|
هل هو إنقلاب على الديمقراطية في تونس؟
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 6974 - 2021 / 7 / 30 - 03:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حقيقة لن تجد أشد إثارة للغثيان، من القول أن الدولة برئيسها قيس سعيد قد قامت بانقلاب على الديمقراطية. ألهذه الدرجة غائبة هذه العقول في الزيف والبهتان والأوهام التي لا علاقة لها بالواقع؟ هناك إشكالية منتـشرة عموما وهي العقلية الإيديولوجية لدى كثير من النخب السياسية، وهي طريقة التـفكير الإسقاطية على الواقعة والغير منطلقة منه أو ذات رابط فعلي به، وهي تتجلى في المقولات التي تدور حول رحاهم الشخصي الذاتي في علاقة بذواتهم المنفصلة عن الشعب والواقع والتاريخ والغائبة عن أي فعل تأصيلي وتحيـيني حقيقي. ويعود ذلك بالأساس إلى موقف مبدئي يرفع فيه نفسه ذاك الوعي الزائف عن الواقع فيحقق من الناحية الفعلية غيابه هو عن الواقع ولن يفيق حتى حين تصفعه الأحداث وحين تـفاجئه الوقائع المختلفة التي من المفترض أن تكون منتظرة، مثل ذلك فشل اليسار في تحقيق نتائج مرضية في المحطات الانتخابية.. فهذه العقلية تستعمل المفاهيم لأجل أهوائها وأغراضها ولا تراجعها وفق مدى علميتها ومدى حقيقيتها وواقعيتها. فأغلب التفكير الإيديولوجي فقير فلسفيا وعلميا ويعاني من نقص في كيفية التعامل مع المعرفة والأشياء لذلك يصف الواقع وفق صياغته المتوهمة الرغوية الغائب عنها الموضوعية والتي لا تعبر عن الواقع.. فهل ما أقره سيادة الرئيس قيس سعيد من تجميد أعمال البرلمان وتركيز السلطة بيده، يعد انقلابا على الديمقراطية؟ ألا يفترض الانقلاب على الديمقراطية وجودا للديمقراطية قبل كل شيء؟ فهل المنظومة السياسية ما بعد 2011 حققت الديمقراطية؟ ألا تعني الديمقراطية دولة علمانية. كيف تكون ديمقراطية والى حد هذه اللحظة هناك من يقبع في السجن بتهمة المس بالمقدسات. هذه التهمة المبهمة الغريبة حتى من ناحية إمكانية تكييفها القانوني إضافة إلى غرابتها في جعل شخص القاضي هو الذي يحدد المقدس ويحدد العقوبة، كما أن القانون كيف يحمي المفاهيم مهما كانت، فهل دور القانون حماية الأفكار؟ كيف تكون ديمقراطية والحزب الرئيسي المهيمن على السلطة منذ 2011 هو حركة النهضة الإسلامية الرجعية ذات برنامج الدولة الدينية الغريب ليس على حاضرنا بل على تاريخنا العربي الذي لم يشهد الدولة الدينية والحكم الديني إلا كعنوان عام للدولة. ثانيا، ألا تعني الديمقراطية وجود دولة القانون، ودولة القانون تعني الإدارة المحايدة والقضاء المستـقل، أساسا، فهل شهدت تونس على مدى ما سُمي بالمرحلة الانتـقالية تأسيس دولة القانون؟ أليس من الواضح جدا أن الذي تحقق هو دولة الفساد والمافيا وشراء الذمم والتهديد وبالتالي ضرب مقولة وواقع الدولة في العمق ووصل الانتهاك المتواصل والمتعمد لواقع ومفهوم الدولة إلى درجة تهديد وجود الدولة أصلا؟ ثم، ألا تعني الديمقراطية توفير مستوى معين من الرفاه الاقتصادي الاجتماعي حتى في مستوياته الدنيا، فهل حالة الدولة المفلسة تعني الديمقراطية؟ ثم، وأساسا، ألا تعني الديمقراطية في مفهومها الجوهري حكم الشعب لنفسه، فهل حقق الشعب طموحاته او حتى المسار في تحقيق ارادته وطموحاته؟ من جهة اخرى، فالملايين من الشعب التي خرجت من الجنوب الى الشمال الى الشوارع معبرة عن انتفاضها ضد المنظومة السياسية التي تشكلت منذ 2011، وعن ثورتها على حركة النهضة الاسلامية، وبالتالي فإن استجابة الرئيس المنتخب بالاغلبية الساحقة للمطلب الشعبي واستجابة الجيش وقوات الامن لارادة الشعب في تحقيق الانقلاب بالقوة على مسار تـفتيت الدولة وانهيارها وحكم العصابات والمافيات.. ألا تُعتبر الحركة القيسية انجازا ديمقراطيا فعلي وجوهري من حيث تحقيق ارادة الشعب؟ ثم، ألا تعني الديمقراطية الشفافية ووجود مستوى من الاخلاقية المتمثل في مصداقية السياسي مع الشعب حتى في ولو في جانبه الظاهري الذي يصطحب مصداقية بدرجات مختلفة في مضمونها الفعلي. فهل جسدت الاحزاب السياسية ما بعد 2011 مبدأ الشفافية هذا، والذي أدى افتقادها الى انهيار بعضها وضعف بعضها الى درجة ان تونس تـفتـقد فعليا الى حزب جماهيري فعلي وحقيقي. ألم تكن حركة النهضة الفاعل الأبرز في ضرب مبدأ الشفافية وضرب الاخلاقية السياسية الى جانب الاحزاب الاخرى مع استـثـناء البعض. ألم تعد حركة النهضة في انتخابات 2011 بتشغيل 500 الف عاطل عن العمل بينما شغلت منتسبيها على اساس طائفي حزبوي ضيق وضخت عناصرها عديمة الكفاءة في مختلف الاجهزة الادارية، بكل ما بعنيه ذلك من ضرب لدولة القانون وحياد الادارة اضافة الى ضرب الكفاءة في العمل الاداري وتعطيل الادارة. وعوض التشغيل زادت نسبة البطالة، وأدخلت البلاد في جحيم الارهاب الاسلامي والاغتيالات للجنود والأمنيـين واغتيال شكري بالعيد ومحمد البراهمي القياديين في الجبهة الشعبية.. وألم تجعل نفسها في انتخابات 2014 ضد عودة المنظومة القديمة مثل انتخابات 2019 وثم تحالفت معها، وكذلك ضرب مبدأ الشفافية من قبل نداء تونس وحزب القروي وعديد الاحزاب بل حتى المدعي اليسارية الراديكالية ـ ما يمي نفسه حزب العمال ـ الذي اصبح يقف في نفس خندق الدفاع مع حركة النهضة.. بينما، في المقابل، فإن الرئيس قيس سعيد قال في حملته التـفسيرية انه ضد منظومة 2011 وانه يريد تمثيلية حقيقية لإرادة الشعب، إضافة الى ما يتصف به من اخلاقية واضحة امام الجميع لا ريب فيها وأحس بها كل الشعب بوضوح، ومصداقيته واضحة وانه قال انه يريد محاربة الفساد، وما عبر عنه منذ توليه للرئاسة من عمل دؤوب حافظ فيه على موقـفه وعلى كلماته، وأخيرا بما قام به ليلة 25 جويلية عيد الجمهورية من تجميد المنظومة السياسية لـ 2011، فإنه في الحقيقة لم يغدر وانما بالعكس حقق ما قاله للشعب والتزم بموقفه وحقق مبدأ الشفافية ومبدأ الفعل السياسي الاخلاقي الذي لا يمكن لأي انجاز فعلي حكومي ان يتم دون التزام اخلاقي وثـقة من الشعب في السلطة وفق المبدأ الاخلاقي. هذا المبدأ الذي لازال اغلب السياسيين من اليسار واليمين والوسط لا يقف عنده وبالتالي لا يقف أمام نفسه مقيما لها وفقه.. ألم ينتخب الشعب سيادة الرئيس قيس سعيد بأغلبية ساحقة من أجل أن يسيطر على السلطة ويحقق ارادته في دولة نظيفة، عبر الشباب حينها عن ارادته تلك بتـنظيف الشوارع وتجميلها اثر اعلان الفوز الساحق لقيس سعيد في انتخابات 2019؟ ألم تكن الحركة القيسية يوم 25 جويلية 2021 اذن تحقيقا لارادة الشعب وبالتالي الديمقراطية الفعلية بما هي حكم الشعب للشعب؟ وألم تخرج الملايين من الشعب معبرة عن زهوها وسعادتها بالحركة القيسية التصحيحية لمسار الثورة ليلة الانقلاب على نكبة الشعب التونسي في تحكم سياسيي الهواة فيه، وتحكم ارادة اغتيال الشعب والثورة وتحكم ايديولوجية أرض تونس أرض فتح وغزو وغنيمة، وتحكم الكآبة السياسية لشعب يعشق الحياة، وها هي الحياة تـنتـفض على ارادة قتلها من المستذئبين الدمويين السفلة ؟؟ فهل الحركة الإنقلابية تحقيق للديمقراطية ام انقلاب على ديمقراطية وهمية، بمعنى الديمقراطية في جوهرها كتعبير سياسي عن ارادة الشعب. فالشعب التونسي هو الذي أراد الثورة على حركة النكبة الاسلامية وعلى جميع منظومة ما بعد 2011...؟
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ساكن القبر 5
-
ساكن القبر 4
-
ساكن القبر 3
-
ساكن القبر 2
-
ساكن القبر 1
-
أزمة الراهن التونسي
-
فلسطين.. نقطة تفتيش إسرائيلية
-
المثقف في لحظة موت الإسلام السياسي
-
حوار فلسفي مع فتاة ذكية
-
في رسالة رئيس الجمهورية -قيس سعيد- إلى -الغنوشي-
-
الحجاب والاسلام
-
المدينة العريانة
-
الصداقة والصندوق
-
حديث في الثورة التونسية
-
التنين
-
تخوم الضياع العربي
-
في كتاب دولة الإرهاب
-
في إعترافات -جان جاك روسو-
-
تونس اليوم بين المواجهة والنكوص
-
الإنسان بين ضآلته وكونيته
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|