، فتهذيب النفس شرط لتهذيب القلب، والقلب بيت الرب، والرب لا يسكن مكانا غير طاهر.

وذلك لأن النفس جوهر الإنسان من حيث هو كائن يحس وينمو ويتحرك، والعقل جوهر الإنسان من حيث هو كائن عاقل. فالبنفس والعقل يكون الإنسان إنسانا.

ولذلك احتاط الصوفية احتياطا بالغًا من أن يشوب النفس مرضا من أمراضها، أو أن ينزل بها ما يكدر صفاء مرآتها. ففي النفس يكمن الخير والشر، الشيطان والملك، الجنة والنار، النعيم والعذاب. متى طَهُرت، خرج منها الخير، وأوحى لها الملَك، وكان مصيرها النعيم الأبدي. والعكس كذلك؛ متى جمحت وغلبتها الشهوات والأهواء خرج منها الشر، ووسوس لها الشيطان، وكان مصيرها العذاب.

ولأن النفس تعبر عن جوانية الذات، كان من لوازم تصحيح السلوك مراقبة النفس، وذلك لأن أساس السلوك الصحيح نفس صحيحة، والسلوك المعوج، أساسه نفس معوجة. فالاعتناء بالنفس وتعاهدها بالمراجعة سبيل اليقظة. وكما يقول المحاسبي "لا تُعرف النفس حتى تمتحن وتختبر، فاختبر نفسك حتى تعلم ما فيها.. اعرف أمانتك عند هواك، واعرف طمعك عند هيجان رغبتك، واعرف صبرك عند ترك شهوة".

والطرق إلى الله ،عند الصوفي، كثيرة، بيد أنها كلها تبدأ من النفس "البقاء"، ثم تسافر إلى الله "الفناء"، ولذلك يسمى الصوفي المبتدئ "سائر"، والمنتهي "واصل". وقد يخطئ من يظن أن جغرافيا رحلة الصوفي تنتهي عن هذا الحد، بل إن الصوفي في قلق وحيرة دائمين، فهو لا يقف عند نقطة الفناء وحسب كمحطة أخيرة، بل ينزل مرة أخرى إلى البقاء، ثم من البقاء مرة أخرى إلى الفناء، وهكذا. ويستعمل القرآن مع النفس لفظ "الرجوع" فيقول "يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك". فالصوفي في حيرة، يطلب من ربه أن يزيده تحيرا مثل قول ابن الفارض "زدني بفرط الحب فيك تحيرا". فهو بين الفناء والبقاء، السماء والأرض، الروح والمادة، النفس والله، من النفس إلى الله ، ومن الله إلى النفس، في حركة مرتدة دائمة، ذهاب وعودة، غيبة وحضور، فهو لذلك_ كما يقالون_ "الصوفي ابن وقته".

والنفس في الفلسفة الصوفية كانت مضيئة قبل أن تهبط إلى الجسد، وهي تضيء بقدر تخففها من متعلقات هذا الجسد ومتطلباته، والاكتفاء بالضروي منه. ولأن ظلمة النفس حجاب بين العبد وبين الله، فالرياضة والمجاهدة هي الآلية التي يجتاز بها الصوفي عقبة ظلمة النفس، لترتقي من النفس الأمارة إلى النفس اللوامة، ثم النفس الملهَمة، ثم النفس الراضية ثم المرضية.

وثنائية "النفس" و"الله" تلفت النظر في الوعي الصوفي، على اعتبار أنها نقطة الانطلاق ، وسلم الارتقاء في آن واحد، فهي محور الخير والشر في آن واحد، ولديها إمكانية التغيير والارتقاء. وهي الجوهر السماوي الذي هبط وتعلق بالأرضي (البدن)، ولديها مع ذلك إمكانية العودة إلى السماوي مرة أخرى.
ويعود هذا التشديد، حول النفس، من جانب الوعي الصوفي إلى البحث والتنقيب عن أحفورة أكثر عمقا في "أركيولوجيا" الذات في حقول التراث الإسلامي ، وهي أحفورة يتميز بها الحقل الصوفي عن حقول أخرى كالحقل الكلامي أوالفقهي، فالحقل الكلامي ينصب اهتمامه بالحفر حول عنصر الفكر "العقيدة"، والحقل الفقهي ينصب اهتمامه بالحفر حول عنصر الفعل "الشريعة"، أما الحقل الصوفي فينصب اهتمامه حول أحفورة أعمق، وربما أشد تأثيرا، لأنها تتصل بالشعور الداخلي والانفعال الباطني، وهو ما يسمى بـالحال "الذوق".

فإصلاح النفس جهاد كالجهاد، بل هو الجهاد الأكبر في مقابل الجهاد البدني الأصغر. أي أن الجهاد نوعان: جهاد في الداخل وجهاد في الخارج، جهاد في النفس وجهاد في الأرض، ولا يكمل الثاني إلا بالأول. ففي حكمة أطلقها "ابن عطاء الله السكندري" ترنو نحو أولوية "الداخل" على "الخارج"، تقول: "تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب، خير من تشوفك إلى ما حُجب عنك من الغيوب". وإنما كان هذا التعويل الصوفي البالغ حول "النفس" إنما يعود إلى الطريق الذي تتخذه فلسفة التصوف الإصلاحية، وهو الطريق "الجواني"، أي أن الإصلاح يأتي أولا من الداخل ثم ينطلق بعد ذلك نحو الخارج، إصلاح النفس ثم السلوك، الحال ثم المقال، الفرد ثم المجتمع، الإنسان ثم العالم، إنما يعرب هذا كله عن أهمية الذات الإنسانية ومقتضياتها في الوعي الصوفي.



#هاني_عبد_الفتاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن أن يكون الصوفي وجوديًا
- ابن طفيل: الدين في حدود العقل وحده
- قراءة في محاولة اكتشاف العقل العلمي العربي
- بين الدين والعلم
- أزمة الحقيقة في حياة برتراند راسل
- نقد الفلسفات الحديثة والمعاصرة بمنطق الفلسفة الإسلامية:
- -العقل- فاعل، و-النص- مفعول:
- خدعة مفهوم الوطنية
- هل تغير مفهوم الإله في الفكر الغربي؟
- قراءة في مشروع زكي نجيب محمود الفكري


المزيد.....




- في روما.. يختبر السيّاح تجربة جديدة أمام نافورة -تريفي-
- لغز مرض تسمم الحمل الذي حير العلماء
- -بايدن قد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته- - ...
- قلق على مصير الكاتب صنصال إثر -اختفائه- بالجزائر بظروف غامضة ...
- هل نحن وحدنا في الكون؟ ماذا يقول الكونغرس؟
- مشاهد لآثار سقوط صواريخ لبنانية في مستوطنة كريات أتا (صور + ...
- -حزب الله-: إيقاع قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح
- مشاهد لـRT من موقع الضربة الإسرائيلية لمنطقة البسطة الفوقا ف ...
- مجموعة السبع ستناقش مذكرات التوقيف الصادرة عن الجنائية الدول ...
- لماذا يضاف الفلورايد لمياه الصنبور وما الكمية الآمنة؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني عبد الفتاح - التصوف: حفريات في النفس.