أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - في الوحدةِ يصنعُ الإنسانُ كُرةً … أو يُطلقُ رصاصة














المزيد.....

في الوحدةِ يصنعُ الإنسانُ كُرةً … أو يُطلقُ رصاصة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6972 - 2021 / 7 / 28 - 13:01
المحور: حقوق الانسان
    


حينما يشتدُّ على إنسان شعورُ الوحدة، ماذا يصنع؟ حين يرى العالمَ من حوله خاويًا رغم وجود الناس، يشعرُ بوجعٍ قاس قد يدفعه إلى إنهاء حياته برصاصة كما فعل "ڤان جوخ" في مثل هذه الأيام 29 يوليو 1890، أو قد يصنعُ بيديه صديقًا يؤنسُ وحدته كما فعل "توم هانكس" في فيلم "المتروك جانبًا Cast Away الصادر عام 2000.
الفنان الهولندي الأشهر "ڤان جوخ" عاش فقيرًا ولم يلقَ في حياته تقديرًا يستحق. بقروشه القليلة كان يشتري عُلب الألوان بدلَ الطعام، لأن الرسمَ شريانُ الحياة الذي يضمنُ بقاءه. لم يعلم أن لوحاته، التي رسمها بعصارة حزنه وشعوره الدائم بالوحدة، ستغدو بعد موته الأعلى سعرًا، وأن متحفًا عظيمًا سوف يحمل اسمَه في ميدان المتاحف بالعاصمة الهولندية أمستردام. أذكرُ تلك اللحظات الأسطورية التي قضيتُها متجولة بين أروقة ذلك المتحف وأنا أقفُ مشدوهةً أمام كل لوحة من لوحاته. يا إلهي! كم اختصّ اللهُ واهبُ المَلَكاتِ، مانحُ النِّعم، هذا الفقير النحيلَ الوحيدَ الحزين، بفيض هائل من الموهبة والقدرة المذهلة على تشكيل اللون وتخليق مساحات النور والظلال والخفوت بين محاق القمر وهَلّته، وإشراق الشمس وكسوفها! كأنما يحمل بين يديه شمسًا وهاجة وقمرًا، يتحكم بأزرار سحريّة في مقدار إنارتهما وإعتامهما فيغدو الضوءُ وهجًا برّاقًا حينًا، أو شمعةً واهنةً خاسفةً، حينًا آخر. ومع كل تلك الموهبة، كان حزينًا. وفقيرًا. طوال حياته لم يبع إلا لوحة واحدة هي "الكرم الأحمر" مقابل 400 فرانك سويسري، وهو رقم زهيد إذا ما قورن بأسعار لوحاته اليوم التي تناهزُ 200 مليون دولار. كان يأكل الألوان إن قرصه الجوعُ في ليالي العَوز، ويحرقُ لوحاته ليستدفئ بها في قرس الشتاء. لكنه لحسن الحظ ترك لنا 2000 لوحة مازالت تُزيّن جدران هذا العالم الثريّ بمبدعيه وعباقرته. اختار "ڤان جوخ" أن يهرب من وحدته، برصاصة في الصدر وهو في السابعة والثلاثين من عمره. هكذا فرَّ من عالم لم يعرف قدرَه وتركه لعزلته.
أما "توم هانكس" فعالج وحدتَه بأسلوب ابتكاريّ. قُدِّر لرجلٍ أن ينجو من طائرة سقطت في الأطلسيّ. صارعَ الأمواجَ حتى وصل جزيرةً نائية. وبعد أيام من انتظار الذي لا يأتي، شرعَ في التكيّف مع حياته الجديدة. بدأ بإشعال النار، أصل الحياة. أخفقت محاولاتٌ، وتمزّقت يداه جراء صكِّ حجر بحجر. وفي فورة غضب، أمسك كُرَةَ قدم، من مخلفات الطائرة، وألقاها بعيدًا صارخًا من الألم واليأس. انطبعَ كفُّه الدامي على سطح الكرة البيضاء، فغدت أشبه بوجه أحد الهنود الحُمر. أخذ الكُرة واحتضنها وأطلق عليها اسم: "وِلْسُن"، الذي غدا رفيقه لأربع سنوات، مدة بقائه في الجزيرة قبل انتشاله وعودته لعالمنا الصاخب. أحبَّ الرجلُ "ولسن" كما لم يحبّ أحدٌ أحدًا. إذْ وجدَ أُذنا تُصغي إلى كلامه، وعينًا ترقبُ صمتَه، وقلبًا يحملُ معه الوحدةَ والإقصاءَ. خبرَ معه الجوعَ والعطشَ والخوفَ والظلامَ والبردَ. والأهمُّ من كل ذلك، اقتسم معه ذاك الشعورَ المُرَّ بأنه "زائدٌ عن الحاجة”، ولا أحد يفتقده. كان "هانكس" يحاورُ "ولسن"، ويستمعُ إلى صمته. يُغاضبه، يُصالحه، يلاعبه، يُطبّبه ويعيد رسمَ ملامح وجهه حين يتقشّر الدمُ من سطحه. حتى إذا لاحت، في آخر الفيلم، سفينةٌ بعيدة في عمق الموج المتلاطم، يحملُ الرجلُ صديقَه "الكُرَه" ويسبحُ به أميالا نحو السفينة، لكن الموجَ القاسي أطاح بالكرة بعيدًا. أنّى للموج بمعرفة مشاعر البشر! صرخَ هانكس، وبكى صديقَه "الكرةَ" وهو يتباعد عنه، كما يبكي صديقٌ صديقَه.
