كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 486 - 2003 / 5 / 13 - 05:13
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
من يعرف جيداً طبيعة صدام حسين وطبيعة النظام الاستبدادي المطلق الذي أقامه, يعرف أيضاً بأنه التزم خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حكمه على خمسة مبادئ أساسية لم يتخل عنها قطعاً, وهي:
1. إبقاء نسبة مناسبة من مختلف كوادر الحزب ومؤسساته بعيداً عن الأضواء والعلنية واعتبارها احتياطياً أساسياً لفترات الأزمات. وكانت تجري عميلة تجديد لهذه الكوادر بين فترة وأخرى. وكانت تعتبر ضمن النواتات الصلبة لنظامه. ولم يكن الاحتفاظ بها على مستوى الداخل فحسب, بل وكذلك على مستوى الدول العربية والعالم الخارجي.
2. غلغلة نسبة مهمة من كوادر حزب البعث وأجهزته الأمنية في صفوف مختلف الأحزاب السياسية الوطنية المعارضة وإبقاء نشاطها بعيداً عن الشبهات, بحيث يمكن الاستفادة منها في وقت الضرورة. وتميز هذا العمل بالتأني والصبر لضمان وصول هؤلاء إلى مستويات مناسبة في تلك التنظيمات المعادية له.
3. حماية أرشيف خاص متعدد الأغراض لنشاط حزب البعث ومهماته في الداخل والخارج, بحيث يمكن الاستفادة منه في وقت الضرورة. وقد تم توفير أكثر من نسخة وفي أكثر من مكان واحد في الداخل والخارج.
4. تأمين الموارد المالية الكافية لنشاط الحزب في فترات الأزمات وإبقائها بعيداً عن الشبهات أو القدرة على معرفة مواقعها أو كمياتها.
5. أن تبقى القيادة لهذه النواتات بيده أو بيد أفراد عائلته وأكثر المقربين إليه من القيادة السرية, قيادة الظل.
وقبل انهيار نظام بغداد بفترة طويلة نسبياً, وبعد أن أدرك صدام حسين بأن الولايات المتحدة تريد قطع الجسور معه, ولكن ليس بالضرورة مع حزبه وكوادره وأعضاء الحزب, عمد إلى تنفيذ سلسلة من الإجراءات الصارمة بهدف تأمين العودة إلى الحكم هو وعائلته. ولهذا بدأ قبل سقوطه, وكان يعرف بأن سقوطه آت لا ريب فيه, إلا بمعجز وفق ما صرح به طارق عزيز قبل بدء الحرب بقليل, بعقد لقاءات سرية مع تسع مجموعات مكررة في مناطق سرية وعلى مستوى الداخل ومع عناصر تقيم في الخارج منذ سنوات تحت واجهات اعتيادية غير مكشوفة, ولكنها ذات ارتباطات مباشرة بقيادة صدام حسين. والمجوعات التي أشير إليها هي:
1. مجموعات التنظيم الحزبي السري: تأخذ هذه المجموعات الكثيرة والسرية على عاتقها وفي مختلف أنحاء الوطن وفي الخارج إعادة ترتيب الأمور ودفع الحياة بالتنظيمات بصورة سرية وهادئة, بعيداً عن أي ضجة إعلامية أو استعراضية, إضافة إلى إيجاد حلقات جديدة من المناصرين لحزب البعث في مختلف دوائر الدولة ومؤسساتها وفي المحلات وحيثما أمكن.
2. مجموعات التنظيمات الجماهيرية: ويجري التعويل هنا على ثلاثة تنظيمات أساسية هي: الاتحاد الوطني, الاتحاد النسائي واتحاد الشباب. كلفت هذه المجالات بنشاط واسع في مختلف مجالات عملها في تنظيمات القوى الأخرى المعارضة, وخاصة الطلابية والنسائية والشبابية.
3. مجموعات تنظيمات الأمن الداخلي: كلفت هذه القوى بأربع مهمات جوهرية.
أ?. إيصال المعلومات إلى صدام حسين حول عمليات التحري عنه وعن قيادته السرية لتأمين الإفلات من الوقوع في الأسر.
