|
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الاداة الثانية
خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب
(Khalid Goshan)
الحوار المتمدن-العدد: 6974 - 2021 / 7 / 30 - 00:18
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
فى كتابهما " عناصر الاسلوب " ينصح سترنك و وايت ، الكاتب بأن " يضع الكلمات المؤثرة من الجملة عند نهايتها". هذا الاقتباس "ذاته" ، هو مثال جيد على القاعدة التى ينص عليها ، اذ نجد ان اكثر كلماته تأثيرا هى عند " النهاية " ، ان تطبيق هذه الاداة سيطور اسلوبك فى طرفة عين . تعمل الفاصلة ، فى اى جملة ، كعلامة توقف ، ذلك التوقف لجزء من اللحظة فى اثناء القراءة ، يلقى بضوء للتاكيد على الكلمة الاخيرة ، وهو تأثير يكثف نهاية الفقرة ، حيث الكلمات الاخيرة تتاخم عادة المساحة البيضاء ( للصفحة ). وفى الكتابة العمودية عينا القارىء ، تجذبهما الكلمات المتاخمة للمساحة البيضاء ، تلك الكلمات تصرخ " انظر الى " ان تنظيم الكلمات المؤثرة يساعد الكاتب على حل المشكلات الشائكة ، تأمل هذه الافتتاحية لقصة نشرتها صحيفة فيلادلفيا انكوايرر ، حيث كان على الكاتب لارى كنج ان يوضح العلاقة بين ثلاثة عناصر مؤثرة لصيغ منها خبرا يعقل : اولهما موت سيناتور امريكى ، وثانيهما اصطدام طائرة خاصة ، وثالثهما كارثة فى مدرسة ابتدائية : " اصطدمت طائرة خاصة تحمل السيناتور جون هاينز، بمروحية فى عرض السماء الصافية ، فوق مدينة ميرببون امس ،مما ادى الى انفجار عظيم وسط الجو ، تساقط على اثره الحطام المشتعل بساحة لعب مدرسة ابتدائية . مات سبعة اشخاص ، منهم هاينز ، وطيارون اربعة ، وطالبتان من الصف الاول فى اثناء لعبهما فى ساحة المدرسة ، وقد جرح على الاقل خمسة اشخاص كانوا بالقرب من الموقع ، وقد جرح على الاقل خمسة اشخاص كانوا بالقرب من الموقع ، ثلاثة منهم اطفال ، احدهم فى حالة حرجة بسبب الحروق ، تهاوى اللهب والحطام المحترق على الارض حول مدرسة ميربورن الابتدائية بجادة باومان عند الساعة 12:19 ظهرا ، ولم يصصب المبانى الرمادية وسكانها باى اذى ، وقد هرب الاطفال مزعورين ، بينما كان المعلمون يقودون البقية ، خلال دقائق قليلة ، بدأ توافد اولياء الامور القلقين الى المدرسة ، بعضهم كان لايزال بثياب الرياضة ، والبعض الاخر بثياب العمل ، واخرون باثواب المنزل ، وقد كوفىء كثير منهم بلم شمل عاطفى ، وسط رائحة الدخان الحادة . فى اغلب الايام ، واحد من هذه العناصر الثلاثة كان كفيلا بتصدر الصحيفة ، ولكن باجتماع الثلاثة ، تكون نسيج من خبر صحافى مؤثر جدا ، من النوع الذى يجعل المحرر والصحفى يتعاملان معه بحذر ، اى من هذه العناصر هو الاهم ؟ موت السيناتور ؟ او ارتطام الطائرة ؟ او موت الاطفال ؟ اختار الكاتب فى اول الفقرة ، ان يذكر السيناتور وتحطم الطائرة اولا ، واحتفظ ب " ساحة لعب مدرسة ابتدائية " للنهاية ، وخلال الفقرة كلها ، نجد ان المبتدأ والخبر يقدمان مبكرا – مثل قاطرة وعربة فحم لقطار سكة حديد قديمة – مدخرا الكلمات المثيرة للنهاية ، مثل مطبخ القطار . خذ عين الاعتبار ايضا ، ان الترتيب الذى وضعه الكاتب للاباء القلقين ، اللذين بدأوا ستوافدون على المدرسة فى " الرياضة وثياب العمل واثواب المنزل ، اى ترتيب اخر كان ليضعف الجملة ، ووضع " اثواب المنزل " عند النهاية يرفع من الحس بخطورة الموقف . ان وضع الاشياء المؤثرة عند البداية والنهاية يساعد الكتاب على اخفاء العناصر الضعيفة فى المنتصف ، لاحظ ، فى الفقرة بالاعلى ، كيف اخفى الكاتب عناصر الخبر الاقل اهمية – كيف ومتى ( بلدة ميربورن يوم امس ) فى وسط الخبر . وتعمل طريقة التنظيم هذه ايضا ، بشكل جيد عند استعمال الاقتباسات : لقد " كان مشهدا مرعبا ، قالت هلين اماديو ، التى كانت تسير على مقربة من منزلها عند جادة هامبدن لحظة وقوع الارتطام " لقد انفجرت مثل قنبلة ، " وبعدها تدفق دخان اسود " ابدأ باقتباس مؤثر ، ولا تذكر قائله الا فى المنتصف ، واختتم باقتباس جيد ، يشير بعض المعلمين الى هذا الترتيب بانه اداة التاكيد 3-2-1، حيث اكثر الكلمات والانطباعات اهمية تأتى عند النهاية ، والتالية لها فى الاهمية فى البداية ، واقلها اهمية فى المنتصف ، ولكن هذا التعريف يثقل عقلى بالرياضيات . سابسط العبارة ، ضع افضل ما لديك من مادة قريبا من البداية والنهاية ، وخبىء اضعف ما لديك فى المنتصف . تزودنا ايمى فوسلمان بمثال ، هو الجملة الافتتاحية لروايتها " شريك الصيدلى " : " لا تمارسى الجنس على ظهر قارب الا اذا كنتى ترغبين فى الحمل" اذ جاءت اكثر الكلمات اثارة للدهشة عند بداية الجملة ونهايتها . وبالمثل ، يستخدم غابريل غارسيا ماركيز الاستراتيجية نفسها فى افتتاح روايته "مائة عام من العزلة" بتاثير ساحر : " بعد سنوات طويلة ، وفى مواجهة فصيلة الاعدام ، سيتذكر الكولونيل اورليانو بويند تلك الامسية البعيدة التى اخذه فيها ابوه للتعرف على الجليد " ان ما يجرى على الجملة يجرى على الفقرة ، كا بينت اليس سيبولد فى هذا المقطع " فى النفق حيث اغتصبت ، النفق الذى كان يوما ما مدخلا تحت الارض يفضى الى مسرح دائرى . مكان ينطلق الممثلون منه مندفعين من تحت مقاعد الجمهور ، قتلت احدى الفتيات ، ومثل بجثتها ، ابرنى افراد الشرطة بهذه القصة . وقالوا , اننى مقارنة بما حدث لتلك الفتاة محظوظة لقد تردد صدى الكلمة الاخيرة بعذاب والم دفعا سيبولد الى استخدامها عنوان لمذكراتها " محظوظة " ان ادوات التاكيد هذه قديمة قدم فن الخطابة ذاته ، فعند قرب نهاية مأساة شكسبير المشهورة ، تعلن احدى الشخصيات لماكبث " الملكة ، يا سيدى ، ماتت " ثم تبع هذا المثال المدهش عن قوة تنظيم الكلمات المؤثرة واحدة من اكثر الحوارات المسرحية سوداوية فى الادب قاطبة ، يقول ماكبث : " كان لابد لها من ان تموت يوما ما كان لابد من ان يحين وقت لمثل هذه الكلمة غدا وغدا وغدا يسير بوقعه الحقير يوما بعد يوم الى اخر حرف فى سجل الزمان وكل ايامنا البارحة قد اضاءت للحمقى الدرب الى الموت المغبر .. انطفئى ايتها الشمعة قصيرة العمر ما الحياة الا خيال عابر ، ممثل مسكين يختال ويتأكل مع مرور ساعته على المسرح ثم لا يسمع عنه احد ابدا ، انه حكاية يحكيها معتوه مملوء بالصخب والعنف دونما معنى. ان لدى الشعؤاء ميزة يتفوقون بها على كتاب النثر ، فالشاعر يعلم مسبقا اين سينتهى به السطر ، ويتاح له تاكيد الكلمة عند نهاية السطر، او الجملة، او الفقرة ، ، اما نحن كتاب النثر ، فنتدبر امرنا مع الجملة والفقرة ، لكى نشير الى معنى ما والى الاداة الثالثة فى لاسبوع المقبل
#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)
Khalid_Goshan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة يوليو - 1952 - الحلم والمأساة
-
ايامك التى تمر ليست مجرد بروفة- انا كويندلن
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الاولى
-
من دفتر الذاكرة (2)
-
من دفتر الذاكرة (1)
-
صحتك فى رجليك
-
مصر وسد النهضة الاثيوبى
-
غادة البنك
-
من الذاكرة الشخصية
-
اللص الخائف
-
القاضى الباكى
-
التحليل السياسى الحديث- روبرت دال - الفصل الثانى -3
-
حكاية شمس الدين
-
حلم وواقع
-
التحليل السياسى الحديث- روبرت دال -2
-
التحليل السياسى الحديث- روبرت دال 1
-
وانت ميت ولا عايش
-
النسيان
-
الرابع العاشر من ابريل
-
قيس سعيد ولغته العربية
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|