أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - منى نوال حلمى - نقد الاجماع المتواتر للفكر العلمانى















المزيد.....


نقد الاجماع المتواتر للفكر العلمانى


منى نوال حلمى

الحوار المتمدن-العدد: 6976 - 2021 / 8 / 2 - 09:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



جوهر الفكر العلمانى ، وهو أيضا تعريفه الأساسى ، والمتفق عليه ،
" باجماع متواتر" من العلمانيين ، والعلمانيات ، فى كل مكان ، أنه ما يلى :
1 - العلمانية ليست ضد الدين أرضى ، أو سماوى ، لأن هناك علمانى مسلم ، وعلمانى مسيحى ، وعلمانى يهودى ، وعلمانى هندوسى ، وعلمانى بوذى الى آخره .
2 – الدول لا دين لها ، فقط الأفراد الذين يعتنقون الأديان المختلفة .
3 - فصل الدين عن الحياة والمجتمع والدولة .
4 - الدولة تضع الدساتير والقوانين والتشريعات المدنية ، المتفقة مع حقوق الانسان ، نساء ورجال وأطفال ، ومبادئ المواطنة العادلة ، دون أى نوع من التفرقة أو التمييز او الانحياز ، وليس من الكتب الدينية المقدسة .
5 - دور الدولة فيما يتعلق بالدين ، هو ضمان أداء الطقوس والشعائر الدينية ، للأفراد فى أمان ، وسلام ، داخل دور العبادة فقط .
وفى الحقيقة ، كنت أرى دائما ، أن هذا الفكر بمشتقاته ، هو الطريق الوحيد لتجنب الفتن الدينية ، بمذاهبها ، وطوائفها ، وأنه أسلم وسيلة للتقدم الحضارى ، وخلق مواطنين ، ومواطنات أسوياء ، ينعمون بالمواطنة العادلة دون تمييز ، وفى الوقت نفسه ، يعيشون فى دولة لا تحرمهم حق الايمان ، واعتناق أديانهم ، بل تتعهد بالقانون والدستور ، ضمان ضمان تأدية الطقوس والشعائر الدينية المتنوعة ، فى دور العبادة لكننى مؤخرا ، بدأت أتعمق أكثر فى هذه المبادئ ، واكتشفت أن هناك مشكلات فكرية ، ونفسية ، ومنطقية ، ستحدث لا محالة ، عند تطبيق هذا الفكر ، كواقع يومى ، تعيشه المواطنات ، والمواطنين ، داخل الدول التى اتخذت العلمانية ، منهجا لها .
وانتهيت الى أننى لا أوافق ، الا على مبدأ أن العلمانية ، تضع دساتيرها ، وتشريعاتها ، من قوانين غير مستقاة من الكتب المقدسة ، وهدفها هو تحقيق العدالة ، والحرية ، والسعادة ، والصحة النفسية ، للجميع .
أما القول بأن العلمانية ليست ضد الدين ، وبالتالى هى تضمن حرية أداء الطقوس الدينية المختلفة فى أمان وسلام ، وتتعهد باقامة دور العبادة لكل الديانات على أرضها . فهذا بالنسبة الى عقلى ، أمر غير منطقى ، ومبدأ له منفعة اقتصادية ، وسياسية ، ولابد أن يؤدى الى ما نراه الآن ، فى الدول العلمانية ، من " أسلمة واضحة " ، بدأت ببناء مسجد ، وانتهت الى بؤر اسلامية ارهابية سلفية ، مسلحة ، لا تكفر ، ولا تهدد ، فقط ، الدولة العلمانية ، ولكن أيضا المسلمات والمسلمين ، الذين لهم رؤية مستنيرة مسالمة مخالفة ، لرؤية
التنظيمات الاسلامية المسلحة ، المكلفة من الله ، بنشر الاسلام على كوكب الأرض كله .