ب?. تأمين المعلومات حول مواقع وتحركات قوى المعارضة العراقية والقوات الأمريكية والبريطانية والشخصيات البارزة في المعارضة العراقية التي يكون الخلاص منها تأثيره المباشر على الحالة السياسية وعلى الأمن والاستقرار.
ج. تأمين المعلومات الضرورية عن مواقف البعثيين في مختلف مواقع العمل وإمكانية الاستفادة منهم في وقت الضرورة, وعن أولئك الذين انقلبوا على حزب البعث وتحولوا إلى مواقع أخرى وسبل ابتزازهم من خلال المعلومات المتوفرة عنهم في ألأرشيف العام للحزب أو الأمن.
د. ممارسة أعمال التأديب والقتل إن اقتضى الحال لمن يمكن أن يقف في طريق نشاطهم وأداء مهماتهم.
4. مجموعات تنظيمات فدائيي صدام حسين: وهي قوى يراد لها أن تبقى بعيداً عن الأضواء في الوقت الحاضر وأن لا تقوم بأي عمل من شأنه إيقاع الأذى بها, رغم أن المجموعات التي تعمل في هذا المجال غير معروفة في كونها من فدائيي صدام المسجلين رسمياً.
5. مجموعات الحرس الجمهوري: والأمر الذي ينطبق على فدائيي صدام ينطبق على مجموعات الحرس الجمهوري أيضاً. فهي مجموعات تمتلك أسلحة مخبأة في مواقع أمينة وفردية يمكن إخراجها واستخدامها عند الحاجة فقط.
6. مجموعات التخريب: وهي واحدة من أهم المجموعات المتخصصة بالتخريب على مستويات ومجالات مختلفة وذات قدرات تقنية جيدة. ومن أبرز مهماتها تخريب البنية التحتية والمنشآت الصناعية أو البنايات ودوائر الدولة أو ضرب معسكرات القوات الأمريكية أو البريطانية أو ضرب أعضاء في الأحزاب السياسية ومقراتها. وهي وحدات صغيرة تتكون في الغالب الأعم من شخصين إلى ثلاثة أشخاص, كما أن بعضها, لأهمية وحساسية العمل تتكون من شخص واحد,
7. مجموعات الدعاية والإعلام: وهي مجموعة واسعة نسبياً, ولكن أغلبهم لم يعمل في مجال الصحافة والإعلام مباشرة وغير معروف في الوسط الإعلامي. ولكن هناك مجموعات أخرى كانت معروفة ولكنها غير نشطة وهادئة وهي تكلف بأعمال معينة ومنها التجمع حول صحف سياسية جديدة يمتلكها بعثيون سابقون, ولكنهم وقفوا ضد البعث الحاكم في فترات معينة. وبهذا يمكن أن ينشروا ويمرروا أفكارهم وسياساتهم ومحاولة تشكيكهم بقوى سياسية معينة بصورة هادئة مستفيدين من خيمة العداء المؤقت السابق للنظام.
8. المجموعات المالية: وضع صدام حسين تحت تصرف هذه المجموعات كمية كبيرة جداً من النقود في الداخل والخارج وعلى شكل عملات ورقية وحلي وليرات ذهبية. كما أن لبعض أفراد هذه المجموعات من العرب غير العراقيين حسابات مالية في الخارج تستخدم لهذا الغرض.
9. مجموعات الأرشيف المسؤولة عن الوثائق والأفلام الخاصة بالمتعاونين سراً مع النظام العراقي على صعيد الداخل والعالم العربي والخارج التي يمكن استخدامها للضغط والابتزاز على هؤلاء الأشخاص والجماعات لفرض التعاون عليها مع مجموعة صدام حسين, وإلا سيتم نشر تلك الوثائق. وهذه الوثائق كما يبدو محفوظة بأكثر من نسخة في مواقع سرية خارج العراق وعند جهات أمينة جداً لقيادة صدام حسين من العرب وغير العرب. فالمعروف أن النظام العراقي الدموي ضمن له ما يلي:
أ?. أرشيف كامل حول القوى العراقية التي كانت تعمل لحسابه في الخارج, أي في البلدان العربية والدول الأخرى مع وثائق تقدم الدليل والإدانة على ذلك التعاون.
