|
أربع ملاحظات على هامش إدارة أزمة سد النهضة
حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 6974 - 2021 / 7 / 30 - 19:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أولاً / كشفت ملابسات جلسة مجلس الأمن عن كارثتين رئيسيتين في الإدارة القانونية والسياسية والدبلوماسية المصرية لأزمة سد النهضة .. الكارثة الأولي/ تمثلت في إبرام إتفاق المبادئ 2015 ، والإصرار عليه في مكابرة شديدة ومعاندة متطرفة من قبل إدارة الدولة في مواجهة المطالبين بإلغائه ، بنفس القدر الذي تجاهلت فيه نصائح ونداءات ومناشدات المطالبين بعدم إبرامه .. بل ووصل الأمر إلي حد إعلان وزير الخارجية المصري عن رفض الدولة المصرية التراجع عن الإتفاقية والتمسك بها في حين أنها كانت الورقة الرابحة التي ذهبت بها إثيوبيا إلي مجلس الأمن .. ومن هنا نعتقد انه كان الأهم من خطاب شكري هو ألا تطأ قدماه مجلس الأمن قبل أن تكون مصر قد ألغت تماماً توقيعها علي اتفاق 2015 . الكارثة الثانية / وهي سوء إدارة العلاقات السياسية الدولية للدرجة التي جعلت الإدارة المصرية تشارك في المناورات العسكرية لحلف الناتو علي مقربة من مياه روسيا في البحر الأسود رغم أن روسيا قد أعلنت قبيل الإعلان عن العزم في إجراء المناورات ، وأن هذه المناورات تشكل تهديداً للأمن القومي الروسي .. ناهيك عن المراهنة طوال الوقت علي الدور الأمريكي والإلحاح علي طلب الوساطة الأمريكية .. وهذا مجرد مثال للإدارة غير المتوازنة للعلاقات مع الدول الكبري التي تتحكم في مجلس الأمن .. وهذا وغيره من أمثلة يمكن تعدادها هو محصلة أزمة إدارة (هيكلية) تكمن أسسها في الإنحيارات السياسية والإجتماعية لإدارة الدولة المصرية والتي بدأت منذ النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي واستمرت إلي تاريخ اليوم ، ولازالت تعكس نفسها في اسلوب إدارة العلاقات السياسية الدولية .. ماأخذناه من مسارات إجتماعات وقرارات مجلس الأمن في القضية الفلسطينية .. سنأخذه في قضية سد النهضة .. ذلك أنه لابد لنا أن ندرك أنه بدون أن تكون قوانا الذاتية وقدرتنا علي توظيفها واستخدامها عبر إرادة مستقلة حاضرة أمام أعين الجميع .. دونما ذلك لاقيمة لأي رهان علي هيئة دولية أو مجتمع دولي ، ولاقيمة لخطابات مندوبينا المستحسنة طالما لاتستند إلي سياق قوي من أوراق القوي والمواقف الحاسمة علي أرض الواقع .. ولاقيمة للحق ذاته إذا لم يرتكز علي قوي فعل وتأثير .. لأن كل هذه المنظمات والتجمعات لاتعبر إلا عن حقيقة توازنات القوي والمصالح بين الدول .. وهذا درس قديم كان ينبغي استيعابه .. والمضحك المبكي علي هامش هذا الحدث أن بعض المثقفين المصريين الذين تجاهلوا كل هذه المقدمات ، وكل مجريات جلسة مجلس الامن وبدلاً من قراءتها قراءة جادة تفرغوا للإحتفال بخطاب وزير الخارجية باعتبار أنه قد جاء بالنصر المبين والضرية القاضية التي ستجعل إثيوبيا تترنح وترفع الراية البيضاء بالإستسلام في قضية السد بل وذهب بعضهم إلي الإستفاضة في الحديث عن أناقة وزير خارجيتنا مقارنة بالوزير الإثيوبي ، وغاص البعض منهم في عملية التزييف السياسي إلي درجة أن دعا للإهتمام بدراسة لغة الجسد وإشاراته المحسوبة من وزير خارجيتها ، إستمراراً لعمليات التزييف التي يمارسها البعض إما علي استحياء أو بغير استحياء في القضية الأخطر في تاريخ الشعب المصري علي الإطلاق .. ثانياً / أظن - كنتيجة لمتابعاتي المتواضعة والفقيرة من حيث المعرفة - أنه لو انتهي الموقف بنجاح الجانب الأثيوبي (لاقدر الله) في إتمام عملية الملء الثاني مزامنة مع تعلية إرتفاعاته ، وهو مايعني وجود أكثر من 13 مليار متر مكعب من المياه خلف سد النهضة .. عندها سيتم استبعاد ورقة استخدام القوة العسكرية تماماً من اوراق القوي المتوافرة للدولة المصرية ، في تعاملها مع أزمة السد .. بل سيضاف إلي ذلك أمر في غاية الأهمية الحساسية والتعقيد ستؤثر علي مستقبل التعامل مع الأزمة وإمكانات الخروج منها بحل يضمن الحقوق التاريخية للشعب المصري في نهر النيل ، بل ومستقبل حياة الأجيال المقبلة في مصر .. ذلك الأمر هو مايتخلص في أن علي مصر والسودان (لاقدر الله وقتها) أن تكون الأشد حرصاً علي سد النهضة (وربما أكثر من إثيوبيا ذاتها ، وربما سيكون علينا الأبتهال إلي الله بألا يلحق بسد النهضة أي أذي) وذلك يفسر حرص الحكومة الإثيوبية