لنتخيل مواطنا " مسلما " ، كما تقول بيانات الرقم القومى ، وأنه ترك مسقط رأسه ، وموطنه الأساسى ، فى مصر ، وهاجر الى ألمانيا ، أو فرنسا ، هروبا من فقر الفلوس ، وفقر الحرية . هذا المواطن المسلم ، اختار ألمانيا ، برلين ، للاقامة بها ، واستطاع ايجاد عمل يضمن له حد أدنى من الحياة الكريمة ،وسط مجتمع مختلف كل الاختلاف ، عن المجتمع المصرى ، فى قيمه ، وفنونه ، وتشريعاته ، وتعامله مع النساء ، والأقليات ، والمهاجرين . مجتمع يؤمن بالحريات دون تجزئة ، حرية العقيدة ، حرية اللاعقيدة ، حرية ترك العقيدة الأصلية واعتناق أخرى ، حرية الصحافة ، والفكر ، والتعبير ، والابداع ، حرية الحب والعلاقات الجنسية ، وحرية أن يحمل الانسان اسم أمه ، أو اسم أبيه وأمه معا ، وحرية نقد الأديان ، حرية ترك الأديان ، حرية نقد الحكام ، والزعماء ، والمسئولين فى أى موقع ، حرية المطالبة بالحقوق.
هذا المواطن المصرى المسلم ، فى برلين ، يوجد مثله الآلاف أو الملايين ،وسواء أخذ الجنسية الألمانية ، أو لم يأخذها بعد ، هو يتمتع بالحريات التى ذكرناها سلفا ، وليست توجد فى موطنه الأصلى العربى المسلم .
وهنا تظهر مشكلات ، تشتبك مع العقل ، والمنطق ، والاتساق النفسى ، بين هؤلاء الآلاف أو الملايين ، المسلمين والمسلمات ، الذين يؤمنون بالدين الاسلامى فقط ، داخل دور العبادة ، ويخرجون الى مجتمع فعليا ، ضد الدين الاسلامى ، فى كل الأشياء .
هذا الانفصال ، يسبب أمورا نفسية غير سوية ، للمسلمة أو المسلم . فهو عندما يعبد ربه ، ويصلى له ، داخل مسجد فى دولة علمانية ، انما يرسخ عبادته ويؤكد ايمانه ، وولائه ، وحبه ، واقتناعه بكل ما جاء به الدين الاسلامى . هو طبعا ورث الاسلام من أبيه المسلم ، كما ورث طول القامة ، أو قصر القامة ، أو لون العيون ، أو الاستعداد الجينى لأحد الأمراض ، مثل جميع الناس . لكنه لا يفكر فى هذا الأمر ، بل يعتبره فضلا ، وهبة ، ونعمة ، لأن الله " أعزنا بالاسلام "
آخرالأديان ، والدين عند الله هو الاسلام ، ورسوله هو خاتم المرسلين ، والقرآن والسنة والأحاديث النبوية ، هى مصادر الشريعة الصحيحة الصالحة لكل زمان ومكان ، والاسلام دين ، ودولة ، تحرم الخمور ، والفن ، والجمال ، والفرح ، والحرية الفردية ، وتحتقر المرأة وتغطيها وتجعلها جارية ، ومملوكة لزوج من حقه وواجبه الزواج بأربعة نساء فى وقت واحد ، وأن يضرب كل واحدة ، ويربيها بهجرها فى المضاجع ، وكأنما هى التى تمشى بغرائزها لا هو ، زوج يعد على زوجته أنفاسها ، وخطواتها ، ويتلصص على نظرات عيونها ، ويطلقها بمزاجه دون اخبارها ، وهى تؤخذ سبية حرب ، ثم تنكح فورا ، وكل هذا تحت اسم أن الاسلام يكرم المرأة ، دين يريد " أسلمة " كوكب الأرض ( دار كفر وكفار " ، عاجلا أو آجلا ، بالحسنى ، أو بالدم . أليست هذه هى وظائف
الصلاة ، ودلالتها ، والا لماذا يصلى الناس ؟؟؟.
ثم تخرج المواطنة المسلمة ، أو المواطن المسلم ، بعد تأكيد انتمائه وحبه ،وتفضيله المطلق لهذا الاسلام ، الى مجتمع ، ليس له أى علاقة ، بصلاته ، وللاله الذى ركع له ، وتعليماته ، وضده على طول الخط . مجتمع يقول له ، فى كل خطوة ، أن دينك ، غير صالح لكل زمان ومكان ، والا كنا مشينا على خطاه .