ب?. أرشيف عن تلك العناصر العراقية التي تعاونت معه أو عملت لصالحه أساساً في صفوف قوى المعارضة العراقية, سواء في كردستان أم في الدول العربية وفي الخارج. وفي الأرشيف ما هو قادر على تقديم الأدلة على ذلك.
ت?. أرشيف خاص بالعناصر العربية الرسمية وغير الرسمية, كالصحفيين والكتاب وأصحاب المكاتب والسياسيين, التي تعاونت مع نظام البعث في العراق وحصلت على مكاسب جراء ذلك العمل, وعند النظام من الوثائق ما يمكنه إثبات ذلك.
ث?. أرشيف خاص بعلاقاته بعناصر سياسية وحزبية وصحفية وغير ذلك على الصعيد الدولي.
ج?. أرشيف خاص يتضمن أفلاماً وصوراً حقيقية, وربما أخرى مزورة من جانب النظام, حول سلوكيات بعض العناصر التي تعاونت مع النظام وتورطت بعلاقات جنسية أو غير ذلك والتي في حالة نشرها تتسبب في خلق إشكاليات كبيرة وموت سياسي وأخلاقي وعائلي لأصحابها.
كلفت جميع هذه المجموعات السرية المكررة بمهمات محددة في الفترة التي تعقب سقوط النظام ودخول القوات الأمريكية إلى داخل العراق والسيطرة على البلاد. وهي تتصل مباشرة بقيادة خاصة شكلت لهذا الغرض تتكون من صدام حسين وولديه وعلى حسن المجيد, الذي كما يشاع أنه قتل في جنوب العراق, وشخصين آخرين. والاتصال لا يتم بهذه المجموعات مباشرة, بل عبر صلات أخرى معقدة ولكنها مضمون وديناميكية.
ويمكننا أن نشير إلى عددٍ من الملاحظات الإضافية, وهي:
1. بدأ نشاط هذه المجموعات, وخاصة في المجالات التالية الإعلام, والعمل الجماهيري (المظاهرات والتجمعات بمختلف صيغها) والعمل الأمني, أي جمع المعلومات عن قوى المعارضة والوجود الأمريكي وعن القوى التي تخلت عن البعث وتلك التي ما تزال مخلصة له ومواقع وجودها ونشاطها, إضافة إلى التخريب وإشعال الحرائق وحرق الوثائق وإثارة الفوضى في البلاد. كما بدأ الإعلام المساند في البلاد العربية وفي العالم التناغم مع ما خططه صدام حسين قبل اختفائه.
2. أعطى صدام حسين بشريطه المسجل إشارة البداية لنشاطات أخرى من جانب المجموعات الداخلية.
3. بعض القوى الداخلية بدأت تساعد على مرور هذه النشاطات من خلال طريقة عملها. هذا لا يعني أنها تدرك ذلك ضرورة, بل يمكن أن يتم بسبب غفلتها أو طريقتها في العمل.
4. تقوم تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي, جناح صدام حسين, خارج العراق بتأمين الدعم اللازم وعلى مختلف المستويات والمجالات في حالات الضرورة, بما في ذلك تهيئة جوازات سفر أو وثائق أخرى مزورة أو توفير الغطاء المناسب لبعض النشاطات الاقتصادية والتجارية في العراق لأفراد هذه المجموعات.
5. إحدى المهمات البارزة في الوقت الحاضر تتمثل في محاولة التغلغل في صفوف القوى السياسية والدينية العراقية, وبشكل خاص تلك التي لها أصل بعثي لتمتلك الغطاء الواقي لنشاطاتها. كما يفترض أن تعمل على كسب القوى الدينية الوهابية التي كثر عدد الملتحقين بها في العراق في السنوات الأخيرة والتي تعشعش في الجوامع الكثيرة في مختلف أنحاء العراق. وعليها أن ترفع شعاراً أساسياً يلتقي عنده الجميع, ألا وهو شعار انسحاب القوات الأجنبية من العراق وتسليم العراق للعراقيين.
