|
رحلة إلى قبائل ورديغة وقبائل زعير والأطلس (3)
عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 6969 - 2021 / 7 / 25 - 22:23
المحور:
السياحة والرحلات
في عصر الرابع من يوليوز من سنة 2021، وبمجرد ما خرجنا من أولاد فتاتة نكون قد خرجنا من من أرض بني خيران ودخلنا إلى أرض زعير، لقد قطعنا ما يزيد عن خمسة كيلومترات متوجهين إلى الزحيليكة التي كانت تسمى في العهد الاستعماري بمركز كريستيان، سرعان ما انحرفنا شمالا صوب أحد الغوالم، كانت الطريق الإقليمية رقم 4301 منبسطة ومعبدة بشكل جيد، لكن من سوء حظنا صادفنا حادثة سير وقعت في طريقنا بين سيارتين بسبب السرعة المفرطة. بيد أنه من حسن الحظ لم تكن أي وفيات أو جروح. كانت الطريق تغري بالقيادة، إلا أن الرياح القوية المعاكسة لمسارنا ازعجتنا كثيرا. قطعنا حوالي 10 كيلومترات، فإذا بنا نصادف سدا صغيرا اسمه سد الغوالم، وبمجرد ما رأيناه حتى انعطفنا يمينا وتوجهنا لاستكشافه. كانت مياهه زرقاء تغري بالسباحة، لكننا لم نسبح فيه، لأن نداء العودة إلى بنسليمان يشدنا بقوة. يحج الكثير من الصيادين والرعاة إلى سد الغوالم الذي يفتقد للأشجار الظليلة وتحيط به الحصيدات من كل جانب. وما إن غادرنا السد حتى طفت قرية أحد الغوالم في البعيد. بدت منازلها البيضاء مكدسة تضارع رياح الأطلسي القادمة من الأقاصي البعيدة. وصلنا إلى الغوالم في الخامسة وعشرين دقيقة مساء، وقفنا برهة وأخذنا استراحة للتزود بالبنزين، سرعان ما غادرناها متوجهين صوب الثلاثاء سيبارة الغوالم، وفي هذه النقطة بدأنا نرتفع عن سطح البحر من مستوى 400 متر إلى مستوى 600 . تنتمي الغوالم إلى قبائل زعير، يجاورها شمالا أولاد زيد وأولاد دحو، وشرقا أولاد عمران والنغامشة وأولاد موسى، وغربا الرواشد وجنوبا بني خيران. يغلب على تضاريس الغوالم طابع المرتفعات وانتشار الغابات مثل الصنوبر والعرعار، ولذلك يمارس أهل الغوالم تربية الماشية التي تحتل حيزا كبيرا من اهتمامات ساكنة قبيلة الغوالم، مما جعلها تشتهر بتربية الماعز والأغنام وقليل من الأبقار، مع ممارسة الفلاحة في أعلى المرتفعات، ومن الناحية التاريخية، هناك موقع تاريخي بالغوالم يسمى (بطالع كرماط) يتوسط بلاد الغوالم ، كان محطة هامة لمحلات السلاطين والمسافرين والتجار، وكانت توجد فيه أمراس الغوالم، وكان يعقد فيها يوم الأربعاء السوق الأسبوعي، وذلك إلى غاية سنة 1912، إلى أن حول السوق إلى الموقع المسمى (النويلة)، وأصبح يعقد يوم الأحد. وعند دخول الفرنسيين، حوله الاستعمار الفرنسي إلى مركز أحد الغوالم وهو مكانه الحالي. اتسم أهل الغوالم بمواجهتهم الضارية للاحتلال الفرنسي خلال سنتي 1911- 1912، ومن المعارك التي شارك فيها الغوالم ببسالة ضد الفرنسيين معركة "الرويف" ومعركة سيدي حمو الشريف بتاريخ 11 غشت سنة 1912، التي جرت أطوارها بفرقة الحراكتة من القبيلة المذكورة. وقد عسكر الجيش الفرنسي بمنطقة الغوالم جاعلا من حجرة بناصر معسكرا مؤقتا خلال شهر شتنبر من سنة 1912، ومنه كانت تنطلق العمليات العسكرية صوب قبائل المخاليف (الغوالم، النغامشة، أولاد موسى وأولاد عمران) وغيرها، ولم تغادر القوات الفرنسية هذا المخيم إلا يوم 5 أكتوبر سنة 1912، حيث نقلت جميع المعدات الحربية وحاجيات العساكر والتموين إلى معسكر "كريستيان" (الزحيلكة حاليا). وقد شارك مجاهدون من قبيلة الغوالم في الحادث الشهير المعروف بـ Guet- Merchouch والذي وقع بتاريخ 14 يناير سنة 1911 وقتل خلاله الضابط الفرنسي Victor Marchand، ونذكر منهم على سبيل المثال المجاهد ولد بوخبزة الغالمي من فرقة الشلوحة...