بمواجهة هذا الوضع ، أمام هذه المسلمة ، أو المسلم ، واحد من هذه الخيارات :
1 - اما أن يعتبر الدولة العلمانية التى استضافته بكرم ، وجعلته ينعم بالكرامة ، والعمل ، ومناخ الحريات الكامل الخالى من الوصاية والقهر باسم الدين ، ويستمتع بالعلاقات الجنسية دون زواج ، دون رجم ، دون قتل ، دون جلد ، دون
أو قتل ، أو مجرد النبذ ، دولة " كافرة " ، وأنها بتوفيرها الحياة الكريمة الحرة ، غير موجودة فى بلده ، وكانت سبب هجرته ، هى " تكفر " عن خطيئة كفرها ، وأن هذا واجبها ، عليها تقديمه خاضعة ، خاشعة ، وليس تفضلا منها . هذا موقف ، ممتلئ بالغطرسة والعنجهية والتعالى الأجوف الفارغ ، والحقد الكامن المختبئ تحت الجلد ، انتهازى ، جاحد ، نفعى ، جاهل ، يستحق الشفقة ، وأكثر من الشفقة ، " الحذر " ، و " التوجس " .
فهذا النموذج ، سيمارس " التقية " ، ومتى يشتد عوده ، بعد أن اشبع كل احتياجاته فى الدولة العلمانية ، وكانت مكبوتة ، ومقهورة ، مداسة بالأحذية ، فى بلده ، يشكل التربة الخصبة المثالية ، لجنود التنظيمات الاسلامية الارهابية المسلحة الدموية ، لأسلمة كوكب الأرض ، واستعادة الخلافة الاسلامية على أرض الله .
2 – الخيار الثانى ، أو الاحتمال الثانى ، أن يدخل المسجد ليصلى بمفرده ، او يصلى جماعة ، ويؤدى الطقوس الاسلامية ، ليؤكد ويجدد اعتناقه وحبه وتفضيله المطلق للدين الاسلامى ، آخر الأديان ، الذى يغطى النساء ، ويعتبرهن ناقصات تمييز وكرامة وولاية وأهلية ، ويحرم الخمور ، وأطعمة معينة ، ويكفر كل الأديان الأخرى ، وكل حريات الانسان مخنوقة ، ما لم يختمها رجال الدين ، ثم يخرج الى مجتمع يسمح بانتقاد الأديان كلها ، والسخرية من جميع الرسل والأنبياء ، دون قوانين ازدراء أديان ، أو قوانين حسبة ، أو حتى نبذ اجتماعى ، لكنه سيبقى على هذا الوضع المتناقض الممزق ، بعد تأسيس " ميكانزمات تعايش سلمى " ، وتبريرات عقلية مغلوطة ، تنافى المنطق السليم ، والحقيقة ، والاتساق النفسى .
ونجده يصبح أكثر تزمتا ، مما كان عليه فى بلده مصر ، ويصنع مجتمعا اسلاميا فى بيته ، يتزوج حسب الطريقة الاسلامية ، ويتعامل مع زوجته باعتباره السيد ، المهاب ، القوًام ، الحمش ، والآمر الناهى ، فى كل أمور حياتها ، يحجبها ، ويقعدها فى البيت للخدمة واشباع غرائز النصف الأسفل من جسده ، حتى لو لم تكن راغبة . أول بند فى قانون النكاح الاسلامى ، أن ينفق الزوج على زوجته ، وفى مقابل الانفاق ، عليها الطاعة العمياء . ومع بناته ، يمارس دور " بوليس الآداب " ، بالمراقبة ، والمنع ، والتجسس ،
حتى لا تقع الطامة الكبرى فى الهوية الاسلامية ، وكبيرة الكبائر ، وهى أن تشعر بعاطفة تجاه رجل أجنبى ، أو حتى مسلم مثلها ، وقد تخرج الأمور عن السيطرة ، وتفقد عذريتها . ويصبح لهذا النموذج من الرجال ، عالم داخلى " دينى اسلامى " يملكه ، وعالم
خارجى " غير دينى غير اسلامى " لا يملكه . بل هو فى الحقيقة ، منْ يملكه بقوت يومه ، أو اعانة البطالة ، وبمناخه المتكامل غير المستمد من شريعته الاسلامية . وهذا يسبب له الغضب الشديد ، وتأنيب الضمير ، ويعتبرها " اهانة " مضطر الى تقبلها ، والسكوت عليها ، بشكل سلمى .