6. ومن الجدير بالإشارة أن هذه المجموعات, وبشكل خاص بعضها قد أقيم في الخارج وتحت ستر مختلفة, مثل الجمعيات العراقية الصداقية مع الدول الأجنبية أو جمعيات المغتربين أو العناصر العلمية ذات المراكز المهمة في الخارج ومن أصل عراقي أو عربي.
ورغم أن النظام كان يمتلك مجلس وزراء ومجلس قيادة الثورة مكشوفين ومعروفين, إلا أن العمل الفعلي كانت تقوم به مجالس الظل التي لم تكن معروفة تماماً والتي اختارها صدام حسين منذ سنوات طويلة وعمل على تكوينها وفق حاجاته واتجاهاته والتي كانت في الواقع العملي توجه العمل في المجلسين لصالح صدام حسين.
إن هذا لا يعني بأي حال أن لصدام أي أمل حقيقي في ذلك, ولكنه لا يعني أنه لا يستطيع التخريب وإثارة المشكلات الجديدة في وجه مهمة استتباب الهدوء والاستقرار في العراق. ويبدو لي أن صدام حسين كان محقاً حتى الآن في أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت لا تستهدف بالضرورة النظام كله بقدر ما كانت تسعى إلى التخلص من مجموعة معينة من كوادر البعث القيادية المعروفة التي يقف صدام حسين على رأسها, في حين أنها سوف لن تتحرش بالجهاز الإداري أو الأجهزة الأخرى وهذا ما حصل فعلاً حتى الآن, إذ أن غاي غارنر قد أكد أهمية عودة الموظفين والمستخدمين البعثيين من مختلف المستويات إلى دوائر الدولة لممارسة نشاطهم وليس من خطر عليهم, رغم أن مثل هذا الأمر فيه جانب آخر هو أن يكون هؤلاء في متناول أيدي الحلفاء عند الضرورة. ومع ذلك فأنها ستثير أبناء الشعب والقوى السياسية وستخلق نقاط احتكاك جديدة مع قوات التحالف المحتل.
ولا بد من الإشارة إلى أن قوات الاحتلال لم تعتقل حتى الآن عدداً كبيراً من العناصر البعثية المكشوفة والتي أصبحت في ذمة التحقيق, ولكن هذا لا يعني أنها لم تعتقل غيرهم ولم تخبر عنهم بل سفرتهم مباشرة وعبر طرقها العسكرية إلى مواقع أخرى, ومنها أمريكا لكي تكون تحت تصرفها لأغراض كثيرة غير معروفة حتى الآن.
يبدو لي بأن على قوى المعارضة العراقية السابقة أن تأخذ على عاتقها مجموعة من المهمات في هذا الصدد لكي لا تقع فريسة الغفلة ومن ثم تعرض نفسها والوضع الجديد في العراق إلى مخاطر جمة. إن عليها أن تستفيد من خبرات ومعارف العراقيين الذين كانوا في الوطن للتعرف على تلك القوى التي هي الآن في حالة غفوة استرخائية منظمة ومحسوبة من جانب قيادة صدام حسين لكي تكون على استعداد تام للنهوض في الوقت المناسب.
أملي أن نرتقي جميعاً إلى مستوى المسؤولية في الوقت الحاضر وأن لا نفقد الفرص بانتظار الفرص, بل أن نعمل سوية من أجل تكريس الوضع والمساهمة في حماية الأمن والاستقرار واعتبارها من مهمات العراقيين أنفسهم لضمان تقليل الفوضى التي يريدها البعث في العراق حالياً. وأثق بقدرة الشعب والقوى السياسية على تأمين ذلك بعد أن أدعي بأننا قد تم استيعاب تجربة العقود التالية التي أعقبت ثورة تموز عام 1958 من قبل الجميع أو الغالبية العظمى من القوى السياسية العراقية.
برلين في 10/5/2003
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