الأطلس الكبير وهضبة بنسليمان : دراسة مقارنة.
في أواخر يونيو وبداية يوليوز من عام 2021، زرنا عدة مناطق من أعلى هضبة بنسليمان وبالضبط بقبائل زعير، لقد كانت الهضبة خزانا مائيا لا غنى عنه، بحيث تنبع من الهضبة ثلاثة أدوية كبرى وهي وادي المالح ووادي الدالية (وادي النفيفيخ)، ووادي الشراط. وتعاني هذه الأودية من جفاف كبير خلال الصيف وتحولت إلى أودية موسمية. وعلى جنبات هذه الأودية يتعاطى الزعريون الزراعة البورية ويمارسون رعي الماعز في غابات الصنوبر والفلين والعرعار. وفي طريقنا إلى الخطوات أو خلال رجوعنا عبر الثلاثاء الغوالم كنا نعاين قطعانا هائلة من الماعز، ولقد عاينا في سوق السبت أن لحم الماعز موجود بكثرة عند الجزارين. ترتفع هضبة بنسليمان على سطح البحر بحوالي 300 متر وقد تصل إلى 500 متر في بعض المناطق، ولا تختلف عن تضاريس الأطلس من حيث الالتواءات والتعرجات، إذ على السائق أن يسير ببطء وأن يأخذ حذره على الدوام. لكن الفرق بين الأطلس الكبير الأوسط وهضبة بنسليمان يتجلى في عدة تشابهات واختلافات، ونذكر منها: - يتوفر الأطلس الكبير الأوسط على أودية ذات صبيب مرتفع مثل وادي أحنصال ووادي العبيد ويزرع على جنبات هذه الأودية الشعير والقمح والذرة ويغرس النعناع وأشجار التفاح واللوز، بينما تعاني أدوية هضبة بنسليمان من جفاف، وحتى الآبار والعيون هي الأخرى جفت، ويعتمد الزعريون على الزراعة البورية، ويرعون ماشيتهم خلال الصيف في الحصيدات. - مازالت الكثير من منازل الزعريين تبنى من الطين والأمر كذلك بالنسبة لمنازل الكثير من الأمازيغ في القرى الأطلسية، إذ تشيد من الطين والأحجار. وليست كل الأودية الأطلسية أودية دائمة الجريان، فهذا وادي تساوت يعاني من جفاف مريع حينما يصل إلى إقليم قلعة السراغنة، بحيث يصير أجردا. لقد كان هذا الوادي أحد أكبر الأودية في المغرب التي تنبع من منطقة آيت عفان بأعالي جبال الأطلس الكبير الأوسط ، إلا أن فرشته المائية تعرضت لاستنزاف كبير، بحيث شيد عليه سد مولاي يوسف وسد تيمنوتين، اشتقت كلمة تساوت من كلمة تساونت التي تعني المنحدر في اللغة الأمازيغية أو من كلمة تسا التي تعني بالأمازيغية الرئة، فالوادي يشكل رئة الحياة لكل السكان المتاخمين لضفتي الوادي. وبالطبع تلعب السدود دورا كبيرا في التحكم بدورة المياه وتزويد القرى والمدن والمواشي والفلاحين بالماء الشروب أو للسقي، ناهيك عن ممارسة الصيد كما هو الحال لمجموعة من السدود التي بنيت في منطقة زعير مثل سد تامسنا والغوالم والرويضات. أما الأودية دائمة الجريان بالأطلس الكبير الأوسط، فهناك وادي العبيد الذي صادفناه بمجرد الخروج من قرية واو