هذا موقف أيضا ، فكريا ، وعاطفيا ، ونفسيا ، غير سوى ، وممزق ،وينتقل عدم السواء ، والتمزق ، بالضرورة الى جميع أفراد أسرته . ويحمل فى ثناياه درجات ، واشكال ، من الخطورة ، والعنف ، ليس سهلا التنبؤ بها . فهى نسبية ، تعتمد على داخلية كل شخص ، ودرجة احتماله للعيش بين عالمين ، ومدى استعداده للتحول من الحالة السلمية ، الى الحالة العنيفة .
3- الخيار الثالث ، أو الاحتمال الثالث ، أن يرفض هذا الفصام فى عقله ، ووجدانه ، وسلوكياته ، وقناعاته ، ويشعر أن هذه الازدواجية ، لا تناسبه ، ولا تنسجم مع أليات تفكيره ، ولا تحقق له السعادة ، والهدوء ، والأمان النفسى ، الذى يسعى اليه . ويكون الحل المنطقى هو أن يترك الدين الاسلامى ، والمنظومة الدينية كلها ، بعد أن أدرك بتفكيره الرشيد غير المتعصب ، وبقراءة نشوء الأديان ، ومقارنة أحوال الدول الدينية الاسلامية ، بأحوال الدول العلمانية . وهكذا يصبح قلبا ، وقالبا ، مع فكر الدولة العلمانية الألمانية ، الذى هو " باقة " متكاملة شاملة ، تقبل بكل مشتقاتها ، لأن كل مشتق مرتبط بالآخر ، وهى " الباقة " التى يرفضها دينه الاسلامى ، وكل الأديان ، من الألف وحتى الياء ، والتى تسببت فى بحثه عن هروبه من بلده .
حتى على مستوى المواطن المسيحى ، امرأة ، أو رجلا ، الذى يعتبر من أصحاب الدولة العلمانية ، التى لا دين لها ، فهناك مشاكل أيضا ، نفسية ، لا يمكن أن نتجاهلها ، أو نستبعدها ، أو نقلل من تأثيراتها .
كيف يمكن أن يعيش الانسان ، امرأة ، أو رجلا ، يعتنق المسيحيةعلى المذهب الكاثوليكى مثلا ، وهو مواطن فرنسى الأصل ، يعيش فى فرنسا ، دولة علمانية لا دين لها . وهو يواظب على الذهاب الى الكنيسة ، فى باريس ، أو مارسيليا ، كل يوم أحد ، يحضر القداس ، ويستمع الى القسيس أسبوعيا ، وهو يمجد الديانة المسيحية ، ويؤكد الخلاص من خلال الكنيسة الكاثوليكية ، وعند المرض الشديد ، يدعو للصلاة للمسيح والعذراء مريم ، وضرورة التحلى بأخلاق يسوع . أليس هذا تناقضا صارخا ؟؟. فهذا المواطن عند المرض ، يعرف أنه فورا سيلجأ الى المستشفى ، وليس الى الكنيسة للصلاة ، ويعرف أنه اذا صفعه أحد على خده الأيمن ، لن يدير له الخد الأيسر ، ليتحلى بأخلاق المسيح ، ولكن سيأخذ ذلك الشخص المعتدى العنيف الى الشرطة . ويعرف أن الخلاص الذى ثبتت فائدته ، ومنفعته ، ويعيشه يوميا ، هو وأسرته ، لا تقدمه كنيسته ، ولكن ما تقدمه الدولة الفرنسية التى لا دين لها ، ، فى توفير تأمين صحى له ، ودخل شهرى ، واعانة بطالة ، لو لم يجد عملا لائقا ، يحفظ كرامته ، ويحمى مستقبله .
الجزء الثانى ، من انتقادى للتوجه العلمانى ، متعلق بمشاكل ستواجهها الدولة العلمانية نفسها ، بالضرورة ، وهى تفى بالتزامها ، وتوفر دور العبادة .