كثيرٌ من الفنانين يختارون الوحدةَ بملء إرادتهم إذْ يشعرون بأنهم لا ينتمون إلى هذا العالم. يطمحون في عالم مثاليٍّ غير موجود. تكلم عنهم "كولن ولسن" في كتاب "اللامنتمي" وحلل طبيعة الشخصية النافرة عن السياقِ المجتمعيّ متخذا نماذجَ من مشاهيرَ "لامنتمين" مثل: ديستوفسكي، فوكنر، كافكا، سارتر، نيتشه، ڤان جوخ، برنارد شو، وآخرين من أفذاذ هذا الكوكب ومجانينه. أليسوا متروكين جانبًا؟ نفروا من عالم لم يتكيفوا معه، لأن شروطَه "الصعبة" لا تتفقُ مع شروطهم "الصعبة"، وانعكس هذا "اللانتماء" في أعمالهم الفنية والفكرية والإبداعية.
المهم، أن الإنسانَ، أيَّ إنسانٍ، حتى ذلك الراغب في الوحدة، لابد أولا أن يجد الناسَ من حوله، ثم بعدئذ، ينأى عنهم ويتوحّد بذاته. لابد من وجود الناس، لكي نشعر بوحدتنا بينهم. وإلا غدا الأمرُ حفرَ فراغٍ في فراغ، أو صبَّ ماءٍ فوق ماء.
“الدينُ لله، والوطن لمن يحبُّ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درس علا غبور… في مناهج التعليم المصري
- نستحقُّ حياة كريمة… ولا يليقُ بنا أن نقلق!
- أنا سوّدت عيشة أهلي ... يا عمو حسين يعقوب!
- نفرتيتي تقولُ: -مِن مصرَ دعوتُ حابي-!
- هكذا كلّمنا الرئيسُ ... قبل سبع سنوات
- 30 يونيو حياةٌ … والقراءةُ حياة
- مدينة نور … مستقبلُ مصرَ الأخضر
- هديةُ الِله للمصريين بعد 30 يونيو
- ثورةُ فستان
- الطيّبُ … الذي يُنسى!
- العقلُ والمادة … وعقابُ المرايا
- التقليدُ والابتكار … القطارُ والطيارةُ الورق
- سبعُ سنواتٍ من تحقيق الأحلام العصيّة
- شارعٌ: شهيدُ الكلمة فرج فودة
- شجرةٌ … وأربعُ عيون
- الرئيسُ السيسي … داعمًا الرحلةَ المقدسة
- -راعي مصر للتنمية- … أحدُ قلوب مصر الخافقة
- بقشيش الإنسانية … نجيب زاهي زركش
- سمير غانم … بهجةُ الحيّ الشرقي
- بناءُ الإنسانِ المصريّ الجديد


المزيد.....




- حالة من الذعر بين النازحين جراء قصف الجيش الإسرائيلي منزلًا ...
- وفد أفغاني يناقش بالدوحة مع مسؤولين أميركيين تبادل الأسرى
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يندد بصعود -خطاب الكراهية والتمي ...
- الموساد يتلقى من الوسطاء رد حركة حماس على صفقة تبادل الأسرى ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يحذر من صعود اليمين في أوروبا
- حملات -تحريضية- ضد اللاجئين في مصر.. من يقف وراءها وما تأثير ...
- الأسرى -الإسرائيلون- ينتحرون.. والمعتقلون الفلسطينيون يذلّون ...
- جهود التطبيع بين دمشق وأنقرة وسط العنف ضد اللاجئين السوريين ...
- ألمانيا تلقي القبض على 5 أشخاص بزعم ارتكابهم جرائم حرب في سو ...
- سرايا القدس تكشف: بعض الأسرى الإسرائيليين بغزة حاولوا الانتح ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - في الوحدةِ يصنعُ الإنسانُ كُرةً … أو يُطلقُ رصاصة