زيغت، ويبلغ طول الوادي حوالي 350 كلم من منبعه الأصلي حتى يلتقي بنهر أم الربيع بزاوية ترمسات قرب أولاد زيدوح، واسمه الحقيقي هو "أسيف نايت سخمان" نسبة لقبيلة أيت إسخمان بأزيلال والقريبة من منابعه، و "إيسخمان" كلمة أمازيغية يقابلها بالعربية "العبيد"، إضافة إلى وادي أحنصال الذي صادفناه حين عبورنا قرية تلكيت التي ينظم سوقها الأسبوعي يوم السبت وهي موطن قبيلة آيت صحا، وينبع هذا الوادي بالقرب من زاوية أحنصال، وهي زاوية جبلية تقع في منطقة نائية بالأطلس الكبير الأوسط أسسها الدادا سعيد أحنصال خلال القرن 17 م وتميزت بإشعاع محلي يقتصر على نشر العلم والصلاح و إطعام المريدين وحل النزاعات المحلية بين القبائل كما قال إرنست كيلنر في كتاب : " صلحاء الأطلس ". وخاصة بين قبائل آيت عطا احنصال وآيت صحا وآيت حديدو وآيت مصاد حول المراعي.
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحلة إلى قبائل زعير وقبائل ورديغة (2)
-
300 كلم بدراجة نارية وسط قبائل ورديغة وقبائل زعير (1)
-
294 كلم .... على متن دراجتين ناريتين بأرض الشاوية !!
-
شرق وغرب
-
كلمات ... من أجل القضية الفلسطينية!!
-
أهمية العصيان المدني
-
التخلص من السياج الوثوقي
-
نحو أنسنة الخطاب الديني/ ملخص لكتاب خطبة الجمعة بين الديني و
...
-
الحرية لا تتجزأ
-
الوداع أيتها البطلة
-
في الحاجة إلى العلم والعلمانية
-
العلم والعلمانية
-
المسيحية والإسلام وخواطر أخرى
-
الحراك العشريني: روح الديمقراطية المتجددة
-
لماذا لم نخرج من كبوتنا الحضارية ؟
-
لا ديمقراطية دون صيانة حقوق الأقليات
-
نحو إلغاء الفصل 490
-
تأملات في قضايا العالم القروي
-
في الحاجة إلى العلمانية : نحو نقد متعدد الأبعاد
-
رهان على التحرر: نحو نقد متعدد الأبعاد
المزيد.....
-
إسرائيل توجه إنذارا لسكان جنوب لبنان بعد دخول وقف إطلاق النا
...
-
3 رؤساء فرنسيين لم يوقفوا أحداث نوفمبر الساخنة في باريس
-
وقف إطلاق النار في لبنان يدخل حيز التنفيذ
-
اتفاق وقف إطلاق النار بين -حزب الله- اللبناني وإسرائيل يدخل
...
-
مباشر: بدء سريان هدنة لمدة 60 يوما بين إسرائيل ولبنان بعد أش
...
-
اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين إسرائيل وحزب الله يدخل حي
...
-
بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل
-
ترحيب دولي باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان
-
بيان أمريكي عن قصف -منشأة لتخزين الأسلحة- تابعة لجماعة موالي
...
-
مسؤول أمريكي: لم نهدد إسرائيل بوقف تزويدها بالأسلحة
المزيد.....
-
قلعة الكهف
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|