بالنسبة للاسلام مثلا ، هل ستقيم الدولة العلمانية ، دور عبادة للمسلمات والمسلمين ، السُنة ، أم الشيعة ؟؟. والمذهب السُنى له عدة طوائف مختلفة ، وكذلك المذهب الشيعى له طوائف مختلفة . واذا أخذنا الديانة المسيحية ، أيضا سنواجه باختلاف المذاهب والطوائف . أى مذاهب ، وأى طوائف ، ستوفر لها دور العبادة ؟؟. هل ستجمع فى دار عبادة واحدة ، الدين الواحد ، على اختلاف مذاهبه ، وطوائفه ؟؟. أم سيكون هناك دار عبادة لكل طائفة على حدة ، ولكل مذهب على حدة ؟؟. وحتى الديانات الأرضية ، مثل البوذية ، والهندوسية ، والسيخية ، لها فرق ، ومدارس ، وفلسفات مختلفة التوجهات ، والأولويات ان عدالة توزيع دور العبادة ، سوف يلزم الدول العلمانية ، بتوفير أماكن لكل المذاهب والطوائف والفرق ، المنبثقة من الديانات السماوية ، والأرضية .
فهل يحدث هذا ؟؟. أو هل من المفروض حدوث هذا ؟؟. اذا حدث هذا الأمر ، فلن يكون هناك مساحات فائضة ، لبناء أى شئ آخر ، غير دور العبادة المنقسمة ، والمتشرذمة ، الى عشرات المذاهب والطوائف والفرق .
ولقد حدث هذا بالفعل . وأصبحت النتيجة المتراكمة عبر سنوات ، ما نراه الآن من الانتشار الكثيف ، للكنائس والمساجد ، والمعابد ، فى الدول العلمانية ، أينما وجدت ، فى أى مكان ، على الخريطة . يتم كل هذا ، باسم احترام حرية العقيدة ، وحرية العبادة ، كأمر شخصى ، بين الانسان ، وربه .
أولا : كيف تكون أمرا شخصيا ، بين الانسان وربه ، وهى مبنية ، ومنتشرة ، على مساحات من ممتلكات الدولة العامة ، وبفلوس الدولة العامة ؟؟. أين مبدأ " الشخصية " اذن ؟؟. الأمور الشخصية ، حتى تكون حقا " شخصية " ، لا يجب أن تظهر علنيا أمام الناس ، تحت أى مسمى ، وتحت أية ظروف . وكل الأديان ،منذ بدايتها ، وهى " سياسية " ، من الطراز الأول ، هدفها السيطرة ، والسيادة ، والوصاية ، والقهر ، والتخلص من كل ما هو " شخصى ". وحتى الذين يصلون ويعبدون ربهم ، بشكل " شخصى " فى بيوتهم ، يتمنون أن تحين اللحظة ، لكى يتحول " الشخصى " ، الى " عام " سياسى ، يحشر الجميع فى زى واحد ، موحد ، تمت حياكته منذ آلاف السنوات ، على شكل خلافة ، أو امبراطورية ، والا لماذا يعبد ، ويصلى ، ويركع ؟؟.
ثانيا : ماذا عن احترام حرية عدم العقيدة ، لأفراد لا دينيين ، تزعجهم رؤية مبانى ورموز دينية ، فى بلدهم العلمانى ، وتخدش الصلوات الجماعية بميكرفونات أو بغير ميكرفونات ، حقهم فى الهدوء ، وتنتهك علمانيتهم ، مشاهدة خرفان تذبح ، وحجاب ، ونقاب ، يغطى النساء ، فى دولة علمانية لا دين لها ، عانت الكثير ، لتتخلص من هذه الأشياء ؟؟. يعنى الدولة العلمانية ، تحترم مشاعر الدينيين ، ولا تحترم مشاعر اللادينيين ؟؟.
ثالثا : أليس من الأفيد ، والأنفع ، للجميع ، أن تذهب الأموال الطائلة ، المخصصة لبناء وتجهيز وصيانة دور العبادة ، الى ابادة الفقر ، وانتشال المتسولين من بؤس الشوارع ، ورعايتهم فى دور تأهيل كريمة ، و بناء مستشفيات لغير
القادرين ، وبناء بيوت ، ومدارس ، وجامعات بتكاليف يسيرة ، ومكتبات عامة ، وحدائق ، ومتنزهات ، وأماكن للترفيه ، وأندية رياضية لعامة الشعب ، ودور عرض سينمائية ، ومعاهد رفيعة للفنون ، ومراكز للتجارب العلمية والطبية ، والتنبؤ بالفيروسات الفتاكة ، والزلازل المميتة ، وأنسنة الأحوال المعيشية فى السجون ؟؟.