الشديد علي سرعة البدء في الملء الثاني للوصول إلي إحراز الهدف الأكثر حيوية واستراتيجية بالنسبة لهم الآن(علي طريق فرض الأمر الواقع) وهو المتمثل الإنجاز السريع لعملية ملء ثلاثة عشر مليارات متر مكعب من المياه قبل انتهاء فترة هطول الأمطار الموسمية والفيضانات .. الأثيوبيون فهموا أن استراتيجيات العصابات الصهيونية (المجربة جيداً) هي الأنجح في التعامل مع المنطقة .. وبالتالي فهم يرتكزون علي كسب معارك فرض الأمر الواقع علي الجميع ، وحيازة الوقت عبر إطالة أزمنة المفاوضات بالمراوغة وإدارة الوقت بطريقة تضمن تساقط أوراق القوة لدي الأطراف الاخري المقابلة لتتجرد منها شيئاً فشيئاً وخطوة وراء خطوة مع مرور الوقت .. واعتقد أن هذا هو سر الإحتفاء الإثيوبي بمجريات جلسة مجلس الأمن التي تسير في اتجاه إعادة المفاوضات تحت مظلة الإتحاد الأفريقي دونما أي إلزام جدي لإثيوبيا بوقف الملء لحين إتمام المفاوضات . ، وهو ماتعتبره إثيوبيا إنتصاراً لها في معركة كسب الوقت .. ثالثاً/ دعوة السيد الرئيس أمس لإثيوبيا بتوقيع اتفاق ملزم ، هو تأكيد ضمني لمااخذناه (ضمن مجموعة من المآخذ) من قبل علي اتفاق مبادئ 2015 من كونه وثيقة أقرت لإثيوبيا بالموافقة علي بناء السد دون أي إلتزام محدد علي إثيوبيا تجاه دولتي مصر والسودان .. وبمعني آخر ان مطالبة إثيوبيا الان باتفاق ملزم كان معناه الإقرار بأن اتفاق 2015 غير ملزم .. وناهيك عن التساؤلات التي يفجرها هذا الحديث حول مغزي توقيع هذا الإتفاق من أصله .. السؤال الآن هو : لماذا لم تقم الدولة المصرية بإلغاء هذا الإتفاق كخطوة مهمة قبل تصعيد القضية لمجلس الأمن وقبل أن يذهب المندوب الإثيوبي ومندوبي الدول إلي المجلس ممسكين في يدهم بوثيقة اتفاق المبادئ 2015 كسند للحديث عن مواقف دولهم من أزمة سد النهضة ، ولماذا أصر السيد وزير الخارجية علي إعلان تأكيد تمسك الدولة المصرية بالإتفاقية عشية ذهابه إلي جلسة مجلس الأمن ؟ رابعاً/ وأخيراً وليس آخراً فمن الواجب علينا جميعاً - حكام ومحكومين - تذكر أن معركتنا مع جماعات التأسلم السياسي كانت معركة الدفاع عن الهوية المصرية وعن وحدة وسلامة الوطن المصري .. لكن قضية سد النهضة هي قضية الوجود والمصير ، ومعاركها هي معارك أن نكون أولانكون .. وبالتالي فإن الموقف من قضية سد النهضة يرتقي لكي يكون معياراً محدداً للوطنية ولشرعية الحكم ذاته ، لأن أي تفريط أو تخاذل حيالها سيكون بمثابة مساهمة (ولو عبر سلبية الفعل) في تقويض مقومات الدولة المصرية وتقويض مستقبل أجيال الشعب المصري علي الأرض التي ستصبح بلاقيمة دون تدفق مياه النهر .. المصدر الوحيد للحياه ..
#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
30 يونيو للمرة الثامنة ..
-
-يوتوبيا- الواقع الكولمبي ..
-
في ضرورة إلغاء اتفاق 2015
-
فظاعة ووضاعة الوجه الإستعماري العنصري للرأسمالية الأوربية ..
-
أحاديث الهدنة
-
عن صديقي الإنسان الجميل الأب صرابامون الشايب ..
-
إعلانات رمضان كنموذج لكيف تخرج طبقة لسانها لغالبية المصريين
...
-
سد النهضة لم يكن يوماً ما مشروعاً إثيوبياً خالصاً ..
-
قراءة في قوائم (فوربس) عن عام 2020
-
أسئلة اللحظة الدولية الراهنة
-
من وحى طابور المساجين ..
-
على هامش الإتفاق الصينى الإيرانى
-
معارك دفن الموتي
-
في غياب الدور الحقيقي للدولة تنشب الحرائق ..
-
أسترازينكا ، ونحن ومعارك اللقاحات ..
-
2- شبح ترامب الذى يعاود التحليق
-
إنها السياسة أيها الأخ الطيب
-
فى يوم المرأة العالمي أو فى غيره ..
-
إذا كنت صعيدياً فلتعتز بذلك ...
-
تعقيب مبدئي علي تصريحات وزيرة التخطيط
المزيد.....
-
العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب
...
-
وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات
...
-
احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر
...
-
طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا
...
-
الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
-
بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
-
Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى
...
-
بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول
...
-
إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
-
روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|