رابعا : اذا كانت الدول العلمانية التى تعتنق الفكر العلمانى ، متسقة مع نفسها ،وتؤمن بأن لا ضرر من أى أفكار ، طالما أن الفيصل هو أنها محصورة ، ومحسورة ، داخل الجدران ، كأمر شخصى ، ولا تضر ، لأنها لا تتدخل فى توجهات المجتمع ، وقوانينه ، فعليها أن توفر أماكن لمنْ يؤمنون ، مثلا ، بواحد مثل " هتلر " الفاشى ، ، زعيم الديانة النازية السياسية الألمانية ، طالما أنهم لا يستهدفون اخراج النازية ، الى الفضاء العام ، واخضاع العالم للجنس الألمانى الآرى النقى المميز ، وانشاء واستعادة الامبراطوريات القديمة ، كما كان يحلم " هتلر " .
ان " الأسلمة " الحالية الجارية ، فى أوروبا ، العلمانية ، تجرى على قدم وساق ، بدأت بمسجد ، أو جامع ، وانتهت الى عدد خرافى من المساجد والجوامع ، والمراكز الاسلامية ، والجمعيات الشرعية ، والمدارس السلفية ، وبيوت الفتوى الاسلامية ، التى اتخذت من دور العبادة ، ستارا للدعوة الاسلامية السياسية ، التى تستهدف خلافة الاسلام على كوكب الأرض ، خلافة تستعيد العبيد والجوارى ، وغزوات السيف ، ودفع الجزية ، وسبى النساء ، وحق النكاح بأى عدد ، والاكثار من النسل الاسلامى لتعزيز الخلافة وحمايتها ، وتزويج الأنثى فى سن التاسعة ، وتغطية المرأة ، من فوقها لتحتها ، وسرقة موارد البلاد ، التى تم غزوها وأسلمتها ، وتحويل الحياة الى سجن ودار وصاية ، وقهر بالحديد والنار ، وتطبيق حدود الله والشريعة الاسلامية ، من العقوبات البدنية ، من قطع الرقاب ، والأيدى والأرجل ، والرجم ، وقتل المختلف أو المعترض .
ألا تعرف الدول العلمانية ، فى أوروبا أو غيرها ، أن دور العبادة ، هى دور لترويج الأيديلوجية الدينية ، وأحزابا سياسية ذكورية متسترة ، تحت اسم الله ؟.
ألم تتعلم من دروس التاريخ ؟؟. ألا تدرك خطورة تديين الدول ، الذى يبدأ ناعما ، مستكينا ، فى مسجد ، أو كنيسة ، أو معبد ، يمثل دور الضحية ، المظلومة ، ثم يكبر ويكبر ، حتى يتحول الى وحش كاسر ، لا أحد يستطيع
ايقافه ؟؟. واذا حاول أحد ايقافه ، يتم اتهامه ، أنه ضد حرية العقيدة ، وضد حرية أداء الطقوس الدينية .
أليس عند أوروبا العلمانية ، وغيرها من الدول العلمانية ، مراكز بحثية ، كثيرة ، ينفق عليها بسخاء ، لكى تحذرها من مبدأ توفير دور العبادة ، تحت اسم ضمان حرية العقيدة ، وأداء الطقوس الدينية ؟؟.
اعتقادى الشخصى ، أن أوروبا العلمانية ، فاهمة كل حاجة ، ولو أرادت منع دور العبادة ، لمنعتها ، ولديها من الأسباب المنطقية ، والتاريخية ، ما يكفى لاقناع الناس بهذا المنع ، وحتى اذا لم يقتنعوا ، فأمن البلاد وسلامتها أهم .
بكل بساطة هى لا تريد ذلك . فى البداية كانت تريد المهاجرين من كل مكان ،ومن كل الديانات ، للشغل ، والتعمير ، والبناء ، واستغلال العمالة الرخيصة ، فى مجالات عمل ينبذها السكان المحليين .
ولابد من توفير " الُطعم" المناسب ، والمصيدة الملائمة ، لهذه العمالة الرخيصة ، ولا أنسب من اللعب على ورقة الأديان ، والقول باحترام كل العقائد ، وضمان أداء الطقوس الدينية لكل الديانات .
حتى السكان المحليين ، الذين يحكمون بقوانين وضعية ، لم تشرعها الكتب المقدسة ، يحتاجون الى الدين ، الى شئ روحانى يرتكنون عليه ، يحتاجون الى الله ، حينما تفشل الدولة فى واجباتها ، أو تقصر فى مهامها . والدولة تحتاج الله ، أيضا ، لحشد الناس فى معركة ، أو حرب ، أو انتخابات .
ومنذ تنامى الأسلمة ، وخروج جنودها الأثرياء من الجحور ، والكمون ، لم ترد أوروبا أو أمريكا أو غيرها ، أن يضيع عليها فرصة ابتلاع هذا الثراء ، ذى الذقون ، واللحى ، وتغطية النساء ، فأعطتهم أكثر مما كانوا يتمنونه .
ولا يهمها انتشار المساجد والجوامع ، وأن تكون التكتلات الاسلامية ، دولا صغيرة داخل دولهم ، ولا يهمهم التفجيرات التى يروح فيها الضحايا ، ولا يهمها الارهاب ، والاغتصاب والمنغصات الممارسة على نسائهن . ولا يهمها أن تفقد مزايا التقدم .
المهم هو أخذ أموال المتأسلمين ، فى الاستثمارات ، وفى البنوك . واعطاءواجهة خادعة للاستهلاك الخارجى ، أنها تتحمل مساوئهم ، حتى لا تخدش حرية العقيدة ، وحرية بناء دور العبادة ، وأداء الطقوس الدينية .
الغرب العلمانى ، وأمريكا العلمانية ، يدعمون الارهاب الدينى ، ماديا ، وثقافيا ، واعلاميا ، ويتحالفون مع المنظمات الاسلامية ، السلمية ، والمسلحة ، فى كل مكان ، ويوفرون له دور العبادة ، وغيرها من المراكز ، والمنصات العالمية ، ويخدعون شعوبهم ، وشعوب العالم ، أن القضاء على الارهاب الدينى ،هو قمة الأولويات ، وهو الوباء الأكثر شرورا ، الذى يؤرق مضاجعهم ، ويهدد بلادهم .
وهذه لعبة كاذبة ، مضللة ، شكلا ، ومضمونا ، وخدعة مقززة ، على جثث الشعوب .
اذا قضوا على الارهاب الدينى والمذهبى والطائفى ، سوف تنتهى صناعة السلاح ، وبالتالى يفلس كل المستثمرين فى تجارة توفير وتصدير أدوات القتل والدم ، التى تتطور بعد كل ضحية تقتل ، باسم الأديان .
سوف تكون بداية افلاس حقيقى ، وبداية السقوط الفعلى ، لأنظمتهم الرأسمالية المستحدثة ، التى يشكل فيها انتاج السلاح ، أكبر الميزانيات ، وأهم الصناعات ، وأكثرها مبيعا ، وجلبا للأرباح الخيالية .



#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأتان
- التوأم الفاسد
- أحوال الفن والأدب بعد 69 عاما من ثورة 23 يوليو 1952
- الحب الديمقراطى والحب الديكتاتورى
- عالم يمرضنا بالاكتئاب ثم ينهب فلوسنا بمضادات الاكتئاب
- لا أحد يستطيع خنق الحرية
- - أسمهان - ... أصل الغِناء وُلدت وماتت فى الماء - أصل الحياة ...
- نحب الوطن لكن على الوطن أيضا أن يحبنا
- شاعرة رهن الاعتقال
- انتصار 30 يونيو 2013 لن يميت الحلم الاخوانى
- بناء مصر الحديثة بين السلفية الساكنة والديناميكية المتغيرة
- عقد الزواج فى الأساس هو عقد نكاح طاعته واجبة
- النهضة الثقافية عندما يفخرالرجل العربى أن زوجته أو ابنته راق ...
- 21 يونيو اليوم العالمى للموسيقى .. وطنى وجسدى وبيتى وملاذى
- - نوال - أمى أين أنتِ ؟؟؟؟؟؟؟
- قصيدتان
- الحجاب ليس حرية شخصية - تحجيب المجتمع يبدأ بتحجيب النساء
- اعترافات كازانوفا زمن الدم والأوصياء
- أحدث وآخر رواية لنوال السعداوى تجاهل متعمد من الكهنوت النقدى ...
- المقارنة الهزلية بين الالحاد والفكر التفكيرى


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - منى نوال حلمى - نقد الاجماع المتواتر للفكر العلمانى